كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"بورتريه" عن جحيم المكسيك

القاهرة ـ نديم جرجوره

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

الدورة التاسعة والثلاثون

   
 
 
 
 

يختار المكسيكي إفراردو غونزاليس (1971)، في فيلمه الوثائقي الجديد "حرية الشيطان" (2017، 74 د.) ـ المُشارك في برنامج "بانوراما السينما الدولية"، في الدورة الـ39 (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" ـ أسلوباً بسيطاً وتقليدياً وعادياً، كي يفتح الشاشة الكبيرة على عالمٍ مليء بالعنف والقسوة والهوس بالتعذيب والقتل، وعلى شخصياتٍ متورّطة في ثنائية "الجلاّد ـ الضحية"، وعلى أسئلة مرتبطة بفعل الجريمة والقتل، وثقافة العنف، ووجع الموت، ومعنى الغفران. 
والأسلوب ـ إذْ يعتمد على عددٍ كبيرٍ من الأفراد، المنتمين إلى أحد طرفي النزاع (قتلة، وأقارب الضحايا)، الذين يظهرون أمام كاميرا ماريا سيكّو مرتدين أقنعة متشابهة الشكل واللون ـ يذهب بعيداً في تفكيك اجتماعٍ مكسيكي مبنيّ على سطوة عصابات التجارة بالمخدّرات، وعلى مواجهة الشرطة لمنضوين فيها، وعلى تماهي بعض عناصر الشرطة بالأفعال الجُرمية لرجال العصابات أنفسهم، في لعبة دموية لن يكون المنتمون إلى العصابات، وحدهم، ضحاياها، بل أقارب لهم، سينتقل بعض الأحياء بينهم إلى واجهة المشهد، كشهودٍ على التمزّق الحادّ في البنيان الاجتماعي للمكسيك، خصوصاً أن الصراع بين العصابات والشرطة، في الأعوام الـ5 الفائتة على الأقلّ، مُسبِّب لمقتل 100 ألف شخص. لكن، عندما يُضاف إليهم أطفال المقتولين وزوجاتهم وأزواجهم وأهاليهم وأصدقائهم، فإن الرقم يرتفع إلى نحو 400 ألف. 

تقارير مختلفة تُشير إلى أن إحصاءات كهذه تبقى "مجرّدة"، و"الأخبار المروّعة"، المتعلّقة بهذا الصراع تحديداً، التي "تستيقظ المكسيك، صباح كلّ يوم، على وقعها"، تُعتَبر جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للمكسيكيين. لذا، فإن "حرية الشيطان" يأتي في سياق بحثٍ، سينمائي وإنساني وأخلاقي وثقافي، في حالة عامّة، تتحوّل إلى نمط عيش، أو إلى سلوك حياتي للعلاقات، أو إلى قواعد يُفترض بها أن تُحصِّن الناس من رداءة اليوميّ، وقبحه وجنونه وخرابه المتنوّع. 

أسلوب عادي لقراءة معمّقة في أحوال تلك البيئة المنهارة. والقراءة تلك مروية على ألسنة الجميع: أقارب أناسٍ مقتولين في ذاك الصراع، وأفراد عصابات يحكون عن أفعالهم الجرمية، وعن مشاعر وأحوال وخيبات ورغبات. وهذا كلّه مُغلَّفٌ بتلك الأقنعة، التي تُخبّئ خلفها ملامح وانفعالات، مع أن بعض المُشاركين في القول يعجزون عن إخفاء دمع يُذرفونه، فترتعش نبرات أصواتهم، وتعكس حركاتهم شبه الجامدة شيئاً من توتر أو ارتباك أو خوف أو قلق أو غضب. وإذْ يرى البعض أن الاستعانة بالأقنعة يهدف إلى إخفاء هويات الأفراد، الموافقين على الجلوس أمام إفراردو غونزاليس؛ فإن استخدامها قادرٌ على أن يكون لعبة سينمائية، ترتكز على ثنائيات القهر والسلطة، أو الضحية والجلاّد (بعض القتلة مُعلَّقٌ في الحدّ الفاصل بين ماضٍ يريد العودة إليه، وغدٍ مرتبط بأفعال دموية في راهنٍ مُثقل بالدمار الذاتي والروحي والنفسي، من دون التغاضي عن بعض آخر غير معنيّ بتلاوة "فعل الندامة")، أو الكاميرا والعين، أو المتخيّل والواقع (إذْ ينعدم كلّ اختلافٍ بينهما، في لحظات عديدة، لشدّة ما يُقدِّمه الواقع من وحشيةٍ، يعجز المتخيّل، أحياناً، عن ابتكار مثيلٍ لها). 

