كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«الكلاسيكي المتمرد»!

مجدي الطيب

عن رحيل الساحر (صانع البهجة)

محمود عبدالعزيز

   
 
 
 
 

فيه كثير من ملامح الشخص «الكلاسيكي» وسماته: النبيل، القادم من حلم، الذي يبدأ قراءة جريدته المفضلة بصفحة الوفيات، الطفل الكبير، هادئ الطباع، قليل الكلام، المجامل، الخجول، عاشق التفاصيل، المؤمن بالقسمة والنصيب، والكاره للعجلة في اتخاذ القرارات. لكن المتابع لمسيرة «النجم» محمود عبد العزيز (4 يونيو 1946 - 12 نوفمبر 2016) يكتشف جانباً آخر في شخصيته، ألا وهو ميله الواضح إلى المغامرة، فالشاب الذي حصل على درجة البكالوريوس من كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، والماجستير في تربية النحل، لم يركن إلى الوظيفة الحكومية، ولم يؤمن بالمثل الشائع «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه»... ولما أصبح وجهاً جديداً اكتشفه المخرج الكبير نور الدمرداش، وتبناه المنتج الشهير رمسيس نجيب، لم يتردد في التخلي عن وسامته، وهجر الأفلام التي من نوعية: «حتى آخر العمر»، «مع حبي وأشواقي» و{البنت الحلوة الكدابة» ليشارك الفنان القدير محمود مرسي والكاتب الكبير وحيد حامد في فيلم «طائر الليل الحزين» إخراج يحيى العلمي، ويقترب من صلاح جاهين وعلي بدرخان في فيلم «شفيقة ومتولي»، الذي جمعه وسعاد حسني. وعندما فرضت عليه الظروف المشاركة في أفلام متوسطة القيمة مثل: «عيب يا لولو»، «عشاق تحت العشرين» و{البنات عايزة أيه» استعاد صوابه سريعاً، وبدأ مرحلة «العار»، و{درب الهوى»، و{السادة المرتشون» و{العذراء والشعر الأبيض» وتوالت أفلامه الناجحة، وأبرزها: «تزوير في أوراق رسمية»، «إعدام ميت» و{الشقة من حق الزوجة». لكني أزعم أن اللقاء الذي جمع بينه وبين المخرج داود عبد السيد في فيلم «الصعاليك» كان له تأثيره الكبير على رؤيته، وطريقة تفكيره، وربما تغيير أسلوب حياته. في أعقابه مباشرة تعاون وبشير الديك في «الطوفان»، وعاطف الطيب في «البريء»، وعلي بدرخان في «الجوع»... ثم عاد للعمل مع عاطف الطيب في «أبناء وقتلة» وبدأ تجربته الفارقة مع رأفت الميهي في «السادة الرجال» التي استكملها بثنائية «سمك لبن تمر هندي» و{سيداتي آنساتي».

