في قرية متعصبة طفلة تقف بمفردها ضد أسطورة
هبة ياسين
"سيدة
البحر" صرخة مدوية لمقاومة التقاليد البالية في المجتمع الخليجي.
في عرضه العالمي الأول توج الفيلم السعودي “سيدة البحر” بجائزة “فيرونا”
للفيلم الأكثر إبداعا، ضمن مسابقة أسبوع النقاد المرموقة خلال فعاليات
النسخة الـ76 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. كما توج الفيلم بجائزة
“التانيت البرونزي” في أيام قرطاج السينمائية الدولية بتونس. فيما يبقى
العمل مثار جدل لما يطرحه من قضايا جريئة. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع
مخرجة الفيلم شهد أمين وبطله يعقوب الفرحان.
القاهرة – جذب الفيلم السعودي “سيدة البحر” الذي قدم ضمن فعاليات مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي الحالي، أنظار الكثير من المشاهدين في جرأته
وندرته، والمعاني التي يحملها ضد العادات والتقاليد البالية، وجاءت كصرخة
مدوية لتحريك المياه في المجتمع الخليجي الذي يشهد تطورات حضارية كبيرة.
ينافس الفيلم ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية”، وهو من تأليف وإخراج
السعودية شهد أمين، وإنتاج شركة “إيمج نيشن أبوظبي”، بطولة الممثل السعودي
يعقوب الفرحان، والفلسطيني أشرف برهوم، والإمارتية فاطمة الطائي، الطفلة
بسيمة حجّار، وصورت جميع أحداث الفيلم في سلطنة عُمان.
عالم جديد
شهد أمين: الفيلم
يصور تجارب عايشتها أنا ونساء كثيرات لكسر الأغلال
تدور أحداث “سيدة البحر” في أجواء من الفانتازيا والديستوبيا داخل قرية
متعصبة، وطفلة تحتضن مصيرها عندما تقف بمفردها ضد أسرتها وتقلب تقاليد
القرية المتمثلة في التضحية بالأطفال الإناث لصالح مخلوقات غامضة تعيش في
البحر.
وعرض الفيلم وجهة نظر أصحابه عبر الطفلة “حياة” التي تعتبر الشخصية الرمزية
ضمن قصة جديدة للتعبير عن واقع المرأة والقيود والقهر اللذين يمارسان عليها.
وتؤكد مخرجة العمل شهد أمين لـ”العرب” أن الفكرة راودتها منذ سنوات صباها
الأولى، وفكرت في تقديم حورية البحر في صورة امرأة تمشي عكس التيار في
العالم العربي، حيث لا يمكن للمرأة الاختيار بل المجتمع هو من يختار لها.
وتلفت إلى أن الفيلم يصور تجارب عايشتها وكثيرات من النساء في السعودية، في
محاولة لتحطيم أغلال التقاليد عبر أحداث خيالية لا ترتبط بفترة زمنية
محددة، غير أن الفيلم يتناول قضايا وموضوعات معاصرة نُسجت أحداثها بين
الواقع والخيال.
وتقول شهد أمين “هذا العالم مليء بالحواجز الافتراضية التي يضعها أفراد
المجتمع على أنفسهم، متمثلة في العادات والتقاليد التي يفرضها كل منهم،
ليعيش في تقاليد تجاوزها الزمن، ونحن من نضع القيود على أنفسنا لنجعل
حياتنا أصعب”.
وتعتمد مخرجة الفيلم على اللغة البصرية البحتة، ولجأت إلى لغة العيون
والجسد وتعبيرات الوجه، ولم تحدد الزمن الذي يدور فيه الفيلم الروائي “سيدة
البحر”، حيث تستند القصة على أساطير، أرادت المخرجة السعودية ألا تكون
وقائعها في الوقت المعاصر لتتمكن من التعبير العميق عن قضيتها، وخلق عالم
جديد من الرمزية.
حول المعوقات التي تتوقع أن تصادفها ومدى تقبل المجتمع السعودي لهذا العمل
تقول أمين لـ”العرب” إنها “مستعدة لردود الأفعال المختلفة، ولكن متخوفة من
عرضه أمام الجمهور السعودي، فيما لدي يقين أن الفيلم سيكون له جمهوره الذي
سيفهمه، ويستوعب رسالته”.
وتوضح “عندما صنعنا أفلاما منذ سنوات كنا نعلم أنها لن تعرض في السعودية،
وكان لدينا مهرجان الدمام الوحيد الذي نعرض أفلامنا من خلاله، لكن صار هناك
دعم كبير للسينما، وإيمان بأن الفن شيء مهم وعنصر أساسي في المجتمع”.
عبر أحداث خيالية لا ترتبط بفترة زمنية محددة يعالج الفيلم واقع المرأة
العربية ومعاناتها
وتتابع “من الضروري أن تحمل الأفلام التي نصنعها هويتنا، ونحن إزاء فرصة
تاريخية، إذ كنا دولة بلا صناعة أفلام لسنوات طويلة، وفجأة أصبح العالم
يريد مشاهدة الأفلام التي نصنعها، وينبغي أن تحمل تعبيرا عن المجتمع
السعودي، لا أن نصنع أفلاما مستوردة أو نقوم بتقليد القصص الغربية، وأتمنى
أن يقدم المخرجون السعوديون أعمالا مستمدة من واقعنا وأصالة أفكارنا”.