سيدة واحدة فقط تخلع قناعها في اللحظات القليلة السابقة على انتهاء "حرية الشيطان". يظهر وجهها المتألّم والحزين والدامع، فتبتسم ابتسامة تائهة بين ثقل البوح وجنون المرويّ وخراب الواقع. تتواصل الكاميرا معها للحظات صامتة، كأن الهدوء ـ هنا ـ تأمّلٌ إضافيّ في هذه الفظاعات، التي تولِّد أسئلة إضافية عن معنى الغفران والثأر، وعن معنى الصفح والسعي إلى الانتقام. فالمجرمون يتوقون إلى خروجٍ "آمن" من أقنعتهم، فيبدون خلفها كأنهم يُدركون وجعاً ما إزاء جرم يرتكبونه. والضحايا (أياً تكن صلة القرابة بينهم وبين القتلى) يُعلنون ـ بين كلماتهم ـ امتثالهم أمام لعنة الموت، فينتفضون ـ بغالبيتهم ـ على كلّ مسامحة وعفو. 

لن يكون "حرية الشيطان" دعوة سينمائية إلى تفهّم إنساني مع قتلة ومجرمين، أو تبريراً لفعل جُرميّ، أو دفاعاً عن بوحٍ ذاتيّ، أو تقديساً لضحايا عنفٍ مرفوض. إنه فيلم وثائقي سينمائي بامتياز، يُشكِّل المونتاج فيه (بالوما لوبيز كارّيلّو) مدخلاً بصرياً إلى عوالم متداخلة فيما بينها: الجريمة وآثارها، الحالة وارتباكاتها، البوح ومواجعه، الاعتراف وقسوة اختباراته. في حين أن الصوت (برنات فورتيانا) والموسيقى الأصلية (كينكاس مورييرا) يتكاملان معاً في إعادة رسم المشهد القاسي والعنيف برمّته، عبر كلمات وانفعالات وأقوالٍ. 

خلاصةٌ أخيرة تختزل الجماليات السينمائية والدرامية والثقافية لـ"حرية الشيطان"، تقول عنه إنه "بورتريه خاص بمجتمع يقوده الخوف وعدم الأمان المطلق". ذلك أن التقطيع الفني يضع اعترافات الأفراد المختارين في سياقٍ بصري يُوازن بين الأمكنة المغلقة، حيث تُتلى الاعترافات تلك، والجغرافيا الأوسع، الشاهد الفعلي على خراب بلدٍ وبيئة واجتماع.

####

"شحن" لكريم رحباني: ليلُ مدينة وأناس

القاهرة ـ نديم جرجوره

بلغة سلسة في مقاربة النواة الدرامية للحبكة، المروية ببساطة تعكس ارتباك اللحظة اللبنانية في العلاقة الملتبسة بالنازح السوريّ، أنجز كريم رحباني فيلمه القصير "شحن" (2017، 20 د.)، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة "سينما الغد الدولية للأفلام القصيرة"، في الدورة الـ39 (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي". فالحكاية إنسانية بحتة، رغم مواجعها الداخلية، التي لن تظهر على الشاشة الكبيرة مباشرة، لاكتفائها بسرد فصولها عبر شخصية أساسية، هي فتى ينظر إلى المدينة بعينٍ قلقة، لاهتمامه الأول بجدّه العجوز، المُتعب من ثقل السنين، ومن سطوة النسيان، ومن طغيان الوحدة. في حين أن معالجة الحكاية تلك مرتكزة على عامل سرديّ واحد: متابعة أحوال الحفيد وجدّه، في مدينة يأتيان إليها للمرة الأولى، هرباً من خراب بلدهما.