بالطبع غازل عبد العزيز الجمهور بأفلام مثل: «وكالة البلح»، «عفواً أيها القانون»، «الكيف»، «الحدق يفهم»، «جري الوحوش» و{أبو كرتونة». لكنّ أحداً لا يجرؤ على اتهام أي من هذه الأفلام بالسطحية أو الابتذال والسوقية، ومن ثم لم يكن غريباً على نجمنا أن يبدأ مرحلة التسعينيات من القرن الماضي بالفيلم الأيقونة «الكيت كات» وفي توقيت متزامن مع مشاركته في فيلمي «دنيا عبد الجبار» و{فخ الجواسيس» يواصل «التجريب»، الذي بدأه مع رأفت الميهي، ويدخل المغامرة تلو الأخرى، كما فعل في فيلم «ثلاثة على الطريق» للمخرج محمد كامل القليوبي، إذ لم يكن مجرد فيلم عن سائق لوري يتنقل بعربته ما بين الأقصر والمحلة، بل كان رصداً لأحوال مصر ومتغيراتها. وفي «خلطبيطة» سار وراء النهج «الكافكاوي»، حيث الموظف البسيط الذي يسير بجانب الحائط لكن جهة أمنية مجهولة تتعقبه، وتلقي القبض عليه، وبعد أن توجه له اتهامات عدة يهرب، ويظل مُطارداً، ثم يُحاكم بشكل عبثي، وهي تجربة سينمائية صعبة تثير هلع «النجم التقليدي». لكن محمود عبد العزيز جارى فيها المخرج مدحت السباعي، وأغلب الظن أنه دفع ثمنها راضياً، كما فعل في تجربته مع المخرج منير راضي في فيلم «زيارة السيد الرئيس»، الذي جسد فيه شخصية رئيس مجلس القرية التي تنتظر القطار الذي يقل رئيس الجمهورية وضيفه الرئيس الأميركي، وقيل إنه سيتوقف فيها، ثم واصل المغامرة بشجاعة في فيلم «البحر بيضحك ليه»، الذي عاد فيه إلى التعاون مع المخرج محمد كامل القليوبي، وقدما فيلماً استعصى على فهم كثيرين عند عرضه قبل اكتشاف أهميته في ما بعد. وفي «القبطان» امتثل لإرادة المخرج سيد سعيد، واحتضن الوجوه الجديدة الشابة، وهو ما فعله مع المخرج الشاب فخر الدين نجيدة في فيلمه الأول «هارمونيكا»، حيث كان شديد التواضع وهو يستجيب لتعليماته، وكأنه يقف أمام مخرج مخضرم مثل سمير سيف في فيلم «سوق المتعة»، الذي لم ينظر إليه بوصفه فيلماً يجمع بين الإثارة ومخاطبة الغرائز، حسبما رآه البعض، بل كان سعيداً به، لإدراكه أهمية ما طرحه الكاتب الكبير وحيد حامد في ما يتعلق بثلاثية القهر والظلم والفساد. ومع وصوله إلى محطة «الساحر» تأليف سامي السيوي وإخراج رضوان الكاشف، يكشف محمود عبد العزيز عن موهبة استثنائية، وقدرة خرافية على الأداء السلس، ويؤكد مجدداً أنه صاحب مدرسة «السهل الممتنع»، بعدما سحر الجميع بنظرته الكاشفة، ورؤيته الثاقبة، وأبوته الحانية، وتمكنه من إشاعة البهجة في أي مكان يحلّ به، رغم ما كان يعتمل في صدره وقلبه من خوف وحزن يكفي الدنيا بأسرها!

ما أردت قوله إن روح المغامرة سيطرت على محمود عبد العزيز، رغم تناقضها مع مفهوم النجومية كما يراها البعض، وأبداً لم يتخل عن جرأته أو يستسلم لعقدة الخوف من الفشل، ومن ثم لم يكرر نفسه كما فعل آخرون!

الجريدة الكويتية في

18.11.2016

 
 

محمود عبد العزيز.. النضج على نار هادئة

محمد الروبي

المتتبع لمسيرة محمود عبد العزيز التمثيلية سيكتشف وببساطة أنه نضج على نار هادئة، فقد بدأ العمل السينمائى - كعادة السينما المصرية طوال تاريخها -مسنوداً على وسامته المتمثلة في ملامحه ولون عينيه ، وشعره الأصفر.

وسريعًا ما وضعه المنتجون والمخرجون في خانة "الجان" الذى يليق بأن يكون فتى شاشة يقابل ويحب ويتزوج "فتاة شاشة" هى الأخرى ذات ملامح خاصة.

من هذا الباب التقليدى دخل محمود عبد العزيز إلى عالم السينما. ولعلنا نذكر بداياته الأولى مع مسلسل "الدوامة" التى كان يلعب بطولتها محمود ياسين، ولعب هو الدور الأثير لدى السينما المصرية وهو "صديق البطل" الذى يبثه شكواه، ويسرد عليه أحداثًا تعفى الكاتب ومن ثم المخرج من تجسيدها دراميًا.

وظل محمود يسلك هذا الطريق الإجبارى حتى مع الأفلام الأولى التي قام ببطولتها وكان أولها فيلم "حتى آخر العمر" الذى أنتج عام 1975.

لكننا سنلاحظ طوال هذه المسيرة التى بدأت عام 1975 ووصلت إلى فيلم "وداعًا للعذاب" عام 1982، أن محمود عبد العزيز يصعد سلم إجادة الأداء خطوة خطوة، ليأتى فيلم "العار" في العام نفسه 1982 والذى لعب بطولته مع النجمين آنذاك نور الشريف وحسين فهمى، ليكشف عن وجه آخر من وجوهه المتعددة وهى الكوميديا، ففى هذا الفيلم سيفاجأ الجمهور بقدرات كوميدية لم يكن يعرفها في الممثل الجان ذو الشعر الأصفر، وهو الملمح الذى سيبلغ درجة مرتفعة في فيلم "الكيف" عام 1985. ليصل ذروته في فيلمه العلامة "الكيت كات" عام 1991 للمخرج المبدع داوود عبد السيد عن رواية القدير إبراهيم أصلان "مالك الحزين".

