"قضية
رقم 23".. المحاكمة داخل الفيلم وخارجه
أحمد شوقي
أي حديث عن فيلم المخرج اللبناني الكبير زياد دويري الجديد "قضية
رقم 23" لابد وأن يقوده صاحبه رغماً عن إرادته إلى محتوى الفيلم
الفكري. الرغبة النظرية في الحديث عن السينما لا المضمون السياسي
تتبدد في هذه الحالة مع عمل كل ما فيه مرتبط بالسياسة: موضوعه
وشكله السردي وما أثير حوله من مشكلات وصلت لتخوين المخرج على
صفحات الجرائد (بسبب فيلمه السابق في حقيقة الأمر).
بعد عرض "قضية رقم 23" في مسرح المارينا بالجونة (المسرح الذي ظُلم
كثيراً بسبب أحداث حفل الافتتاح، والذي أثبت بعد انتهاء العاصفة
الترابية أنه من أفضل قاعات العرض المصرية على مستوى الجودة ومتعة
المشاهدة)، قوبل الفيلم باحتفاء كبير من حضور اقترب من الـ800 شخص،
لم يعكر صفوه سوى اعتراضات بعض المثقفين الفلسطينيين الذي أدى
لإنهاء المناقشة بشكل سريع منعاً لتطورها بشكل سلبي.
ما حدث قد لا يهم القارئ كثيراً، لكنه في رأيي مرتبط بالفيلم نفسه
على مستوى الخطاب والصنعة، ففي صف واحد بقاعة العرض يجلس اثنان من
المشاهدين، أحدهما يرى الفيلم منحازاً يطرح الخطاب "القواتي" بشكل
ظالم للفلسطينيين، بينما يراه الجانب الآخر ـ وبينه كاتب السطور ـ
عملاً تصالحياً من الطراز الأول، ينكأ جراح الماضي التي لم تطيب
ليخبر جميع الأطراف أنهم بشكل ما نسخ من بعضهم: أبرياء ومخطئين في
الوقت نفسه.
أتفهم بطبيعة الحال أن من يعرف الخلفيات الكاملة للأمر يختلف رد
فعله عادة عن الذي يسمع عن الصراع من خارجه، أمر صرنا معتادين عليه
في كل عمل به شبهة جدل سياسي أو اجتماعي. لكن المثير في الأمر هو
أن اعتراض رافضي الفيلم يمكن الرد عليه من داخل الفيلم لا خارجه،
أي أن دويري ـ وهو المخرج المحنك ـ جعل رده على ما سيُقال عن فيلمه
داخل الفيلم نفسه في فعل لا يمكن وصفه إلا بالذكاء.
"كان
ينبغي أن تتحدث عن كذا"، "لماذا لم تشر لحقيقة كذا؟"، "الفيلم يبسط
الأمور لأنه يتجاهل كذا".. هذه باختصار طبيعة أغلبية الاعتراضات
الموجهة للفيلم، والتي يرد عليها الفيلم من داخله بأن أحد أسباب
الاحتقان المزمن للمشكلة هو أن هذا الـ "كذا" هو فقط المسموح
بتداوله، بينما يتعرض الخطاب المقابل لقدر المنهزمين: يصير ممنوعاً
ملعوناً، ويُترك داخل نفوس أصحابه ليتقيح ويفرز المزيد من العنصرية
والكراهية.
"ليس
من حق أحد احتكار المعاناة" هي العبارة التي تُقال خلال المحاكمة
وتعكس فلسفة الفيلم الرئيسية، ليبقى السؤال الموجه للغاضبين: إذا
ما كان الفيلم قد سكت ـ وهو لم يفعل ـ عن تقديم الخطاب المواجه
للبطل القوّاتي (عادل كرم)، فلماذا نتفهم جميعنا معاناة خصمه
الفلسطيني (كامل الباشا) ونقع في غرام صلابته ونقائه وإمساكه عن
التلفظ بما يجرح كرامته وإن تسبب في الإضرار بنفسه وموقفه
القانوني؟
لماذا يتم تجاهل حقيقة أن هذا المهندس الصموت كمأساة هو أجمل وأنبل
شخصية فلسطينية شوهدت على شاشة السينما لعقود؟ وهل كان من الأفضل
أن نراه يلقي خطباً عصماء عن المعاناة الفلسطينية مثلاً كي يخلق
التوازن الذي يتحدث عنه المعترضون؟
ياسر رجل بالغ ناضج شريف، يواجه طفلاً عنصرياً لا يتوقف عن إهانته
فيحاول ألا ينزلق لمستواه رغم كل الساخطين والمتظاهرين في الخلفية.
