“Sully”..
هل يستحق أن يترشح صناعه للأوسكار؟
ياسمين عادل فؤاد – التقرير
كلينت إيستوود، توم هانكس، قصة حقيقية، دراما دسمة، وحادثة تكاد
تكون إعجازية، كل تلك عناصر اجتمعت في فيلم
Sully
الموجود حاليًا بالسينمات، ما يجعله فيلمًا من العيار الثقيل،
خصوصا مع وجوده بسينمات الآيماكس، ذات التقنيات المميزة من مؤثرات
بصرية وصوتية.
فيلم أمريكي، إنتاج 2016، يُصنف كدراما وسيرة ذاتية، ذلك لأن القصة
مبنية على أحداث جَرَت بالفعل مستوحاة من كتاب “Highest
Duty”
ﺗﺄﻟﻴﻒ بطل القصة الحقيقية “الطيار تشيزلي سولنبيرجر”، أما الإخراج
فلـ”كلينت إيستوود”، سيناريو وحوار تود كومارنيسكي، وبطولة: (توم
هانكس، أرون إيكهارت، لورا ليني، وآنا جان).
ميزانية الفيلم لم تتجاوز الـ60 مليون دولار، وتم عرض الفيلم للمرة
الأولى ضمن أفلام مهرجان تيلورايد السينمائي، في حين بدأ عرضه
بالسينما بأمريكا وباقي دول العالم في سبتمبر الجاري.
قصة الفيلم..
تعود الأحداث إلى قصة حقيقية وقعت يوم 15 يناير 2009، حين فوجئ
الطيار اﻷمريكي (تشيزلي سولنبيرجر)/(سولي) فور إقلاعه بدقائق -من
مطار لاجورديا شمال مدينة نيويورك- بمجموعة من أسراب الطيور تصطدم
بمحُركي الطائرة فتُدمرهما، فيصبح غير قادرٍ على التحليق، أو
العودة مرة أخرى للمطار.
وهو ما يجعله مُضطرًا للقيام بعملية محفوفة بالمخاطر وتتسم
بالجرأة، ألا وهي هبوطه الاضطراري بالطائرة فوق سطح نهر هادسون،
وبالرغم من صعوبة الأمر وعدم التدرب عليه مُسبقًا بالطبع، فإن سولي
نجح في إنقاذ كل الركاب، 155 شخصًا (150 راكبًا، إضافة لخمسة أفراد
هم طاقم الطائرة).
ورغم أن الجميع ظلوا –حتى الآن- مَدينين له بحياتهم، فإنه تم توجيه
الاتهامات ل”سولي” اعتقادًا بأنه كان باستطاعته الهبوط بأي مطار
قريب، وأنه عَرَّض الجميع للخطر دون داعٍ، كما أنه كَلَّف شركة
التأمين بالطبع خسارة فادحة حين غرقت الطائرة، وتتوالى الأحداث.
“لقد مر وقت طويل منذ أن سمعت مدينة نيويورك أخبارًا جيدة، خصوصا
إذا كانت هذه الأخبار متعلقة بطائرة”
بالطبع تزامن عرض الفيلم مع حلول ذكرى جديدة لــ11 سبتمبر، كان
اختيارًا ذكيًا ومُلهمًا، أما عما ميّز الفيلم حقًا فهو كونه لم
يُركز على الحادث نفسه، وإن تكرر عرضه كثيرًا خلال الفلاش باك،
لكنه سلّط الضوء على البُعد الإنساني في القصة، وشعور سولي بالشك
فيما إذا كان اتخذ القرار السليم فعلاً أم لا! بجانب الضغط العصبي
والنفسي الذي تعرض له مع التحقيقات الطويلة، التي خاضها من جانب
“المجلس الوطني لسلامة النقل”، مع مُحاولاتهم إقناعه بأنه كان
مُتهورًا لا بطلاً.
ليعرض لنا صُناع الفيلم كيف نهتك نحن البشر مصداقية أي فعل لا نتفق
معه، أو يتجاوز قُدرتنا على التَصَوُّر، ففي حين يسهل علينا هدم
المُثل العليا، دون أن نتحقق من الأمر، نحتاج وقتًا طويلاً
وتفسيرات عديدة من أجل الاقتناع بأن الآخرين أنقياء فعلاً، ولا
يسعوون خلف شُهرة أو نجاح، بل فقط يفعلون الصواب كما يرونه.
آراء النقاد..
تفاوتت آراء النقاد بشأن الفيلم، ففي حين حاز
Sully
على إعجاب الكثيرين، مُعربين عن سعادتهم بأنه أخيرًا تم التعاون
بين ممثل بحجم توم هانكس ومُخرج مُخضرم ككلينت إيستوود. كان هناك
نقاد آخرون رأوا النتيجة غير مُرضية لهم بما يكفي، أو يتناسب مع
قُدرات أصحابها، كما عاب بعضهم كَون شخصية البطل جاءت نمطية
ومثالية بشكل زائد، لا حياة فيها.
وعلى ذلك يتوقع الكثيرون للفيلم أن ينال ترشيحات للعديد من الجوائز
في الفئات الرئيسية، خصوصا أن الأكاديمية يستهواها القصص المقتبسة
عن الواقع.
“الفيلم يثبت أن إيستودد إذا وُفِّر له طاقم عمل بارع، يظل قادرًا
على استفزاز مشاعرك”
الإخراج
سولي هو الفيلم ال35 بمسيرة كلينت إيستوود –الحائز على 4 جوائز
أوسكار- بعالم الإخراج، كما أنه الفيلم الرابع الذي يُقدمه
مُتناولاً سيرة ذاتية، وبمدته الزمنية التي لا تتجاوز الـــ96
دقيقة، يُعتبر أقصر الأفلام التي أخرجها.