والمتابعة تلتقط تفاصيل صغيرة، تصنع حكاية المدينة أيضاً، في علاقتها بناسها وليلها، وفي ارتباطها بواقعها وعيشها، وفي ملامح أزقّتها وأمكنة سهرها. بالإضافة إلى هذا، فإن وصول الحفيد عبودي (عبد الهادي عساف) وجدّه (سعد الدين مخلّلاتي) إليها مدخلٌ إلى قراءة حالة إنسانية، تنبثق من خرابٍ سوريٍّ، وتنفلش في ارتباك بيروت، وتتنوّع اختباراتها على مسالك أفرادٍ يمرّون سريعاً في حياة عبّودي، المهتمّ بسلامة جدّه الضائع عنه، والراغب في أدوية لن يتذكّر أسماءها، والباحث عن أي فرصة ممكنة لإسعاد ذاك الرجل العجوز، الذي يرى نملاً يزداد عدده، لحظة تلو أخرى، في مخيّلته. 

في الطريق إلى بيروت، يشعر الجدّ بحاجة إلى قضاء حاجته، فيتخلّى عنه سائق الشاحنة الصغيرة، تاركاً إياه على الطريق رفقة حفيده الصغير. ممثلة شابّة (سينتيا خليفة) تقودهما ـ بسيارتها ـ إلى بيتٍ لها في المدينة، قبل أن تتركهما فيه على أن تلتقيهما بعد 3 أيام. مزيج التشاوف الذاتي والتعاطي الملتبس بين إنسانية وادّعاء وتصنّع، يَسِم الشابّة، العاملة في حقل التمثيل، والمنشغلة فيه كأداة شهرة ونجومية. لكن بيروت قاسية، والوقت القليل الذي يُمضيه الحفيد وجدّه فيها كافٍ لفهم شيء من اضطرابات راهنٍ غامضٍ. 

بعيداً عن نهايةٍ "مفاجئة" (يُفضَّل عدم سرد تفاصيلها)، فإن المتابعة البصرية لسيرة عبّودي في بيروت، خصوصاً في ليلها، تعكس شيئاً من حِرفية اشتغالٍ مقبولة. ففي مقابل عدم إتقان شخصيتي الحفيد والجد للّهجة السورية؛ فإن فوضى الممثلة الشابّة تتلاءم مع نموذجٍ شبابيّ يُتقن عيشاً مدوّياً، أشبه باستعراضٍ يتوه في دهاليز الواقع، من دون أن يبلغ حدّاً معقولاً من المتعة الحقيقية للعيش. وفي مقابل حيوية عبد الهادي عساف، وتمكّنه من امتلاك سحرٍ متواضع في تأدية دور ينتقل من رعاية عجوز إلى مواجهة تفاصيل اليومي؛ فإن توغّل الكاميرا (راشيل نوجا) في ليل المدينة يترافق وتوغّلها في وجوهٍ وانفعالاتٍ وتعابير وحركاتٍ، يصنعها أناسٌ يظهرون في تلك السيرة المتواضعة لصبيٍّ، يواجه تحدّيات الدنيا والحياة والخراب باكراً جداً. 

العربي الجديد اللندنية في

11.12.2017

 
 

هاني أبو أسعد: تشغلني استعادة العالم العربي عافيته

القاهرة – هبة ياسين

شغف المخرج العالمي - أو بالأحرى «الهوليوودي» الآن - هاني أبو أسعد، ابن مدينة الناصرة الفلسطينية حباً في السينما، منذ كان في الخامسة من عمره، إذ لم يكن هناك تلفاز غزا البيوت بعد، فكانت العروض السينمائية هي وجهته يروي بها ظمأ حبه للفن، وغالبيتها من الأفلام المصرية التي تربى على أيقوناتها من عظماء التمثيل. ويعتبر أبو أسعد أن تلك الأفلام قد حافظت على عروبتهم كمواطنين فلسطينيين يقبعون تحت نير الاحتلال الصهيوني، فظلت بمثابة جسر لهم مع الانتماء الثقافي العربي، بجانب الأعمال الأدبية، كما ساهم «نادي الطلبة» في الناصرة في مرحلة أخرى في تشكيل ثقافته ووعيه السينمائي.