الفيلم يقول أن جوهر الرجلين واحد، لكن أحدهما أخذ الفرصة مئات
المرات لأن يعاني ويحزن ويعبر عن ألمه فصار معجوناً بالمأساة،
والآخر لم يُسمح له بالتعبير فصار قنبلة عنصرية موقوتة تنتظر لحظة
للانفجار وإن كانت مشادة لفظية يمكن أن تنتهي في ثوان.
طوني وياسر رجلان كان من الممكن في عالم مواز أن يجمعهما أكثر ما
يفرقهما. يجمعهما حبهما لإتقان العمل واعتداد كل منهما بنفسه
وإخلاصه لأسرته، يجمعهما جوهر إنساني نبيل يختفي تحت ركام احتقان
يعمل كل من حولهما على أن يظل باقياً. وفي لحظات عديدة يكاد أحدهما
أن يعتذر أو يعترف وينهي كل هذه المهزلة، لكن القوى الخارجية تأبى
أن تسمح لكل منهما إلا أن يصير رمزاً ولو على حساب سعادته وسعادة
أحبائه.
فالمهم هي القضية ـ بطرفيها ـ وليذهب أصحابها للجحيم. أو كما قال
المخرج الكبير يسري نصر الله في حوار حول فيلمه "باب الشمس":
الجميع يحب القضية الفلسطينية لكن لا أحد يحب الفلسطينيين أنفسهم!
ما يفعله زياد دويري بنجاح كبير هو قلب ميزان تقييم الشخصيات من
بداية الفيلم لنهايته. في البداية كان طوني وياسر ـ خاصة الأول ـ
يتصرفان بغرابة وشطط أكبر من خلاف يمكن حله ببساطة، لكن مع المُضي
قدماً يصيران هم الأكثر عقلاً في عالم كل ما فيه يدفعهما للجنون.
فردية التجربة وتعلقها بحياة كل منهما وأسرته، والتفهم الجزئي
والتدريجي الذي يتسلل لنفس كل طرف تجاه الآخر، يجعلهما يدركان ـ
دون تصريح أو خطابة أو نهايات ميلودرامية ـ أن السير وراء الجماعة
وقيمها ليس دائماً هو الخيار الأصوب أو الأنبل.
"قضية
رقم 23" انتهت وطرفيها أكثر قرباً، بينما زاد من حولهم ـ ومن
شاهدوا الفيلم ـ انقساماَ، وكأنه قدر هذه المنطقة أن تنتهي أي
محاولة للتقارب إلى مزيد من التعصب والخطابة والتشرذم.
####
السيناريست هيثم
دبور:
هذا المعنى الحقيقي
لكلمة "فوتوكوبي".. تمنيت وجود والدي في قاعة العرض
حوار: أمل مجدي
نجح فيلم "فوتوكوبي" في لفت انتباه محبي ومتابعي السينما، منذ بدء
الحملة الترويجية له، وطرح الملصقات الدعائية التي يتصدرها محمود
حميدة، وشيرين رضا. المفاجأة كانت موافقة عدد من الفنانين الكبار
على المشاركة في فيلم يعد العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه تامر
عشري، وكاتبه هيثم دبور.
ومع عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى،
ومشاركته في المسابقة الرسمية المكونة من 15 فيلمًا، ازدادت رغبتنا
في معرفة المزيد عن كواليس هذا الفيلم.
