مصطفى شحاتة: علينا قتل الخوف الساكن فينا كي نحيا
إنجي سمير
"ستموت
في العشرين" يقدم نهاية سينمائية تتمرد على تقاليد المجتمعات العربية.
يستعرض الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” أزمات تعيشها
غالبية المجتمعات العربية التي تؤمن بالخرافات وتتعلق بها، بما يؤدي إلى
سيطرتها على عقول بعض المواطنين باعتبارها أمرا مسلما به، لا يمكن الهروب
منه، وهي الفكرة التي جسدها بطل الفيلم مصطفى شحاتة الذي قام بدور “مزمل”
ببراعة فائقة اتفق عليها العديد من النقاد.
الجونة (مصر)
– بعد
عرض الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” في النسخة الـ76 من مهرجان فينيسيا
السينمائي الدولي، وحصوله على جائزة “أسد المستقبل” التي يسندها المهرجان
الإيطالي العريق للمخرجين الواعدين أصحاب العمل الأول، تم مؤخرا عرض الفيلم
الطويل الأول لمخرجه السوداني أمجد أبوالعلا في مهرجان الجونة السينمائي
الدولي الذي تنتهي فعاليات نسخته الثالثة، الجمعة، وهو الفيلم الذي أثار
الكثير من الجدل في أروقة المهرجان المصري وخارجها، نتيجة موضوعه الجريء.
“العرب”
التقت بالفنان السوداني مصطفى شحاتة على هامش مشاركته في مهرجان الجونة
السينمائي، وهو أول مهرجان عربي وأفريقي يعرض الفيلم بعد ظهوره في مهرجان
فينسيا السينمائي الدولي، وتعدّ هذه التجربة الأولى بالنسبة لشحاتة الذي
ينتظره مستقبل فني واعد يتماشى مع حالة الانفتاح المتوقعة للفن السوداني،
عقب ابتعاد الحركة الإسلامية عن السلطة وعزل الرئيس عمر حسن البشير.
الفيلم يناقش أزمات المجتمع التي تعلو فيها نغمة الارتكان
إلى قراءة الكف
ويقول مصطفى شحاتة لـ“العرب”، إن مشاركته في “ستموت في
العشرين” هي الأولى التي يقدّم فيها تجربة كبيرة سينمائيا، وأول أداء
احترافي له، حيث كان يقدّم من قبل “اسكتشات” خفيفة على مواقع التواصل
الاجتماعي، وأن عشقه للتمثيل منذ الصغر من خلال تقليد أقاربه جعله يقدم على
خطوة احتراف الفن بعد أن نال إعجاب الكثيرين.
ويضيف “تجسيد شخصية “مزمل” (بطل الفيلم) جاء عن طريق
الصدفة، وأرشدني صديق للتقديم في اختبارات أعلن عنها القائمون على الفيلم،
وخشيت رغم امتلاكي الثقة في نفسي من الرفض، فدخلت وعرّفت بنفسي إلى مخرج
العمل أمجد أبوالعلا، الذي بدأ يسألني أسئلة محددة، حيث استغرق وقتي أطول
من باقي المتقدّمين”.
ويتابع “مخرج العمل اختبرني في العديد من المشاهد التي
قدّمتها دون خوف وبجرأة عالية، وبعد فترة طويلة قابلته وبدأ يتحدّث معي عن
العمل وعن أهمية الفيلم في تاريخ السودان، قبل أن يختارني بشكل نهائي،
وشعرت بفرحة غامرة لتقديمي الفيلم السابع في تاريخ السودان السينمائي، بل
وأصبح رقمي المفضل”.
في انتظار الموت
الفيلم مأخوذ عن المجموعة القصصية “النوم عند قدمي الجبل”،
للكاتب السوداني حمور زيادة الفائز بجائزة نجيب محفوظ الأدبية، وهو أول
فيلم روائي طويل للمخرج السوداني أمجد أبوالعلا الذي شاركه الكتابة فيه
يوسف إبراهيم.
ويجسّد مصطفى شحاتة قصة حياة الطفل “مزمل”، الذي جاء إلى
الحياة ليجد شيخ القرية الذي يؤمن كل سكانها بما يقول، وهو الذي يؤكّد له
أنه سيموت وعمره عشرون عاما، ليحكم عليه بالإعدام قبل أن يبدأ حياته في
الدنيا، ويصبح كل شيء في نظر “مزمل” بلا طعم، وكل إنجاز يحقّقه منزوع
الفرحة على وجهه أو وجه والدته، وينتظران ملك الموت ليلبّي أمر الله، حسبما
أكّد الشيخ.
ويضيف شحاتة في حواره مع “العرب”، أنه لم يعتمد على خبرته
في التقليد، والتحق بإحدى الورش السينمائية التي قامت بالتدريس فيها
الفنانة المصرية سلوى محمد علي لمدة أسبوعين قبل شهر من التصوير، وبالفعل
استفاد منها كثيرا، وهي كانت تؤمن بموهبته، بالإضافة إلى تعليمات المخرج
الذي لم يتركه حتى أتقن الشخصية.
