المهرجان في دورته 41 يعرض عددا كبيرا من الأفلام ذات
المستوى الفني الرفيع كما يسعى بوضوح للحصول على أفلام تعرض للمرة الأولى
عالميا.
تحفل الدورة الحادية والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي
(20-29 نوفمبر) بعدد كبير من الأفلام ذات المستوى الفني الرفيع. ولا شك أن
القائمين على المهرجان بذلوا جهدا كبيرا في العثور على نحو 150 فيلما طويلا
وقصيرا، للعرض ضمن برامج المهرجان المتعددة المتنوعة، خاصة أن المهرجان
يسعى في هذه الدورة بوضوح للحصول على أفلام تعرض للمرة الأولى عالميا،
الأمر الذي يمنح المهرجان سمعة دولية محترمة. وقد أعلن مسؤولوه بالفعل
الحصول على 18 فيلما من هذه الأفلام.
لا شك أن تخصيص 20 ألف دولار قيمة جائزة يمنحها جمهور
المهرجان من خلال استطلاع، أُطلق عليها اسم المدير الفني الراحل للمهرجان،
يوسف شريف رزق الله، بادرة طيبة، يجب أن يعقبها في الدورات القادمة تخصيص
جوائز مالية للأفلام التي تفوز بالجوائز الرئيسية في المهرجان (الهرم
الذهبي والفضي والبرونزي)، لتشجيع المخرجين على إرسال أفلامهم للعرض في
مسابقة مهرجان القاهرة كعرض عالمي أول.
وتمنح لجنة تحكيم خاصة جائزة أفضل فيلم عربي وقدرها 15000
دولار، لمنتج أفضل فيلم عربي مشارك في أي من مسابقات المهرجان الثلاث
(المسابقة الدولية، آفاق السينما العربية أو أسبوع النقاد). وهو تمييز
مقصود لتشجيع الأفلام العربية.
ومن الجوانب الجيدة دون شك، تخصيص 200 ألف دولار لدعم
مشاريع الأفلام الجديدة التي تشارك في “ملتقى القاهرة السينمائي” وهو
المنصة التي تجمع المنتجين الدوليين مع الممولين والموزعين وممثلي مؤسسات
التمويل والمبيعات والقنوات التلفزيونية لإقامة تعاون دولي وشراكات مع
أفلام من أنحاء العالم العربي. وقد تم اختيار ودعوة 16 مشروعا لحضور
الملتقى، كما أعلن عن لجنة تحكيم من ثلاثة أعضاء وهو في رأيي عدد غير كاف
للحكم على المشاريع المقدمة.
مازال المهرجان يحتفظ باسم الممثلة الراحلة فاتن حمامة الذي
أطلق منذ الدورة الـ37 على الجوائز التقديرية التي تُمنح لكبار السينمائيين
العالميين والشباب الواعد منهم. ورأيي المعلن من قبل أنه مع كل التقدير
والاحترام لفاتن حمامة، فهي غير معروفة خارج النطاق الإقليمي، وكان الأجدر
أن يطلق اسم المخرج شادي عبدالسلام على الجائزة، فاسمه يرتبط بالسينما
المصرية في أرقى مستوياتها الفنية لدى النقاد والسينمائيين في العالم.
والمجال لا يزال متاحا لذلك في الدورات القادمة، فالتغيير سنة الحياة
الدنيا. وليس عيبا أن نراجع بعض ما ورثته إدارة المهرجان من إدارات سابقة.
ففي الماضي مثلا كانت هناك مسابقة مخصصة لأفلام حقوق الإنسان، وقد ألغيت.
مهرجان القاهرة السينمائي يحتفي بواحدة من أهم السينمات في
العالم، وهي السينما المكسيكية
الشخصيات المكرمة
يكرم المهرجان هذا العام المخرج البريطاني-الأميركي الكبير
تيري غيليام (صاحب أفلام فرقة مونتي بيتون وبرازيل والبارون مونكهاوزن
وغيرها) وسيعرض بهذه المناسبة فيلمه “برازيل” وأحدث أفلامه" الرجل الذي قتل
دون كيشوت”. وسيكون هناك نقاش معه يديره المخرج المصري عمرو سلامة.