حين شب عن الطوق وهو في الرابعة عشرة، طمح إلى الانضمام إلى الفصائل الفدائية وحال الأهل دون ذلك، فكانت طريقة بديلة للتغيير. وهي أعطته شعوراً بإمكانية صنع شيء ما في مواجهة قمع المحتل، لكن كان من العسير أن يقنع عائلته بدراسة السينما، فاتجه إلى «هندسة الطيران»، وعمل في تلك المهنة لمدة عامين في هولندا، لكنه لم يكن مسروراً، فعاد إلى فلسطين ولعبت المصادفة دورها في تحويل مساره، إذ التقى المخرج رشيد المشهراوي، فالتحق بالعمل معه كمساعد، ليبدأ رحلته في ذلك العالم الرحيب.

هذه الأسلحة

يعتبر هاني أبو أسعد الوعي والثقافة والصمود أهم سلاح، وربما السلاح الوحيد المتاح حالياً، لمقاومة الاحتلال، إيماناً منه أن ذلك المغتصب يريد تفكيك المجتمع من أجل السيطرة عليه، بينما كلما ظل الفلسطيني مرتبطاً بمجتمعه عبر ثقافة مشتركة قوية، يظل من الصعب تذويب وطمس هويته، ومن ثم حاول أن يصبح جزءاً من تلك السلسلة المترابطة التي تقاوم عبر «الثقافة». جنباً إلى جنب المقاومة بالسلاح. لا سيما بعدما صار هناك هجمة على «الكفاح المسلح»، وهو ليس ضده، ورغم أنه يعتبر نفسه من المناضلين السلميين لكنه يرى أن ثمة إجحافاً في حق العمل العسكري، ومن ثم حاول خلق التوازن، بيد أنه يؤمن أن النضال السلمي وحده لن يحرر فلسطين، ويظل لنظيره المسلح قيمته.

يميل في أفلامه إلى خوض القضايا الشائكة والمزج بين السهل والممتنع، وهو بدأ مشواره السينمائي بإخراج أفلام قصيرة ووثائقية جاء أولها عام 1992 عبر»بيت ورقي» وتوالت أعماله، ورغم أنه يحمل الجنسية الهولندية إلا أنه لم ينفصل عن الوطن الأم، وتمكن عبر الشريط السينمائي أن يروي المعاناة الفلسطينية اليومية مع «الاحتلال الصهيوني»، وناهض مشروعه الرامي إلى تقسيم الفلسطينيين ما قبل 48 وما بعدها، وهو ما يرفضه أبو أسعد الذي لا يقبل هذا التصنيف الذي شرعه ورسخه المحتل ويراه متعمداً من قبل «المشروع الصهيوني». ومن بين أفلام هاني أبو أسعد التي صنعت له مكانة متقدمة في السينما العربية اليوم، «عرس رنا « 2002 و «الجنة الآن» الذي توج بجائزة «الغولدن غلوب»، وجائزة من مهرجان (برلين) السينمائي، وكان الفيلم الأول في تاريخ السينما العربية الذي ترشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2005. وفيلم «عمر» الذي ترشح أيضاً لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي 2014.

يمتلك هاني أبو أسعد يقيناً أنه لا يوجد احتلال يستمر إلى الأبد، لذلك تعمد في صناعة أفلامه أن يجعلها صالحة لكل الأوقات فلا يربطها بزمان أو مكان معين في الواقع الفلسطيني كي لا تموت القصة بزوال الاحتلال، فيما تظل الهوية الفلسطينية هدفه مع تحرير فلسطين.

