لم يكن مهووساً بالإعلام ولم يهتم باسمه علي الأفيش
..
أحمد راتب .. ممثل فى منتهى البساطة
كتب - محمد نبيل
غيّب الموت الفنان الكبير أحمد راتب صباح يوم
الأربعاء الماضى الموافق 14 من شهر ديسمبر ، بعد مسيرة طويلة من
العطاء أفنى خلالها الراحل حياته فى تقديم مختلف الأدوار، سواء فى
السينما أو التليفزيون والإذاعة بخلاف عدد من المسلسلات المدبلجة،
أعطى لها بصوته بريقا لا يمكن نسيانه، فيما لم يترك خشبة المسرح
إطلاقا حيث بدأ على مسرح الجامعة ثم مسرح الطليعة، وأنهى حياتى فى
تجسيد بطولة عرض "بلد السلطان"، قبل وفاته بعدة أيام.
الميلاد وتوهج الموهبة
داخل حيّ السيدة زينب، ولد أحمد راتب في أربعينيات القرن الماضي،
لأب صعيدي صارم، ولكن راتب كان رقيقًا في صباه، أحب عبد الحليم
حافظ ، وتعلّم العزف على آلة الكمان، ليكتمل المشهد الغنائي في
مُخيلته، ثم التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وتخرج فيه عام
1974بجانب دراسته للهندسة، واستطاع بالفعل الجمع بين الشهادتين
بالتوازى، بعد إصرار والده على ذلك، وتدرج فى الأدوار بعد أن ذاع
صيته حتى وصل الى دور "سامح" أمام الكوميديان الكبير فؤاد المهندس
فى مسرحية "سك على بناتك".
راتب والزعيم
شق طريقه فى السينما فيما بعد، واستطاع من خلال عشرات الأدوار
المساعدة أن يلفت الأنظار، وهو ما دعى عددا كبيرا من المخرجين
اللجوء إليه، وإسناده أدوارا قد تبدو متواضعة المساحة، ولكنها
بمثابة أحد محركات الدراما داخل الفيلم، ولاسيما كونه كوميديانا
بالفطرة.
وعندما اعتذر صلاح السعدنى عن دوره فى مسلسل "الفجر" كضيف شرف،
انشقت الأرض عن أحمد راتب ليلفت له الأنظار بشدة، ووقف راتب بعد
ذلك أمام سمير غانم، في مسرحية "من أجل حفنة نساء"، عام 1974. ثم
قدم بعدها دور الباشا العجوز، في مسرحية "المتزوجون" والتي صورت
تليفزيونيًا بالفنان أحمد ماهر، بعد ذلك.
كان لقاؤه الأول بالنجم الكبير فؤاد المهندس بالمصادفة، حيث التقى
به عقب أحد عروضه المسرحية مع سمير غانم والذى كان يحضره أيضا عادل
إمام، أعجب به كثيرا، وقرر الاستعانة به فى عمل تلو الآخر، ومنذ
ذلك الحين كونا راتب وإمام ثنائىاً متجانساً على شاشة السينما.
ورغم ذلك لم يترك أحمد كمال الدين راتب، الشهير بـ «أحمد راتب»
نفسه لأفلام الزعيم فقط رغم أهميتها، ولم يشأ أن يحصر نفسه بين
"شلة" من المقربين له فنياً، ولكنه قدم الكثير من الاعمال مع
العديد من النجوم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى وحتى وفاته.
التمثيل وفقط
علي غير العادة لم يكن يشغل الفنان القدير وضع اسمه على التتر أو
حجم الدعاية المصاحبة لأى عمل يشارك فيه أو حتى مساحته على الشاشة،
فقد كان شغوفا بوضع موهبته فى المكان الصحيح، حيث قدم عدداً هائلاً
من الأدوار الخالدة، وله كم كبير من الجمل الحوارية التى لن تنسى،
فضلا عن إصراره على الوقوف بجوار أى موهبة صاعدة، حيث شارك بعض
الممثلين الشباب فى السينما وأضفى أداؤه ثقلا كبيرا لهذه الأفلام.
كان راتب أيضا غير مهووس بالإعلام، وظل يطل على جمهوره بين حين
وآخر فى أضيق المساحات، فضلا عن اعترافه أكثر من مرة بأنه لا ينصت
كثيرا لعبارات الإشادة المبالغ فيها، بل ويعتبرها معطلة لما هو
قادم، مشيرا الى أنه يجتهد فى كل شخصية يلعبها بقدر يتيح لها نسب
نجاح مضمونة.