لذلك، أجرى
FilFan.com
حوار مع مؤلف العمل هيثم دبور، الذي سبق أن كتب عدد من الأفلام
الروائية القصيرة مثل "فردي"، والتسجيلية مثل "التحرير 2011"
الحائز على جائزة اليونسكو من مهرجان فينسيا، إلى جانب مشاركته في
كتابة عدد من البرامج الساخرة التي حققت نجاحا كبيرا منها "نشرة
أخبار الخامسة والعشرون"، و"
Saturday Night Live
بالعربي".
-كيف
جاءتك فكرة كتابة فيلم يربط بين الإنسان والديناصور؟
الفكرة ببساطة تتحدث عن رجل متقدم في العمر، ويتمتع بصحة جيدة،
يشعر أن كل شيء في الحياة من حوله بدأ في التغير والاختفاء. ورغم
تشبثه بهذه الحياة، إلا أنها تختفي من حوله، هذا الأمر متمثل في
الشوارع التي يألفها، والتفاصيل الصغيرة التي اعتاد عليها، حتى
مهنته كمسؤول عن تجميع الأخبار في إحدى دور النشر لم تعد كما في
السابق... باختصار العالم يتطور ويتقدم بشكل أو آخر، ولا يوجد مكان
له بين كل هذا.
النوستولجيا أصبحت مسيطرة على كل شيء، مثال على ذلك حزن البعض على
هدم مدينة الملاهي "السندباد"، رغم انقطاعهم عن زيارتها منذ سنوات
عديدة. الارتباط بالماضي أمر جيد، ولكن لا يجب أن نكون أسرى له،
علينا التأقلم والتطور. إذا كانت مدينة "السندباد" استطاعت مواكبة
التغير، كان سيتغير مصيرها وتصبح مثل مدينة "ديزني لاند" المتواجدة
منذ منتصف القرن الماضي.
بطل الفيلم يشعر أنه بحاجة إلى التأقلم، ونظرًا للفراغ الذي يسيطر
على حياته، يصبح مهووس بالديناصورات عندما يقرأ عنهم، وينشغل
بمصيرهم.
-كلمة
"فوتوكوبي" لها أكثر من معنى ودلالة في الفيلم، ما هو المعنى
الأقرب لفكرة الفيلم بالنسبة لك؟
هو انعكاس لكل الشخصيات الموجودة في الفيلم، فإذا أصبح الأبطال نسخ
مصورة من كل شيء حولهم، سيفقدون القدرة على التميز. مثلا شخصية
"صفية" التي جسدتها الممثلة شيرين رضا، مسيطر عليها الأفكار
التقليدية المتمثلة في أنها أصبحت سيدة عجوز، ومريضة، تعيش الأيام
المتبقية من عمرها دون أي جديد. هذا هو معنى "فوتوكوبي" أنها
تتعامل مع الوضع كما يتعامل الجميع، فهل ممكن رفض هذا المصير،
والاقدام على التغير؟ الفيلم يدعو للتغير بشكل أو آخر، هذه
الشخصيات تصارع من أجل ألا تصبح نسخ مصورة من بعضها البعض.
إلى جانب أنه اسم شخصية الممثل محمود حميدة في الفيلم، "محمود
فوتوكوبي"، الرجل البسيط الذي يمتلك محل لتصوير الأوراق.
-هل
التكنولوجيا ممكن أن تكون السبب في تحول الأشخاص إلى نسخ مصورة، أو
أنها تجعلهم يشعرون بأنهم معرضون للانقراض؟
ليست التكنولوجيا وحدها، بل تغير الوقت، والتفاصيل، والحياة بشكل
عام، هذا التغير الذي يجعلنا غير قادرين على معرفة المستقبل، وتوقع
مصيرنا. نحن بحاجة إلى القدرة على تقبل التغيرات، التي تؤثر على كل
ما يحيط بنا. هذا التقبل يمس الفيلم أيضًا، لأنه مختلف، في فكرته
وإيقاعه، وأداء أبطاله... عليك أن تفتح عينيك على كل ما هو مختلف،
وتحول تقبله، كي تتطور.
