إنه حقاً موسم الجوائز. وها هي تهطل على الفائزين بها في كل
مكان ومع كل مناسبة سينمائية. مثل مطر يبدأ رذاذاً ثم يشتد انهماراً بدأ
الموسم بجوائز «غولدن غلوبس» وجوائز مؤسسات نقدية أميركية وعالمية، ثم
ازداد تنوّعاً وتعدداً وما زال حتى هذا الأسبوع، قبل نحو عشرين يوماً من
حفل الأوسكار المقبل.
وهذه بعض العناوين البارزة في هذا المجال:
>
مدير التصوير روجر ديكنز هو من فاز قبل يومين (ليل الجمعة الماضي) بجائزة
أفضل مدير تصوير لعام 2019 وذلك عن عمله في فيلم «1917». وهذه هي خامس مرّة
يفوز بها ديكنز بهذه الجائزة الفنية التي توزعها «جمعية مديري التصوير
الأميركية» كل سنة فقد نالها عن «ذا شوشانك ردمشن» و«الرجل الذي لم يكن
هناك» و«سكايفول» ثم «بلايد رَنر 2049» قبل سنتين.
>
مساء أول من أمس (السبت) تم توزيع جوائز «غويا» الرابعة والثلاثين، وهي
الجوائز الموازية إسبانياً لجوائز «الأوسكار» الأميركية فحقق فيلم «ألم
ومجد» (المرشح لأوسكار أفضل فيلم عالمي) سبعة انتصارات: هو أفضل فيلم
إسباني، ومخرجه بدرو ألمودوفار هو أفضل مخرج. أنطونيو بانديراس (الذي لعب
البطولة في هذه الدراما الشخصية) فاز بجائزة أفضل ممثل كما فاز الفيلم ذاته
بجوائز أفضل موسيقى وأفضل توليف (مونتاج) وأفضل ممثلة مساندة (جوليتا
سيرانو).
>
في الليلة ذاتها، وفي حفلة آخر من حفلات لوس أنجليس العامرة، أعلنت جوائز
«جمعية المخرجين الأميركية» فمنحت «1917» أصواتها ليفوز بذلك بالجائزة
الثمينة التي قد تفتح له الطريق أمام إحدى جوائز الأوسكار أو عدد منها.
هذه المناسبة شهدت منافسة شديدة بين الأفلام المرشحة. لجانب
«1917» كان هناك «الآيرلندي» لمارتن سكورسيزي و«طفيلي» لبونغ دجون هو و«ذات
مرّة في هوليوود» لكونتِن تارنتينو، و«جوجو رابِت» لتايكا وايتيتي وكلها
خسرت رهاناتها. لم يفت المخرج البريطاني سام مندس أن يذكر في كلمة قبوله
الجائزة، منافسيه فقال:
«أشكر
كونتن تارنتينو على تحقيق فيلم مليء بالحب لتلك الفترة ولتلك الشخصيات
وللأفلام» وأشكر بونغ دجون هو لصنعه أفضل فيلم شاهدته في حياتي حول ماذا
يعني أن تكون فقيراً. أشكر تايكا وايتيتي لفيلمه الذي برهن أن التاريخ يمكن
سرده بحكمة ومرح. طبعاً أشكر ماتن سكورسيزي الذي وضع كل شيء على الطاولة في
ذلك المكان المقفر حيث تنتظر لشخصياته الخلاص. إنه ماستر».
هذه بعض الجوائز التي احتشدت خلال الأيام الثلاثة الماضية
لجانب أخرى لا تٌنسى ولو أنها تمر تحت رادار معظم الصحافة غير المتخصصة مثل
جائزة «جمعية سينما أوديو» التي منحت «فورد ضد فيراري» جائزتها لهذا العام
ومثل جائزة «آني» لسينما الأنيميشن التي منحت فيلم «كلاوس» سبع جوائز بينها
جائزة أفضل فيلم، ومثل مهرجان سانتا باربرا الذي فاز فيه «ابن صائد الطيور»
لرتشارد هوبرت بجائزة الجمهور.