وعن نجومية الشباك التي خاصمته رد فى إحدى المرات: "هذا شيء أنا
أقصده فلقد رفضت أن أكون سلعة أو حصانا في سباق الخيل.. فالمنتجون
يتعاملون مع النجوم على أنهم سلعة يتم طرحها في الأسواق ومسيرها
للرواج أو للبوار.. وقد يكمل الحصان السبق وقد لا يكمله.. أنا أريد
أن أظل كما أنا أذهب للدور الذي يشبع موهبتي ويوضحها ويجعلني أعطي
الجديد دائمًا".
التحق راتب بالقوات المسلحة بسلاح الشئون المعنوية عقب تخرجه،
وزامل الفنان هانى شاكر آن ذاك، لذلك فدائما ما كان يعى دور الجيش
فى الحركة الوطنية المصرية، وفى السنوات الأخيرة جاهر بالثورة
وبكراهيته للإخوان المسلمين، بل كان من أوائل المنادين للمشير عبد
الفتاح السيسى من التحرك، حيث كان يرى فيه المخلص من مخطط يحاك
جوانبه بعناية للإيقاع بالبلاد.
فنان متلون
من المؤكد أن كثرة أدوار الفنان الراحل تجعل من الصعوبة الحديث
عنها فى عجالة، تلك الشخصيات التى حرص على تفاصيلها لتخرج وتبقى فى
أذهان عدد كبير من الناس، رغم تنوع ثقافتهم وأعمارهم أيضا، سواء فى
الكوميديا أو الميلودراما.
ولكن ما هو مؤكد لدينا جميعا أنه يتلون ويصبغ موهبته بطواعية نحو
الدراما بشكل بديع، فمن منا ينسى دور القصبجى فى مسلسل "أم كلثوم"
، والذى حصل عنه على جائزة خاصة في مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن
مشاركته بالمسلسل، وشخصية عيسوى الفنان البوهيمى.. أو دوره فى فيلم
"على بيه مظهر" أمام الفنان محمد صبحى، أو حتى دور الصغير فى فيلم
"شعبان تحت الصفر" عام 1980 مع المخرج هنرى بركات، بخلاف مسلسلات
"الجماعة"، "الداعية"، "سكة الهلالى"، "المال والبنون"، "الفريس
والصياد"، "رأفت الهجان"، "سقوط الخلافة" والمسلسل الإذاعى "دى
نهاية العالم يا زغلول"، وغيرها العديد من الشخصيات والأعمال
القيمة.
وفى السينما فقد شارك فى العديد من الأعمال ومنها "عمارة يعقوبيان"،
"الأولة فى الغرام"، "رامي الاعتصامي"، "بوشكاش"، "كابتن هيما"،
"مطب صناعي"، "واحد من الناس" وغيرها.
والتقى مع عادل إمام خلال التسعينيات، فى عدد كبير من الأفلام
ومنها، فيلم "بخيت وعديلة"، عام 1995، وقدّم دور "نزيه"، المحامي
الذي كان مُكلفا بالحملة الدعائية الانتخابية، وفيلم "الجردل
والكنكة"، عام 1997، وقام بدور "محسن" بفيلم "طيور الظلام"، 1995،
وقدّم عامل محطة القطار، بفيلم "المنسي"، عام 1993، كمّا جسّد دور
"بيبرس" في "جزيرة الشيطان" عام 1990، ولكن تظل هناك أربعة أعمال
جمعته بصديق رحلته الفنان عادل إمام لا يمكن أن تنسى، ولكنها لم
تكن داخل الكادرات.
المشهد الأول أنه في 20 مايو 2005، نشرت جريدة "الشرق الأوسط"،
تقريرا مطولا عن عادل إمام، احتفالاً بعيد ميلاده، وتحدّث كاتبه عن
الوجه الانساني الذي لا يعرفه الكثير عن هذا النجم اللامع عندما
احتبس صوت يسرا أثناء تصوير فيلم "رسالة إلى الوالي"، فحجز لها
الزعيم لدى أفضل طبيب فرنسي وقرر أن تسافر، وذكر الكاتب أيضًا ما
فعله عادل إمام، مع صديق عُمره أحمد راتب، حينما أوقف التصوير
خصيصًا لأجله وقرر أن يصحبه لأهم المستشفيات ويتكفل بمصاريف علاجه.