وتشير شهد أمين إلى وجود “نوع من التصالح والصدق مع النفس في القصص التي
تقدمها السينما السعودية حاليا، نظرا إلى مرورنا بقصص مشابهة لم تحك من
قبل، وأن ثمة أصواتا ناقصة لم يسمعها المجتمع، وعندما تصنع فتيات مثلنا
أفلاما تخرج مفعمة بالصدق، وهذا هو الشيء الأهم بالنسبة إلى أي مخرج”.
ونذكر أن الكاتبة والمخرجة شهد أمين ولدت في مدينة جدّة، ونالت درجة
البكالوريوس في الإنتاج المرئي والدراسات السينمائية من جامعة غرب لندن،
كما تحمل شهادة في تأليف السيناريو، ومن أفلامها القصيرة “موسيقانا”
و”نافذة ليلى”. وعُرض فيلمها القصير “عين وحورية” عام 2013 لأول مرة في
مهرجان دبي السينمائي الدولي.
بين الفيلم والواقع
من جانبه يعبر بطل الفيلم الممثل السعودي يعقوب الفرحان عن سعادته
بالانفتاح الثقافي والسينمائي الذي تشهده بلاده، ويقول لـ”العرب”، “سنكون
أغبياء للغاية إذا لم نستغل هذا الانفتاح ونقدم أنفسنا بصورة صحيحة للعالم،
ومن المهم التركيز على الأعمال الفنية التي تخرج إلى العالم لأنها أسرع
طريقة ليتعرف الناس على مجتمعنا، ولا بد من استغلالها والاستفادة منها على
النحو الأمثل، وينبغي أن نكون واقعيين حين نقدم أنفسنا ونستفيد من تجارب
الآخرين”.
ويلفت إلى أن الأعمال الخليجية، على مستوى النصوص والأفكار، بحاجة إلى
التطوير، وهناك كتاب رائعون في السعودية، لكن أعمالهم لم تظهر بعد، ونحن
بحاجة إلى تشجيع كتاب السيناريو على المستوى السينمائي والتلفزيوني.
يعقوب الفرحان: الأعمال
الفنية أسرع طريقة ليتعرف الناس على مجتمعنا
ويؤكد يعقوب لـ”العرب”، (قام بدور والد الطفلة)، أن فكرة الفيلم راودته مع
شهد أمين وخططا منذ ست سنوات لتحويلها إلى واقع يتحدث عن حقوق المرأة التي
تعيش دائما ضمن ظروف وتقاليد مجبرة عليها، وشخصيته في الفيلم تشبه الكثيرين
ممن يعرفهم في المجتمع السعودي، خاصة من الجيل القديم الذي عايش قسوة
العادات.
بدأ الممثل السعودي يعقوب الفرحان العمل الفني بالمسرح منذ 12 عاما، ثم لمع
تلفزيونيا عبر مسلسلات عدة، بينها “غرابيب سود ” و”بدون فلتر” و”العاصوف”،
ويؤمن بضرورة فك القيود المجتمعية والتحرر منها، وهو ما فعله بنفسه عندما
تزوج الإنسانة التي أحبها، رغم أنها من دولة وديانة مختلفة.
ويفسر ذلك بالقول “كي أكون صادقا مع نفسي ومع الناس، ولا أتحدث بلغة
الشعارات وما أنادي به في الفيلم أطبقه في حياتي اليومية، ولا أبتغي خرق
العادات أو تقديم نفسي كبطل، لكن بكل بساطة حاربت التقاليد لأعيش حياتي كما
أريدها دون أن أخضع لسطوة المجتمع”.
ويستبعد يعقوب حدوث ردة عكسية لدى الجمهور السعودي عند عرض الفيلم، والناس
ضجت وتعبت من العادات البالية، عندما رأت آثار الانفتاح الإيجابية ورسالته
الحضارية وما يحمله من راحة لهم تمسكت به، وقاومت وجود بعض الأصوات
المعترضة التي بدأت في الخفوت، حتى صار الصوت الأعلى الآن للجيل الجديد
الطامح للتغيير.
وبشأن غموض الفيلم وعدم فهم الجمهور له، يقول لـ”العرب” إن “الموضوع قائم
على حدوتة تحمل رسائل، وجاء النص فانتازيا في شكله، وبه مضمون واقعي وصادق
ولم أخش فكرة الكوميديا، لأنها كانت جيدة وجرى توظيفها باحتراف، فالسينما
لديها كبرياء، فهي حالة ثقافية مهمة وصعبة، ومن يقرر مشاهدة فيلم سينمائي
عليه أن يدرك أنه قد يحمل رسائل مختلفة، ويؤيد كل فرصة ومناسبة للحديث عن
رموز الفيلم، والمقصود بها ومناقشتها مع الناس، لأن هذا شيء ممتع”.
كاتبة مصرية |