ففي هذا الفيلم سيكتشف المتلقى أن محمود ممثلا بالمعنى العلمي للكلمة، فها هو يتخلى عن وسامته بل، ويقبل - على عكس نجوم ذلك الزمان - دورًا يفضح عمره الحقيقى، إذ سيكون الشيخ حسنى والد الشاب خريج الجامعة شريف منير.

في "الكيت كات" ستشعر أن محمود عبد العزيز كان يبحث طوال مسيرته عن هذا الدور أو كأن الدور نفسه كان يبحث عن ممثل لم يكشف بعد عن كل قدراته لتنفجر هنا وفجأة مع "الشيخ حسنى".

لكن وللحق كان محمود عبد العزيز قد نجح قُبيل" الشيخ حسني " في أن يصنع علاقة خاصة جدًا، وحميمية جدًا مع المشاهد المصرى عبر مسلسله الأشهر "رأفت الهجان" الذى إلتفت حوله الأسر المصرية تتابعه بشغف، وتتعاطف مع ذلك الشاب مهضوم الحق، وتضحك منه حين توقعه "فهلوته" في ورطات متتالية، ثم تبكى معه وعليه حين يشعرون بتمزق روحه وهو يرقص كما الطائر المذبوح بفرح زائف على هزيمة المصريين في 67 ثم تبكي معه مرة أخرى حين يكتم فرحه بانتصارهم في 73.

ومن بين أعمال سينمائية كثيرة، يمكن الإشارة إليها كعلامات في تاريخ محمود عبد العزيز التمثيلي يأتى فيلم سيد سعيد "القبطان" إشارة أخرى لقدرات هذا الممثل الذى استطاع أن يعى ما يريد سيد سعيد من أداء يتراوح بين الواقعية والفانتازيا ويمتزج فيه التقمص الستنسلافسكى والتغريب البريختى.

لهذا كله، وغيره الكثير، رأيت ومازلت أرى أن محمود عبد العزيز هو النموذج للممثل الذى نضج على نار هادئة، عمقت علاقته بجمهوره فلم يكن كما الشهاب الذى يظهر فجأة ويختفى فجأة، لكنه كان كالشتلة التى تنمو ببطء لتصير شجرة تضرب بجذورها في الأرض وتعانق أغصانها السماء.

مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية في

18.11.2016

 
 

صباح السبت

محمود عبدالعزيز ومشوار العمر

بقلم : مجدى عبد العزيز

قبل أن أستعيد توازني عقب رحيل الصديق القدير نور الشريف شاء قدري أن أعود الي المربع صفر في أحزاني بعد أن غيب الموت أعز الأحباب إلي عقلي وقلبي نجم النجوم محمود عبدالعزيز الذي كنت اعتبره توأم روحي خاصة وقد جمعت بيننا ضربة البداية، ففي اول يوم لممارستي مهنة الصحافة كان هو الآخر يبدأ خطواته مع عالم الشهرة والنجومية كممثل جاء من الاسكندرية ليصنع بدموعه ودمه وابتسامته صفحة جديدة في مستقبله بعد أن ودع رسالة الدكتوراه التي كان قد عكف علي البدء في كتابتها عقب حصوله علي درجة الماجستير في تربية النحل من كلية الزراعة بجامعة الاسكندرية.

وكان محمود عبدالعزيز يتصور أن يأتي عمله الأول مع صديقه المخرج محمد فاضل زميله في كلية الزراعة بالاسكندرية والذي قدمه علي خشبة مسرح الجامعة في مسرحية «مشهد من فوق الجسر» لارثر ميلر، ولكن حلمه لم يتحقق والتقطه المخرج نور الدمرداش ليقدم أول مسلسل تليفزيوني له ثم يتزامن مع تلك الحلقات التحاقه بفرقة امين الهنيدي ليقدم معه مسرحية «لوليتا» وكان ذلك عام ١٩٧٤ وهو نفس العام الذي جمع بيننا واستمر لتمتد صداقتنا في مشوار العمر اللذيذ حتي استرد الله سبحانه وتعالي وديعته وصعدت روحه الطاهرة الي بارئها في مكان بلاشك افضل وانقي كثيرا من عالمنا هذا، فهناك تكون النفس مطمئنة وراضية مرضية.