ولا
شك أن تكريم شخصية مثل غيليام يحسب للمهرجان. أما تكريم المخرج المصري شريف
عرفة فالواضح أنه نزول على رغبة بعض “الجهات الرسمية”، فشريف موجود في
الساحة السينمائية من زمن بعيد، وقد صنع أفضل أفلامه في الثمانينات
والتسعينات. أما التكريم الذي أعلن عنه فجأة فلا شك أنه جاء في ضوء
الاحتضان “الرسمي” الكبير لفيلمه الحربي الأخير “الممر”.
وتغيب عن التكريم شخصية إقليمية من العالم العربي، بينما
سيتم تكريم موهبة سينمائية شابة حققت نجاحا مشهودا وهي الممثلة المصرية منة
شلبي التي اكتشفها المخرج الراحل رضوان الكاشف وقدمها في السينما للمرة
الأولى قبل 18 عاما. وستمنح منة جائزة فاتن حمامة للتميز “تقديرا لمسيرتها
الفنية الحافلة بأعمال سينمائية متميزة”.
السينما المكسيكية
يحتفي المهرجان بواحدة من أهم السينمات في العالم، وهي
السينما المكسيكية التي قدمت للعالم عددا من كبار الكتاب والمخرجين
والأفلام.
ويعرض المهرجان ثمانية أفلام مكسيكية في قسم خاص تحت عنوان
“أضواء على السينما المكسيكية” منها فيلم “عقوبة مدى الحياة” للمخرج الكبير
أرتورو ريبشتاين وهو الذي أخرج عام 1993 فيلم “بداية ونهاية” عن رواية نجيب
محفوظ الشهيرة، وكنت أنتظر أن يحضر ريبشتاين كضيف خاص على المهرجان لكنه لن
يحضر بل سيحضر ابنه المخرج غابرييل ريبشتاين، الذي سيعرض المهرجان أول
أفلامه الروائية وهو “600 ميل” (2015). ومن أهم الشخصيات السينمائية
المكسيكية التي يستضيفها المهرجان كاتب السيناريو والمخرج الكبير كارلوس
ريغاداس الذي سيعرض له فيلم “ضوء صامت” (2007) وهو إحدى تحف السينما
العالمية في القرن الحالي، وسيدور نقاش معه حول أفلامه.
الافتتاح والمسابقة
نجح
المهرجان في الحصول على حق العرض العام السينمائي الأخير لفيلم “الأيرلندي”
لمارتن سكورسيزي قبل أن يذهب للعرض العام في شبكة نتفليكس عبر الإنترنت،
بعد أن كان قد عرض في افتتاح مهرجان نيويورك ثم ختام مهرجان لندن. وسيعرض
الفيلم الكبير في افتتاح المهرجان في العشرين من الشهر الجاري، كما سيعرض
عرضا إضافيا في اليوم التالي. وهي فرصة لعشاق السينما لمشاهدة هذه التحفة
السينمائية على الشاشة الكبيرة.
ويتنافس على جوائز المهرجان الرئيسية في المسابقة الرسمية
15 فيلما من 22 دولة (من دول الإنتاج المشترك)، بينها ثلاثة أفلام تعرض
عرضا عالميا أول هي الفيلم الفلسطيني “بين الجنة والأرض” للمخرجة نجوى
النجار، وفيلم “الحدود” من كولومبيا، والفيلم الروماني “زافيرا”. ومن مصر
يشارك الفيلم التسجيلي الطويل “إحكيلي” لماريان خوري، كما يشارك الفيلم
اللبناني “جدار الصوت” لأحمد غصين الذي عرض في برنامج “أسبوع النقاد”
بمهرجان فينيسيا الماضي. أي أن هناك ثلاثة أفلام من العالم العربي
بالمسابقة إضافة إلى الفيلم الدنماركي “أبناء الدنمارك” للمخرج من أصل
عراقي، علاوي سليم، الذي عرض في مهرجان روتردام وسبق أن قدمنا له عرضا
نقديا على صفحات “العرب”.