-العمل
مع مخرج يخوض تجربته الأولى كان مغامرة بالسيناريو أم كان أفضل في
الحوارات والنقاش عن التعامل مع مخرج لديه خبرات سابقة؟
أعتقد أن الفيلم ينادي صاحبه، فقد تعاونت مع تامر عشري في تجارب
سابقة، وأعرفه جيدًا، وأفهم قدراته. لذلك، عندما كتبت النسخة
الأولى من السيناريو، كنت متحمس أن يخرجه، ومتوقع أن يُعجب به لأنه
يشبهه، السيناريوهات تشبه أشخاصها.
المهم إذا كانت هذه التجربة الأولى أم العاشرة، أن يكون المخرج
قادر على قراءة أفكار الفيلم، واستيعابها، وليس منفذ فقط للسيناريو.
-ما
السر وراء اختيار مكان الأحداث ليكون منطقة "عبده باشا" في
العباسية؟
أولًا أنا نشأت في هذه المنطقة، كما أنها تتماشي مع طبيعة مهنة
تصوير المستندات، المنتشرة بسبب قربها من جامعة عين شمس. هذه
المنطقة تمثل مفردات مختلفة منها تحول الحي من مجموعة من القصور
والفلل إلى عمارات غير متناسقة، وتغير الطبقة الاجتماعية القاطنة
به، هذا يشبه "محمود" بطل الحكاية الذي تغير كل شيء من حوله.
-من
الممثل الذي شعرت أنه جسد الدور بإتقان شديد وفوجئت بأدائه على
الشاشة؟
الحقيقة أن جميع الممثلين قدموا أدوارهم بإتقان شديد، وبذلوا جهد
كبير مع تامر عشري من أجل أن يخرج الفيلم بهذا الشكل. الفيلم يقوم
على شخصيات بالأساس، لا يدعى أكثر من ذلك، نحن نقدم حياة هؤلاء
الأشخاص في إطار حكاية مترابطة.
-بدأت
بتأليف الكتب والروايات مثل "إشي خيال"، و"مادة 212"، ثم انتقلت
لكتابة أفلام قصيرة وتسجيلية، والآن تقدم فيلمك الروائي الأول، ما
الأمتع بين هذه الأنواع المختلفة من الكتابة بالنسبة لك؟
كل نوع يحمل متعة خاصة، ما زالت مهتم بكتابة الكتب، فهي تجربة
ذاتية خالصة، فيما تعتبر كتابة السيناريو عمل جماعي. استمتع بكل ما
أكتبه، لأني في الأساس أكتب لنفسي، لرغبتي في تقديم موضوعات محددة
بشكل مختلف، وأسعى بعد ذلك لتنفيذها سواء في كتب أو أفلام.
-شاركت
في كتابة عدد من البرامج الكوميدية، لماذا لم يكن أول فيلم روائي
يحمل طابع كوميدي؟
أول فيلم ليس كوميديًا، ولن يكون الثاني ولا الثالث أيضًا. فالعمل
الجديد الذي أعمل عليه حاليًا بعيد تمامًا عن الكوميديا. أفضل
تقديم مجموعة من الأفلام التي من الممكن أن تعيش، وتجد لنفسها
مكانًا مع الوقت، وهذا على الرغم من أن الأفلام الكوميديا أسهل في
الكتابة بالنسبة لي، ومن المتوقع أن تكون تجارية، وتنجح في تحقيق
إيرادات عالية.
في رأيي الفيلم الجماهيري هو الذي تتمكن من مشاهدته بعد مرور وقت
على صدوره في دور العرض، نحن لا نتذكر إيرادات أفلام مثل "إشاعة
حب"، أو "عائلة زيزي"، لكنها أفلام كلاسيكية بسيطة نجحت في أن تظل
متواجدة حتى يومنا هذا. أتمنى تقديم هذه النوعية حتى لو كانت أفلام
كوميدية، المهم أن تعيش مع الزمن.
