انطلقنا من أمام
الجامعة الألمانية
في
سيارة تحمل شعار
مهرجان الجونة السينمائي
الثالث والممتد من ١٩ إلى ٢٧ سبتمبر الجاري.
كنت لا أزال شاردة في تأمل تفاصيل ولوحات بصرية من الفيلم
الألماني البديع (لارا).
إنها المشاهدة الثانية له وكأني أعيد اكتشاف جماليات جديدة.
جاءني صوتها يتساءل:
هل ستشاهدين معنا الفيلم اللبناني (١٩٨٢)؟
أجبتها: شاهدته أمس. المشاهدة التالية في أجندتي مخصصة
للفيلم المصري.
بدهشة كبيرة سألت: أي فيلم مصري؟! ألا يزال هناك أفلام
مصرية أخرى مشاركة بالمهرجان؟
-(الفارس والأميرة).
-هذا فيلم سعودي- عزيزتي- وليس مصرياً؟
نظرت إليها من دون رد لأستوعب جرأتها في هذ الحسم، بتلك
البساطة، في تحديد هوية الفيلم، فواصلت هي: هذا فيلم سعودي. رأس المال
سعودي. الفيلم بأصوات ممثلين مصريين، لكن
السعودية
هي التي دفعت الأموال.
قلتُ: وهل بشير الديك سعودي؟ أعتقد أن بشير كاتب وسيناريست
مصري. ثم إن الفيلم لا تتحدد هويته فقط من خلال رأس المال.
هناك ثلاث هويات يحملها الفيلم:
- هويته الثقافية التي يُحددها المضمون وتيمة الأحداث.
- هوية ثانية تُحددها جنسية المخرج.
- ثم الهوية التي يحددها رأس المال.
مثلاً فيلم توفيق صالح (المخدوعون) هل يصح أن نصفه بأنه
فيلم مصري؟ إنه نموذج لعمل سينمائي يحمل الهويات الثلاث، وهذا موجود في
العالم أجمع.
مهرجان كان السينمائي (٢٠١٦) تعامل مع الأفلام وفق هوية
مخرجيها، لكنها تجربة في تقديري غير صحيحة بالمرة؛ لأنها منقوصة، وكان لها
أسبابها، فقد كانت فرنسا مشاركة في إنتاج عدد كبير من أفلام المسابقة بذلك
العام، ولتفادي تكرار اسم فرنسا أو التشكيك في دولية المسابقة صدر القرار
بأن يُنسب الفيلم لمخرجه.
إذن، (الفارس والأميرة) الذي عُرض خارج المسابقة الرسمية
بمهرجان الجونة السينمائي، والمنتظر عرضه في أكتوبر بدور العرض السينمائي-
هو فيلم ينتمي للإنتاج العربي المشترك. وهذه ليست التجربة الأولى في
الإنتاج المصري السعودي المشترك.
هناك فيلم (عصفور الشرق) الذي أخرجه يوسف فرنسيس عام ١٩٨٦
وقام ببطولته الفنان الراحل نور الشريف وظهر به توفيق الحكيم ليقوم بشخصيته
الحقيقية بمرحلة عمرية معينة. وقد مَثَل الجانب السعودي في الإنتاج السيدة/
سميرة خاشقجي.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال ما كان يُطلق عليه (سُلفة
الموزع) التي أعتبرها أحد أشكال الشراكة في الإنتاج، كما يحدث حالياً في
موضوع دعم ومنح الإنتاج المقدمة من مهرجانات مختلفة ومن صناديق دعم حول
العالم.
الدليل على عدم إمكانية تجاهل (سلفة الموزع) وسبب اعتباري
لها أحد أشكال الشراكة الإنتاجية- أن الموزع كان يتحكم في شكل السيناريو،
يُطالب بحذف وإضافة مشاهد، أي أنه كان يقدم حصة من الأموال لكن بشروطه،
أليس هذا أحد أشكال الرقابة؟ وهو كان يفعل ذلك ليضمن أن الفيلم سيتم توزيعه
في منطقته وبلده.