وفي المسابقة أول فيلم يعرضه مهرجان القاهرة من مملكة بوتان
الواقعة في جنوب شرقي آسيا، (عدد سكانها 660 ألف نسمة)، وهو فيلم “لوناتا:
ثور داخل الفصل”. وهناك أفلام من المكسيك والفلبين وجمهورية التشيك
وليتوانيا والصين وتايوان وبلجيكا وفرنسا والبرازيل. وتغيب عن المسابقة
أفلام بعض الدول السينمائية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا
وإيطاليا وألمانيا والهند.
وتتكون لجنة تحكيم أفلام المسابقة كما أُعلن عنها، من ستة
أعضاء فقط (هل سيضاف عضو سابع كالمعتاد؟) من أميركا وإيطاليا وبلجيكا
والمكسيك والصين. ويمثل مصر في اللجنة الكاتب الروائي إبراهيم عبدالمجيد.
وهو الكاتب الثاني في لجنة التحكيم بعد رئيس اللجنة الكاتب الأميركي ستيفن
غاغان. وتوجد ممثلة واحدة هي كن هايلو الصينية، والأربعة الباقون مخرجون.
وكان يمكن مشاركة عضوين من مصر في اللجنة أحدهما مخرج أو ممثل.
أمر جيد للغاية أن يهتم المهرجان بالسينما العربية لكي
يكتسب طابعا يميزه عن غيره من المهرجانات الأوروبية على أمل أن يجتذب
النقاد والموزعين الأوروبيين
خارج المسابقة هناك 8 أفلام أهمها فيلم “حياة خفية” لتيرنس
ماليك، و”لا بد أن تكون الجنة” لإيليا سليمان، و”عن الأبدية” لروي أندرسون.
والمهرجان بالطبع لا يختصر في المسابقة ولا القسم الرسمي فقط، فهناك أقسام
أخرى كثيرة أهمها بالطبع البانوراما الدولية التي تتكون من 48 فيلما.
وضمن قسم “العروض الخاصة” يعرض فيلم “ماريللا” البرازيلي
للمخرج فاغنر مورا، وهو من نوع دوكيودراما عن المناضل البرازيلي اليساري
الذي اغتالته شرطة الطغمة العسكرية التي حكمت البرازيل في أواخر الستينات،
ويعرض أيضا فيلم “ضيف شرف” للكندي من أصل مصري، أتوم إيغويان، الذي عرض في
مسابقة مهرجان فينيسيا الأخير، و”عصافير كابل” هو فيلم فرنسي من نوع
التحريك، ويروي قصة شديدة التماسك والقوة والتأثير تدور أحداثها في
أفغانستان تحت حكم طالبان.
ومن أهم أقسام المهرجان قسم “آفاق السينما العربية” الذي
يضم هذا العام 12 فيلما تتنافس في مسابقة خاصة على جوائز أفضل فيلم عربي،
وكانت المسابقة في الأصل تضم سبعة أفلام. وتعرض في هذه المسابقة أفلام من
المغرب ومصر والجزائر والسعودية ولبنان وتونس والعراق والسودان، منها ما
يعرض للمرة الأولى عالميا مثل الفيلم اللبناني “بيروت المحطة الأخيرة”
لإيلي كمال، و”من أجل القضية” لحسن بن جلون من المغرب، و”نساء الجناح ج”
لمحمد نظيف من المغرب أيضا، و”نوم الديك في الحبل” وهو فيلم تسجيلي مصري
للمخرج سيف عبدالله من السودان.
