انسجام آسر بين البطلين
«البابوان»
يتجنب المواعظ الدينية ويبرز الجانبين الترفيهي والعاطفي
المصدر:
عرض: عبدالله القمزي
في فيلم
The Two Popes «البابوان»،
وهو آخر فيلم نعرضه لـ«نتفليكس» هذا العام، الذي ينافس في خانة أفضل فيلم
دراما ضد «الإيرلندي» و«قصة زواج» وكلاهما من «نتفليكس»، في منافسات
الـ«غولدن غلوب» الشهر المقبل، نرى البابا وكاردينال يسوعي يمشيان في
حديقة. وأثناء مشيهما في المنزل الصيفي البابوي، يحاول الكاردينال
الأرجنتنيني خورخي بيرغوليو (جوناثان برايس) تقديم استقالته. يتجاهل البابا
الألماني بنديكت 16 (أنثوني هوبكنز) محاولة الاستقالة، ويشغل الكاردينال في
حوار طويل وشيق عن اختلافاتهما الشخصية.
البابا محافظ جداً ويستنكر على الكاردينال مشاركته في رقصة
بلاده الشهيرة «التانغو»، ويستغرب إعجاب الكاردينال بأغاني فرقة «آبا»
السويدية. خلال هذا الجزء، الذي تليه مشاهد حوارية مكتوبة بشكل جيد، يعطي
«البابوان» إشارات واضحة إلى أن الفيلم يصب في خانة أفلام «حوارات غريبي
أطوار» دأبت هوليوود على صنعها في فترات سابقة.
استقالة البابا بنديكت، التي حصلت لاحقاً، تركت له مسمى
«بابا فخري»، بينما الكاردينال بيرغوليو أصبح البابا فرانسز الحالي. و
كلاهما له إرث يحمل كلمة أول، فالبابا فرانسز أول بابا غير أوروبي منذ
القرن الثامن والأول إطلاقاً من أميركا الجنوبية. بينما بنديكت 16 أول بابا
استقال من منصبه منذ عام 1415.
بدل الغوص في التفاصيل التاريخية والمواعظ الدينية، يصنع
كاتب السيناريو أنثوني مكارتن، والمخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس، مشاهد
مضحكة وظريفة عن اللحظات الأخيرة للبابا بيندكت قبل استقالته، والكاردينال
بيرغولو قبل خلافته الأول. أفضل لحظات المشهد الأول تتركز حول إحباط
الكاردينال، الذي يصوره الفيلم بشكل كوميدي، لأننا نعرف أن البابا لن يوقع
على الاستقالة.
يمضي «البابوان» وهو جوهرياً فيلم شخصيتين أساسيتين
بالقدر نفسه من الأهمية، بنبرة خفيفة كوميدية بعيداً عن
الخط القاتم الذي اعتمده فيلم «فروست/ نيكسون» مثلاً. نبرة الفيلم جذابة
وقليلة الجدية، والنتيجة ابتهاج المشاهد وضحكه أثناء الحوارات، باستثناء
المشاهد الاسترجاعية التي صورها ميريليس بالأبيض والأسود، وهي قاتمة أكثر
من مشاهد الخط الرئيس للفيلم.
يوظف ميريليس الذي أخرج «مدينة الرب» 2003، وThe Constant Gardner
عام 2005، عدة أساليب فنية لجذب الانتباه دون إحداث تشتت للمشاهد. إضافة
إلى مشاهد الأبيض والأسود المذكورة التي تصور الحياة الماضية للبابا فرانسز
في الأرجنتين، إلى مشاهد موسيقية غير متوقعة تصدح بلحن أغنية «الملكة
الراقصة» لفرقة «آبا». كما أن البابا بيندكت يرتدي جهازاً يوبخه بعبارة
«استمر في التحرك» عندما يجلس، وهذه لمسات للتقليل من تقديس الشخصية وإسباغ
التواضع عليها وأنسنتها قدر الإمكان لإدخالها في قلوب المشاهدين.
أفلام الشخصيات غريبة الأطوار تختلف باختلاف الممثلين
وأساليبهم، فلو كان لدينا شرطيان سنراهما متفاعلين مع مشاهد الحركة في
الفيلم من جهة، ومع بعضهما بعضاً من جهة ثانية، ومع الكاميرا من جهة
الثالثة. لكن في حالة «البابوان» لدينا ممثلان عجوزان وكلاهما يتمتعان
بخبرة طويلة (المصادفة أن كلاهما بريطانيان)، في هذه الحالة نرى انسجاماً
آسراً بينهما، كلاهما يعرف متى وكيف يلقي حواره في علاقة أخذ وعطاء لا
نراها متقنة بهذا الشكل في أي فيلم. و كلاهما يعرف تماماً متى يجذب
الانتباه لنفسه والتغطية على الآخر ومتى ينسحب ليبرز الآخر.
