الفنان مينا مسعود يؤكد أن الممثلين العرب بإمكانهم تقديم
أدوار باحترافية مثل الأميركيين، لكنهم لا يجدون الفرصة المناسبة، وهو ما
دفعه إلى تأسيس مؤسّسة لاختصار الطريق على هؤلاء.
استضاف مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الثالثة
الحالية الفنان الكندي من أصل مصري مينا مسعود، بطل الفيلم الأميركي “علاء
الدين”، كضيف شرف في المهرجان، الأمر الذي لقي قبولا واسعا لدى دوائر فنية
عديدة اعتبرت حضوره خطوة هامة للترويج للمهرجان وللفن المصري عموما، حيث
يشكّل وجوده أحد روافد مدّ جسور العلاقة بين السينما المحلية والغربية.
الغردقة (مصر)- في
التاسع عشر من سبتمبر الجاري بدأ الفنان الكندي من أصل مصري مينا مسعود
صفحة جديدة مع وطنه الأم مصر الذي عاد إليه في افتتاح مهرجان الجونة
السينمائي بعد أن أصبح نجما عالميا مشهورا.
وولد مسعود في القاهرة عام 1991 وهاجر مع أسرته إلى كندا،
وكان شغوفا بالتمثيل الذي أصرّ على دراسته برغم تحفظ أسرته التي كانت تودّ
لو أنه حصل على شهادة دراسية بأحد التخصّصات العلمية. وجمع الفنان الكندي
من أصل مصري بين العمل والدراسة الجامعية من أجل تحقيق طموحه وشارك في
أعمال تلفزيونية قبل أن تأتيه الفرصة لبطولة فيلم “علاء الدين” من إنتاج
شركة ديزني أمام الممثل الأميركي ويل سميث.
“العرب”
التقت مينا مسعود على هامش مهرجان الجونة السينمائي الذي يتواصل حتى السادس
والعشرين من سبتمبر الحالي، وهو الذي حضر إلى مصر لأول مرة منذ عشر سنوات،
ولا يزال يجيد الحديث باللغة العربية، حيث عبّر عن سعادته بزيارة بلده من
جديد بعدما استطاع تقديم عمل ضخم مثل الفيلم العالمي “علاء الدين”، كاشفا
عن سعادته بلقاء الكثير من الفنانين المصريين الذين كانوا يمثلون قدوة
بالنسبة إليه منذ نشأته الصغيرة، ومنهم يسرا ومنى زكي وهاني رمزي.
وأضاف أن مهرجان الجونة قادر على منافسة المهرجانات
العالمية ويسير على خطاها، باستثناء بعض النقاط البسيطة التي يثق في أنه
سيتم تفاديها خلال الدورات اللاحقة، لافتا إلى أهمية حضوره في هذا المهرجان
ونقل تجربته في السينما العالمية، خاصة أن الفن في مصر يتطوّر بسرعة.
وقال مسعود لـ“العرب”، إنه يحلم بمساعدة المواهب العربية
والأجنبية الشابة في إظهار إبداعاتها غير المرئية في هوليوود، منتقدا
الهيمنة الأميركية على الحيّز الأكبر من صناعة الفن هناك، ما يصعّب من مهمة
المواهب المنحدرة من جنسيات غير أميركية في حجز أماكن مميزة تستطيع من
خلالها التعبير عن نفسها.
وأضاف أن تجربته الشخصية مرت بصعوبات كثيرة على مدار عشر
سنوات بدأ فيها التمثيل وارتبط أغلبها بعدد من الأدوار الصغيرة في بعض
المسلسلات، إلى أن صقلت موهبته بتجارب مختلفة مكّنته من حجز دور البطل في
فيلم “علاء الدين”.
وأشار إلى أنه سبق أن جسّد شخصية مواطن أفغاني، ويستعدّ
حاليا لتصوير مسلسل جرت كتابته بالأساس إلى أحد الممثلين الأميركيين قبل أن
يسند إليه الدور مؤخرا.
صعود فني متدرج
شارك مينا مسعود في أدوار ثانوية في بعض الأعمال الفنية،
بداية من عام 2012، ومعظمها في مسلسلات أميركية، مثل: “افتح قلبك” و”مستشفى
القتال” و“نيكيتا” وغيرها، إلى جانب التمثيل في بعض الأفلام الكندية،
واشتراكه في الأداء الصوتي للعبة “مشاهدة الكلاب 2” قبل أن يؤدّي دور “علاء
الدين” في الفيلم الذي حمل العنوان نفسه من إنتاج شركة ديزني الأميركية.