-
صعود وهبوط
هذه الجوائز والأفلام الفائزة بها تشبه فقاعات الماء
المغلية بانتظار إسدال الستار على الموسم خلال حفلة الأوسكار التي ستتم في
التاسع من الشهر المقبل. والمعاني المستجدة من كل ذلك تتعدد على نحو كبير
يشمل كل تلك الأقسام والمسابقات التي يجمعها الأوسكار تحت مظلته.
الحال أن كل هذه الجوائز المسبقة للأوسكار تزيد من دراية
المقترعين لهذه الجائزة الكبرى وتؤثر عليهم على أكثر من نحو.
يؤكد ذلك تقدم وتراجع الأفلام في سباقها كما حال سباق
السيارات مثلاً. فحتى أسابيع قليلة خلت بدا أن «طفيلي» يقود الأفلام التسعة
المرشّحة لأوسكار أفضل فيلم. بعده مباشرة ارتفعت نغمة احتمال فوز «حكاية
زواج» وقبلهما كان الرهان كبيراً على «الآيرلندي» من دون أن ينقطع الحديث
عن ذلك الفرس الأسود «جوجو رابِت». الآن يبدو «1917» هو الفيلم الأكثر
ترجيحاً.
في سباق المخرجين وبعد ارتفاع، ثم هبوط، أسهم كونتن
تارنتينو ومارتن سكورسيزي عاد الحديث حول تود فيليبس صاحب «جوكر» ولم ينقطع
عن بونغ دجون هو «طفيلي» والآن، أي منذ فوز «1917» بجوائز التصوير والإخراج
يرتفع اسم سام مندِز.
كذلك يرتفع أكثر فأكثر اسم واكين فينكس عن «جوكر» واسم
أنطونيو بانديراس عن «ألم ومجد» ويتراجع الحديث عن أدام درايفر («حكاية
زواج») وليوناردو ديكابريو («ذات مرة في هوليوود»).
الحديث عن الممثلات يضع الاحتمالات تحت ضوء مختلف. من
البداية حامت الشبهات فوق رينيه زلويغر عن «جودي» وتبعثرت حول الباقيات:
تشارليز ثيرون («بومشل») وسكارلت جوهانسن («حكاية زواج») وسينثيا إريفو
(«هارييت») وساوريس رونان («نساء صغيرات»).
والواقع أن هناك الكثير مما يمكن إلقاء الضوء عليه معززاً
بالاحتمالات وببعض الدلائل. على سبيل المثال نجد أن «طفيلي» الذي يتحدث عن
عائلة فقيرة تتاح لها فرصة العمل لدى عائلة ثرية إذا ما كذّبت وادعت أنه لا
قرابة بين أفرادها، يشبه بضعة أفلام من الأمس لم تحتو على ممثلين مرشحين
للأوسكار. آخر هذه الأفلام كان «سلامدوغ مليونير» سنة 2009 الذي قاد بطولته
ممثل هندي لم يكن معروفاً لأحد حينها هو دف باتل. لم يتم ترشيحه بين عداد
الممثلين لكن «سلامدوغ مليونير» ذاته فاز بأوسكار أفضل فيلم. ليس أنه من
الشروط أن يدخل أي فيلم أكثر من جائزة رئيسية لكن غالبية الأفلام التي
تندرج في سباق الأوسكار تفضي إلى دخول من فيها إلى سباقات أخرى كالإخراج
والتمثيل والتصوير والكتابة.
«طفيلي»
هذه السنة لا يقف وحده في خانة الأفلام التي لا ممثلين لديه يدلفون في سباق
التمثيل. هذا حال «جوجو رابِت» و«1917» و«فورد ضد فيراري» أيضاً. الحال
مقلوب بالنسبة لمعظم الممثلين والممثلات: أنطونيو بانديراس لاعب أساسي
اليوم في ترشيح الممثلين لأوسكار 2020 عن «ألم ومجد» المرشح كأفضل فيلم
عالمي (أو أجنبي كما كان أسمه السابق). واكين فينكس عن «جوكر» المدرج في
عداد الأفلام المتسابقة كذلك حال ليوناردو ديكابريو وجوناثان برايس وأدام
درايفز.