أما المشهد الثانى كان حول تكرار سؤال ارتباطه بعادل إمام، وهو ما
كان يقابله أحيانا بالصمت حتى يتسرب إليك أنه غاضب من السؤال،
ولكنه أجاب فى إحدى المرات قائلا
:
من حسن حظي إن اسمي ارتبط باسم عادل إمام في العديد من الأفلام
التي اقتربت من العشرين فيلما، وهذه حالة نادرة وغريبة في الوسط
الفني لأنه قلما نجد فنانا يمد يد المساعدة لفنان آخر ، وأنا واحد
من المعجبين بعادل إمام حتى قبل أن احترف التمثيل، فقد كان ومازال
نجمي المفضل، وعملي معه علمني كيف أكون طبيعيا وهادئا.
أما المشهد الثالث فهو عندما سئل عادل إمام عن محاباته لراتب،
وإسناده اليه أكثر من دور مهم فى أعماله قال : "هاتولى حد تانى
غيره ممكن يعمله" فى إشارة الى قيمة موهبة أحمد راتب فى تجسيد أى
شخصية بمنتهى البساطة.
أخيرا عندّما سئل أحمد راتب، عن عادل إمام، في برنامج "بوضوح"،
المُذاع على فضائية "الحياة"، "ليه الناس بتشوف عادل إمام
مُتكبر؟"، قال: "عادل إمام هو السد المنيع اللي واقف في سبيل
استمرار مهنتنا، هم نفسهم ريادة التمثيل متبقاش في مصر، لا يملك أي
واحد إلا أنه يعشقه، وحينما يبدو متكبرًا، ده شدة تواضع وخجل
بيداريه، هو بيتكسف جدًا، ومن كُتر كسوفه بيبدو كأنه متكبر".
####
تفاصيل الليلة الأخيرة لأحمد راتب علي خشبة المسرح
طالب بتجهيز بديل له قبل بدء العرض .. محمد حسن
مخرج «بلد السلطان» :
الكواكب
أكد د. محمد حسن مخرج "بلد السطان" آخر عرض للفنان
أحمد راتب أن النجم الراحل كان يشعر باقتراب أجله وطلب منه تجهيز
بديل له لاستكمال العرض في حال حدوث أي مكروه.
وأضاف قبل تسجيل أغاني المسرحية التي أداها بصوته وكتبها الشاعر
جمال بخيت طلب منى تجهيز بديل خاصة وأنه كان خارجا لتوه من العناية
المركزة للمرة الثانية وقال لي بالنص: «جهز بديلا لأنني ممكن أقع
في أي وقت» وألح في الطلب أكثر من مرة ولم يهدأ إلا عندما علم
بتجهيز مساعد المخرج جهاد طلعت للقيام بدوره ولكن في البروفة
الجنرال تغيب هو والبديل لذا لجأت لعمرو صقر لتقديم الدور ولكن
العرض استمر عقب رحيله ابتداء من يوم الخميس الماضى بجهاد وجاري
التعاقد مع الفنان أحمد ماهر الذي ينشغل حاليا بعروض مسرحية.
واستكمل قائلاً: إن الفنان الراحل قام بعدة بروفات للعرض وعرض
الافتتاح وثلاثة أيام بعده حتي شعر بتعب شديد يوم الأربعاء قبل
الماضي وطلب بخاخة للصدر ونقل للمنزل وهناك أسرعوا بالذهاب إلى
المستشفي وفي العناية المركزة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك وأسرة
المسرحية كلها تعرف بحقيقة مرضه الذي لم يخفها عليها فقد كان لديه
مياه علي الرئة وكتب له الطبيب علاجاً لشفط المياه لكنه لم يخبره
أن يتوقف وبعد فترة تسبب العلاج في شفط جميع المياه من جسمه الأمر
الذي أدي لدخوله العناية المركزة مرتين بعد أن أثر الدواء علي
الكلي والرئة والعظام لدرجة أن المصافحة كانت تؤلمه ورغم حالته
الصحية إلا أنه أصر علي استكمال العرض وقدم أربع ليال من أجمل
ليالي العرض الافتتاح وثلاثة أيام بعدها متحاملا علي نفسه ولم تغب
ابتسامته في الكواليس في تعامله مع الجمهور وبرحيل فنان عملاق أحب
فنه واحترمه واعطي له الكثير حتي آخر يوم في حياته.
ومسرحية «بلد السلطان» بطولة محمود الجندي ومحمد حسن إنتاج البيت
الفني للفنون الشعبية والاستعراضية واستمرت بروفات العمل ما يقرب
من ستة أشهر كان الفنان الراحل متواجداً في الكثير منها. |