مينا مسعود أسس هيئة خيرية باسم "أي.دي.أيه" بهدف مساعدة
الأجيال الجديدة على تخطي المعاناة، والمشوار الصعب الذي مر به في طريق
النجاح بهوليوود
وأكد الفنان الذي حقّق شهرة عالمية واسعة عقب فيلم “علاء
الدين” صاحب الإيرادات العالية، أن الممثلين العرب من الممكن أن يقدموا
أدوارا باحترافية مثل الأميركيين وغيرهم، لكنهم لا يجدون الفرصة المناسبة،
وهو ما دفعه إلى تأسيس مؤسّسة تهدف إلى اختصار الطريق على هؤلاء، ليس من
أجل مساعدة العرب والمصريين فقط، بل لفتح المجال أمام استقبال الموهوبين من
جميع الجنسيات في العالم.
وأوضح مسعود أنه أسّس هيئة خيرية باسم “أي.دي.أيه”، بهدف
مساعدة الأجيال الجديدة على تخطي المعاناة، والمشوار الصعب الذي مرّ به،
ويخطّط لأن تكون منصة للتعبير عن جميع الفنانين الذين يعانون في بداية
مشوارهم، رغبة منه في منح الفنانين من دول مختلفة إمكانية التعبير عن
ثقافاتهم المحلية من خلال الحضور العالمي، مُعتبرا أن ذلك يشكّل دعما مهمّا
للمجتمعات التي ينحدرون منها.
وأشار في حواره مع “العرب”، إلى أن مؤسّسته تسعى نحو تأسيس
مستقبل أفضل لصناعة الأفلام، وهو الذي شاهد العديد من الأفلام بكل ثقافات
شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وكان متأثرا إلى حد كبير بما رآه في هذه
الأفلام.
ووجّه الشكر لصانعي فيلم “آدم” الذي تحدث عن قصة ثلاث سيدات
من شمال أفريقيا، كاشفا مدى قوة والتزام السيدات في قارة أفريقيا بمواجهة
التحديات، كما أن هذا الفيلم جعله يشعر بأنه ابن سيدة من شمال أفريقيا
(مصر).
ومنحت المؤسّسة التي يشرف عليها مينا مسعود، الفنانة
المغربية نسرين الراضي بطلة فيلم “آدم” جائزتها الخيرية على هامش مهرجان
الجونة السينمائي.
وكشف أن الجائزة تنطلق كل عام من مهرجان الجونة وسوف تتواصل
في المستقبل، وتبحث عن التمويل اللازم لمساعدة المبدعين، سواء كانوا ممثلين
أو كتابا أو راقصين أو رسامين، بغرض تعريف أصحاب المواهب الجديدة بأساسيات
النجاح في هوليوود، ووضعهم على الطريق الصحيح وتقديم النصائح والاستشارات
لهم بشكل مستمر.
من العلوم إلى التمثيل
تحدّث مينا مسعود عن بداياته عندما التحق بكلية العلوم
بجامعة تورنتو في كندا، قبل الانتقال إلى برنامج الفنون بجامعة ريرسون في
تورنتو أيضا، لتكون أولى خطواته على طريق التمثيل.
وأوضح الفنان المولود بالقاهرة عام 1991، قبل أن يغادرها
وهو في سن الـ17 من عمره، أنه كان على دراية بصعوبة المشوار، وهو ما دفعه
إلى العمل في أحد المطاعم لمدة ثلاث سنوات كي يدّخر أموالا لمواصلة حلمه في
التمثيل، وأوقعه ذلك في العديد من الأزمات مع عائلته التي كانت تريد
استمراره في دراسة العلوم لضمان وظيفة جيّدة، لكنه لم يجد نفسه فيها.
مسعود يتمنى أن يكون حاضرا في بعض الأعمال الفنية المصرية
والعربية، حتى وإن كان ذلك على فترات متباعدة
وأضاف لـ“العرب” “تحدّيت الجميع بمن فيهم أسرتي، وقمت
بالإنفاق على نفسي لفترات طويلة، وتسبّبت رغبتي في التمثيل في العديد من
المشكلات مع أسرتي، قبل أن تقتنع لاحقا بما أسعى إليه عقب النجاح الذي
حقّقته من خلال فيلم (علاء الدين)”. وشدّد على أن التمثيل في الولايات
المتحدة أمر صعب للغاية، فالممثل في بداية حياته الفنية لا يتقاضى أموالا
كثيرة كما يعتقد البعض، وديزني التي أنتجت فيلم “علاء الدين” شركة كبيرة
على مستوى العالمي، وهي بالتالي لا توزع الأموال بسهولة، ولا بد أن تقتنع
بالممثل أولا.