أما تظاهرة “أسبوع النقاد” التي تقام للمرة السادسة منذ
تأسيسها عام 2013 في الدورة التي لم تنعقد تحت رئاسة كاتب هذه السطور، ثم
بدأت رسميا في العام التالي 2014 تحت رئاسة الناقد الراحل سمير فريد، فتضم
سبعة أفلام من الجزائر وإسبانيا ورومانيا وتونس والأرجنتين وشيلي والصين
والولايات المتحدة وروسيا. وتنظم هذه المسابقة بالتعاون مع الاتحاد الدولي
للصحافة السينمائية. وكان يفترض أن تلعب فيها جمعية نقاد السينما المصريين
الدور الرئيسي لكن يبدو أن المهرجان قد مد سلطته عليها، وهو أمر يستوجب
التساؤل!
وفي مسابقة الأفلام القصيرة (سينما الغد) يعرض 20 فيلما من
بينها 4 أفلام لمخرجين من مصر، كما ينظم المهرجان عروضا تحت اسم “عروض
منتصف الليل” على غرار القسم الذي ينظمه مهرجان كان، وستعرض خلاله سبعة
أفلام، كما يخصص قسما آخر لعرض مختارات من السينما المصرية الحديثة يضم
سبعة أفلام.
هناك عدد كبير من الندوات النوعية التي تقام على هامش
المهرجان، والمناقشات التي تدور بين الجمهور وصناع السينما والنقاد، وهي
أحداث هامة يجب أن يوليها المهرجان اهتمامه بتخصيص مواعيد ملائمة لها وسط
ذلك العدد الكبير من العروض. والمرجو أيضا أن تتم ترجمة أكبر عدد ممكن من
الأفلام إلى اللغة العربية رغم ما في ذلك من تكاليف إضافية لمهرجان يعاني
أصلا من ضعف الدعم الذي يحصل عليه من الحكومة.
والمهرجان على هذا النحو يتميز بالتنوع والغزارة وكثرة
البرامج والأقسام، وهو ما يخلق مشكلة حقيقية في عمل برنامج للعروض، خاصة مع
قلة منافذ العرض المتاحة في زمام الأوبرا المصرية ومعظمها قاعات غير صالحة
أصلا للعرض السينمائي خاصة ما يسمى بـ”المسرح الصغير”، كما أن الأفلام يجب
أن تحصل على تصريح بالعرض في المهرجان من جانب جهاز الرقابة على المصنفات
الفنية. وهو إجراء ثابت لم يتم قط التخلص منه.
لا شك أنه أمر جيد للغاية أن يهتم المهرجان بالسينما
العربية لكي يكتسب طابعا يميزه عن غيره من المهرجانات الأوروبية على أمل أن
يجتذب النقاد والموزعين الأوروبيين.
ولا شك أن القائمين على المهرجان قد بذلوا جهدا كبيرا في
البحث والاتصال من أجل العثور على هذا العدد الكبير من الأفلام المتنوعة.
ولكن المهرجان لا يزال يفتقد بشكل عام إلى هوية واضحة محددة تجعله يتجاوز
نطاق كونه “سلة”
showcase
لعرض الأفلام من دون “تيمة” خاصة أو شعار يربط بين مفاصله وأقسامه ويبرز
وجها محددا ورسالة ما من وراء جمع كل تلك الأفلام في سلة واحدة، تحت غلاف
واحد.
ما نتطلع إليه أن تصبح للمهرجان صبغة خاصة مميزة تجعل أنظار
العالم السينمائي يتطلع إليه، ليس فقط بالتوسع في منح الجوائز وتشكيل لجان
تحكيم متعددة كما هو الحال، بل في التوصل إلى شكل ما للعلاقة بين سينما
الشمال وسينما الجنوب، وبين مهرجانات الشمال ومهرجانات الجنوب. وهي ليست
فقط مسؤولية القائمين على أمر هذا المهرجان بل مسؤولية جميع النقاد
والعاملين في حقل الصناعة السينمائية في مصر الذين يهمهم مستقبل هذا
المهرجان ويريدون له التطور والتأثير والنجاح، وكل من يرون أن القاهرة
مؤهلة لأن تصبح مركز جذب سينمائي لتصوير الأفلام العالمية كما كانت في
الماضي وليست مجرد وعاء لاستهلاك الأفلام.
كاتب وناقد سينمائي مصري |