وهو يُعد المخرج العربي الأول الذي تستعين به هوليوود لإخراج أفلامها، كان أخيرها فيلم «الجبال بيننا» 2017، من بطولة كيت وينسلت وإدريس ألبا.

«الحياة» التقت هاني أبو أسعد خلال وجوده في القاهرة في إطار المشاركة في فاعليات الدورة التاسعة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي، إذ كان أحد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الدولية. ودار هذا الحوار حول مسيرته السينمائية حتى الوصول إلى هوليوود.

·       ربما يتوق الجمهور العربي إلى معرفة كيف كانت رحتلك للوصول إلى هوليوود؟

- من الصعب ليس فقط على مخرج عربي، بل على كل مخرجي العالم العمل في استديو، إذ ينبغي أن تكون له باع طويلة وتجربة، لكون المنظومة بحد ذاتها معقدة، وثمة صراع بين الموهبة والتجارة، وكي تتمكن من اختراق كل تلك الحواجز، ثم الرسوخ عبر فيلم ناجح يحقق إيرادات. وقد أحببت السينما مذ كنت طفلاً صغيراً وتنامى عشقها في داخلي، إذ وجدتها أكثر وسيط في العالم يمكنني التواصل من خلاله، ربما أكثر من الكتاب أو المسرح واللوحات الفنية، فالسينما هي أكثر شيء في العالم أتأثر به فكرياً وذهنياً.

·       في أفلامك بدوت دائماً مهموماً بالقضية الفلسطينية، ألم يؤثر كونك فلسطينياً في مسيرتك أو شكّل صعوبات في الوصول إلى «هوليوود» في ظل وجود لوبي صهيوني قوي في الولايات المتحدة؟

- أعداء فلسطين كُثر ومن ذوي الثقل والشراسة، وليسوا صهاينة فقط بل هناك عرب صهاينة. والفن ليس أن تحكي عن الصعوبات لكن كيفية اختراقها، وهو ما فعلته عبر التركيز على نقاط القوة وليس الضعف، وعملت على تطوير موهبتي وفكري وإنسانيتي، وتوسيع آفاق عقلي وموهبتي والاطلاع على سينما أخرى والانفتاح على العالم. تطوير الموهبة هو الذي يضمن التغلب على جميع المعوقات، لأنه ليس في إمكان أحد الوقوف أمامها، لا سيما الفنية بالعكس كلما واجهت الموهبة العراقيل ازدهرت.

أول عربي في هوليوود

·       أنت المخرج العربي الأول الذي تستعين به هوليوود في إخراج أفلام تجارية عالمية؟!

- أشعر بالإنجاز ومع ذلك لا ينبغي أن تظل تجربة فردية، ولا بد من مزيد من المحاولة، وثمة ضرورة تقع على كاهل المخرج العربي أن يكون هدفه الوحيد هو تطوير إنسانيته، وفي المقام الثاني موهبته، وتطوير العلاقة بالذات والمجتمع والاهتمام بالقضايا الإنسانية، وتطوير اللغة السينمائية.

·       هل ستطرح القضايا الفلسطينية عبر أفلام عالمية؟

- تكمن المشكلة في أن القصة الفلسطينية ليست لها سوق تجارية والمهتمون بها قليلون للغاية، وليس الحديث هنا عن أفلام النخبة والمهرجانات، فالقصة الفلسطينية ليس لها مكانة تجارية عالمياً، وهو ما أعتبره شأناً جيداً، لأنه ينبغي أن نصنع أفلامنا لأنفسنا وتسجيل تاريخنا. وقبل أن نطلب من الغرب الاعتراف بأفلامنا، لا بد أن نعترف نحن أولاً بالسينما الهادفة وليس أفلام التسلية، ولا أنكر أن الجمهور يذهب إلى هذا النمط من الأفلام لكن التقصير يقع على الجانبين وهما المشاهد العربي الذي لا يهتم بالسينما المحفزة على التفكير، فيما يهتم بالسينما الاستهلاكية، ومن جهة أخرى المخرج العربي المفكر الذي يتعالى على الجمهور، وتوقف عن الحديث بلغته فصارت هناك هوة سحيقة بينهما. وإذا أراد صناع السينما العثور على الجمهور والوصول إليه ينبغي الحكي بلغته أو على الأقل بتلك التي يفهمها.