-في
وقت سابق، كتبت على حسابك الرسمي على موقع
Facebook،
أن والدك وصف أفلامك السابقة بأنها أفلام غير جادة نظرًا لأنها لا
تُعرض في دور العرض، ما هو تقييمك أنت لتجربة "فوتوكوبي" واختلافها
عن أفلامك السابقة؟
كنت أتمنى أن يكون والدي متواجدا معي عند عرض الفيلم في مهرجان
الجونة السينمائي، نظرًا لحضور عدد كبير من صناع السينما،
والفنانين الكبار، والجمهور أيضًا. تمنيت أن يرى ردود فعل الفنانين
الذين أشادوا بالفيلم، ووصفوه بكلام إيجابي. بالتأكيد، شاهد أفلامي
السابقة، وكان فخورا بما أقدمه، ولكن لأنه أكبر في السن، كان
معياره أن الأفلام الحقيقية هي التي تًعرض في دور العرض السينمائي،
ويشاهدها الجمهور.
####
ندوة صناع فيلم "فوتو
كوبي":
محمود حميدة يكشف سبب
مشاركته في العمل
مي فهمي
انتهت مساء الأربعاء ٢٧ سبتمبر ندوة خاصة بصناع فيلم "فوتو كوبي"
بعد عرضه الثاني ضمن فعاليات الدورة الأولى من مهرجان "الجونة
السينمائي".
وحضر الندوة كل من الفنان محمود حميدة وأحمد داش وعلي الطيب ويوسف
عثمان والمخرج تامر عشري والمؤلف هيثم دبور والمنتج صفي الدين
محمود.
ويقدم موقع
FilFan.com
لقرائه أبرز تصريحات صناع العمل في الندوة:
أوضح محمود حميدة أن سبب قبوله المشاركة في فيلم "فوتو كوبي" حماسه
الشديد للتعاون مع مخرج ومؤلف في عملهما الأول، كما أنه قصة العمل
شدته منذ قرأته للمرة الأولى.
وأضاف محمود حميدة أنه لا يشعر بالخوف من مشاركة صناع عمل في
بداياتهم ولا تقلقه خوض التجارب مع الجيل الجديد بل بالعكس أنه
يحاول الاستفادة من رؤيتهم الشبابية ليرى من خلالها تجارب مختلفة
في الحياة
.
وقال المؤلف هيثم دبور أن كتابة السيناريو كانت رحلة طويلة لأن كل
فرد من أفراد العمل له رؤية حقيقة حرص على إضافتها.
وكشف أحمد داش أنه استند على شخصية "عبد العزيز" من بعض الأشخاص
الذين كان يلقاهم في الحياة ويراهم دون التعامل معهم.
والفيلم إخراج تامر عشرى، تأليف هيثم دبور، ويشارك في بطولته أيضا
فرح يوسف، علي طيب، أحمد داش ومن إنتاج "ريد ستار" في ثالث أعمالها
الروائية الطويلة بعد "نوارة" للمخرجة هالة خليل و"الأصليين"
للمخرج مروان حامد.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية محمود الذي في أواخر الخمسينيات من
عمره، صاحب مكتبة لتصوير ونسخ المستندات فى حى عبده باشا، أحد
أحياء الطبقة المتوسطة.
وكان محمود يشتغل عامل جمع في إحدى مطابع الصحف المملوكة للدولة،
هذه المهنة انتهت حين شرع العاملون في الصحافة باستخدام حواسيبهم
الشخصية ويرسلون مقالاتهم عبر منظومة إلكترونية، ما أدى الى اعادة
توزيع أبناء هذه المهنة المنقرضة على إدارات أخرى، مثل؛ الأرشيف
والكافتيريا وغيرها.
بالنسبة لمحمود قرر تسوية تقاعده المبكر، وفتح محل خاص به، يقضي
معظم وقته في توصيل الطابعة بالفلاشات وطبع محتوياتها، وفي أحد
الأيام جاء اليه زبون وطلب منه طباعة ورقة بحثية موضوعها حول
الأسباب التي أدت الى انقراض الديناصورات، وأصبح الرجل بعدها
مهووساً بذلك الموضوع، وهو ما قد يفسر سبب تدهور وضعه المالي،
وتضاؤل أعداد زبائنه. |