ويقول “إن تجسيد دور مزمل صعب، كنموذج لشخص فاقد لطعم
الحياة في كل ثانية، وكان لا بد لي من إتقان بعض الملامح التي يفترض على
الشخصية أن ترسمها في مشاهد الحزن كبسمة فقدان الحياة حتى يقتنع بها
المشاهد، وبالتالي الموضوع بالفعل كان صعبا، لكن تدرّبت جيدا حتى أتقنت
الدور”.
جهل عام
مع أن فيلم “ستموت في العشرين” ناقش أزمات المجتمع التي
تعلو فيها نغمة الارتكان إلى قراءة الكف واستطلاع المستقبل، غير أن نهايته
المفتوحة تركت انطباعا بأنه لم يجزم ببطلان تلك الأعمال التي يمكن وصفها
بالشعوذة.
وهنا يشير شحاتة إلى أن نهاية الفيلم تتمرّد على العادات
والتقاليد الخاطئة، وأوصلت رسالة مفادها أن “مزمل” من الممكن أن يموت من
الخوف دون أن يرتبط ذلك بكلام شيوخ القرية.
مصطفى شحاتة: مواقع التواصل الاجتماعي قادتني لبطولة الفيلم
وفي أحداث الفيلم يرفض مزمل الحياة أو الاستمتاع بأي من
زينتها التي سخّرها الله للإنسان، ليعيش وأمه خائفين من كل شيء، لعب الكرة
مع زملائه، الذهاب للنيل والسباحة هناك، أو حتى الزواج من حبيبته التي تيأس
في نهاية المطاف وتضطر للزواج من شخص آخر، مكتفيا بحفظ القرآن على يد شيخ
آخر، أكّد له أنه لو لم يمت في العشرين لكان فقيها من فقهاء الدين، وأراد
الفيلم التشديد على أن الجهل لم يتوقّف عند سكان القرية فحسب، بل وصل إلى
شيوخها أيضا.
وينبّه مصطفى شحاتة إلى أن إظهار تديّن مزمل والتركيز على
حفظه القرآن في الفيلم يرتبط بالمجتمع الذي يحفظ ولا يدرك أو يفهم، بالتالي
فإن معاني القرآن لا تصل إليهم، وانعكس أيضا عليه، لأنه حفظه دون فهم أو
استيعاب، كما أن القرية التي يعيش فيها لا يوجد فيها أحد على وعي بالدين
الإسلامي بصورة جيدة، وكانوا يقتنعون بكلام الشيوخ دون البحث عن حقيقته،
وهي عادات وتقاليد بالنسبة لهم تم توارثها.
ويكشف الممثل السوداني إلى أن العديد من أبناء القرى في
السودان حينما يقدمون على الصلاة يكون ذلك من أجل الشيوخ وليس من أجل الله،
وهي معتقدات سائدة في الكثير من الأماكن الفقيرة، بما انعكس على نظرة جميع
المحيطين به، وهم جميعا رأوا أن حياة البطل سوف تنتهي في الميعاد الذي
حدّده الشيخ بما فيهم حبيبته.
ويؤكد شحاتة أن مشهد تحضير الكفن أمام عينه تسبب في حدوث
قشعريرة له وهو يحضر أشياء وفاته، وكان صعبا في أدائه، وكيفية إقناع
المشاهد بمدى الألم الذي يشعر به وهو يرى أن أسرته تجلب كفنه وطلبت والدته
أن يحضر زجاجة عطر الموتى، وبعض القطن، موضّحا “كان المشهد مرتبا للمواقف
الصعبة، أي أن يكون آخر مشهد من أيام التصوير حتى لا أصاب بتعب ذهني أثناء
عملية التصوير”.
وتدور صراعات عديدة في آخر يوم لحياة مزمل، الذي كان شاهدا
على استعدادات أهالي قريته لاستقبال جثمانه واختيار والديه المقبرة التي
سيدفن فيها وتحضير الكفن، وبين حياة يتمنى أن يعيشها ولو للحظة واحدة فيذهب
لمرافقة فتاة تعرّف عليها من خلال صديقه سليمان، ويحاول إجبارها على
معاشرته، كأنه يحاول أن يختطف آخر لحظاته في الحياة، قبل أن يفيق من نومه
ليجد نفسه في يومه الأول من عمره الحادي والعشرين، وهنا ترك المخرج النهاية
مفتوحة لعقل المشاهد.
ويضيف مصطفى شحاتة لـ“العرب”، أن الخوف من البحر تحديدا
يعود إلى أن النيل (يسمى بحرا في الريف) في السودان، خاصة في القرى، وأغلب
شباب القرية توفوا فيه، ويعتقدون أنه يأخذ الناس، ويخشون منه حتى لا
يبتلعهم كأنه وحش، وبالتالي كان “الماستر سين”، أو اللغز، هو اقتحامه
للانتقام منه، لتوصيل رسالة أن كل فرد يكره خوفه، وهو انتقم من خوفه في
النيل عندما وجد حبيبته تتزوّج من شخص آخر.
كاتبة مصرية |