رغم ما سبق، فإن تجارب
مصر
في الإنتاج المشترك، سواء العربي أو الأجنبي أسبق من تجربة
(عصفور الشرق).
بدأت السينما المصرية الإنتاج المشترك منذ النصف الأول من
أربعينيات القرن الماضي بتجربتين لم تحققا النجاح المرجو، هما (أرض النيل)
بالتعاون مع فرنسا، والذي بدأ تصويره سنة ١٩٤٣، وعرض عام ١٩٤٦. ثم فيلم
(القاهرة- بغداد) بالشراكة مع العراق عام ١٩٤٧، وكانت تجربة محاطة بكثير من
المشاكل ولم يتم تكرارها.
في تلك الفترة تم الإنتاج المشترك بعيداً عن الدعم الحكومي،
ودون وجود اتفاقيات للتعاون بين
مصر
والدول التي تنتمي إليها الشركات السينمائية العربية أو
الأوروبية. ولمصر عدد من التجارب المشتركة مع لبنان، والجزائر.
أما فيلم (الفارس والأميرة) الذي كتبه الديك، وأخرجه أيضا،
وشارك في إخراجه إبراهيم موسى، وقام بالأداء الصوتي لأبطال وشخصيات الفيلم
عدد من النجوم المصريين، منهم محمد هنيدي، ومدحت صالح، ودنيا سمير غانم،
وماجد الكدواني، وعبد الرحمن أبوزهرة، وجاءت الرسوم من إبداع فنان
الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين.
أتذكر أنني عام ١٩٩٩ كنت أُعد حلقة تليفزيونية عن الفيلم
الهوليودي (أمير مصر)، وأناقش مع الضيوف المغالطات التاريخية العديدة
بالفيلم، وكان أحد المشاركين بالحلقة الكاتب والسيناريست بشير الديك الذي
هاجم الفيلم بشدة، وفنّد كثيرًا من مغالطاته، وقتها علمت بعمله الجديد
وشاهدت عدداً من اللوحات والرسوم، فقد كان متحمساً لصناعة فيلم الرسوم
المتحركة (الفارس والأميرة) الذي يقدم من خلاله شخصية بطولية من التاريخ
العربي، ووقع الاختيار على اسم محمد بن القاسم. المستحضر من عصر الدولة
الأموية، شخصية حقيقية لكن الأحداث تجمع بين الأسطورة والخيال.
الفيلم جيد كتجربة أولى في مجال أفلام الرسوم المتحركة
الروائية الطويلة، به جهد بصري وتحريكي كبير. اللوحات التي قدمها مصطفى
حسين غنية بالألوان والتفاصيل، لن يشعر المتلقي معه بالملل، خصوصاً مع
المشاهد التي نسمعها بصوت محمد هنيدي وماجد الكدواني، كذلك الفيلم به أحداث
كثيرة ترفع من الإيقاع، إلى جانب الأغنيات العديدة، لكنه ليس تحفة
سينمائية، وبه عدد من المشاكل في السيناريو، خصوصاً أن الصعوبات أمام البطل
لا تنتمي للمستحيلات، فالعدو ينهزم بسهولة، مما يُخفض من سقف الصراع
والتشويق.
أما أكبر عيوب الفيلم في تقديري، فيخص التوظيف غير الجيد
للموسيقي؛ إنها صاخبة جداً كأنها تنافس الأبطال أثناء حوارهم، كأنها ليست
في انسجام مع الفيلم؛ فقد شعرت بها طوال مدة العرض، ولم تكن تنخفض قليلاً
إلا مع الغناء، وهذا أحد العيوب الجوهرية.
بقي أن نشير إلى خطوة جيدة قامت بها إدارة مهرجان الجونة
السينمائي، وقد شاهدتها من قبل في الدورتين السابقتين للمهرجان في بعض عروض
الأفلام المتنوعة؛ إذ أحضر المنظمون عددا من الأطفال التابعين لمدرسة
الجونة وأهاليهم لحضور عرض فيلم الرسوم المتحركة (الفارس والأميرة). |