سعادة... سينمائية

·       كيف ترى السينما الفلسطينية؟

- سعيد للغاية بالسينما الفلسطينية وأراها تتمتع بالجودة وتتطور كماً وكيفية، ولدينا من المخرجين المهمين مي مصري وميشيل خليفي ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، وغيرهم كثر كما ظهر جيل جديد واعد، وبينهم آن ماري جاسر وسهى عراف وغادة طيراوي، وغيرهم جميعهم «بيرفعوا الراس».

·       وماذا عن السينما المصرية؟

- أرى أن السينما المصرية مرت بأزمة، لكنها ستتجاوزها وتتعافى منها، بفعل وجود بعض النماذج القوية.

·       في رأيك أتمتلك السينما العربية مقومات المنافسة العالمية؟

- على المستوى الفني، تمتلك السينما العربية مقومات تعزز تلك المنافسة، لكن يظل المستوى التجاري صعباً، لأن تلك المكاسب تحققها هوليوود، وأميركا هي المهيمن على السوق العالمية، وربحت بمفردها 80 في المئة من تلك السوق، واقتنصتها من الصين أو أوروبا أو العالم العربي، ومن ثم تظل أوضاع السينما العربية أو في كل العالم عصيبة مقابل السينما الهوليوودية. وينبغي أن ننظر إلى أوضاعنا الداخلية قبل أن نتطلع إلى وضعنا في العالم. علينا إعادة ترتيب علاقتنا مع أنفسنا، واحترام ثقافتنا وهويتنا بعدما أضحى الإنسان العربي لا يحترم تلك الثقافة، فالدعاية في مصر صارت باللغة الإنكليزية كما لو كانت هي الأرقى. هل هذا معقول؟ إن ذلك يدل على أن هؤلاء الأشخاص لا يشعرون بأصولهم ولا يفخرون بها في اللاوعي، ويملأهم شعور بـ «الدونية»، ومثلهم الأعلى هو «الغرب» دائماً، ما يعد خطأً كبيراً جداً، لأن دور المثقف أن يرسخ في الإنسان البسيط اعتزازه في نفسه حتى لو هُزم عسكرياً أو تنظيمياً أو وقع في مآزق سياسية كما هو الوضع الراهن. لذا، فمن المهم أن يكون تركيزنا على إعادة ثقة الإنسان في نفسه.

·       إذاً، يحتاج المشاهد العربي إلى سينما ثقافية أم تعبوية؟

- نحتاج إلى سينما تعيد للعربي ثقته في نفسه، وإلا فلن تتطور الشعوب العربية.

·       ما مشروعاتك المقبلة؟

- لا أميل لأن أحكي عنها.

·       أهناك عمل يعد بمثابة حلم سينمائي تطمح إلى صناعته؟

- هناك قصص كثيرة أحلم في عملها لكن أتركها للمستقبل، وأحلامي الحالية ليست كثيرة على المستوى السينمائي، بل تشغلني استعادة العالم العربي عافيته، وأنا على استعداد للاستقالة من كل السينما في سبيل ذلك.

·       هل يمكن أن تطرح قضايا العالم العربي أو تعالجها عبر أعمالك؟

- أحاول لكن ليس عبر السينما، فالدور الحالي هو إعادة علاقة الإنسان بذاته ومن خلال تجربتي في هوليوود، اكتشفت أن الاعتزاز لا يأتي من أهميتك بل لكونك «إنساناً»، ومن ثم كل إنسان عليه أن يعتز بنفسه وذاته وتاريخه حتى يمكنه الإبداع والتقدم، وهناك نماذج في العالم لديها اعتزاز ذاتي ولا تأخذ الغرب بوصفه المثل الأعلى، لكنها تتعامل بـ«الندّية» لا بـ «الدونية».

الحياة اللندنية في

15.12.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)