من جهة أخرى، عندما يقزم ميريليس، والمصور سيزار شارلون،
الممثلين في الإطار لإبراز محتوى الغرفة معهما، فإن أداءهما ينخفض في
انسجام تام مع الكاميرا، وهذه من أجمل لقطات الفيلم الفنية. رغم أن حضور
هوبكنز يطغى أحياناً على برايس، إلا أن الأخير يتميز بالدور الأعمق.
بحذاقة، ينقل المخرج الفيلم إلى أحداث الأرجنتين عام 1976
عندما أطاحت الديكتاتورية العسكرية اليمينية بالرئيسة إيزابيل بيرون، ويدعم
هذه الجزئية أداء جميل من خوان مينوخن، الذي يؤدي دور بيرغولو الشاب،
وبالنظر إلى الجزئيتين، فإن برايس يحمل الوزن العاطفي للفيلم على كتفيه.
والسبب أن البابا فرانسيز نادم على أخطاء الماضي، وهي التي
تؤثر في فلسفته عندما كبر، يعطي برايس هذه المشاهد ثقلاً نابعاً من قلبه،
ولهذا السبب تلامس عواطف المشاهد بشكل مباشر ومحسوس.
رغم أن غرض الفيلم الأول هو تقديم الترفيه في رسالة حب من
صنّاع الفيلم إلى البابا فرانسز، على وجه الخصوص، نظراً إلى مواقفه
المنفتحة على المتغيّرات السياسية التي طرأت في العالم، وقرارات تصويب
مواقف الكنيسة الكاثوليكية منها، أي العودة عن مواقف بنديكت المتحفظة إلى
مواقف أكثر ليبرالية، فإن الفيلم لا يخجل أبداً من ذكر الفضائح التي أحاطت
بالكنيسة الكاثوليكية، وأولها فضيحة التحرش بالأطفال.
لكن يبدو أن ميريليس اتخذ قراراً فنياً بقطع الحوار عند
وصوله إلى تلك الفضيحة لتجنب إفساد نبرة الفيلم الخفيفة، وهناك مشهد
لمقابلات أرشيفية لأشخاص يصفون البابا بنديكت بالنازي، ونعتقد أن هذا أكثر
جزء يعكس وجهة نظر صنّاع الفيلم.
نتفهم أن المخرج والبابا أبناء القارة نفسها، وربما يكون
هذا سبب التركيز على قصة البابا فرانسز، لكن هناك مأخذ عليه بعدم التوسع في
قصة البابا بنديكت، وكيف تشكلت شخصيته، بدل أن يظهر في صورة الرجل العجوز
المحافظ الذي عليه أن يرحل ليحل مكانه شخص أكثر انفتاحاً. لكن ذلك لم يفسد
«البابوان» أبداً، ولايزال فيلماً جيد الصنع يتجاوز الساعتين بقليل. يحتوي
الفيلم على مونتاج سريع عن الانتخابات التي تحدث داخل الفاتيكان قبل انتخاب
البابا الجديد، وهذا المونتاج يحسب لمصلحة ميريليس، الذي حوّل إجراءات
طويلة ومملة إلى لقطات مثيرة للاهتمام وسريعة، وقد تحمل معلومات جديدة
لمعظم المشاهدين عما يحدث داخل المجمع البابوي.
ينتهي الفيلم بأظرف لقطاته، وهي جلوس البابوين معاً لمشاهدة
مباراة نهائي كأس العالم، التي أقيمت في البرازيل عام 2014 بين منتخبي
بلادهما ألمانيا والأرجنتين، وتفاعلهما مع أحداثها، والتي انتهت بفوز
ألمانيا بهدف نظيف سجله ماريو غوتزه.
- «ينتهي
الفيلم بأظرف لقطاته وهي جلوس البابوين معاً لمشاهدة مباراة نهائي كأس
العالم، التي أقيمت في البرازيل عام 2014 بين منتخبي بلادهما».
- «نبرة
الفيلم جذابة وقليلة الجدية، والنتيجة
ابتهاج المشاهد
وضحكه أثناء
الحوارات». |