في خانة الممثلات فإن كل المشتركات
(ثيرون،
زلويغر، جوهانسن، رونان، إريفو) لديهن أفلام في السباق الأساسي (أفضل فيلم)
باستثناء سينثيا إريفو عن «هارييت».
-
احتمالات سام مندِس
«1917»
في الواقع يبرز بين الأعمال المرشحة لأفضل فيلم أكثر مما فعل لحين قوزه قبل
أسبوع بجوائز «نقابة المنتجين». تعزيز حظوظ هذا الفيلم الحربي في الأوسكار
ليست مبنية فقط على استحقاقه وجودته بل أيضاً على حقيقة أن عدد المنتمين
إلى نقابة المنتجين لا يقل كثيراً عن عدد المنتمين إلى أكاديمية العلوم
والفنون السينمائية موزعة الأوسكار (نحو 8 آلاف في النقابة مقابل 9 آلاف في
الأكاديمية).
بالتالي الفيلم الفائز في جوائز النقابة غالباً ما ينتهي
فائزاً بجائزة الأوسكار. وهذا كان الحال في السنوات العشر الأخيرة باستثناء
مرتين.
المرّة الأولى كانت عندما منحت «نقابة المنتجين الأميركية»
جائزتها لفيلم
The Big Short
سنة 1917 بينما اختار الأوسكار فيلم «سبوتلايت» لمنحه جائزته. المرّة
الثانية قبل ثلاث سنوات: «لا لا لاند» فاز بجائزة النقابة لكنه خسر أمام
«مونلايت» على منصة الأوسكار.
على أن احتمال فوز «1917» بأوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل
مخرج أقوى من المثالين المذكورين في هذا الإطار. السبب هو أن الأفلام
الأخرى التي لا نجوم مرشحين فيها لجوائز التمثيل (تحديداً «طفيلي» و«فورد
ضد فيراري») لديها مشاكل أخرى مهمّة قد تحول دون نيل أوسكار أفضل فيلم.
حالة «طفيلي» تشبه حالة «روما» في العام الماضي عندما نال
ألفونسو كوارون أوسكار أفضل مخرج، لكنه لم ينل أوسكار أفضل فيلم. هذا يمكن
له أن يتكرر، بل ومن المرجح أن يتكرر هذا العام بناء على حقيقة أخرى وهي أن
كل فيلم غير أميركي تم انتدابه لدخول قائمة الترشيحات الأميركية لم يفز
بأوسكار أفضل فيلم بل تم تحبيذ فيلم أميركي عليه.
بالنسبة لهذا الفيلم ولفيلم جيمس مانغولد «فورد ضد فيراري»
فإن هناك 11 فيلماً فقط في تاريخ الأوسكار فازت بأوسكار أفضل فيلم من دون
أن يكون لديها ترشيحات أساسية أخرى ومنها «قلب شجاع» (1995) و«سيد الخواتم:
عودة الملك» لبيتر جاكسون (2003) كما «سلامدوغ مليونير» كما ذكرنا.
أهمية وجود ممثلين مرشّحين عن الأفلام المتنافسة للأوسكار
لا يمكن التقليل منها. هناك 8469 عضواً مقترعاً في أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية بينهم 1324 ممثلاً وممثلة. لكن، وكما في الحالات المذكورة
أعلاه، هناك اختراقات قد تسحب بساط الممتنعين من الممثلين عن منح أصواتهم
لفيلم خال من الممثلين والممثلات المرشحين من بينها حقيقة النجاح الكبير
الذي ما زال فيلم سام مندِس يحققه تجارياً. لقد لحق بقطار الترشيحات في آخر
لحظة، لكنه حضر في الوقت المناسب ليؤدي ظهوره بين الروّاد وبالحجم الكبير
الذي طالما تم تقديره من قِبل المقترعين.
هذا كله من الدوافع التي تجعل هذا الناقد يتوقع لفيلم
«1917» خطف الأوسكار عنوة عن باقي منافسيه... بالإضافة إلى حقيقة أنه فيلم
بالغ الجودة وجديد في كيفية معالجته لحكاية قوامها شخصان لديهما رسالة
ينقلانها من جبهة إلى أخرى قبل فوات الأوان. |