إضافة لكونه أول فيلم يُصوره كاملاً بكاميرا
ALEXA IMAX® 65mm،
كذلك أول فيلم منذ
Firefox
إنتاج 1982 يُخرجه إيستوود ولا يقوم بعمل المونتاج جويل كوكس. ونجح
إيستوود بهذا الفيلم في الاهتمام بالتفاصيل، الكبير منها والصغير،
حتى أن المكان الذي صُوِّر فيه هبوط الطائرة، هي نفس البقعة
الحقيقية التي حَطت بها الطائرة عام 2009.
ويتميز الفيلم عن أعمال إيستوود الأخرى بأن ريتم أحداثه سريع، ما
يجعل العمل غير مُمل، في الوقت نفسه ينجح إيستوود في تقديمه كعمل
فني كلاسيكي هادئ، غير مُتَعَجِّل. أما التصوير السينمائي لــ”توم
سترن” فاتَسَم بالحرفية والقُدرة على جذب العين والانتباه.
ومن الطريف أن إيستوود نفسه عاش تجربة مشابهة –بعمر الـ21- حين كان
فردًا بطائرة، اضطرتها الظروف للهبوط على الماء، وهو ما كان
مُثيرًا وحماسيًا لشاب بعمره، وإن اختلف الأمر في أنهم لم يملكوا
إلا 30 ثانية فقط لمغادرة الطائرة قبل أن تغرق، بجانب قيامهم
بالسباحة حتى الشاطئ.
التمثيل..
توم هانكس عبقرية فنية لا يختلف عليها أحد، وإن خانها التوفيق في
السنوات الأخيرة ببعض الأفلام، إلا أنه مازال لديه ذائقته الفنية،
التي تجعله يعرف كيف يختار أعمالًا سيتم تخليدها بتاريخ الفن فيما
بعد، خصوصا حين يُؤديها بطريقة السهل المُمتنع، فتظهر الشخصية عذبة
وتلقائية.
وكما كان طيارًا رئيسيًا بالطائرة، يتخذ القرارات ويحمل عاتق
الرحلة كلها على كتفيه، هو في هذا الفيلم قائد لباقي فريق التمثيل،
يعلو بالفيلم، ليصبح آداؤه بين باقي الممثلين هو الأفضل، والأكثر
إمتاعًا، خصوصا أن دوره هو الأكبر ويكاد يكون الأوحَد، إضافة لكونه
يحمل أبعادًا غير موجودة في باقي الأدوار التي جاءت سطحية تمامًا،
دون أن ينفي هذا كَون أصحابها أدّوها جيدًا، وإن جاءت غير حية بما
يكفي، فذلك بسبب عيب كتابتها لا تمثيلها.
معلومات رُبما لم تعرفها عن الفيلم أو صناعه :-
Sully
هو:
التعاون الأول بين توم هانكس وكلينت إيستوود.
التعاون الثالث بين كلينت إيستوود ولورا ليني، بعد فيلمي
Absolute Power
عام 1997، وMystic
River
عام 2003.
التعاون الثاني بين توم هانكس وآن كوزاك، بعد فيلم
A League of Their Own
إنتاج 1992.
التعاون الثاني بين مايك أومالي وماكس إيدلر، حيث عملا معًا في
فيلم
Glee
عام 2009.
توم هانكس لم يقض مع الطيار اﻷمريكي (تشيزلي سولنبيرجر) سوى نصف
يوم فقط، وعلى ذلك فوجيء سولي الأصلي بقُدرة توم هانكس على محاكاة
شخصيته والتقاط تفاصيله الدقيقة بسرعة وبراعة.
بالرغم من أن توم هانكس ولورا ليني لم تجمعهما أي مشاهد معًا
بالفيلم، فإن المُكالمات التليفونية التي كان تجري بينهما على
الشاشة، جرت بالواقع فعلاً أثناء التصوير وكانا دومًا -أثناء
التمثيل- على الخط سويًا.
تُعد هذه هي المرة الثانية التي يلعب فيها توم هانكس سيرة ذاتية
لشخص حقيقي، بحيث تدور أحداث العمل في العام 2009، المرة الأولى
كانت بفيلم
Captain Phillips
إنتاج 2013، وفيه لعب دور شخص يتم اختطافه بواسطة قراصنة صومالين
في أبريل 2009.
المرة الثانية التي يلعب فيها توم هانكس السيرة الذاتية لطيار،
كانت أول مرة في فيلم
Apollo 13
إنتاج 1995.
صَرَّح هانكس أن تحويل شعره للون الأبيض كان عملاً شاقًا على فريق
المكياج، لدرجة غير متوقعة ومُفاجئة.
فينسنت لومباردي، الذي كان قائد العبارة التي وصلت أولاً للطائرة
لإنقاذ رُكابها، لعب دوره بنفسه بالفيلم.
كاتي كوريك المذيعة التي أجرت المقابلة مع توم هانكس بالفيلم، هي
نفسها التي أجت المقابلة مع الطيار سولي في 2009.
فيلم يستحق المُشاهدة ليس لأنه الأعظم بتاريخ السينما، لكن دعونا
نقول إنه أحد الأفلام الجيدة عن استحقاق، إذ يجتمع فيها صفات كثيرة
مَحَل اهتمام فنيًا وإنسانيًا، بجانب كونه عملاً ممتعًا، لنجوم لهم
ثقلهم يحملون بقلوبنا بطاقةً تسمح لهم بالمرور دون شكوك. |