وقال “بدأت مشواري الاحترافي منذ نحو عشر سنوات وكانت
غالبية أعمالي تلفزيونية، لكن جميع الأدوار التي عرضت عليّ كانت تنحصر في
الفتى العربي أو الشرق أوسطي”. وأضاف “حتى دوري في علاء الدين، الذي أفخر
به كثيرا، لم أكن لأحصل عليه لولا أن صنّاع العمل كانوا يبحثون عن وجه جديد
بملامح شرق أوسطية، ورغم أنني أصبحت معروفا بشكل أكبر، إلا أنه لم يُعرض
عليّ أي عمل سينمائي طوال الأشهر الثلاثة الماضية”.
وتابع قائلا “حتى على مستوى الأجور يختلف الأمر وليس كما
يتصور البعض، فأنا لم أحصل على أجر كبير في دور علاء الدين”. ويعدّ دور
علاء الدين، أول أدوار مسعود على مستوى البطولة، وشارك في الفيلم بجانب
النجم ويل سميث، الذي لعب دور “الجني”، والممثلة البريطانية ناعومي سكوت
التي لعبت دور “الأميرة ياسمين”.
وأفصح مسعود عن كواليس انضمامه للفيلم، وأنه شعر بسعادة
غامرة وكأنه يريد أن يصرخ، وكان عليه تجهيز نفسه في يومين قبل السفر إلى
إنكلترا لمدة 7 أشهر لبدء مراحل الإعداد والتصوير في الفيلم.
وقال لـ“العرب” “شعرت بطاقة إيجابية عندما وصلت إيرادات
الفيلم إلى أرقام خيالية (مليار دولار)، وهذا رقم صعب الوصول إليه، فهناك
40 فيلما في التاريخ وصلت إلى هذا الإيراد، لكن كنت على ثقة تامة من
النجاح، لأن كل العالم يريد مشاهدة مثل هذه النوعية من الأفلام، غير أن
تحويله إلى نسخة حيّة كان مخاطرة”.
وأوضح أن نجاح “علاء الدين” غيّر من تفكيره في المستقبل،
وحوّله الفيلم من هاو إلى محترف، وأن نوعية الأعمال التي شارك فيها على
مدار عشر سنوات ماضية تختلف بشكل كلي عمّا جسّده مؤخرا، لأن الأفلام
الكبيرة تحتاج إلى مجهود كبير وفريق عمل كبير، ما بدّل تفكيره حتى على
مستوى إدارة موهبته.
"علاء
الدين" حوّل الكندي من أصل مصري مينا مسعود من هاو إلى محترف، بتحقيق
الفيلم لإيرادات قياسية
ويتمنى الفنان الكندي من أصل مصري، أن يكون حاضرا في بعض
الأعمال الفنية المصرية والعربية، حتى وإن كان ذلك على فترات متباعدة،
لافتا إلى أن تنازل الفنان عن جزء من أجره يكون على حساب العمل المشارك
فيه، ونجاحه في السينما الأميركية قد يكون دافعا له في المستقبل لإنتاج
أعمال عربية.
ويتمنى مسعود أن يظل في التمثيل طوال عمره حتى يصل إلى سن
الثمانين، كما هو الحال مع الفنان المصري عادل إمام، الذي يعتبره أحد
النماذج التي يجب الاحتذاء بها، حيث كانت غالبية أعماله في البداية في نطاق
الكومبارس، حتى وإن اقتصر الأمر على تقديم مشهد واحد، لكنه استطاع أن يغيّر
شكل الكوميديا في العالم العربي، مُستفيدا من تجارب سابقيه، وعلى رأسهم
إسماعيل ياسين، وهو ما يجعل أفلامه تدخل عقول وقلوب المشاهدين.
ويبدو أن النشأة العربية لمينا مسعود ما زالت واضحة في
تفكيره، حيث عبّر عن ذلك في العديد من المرات أثناء الحوار، الأمر الذي
ساعده في أن يحقّق فيلم “علاء الدين” جماهيرية عربية واسعة، وبرهن على
رغبته في أن يمدّ جسور التواصل بين الثقافات المختلفة.
وشارك مسعود في مبادرة وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج
والتي تحمل عنوان “اتكلّم بالمصري”، وأطلقتها الحكومة للحفاظ على الهوية
الوطنية، وتتيح تعلم اللغة العربية واللهجة المصرية لأبناء المقيمين
بالخارج، من خلال برنامج معد خصّيصا لهذا الغرض ومقسّم حسب الفئات العمرية.
وأوضح مينا مسعود لـ”العرب”، أن مشاركته في الحملة جاءت
بهدف المشاركة في توعية الأجيال الجديدة الموجودة في الخارج كي تتحدّث
بلكنتها الأساسية، وتكون فخورة بها، في ظل نسيان بعض العرب لغتهم الأصلية
التي أضحت غائبة، لحساب اللغة الإنكليزية السائدة حاليا.
كاتبة مصرية |