وطوال سنوات مشوار العمر اللذيذ تعرضنا لانتصارات وانكسارات كثيرة خاصة خلال فترات الأزمات الصحية التي هاجمت كلا منا فقد كان محمود عبدالعزيز مصابا في احدي مراحل عمره بكيس مائي علي البنكرياس وبعده عاني من حمي البحر الأبيض المتوسط وكان يشكو لبعض الوقت من متاعب القولون وآلام القرحة وتردد علي العاصمة الفرنسية باريس لعدة مرات للاطمئنان علي صحته وكان دائما يخرج من كل أزمة صحية منتصرا نتيجة لقوة ايمانه وتمسكه بتعاليم الدين ومواظبته الدائمة علي اداء الصلاة في مواعيدها وقيامه بالحج والعمرة لسنوات متتالية. هكذا كان نموذجا للانسان الناجح المؤمن بفضل الله سبحانه وتعالي عليه ولم يكن يوما متمردا علي شيء ما قد تعرض له او نال منه بأذي.

والمقربون من محمود عبدالعزيز يعلمون أنه يتمتع بحالة من التصوف وعلي قدر كبير من الشفافية ورهافة الحس وهو احيانا يتوقع بعض الاشياء الحلوة او المرة ويصدق فيما يشعر به أو يتوقعه، فمثلا عندما زرنا العملاق الراحل احمد زكي قال لي عقب عودتنا من زيارته: إنه يشعر بأن نهايته سوف تأتي عن طريق اصابته بالمرض الخبيث اللعين وعندما رفضت ما يقوله متمنيا له دوام الصحة فوجئت به يقول «محدش عارف عمر مين قبل التاني ولكن لوحدث وتحقق ما أشعر به الآن ومشيت ابقي افتكرني بقراءة الفاتحة».

واعترف بأنني اصبت بالفزع بعد كلام محمود عبدالعزيز معي وحاولت تغيير الموضوع وسألته عن أمور أخري تتعلق بالمستقبل وأعماله في السينما والتليفزيون وعاتبته علي رفضه لفكرة عرضت عليه لتسجيل حلقات تليفزيونية لإحدي دول الخليج اشبه بمذكراته الشخصية فجاءني رده بصوت عال مؤكدا أنه لا يتاجر بحياته الشخصية ولا يسمح لنفسه بالتحدث عن علاقاته مع الاصدقاء او الاهل او الاقارب، فهو ابن بلد شهم وجدع ويقدس نبل الحياة ولا يرضي ان يمارس لعبة القيل والقال في مذكرات مهما كان حجم الاغراءات المالية وهكذا كان انسانا شديد الرقة والكبرياء ولم يحمل قلبه أي غل أو ضغينة ضد احد.

وربما لا يعرف احد سوي قلة محدودة من الاصدقاء المقربين لمحمود عبدالعزيز القدير انه عقب كل عمل سينمائي او تليفزيوني ناجح كان يفكر في اتخاذ قرار الاعتزال وهو علي قمة مجده متربعا علي عرش النجومية بلا منازع. فمثلا بعد «الشيخ حسني» في فيلم «الكيت كات» جاءه هاجس الاستئذان في الانصراف علي حد تعبير استاذنا هيكل فيما بعد وتكرر نفس الشيء في اعمال كثيرة تضيق المساحة هنا بذكرها ولكنني مضطر هنا لذكر ما أكده بعد نجاحه المذهل في تقديم شخصيتي «محفوظ زلطة» و«ابوهيبة في جبل الحلال» من انه بصدد تقديم مسلسل آخر من خلال شركة «فنون مصر» التي يمتلكها ابنه الاكبر «محمد» مع صديقه ريمون مقار في الموسم الرمضاني ثم يعيد بعد ذلك حساباته من جديد وقد تحقق بالفعل ذلك وشاهدناه في رمضان الماضي في حلقات «رأس الغول» الممتعة التي واصل فيها كعادته ابهارنا بسحر ادائه وقوة حضوره وكأنه كان يشعر بأنه يقدم لجماهيره وعشاقه مباراة الاعتزال.. وعقب نهاية عرض حلقات «رأس الغول» اتصلت به كعادتي معه عقب كل عمل فني ينتهي عرضه فأخبرني انه مرهق وسوف يخلد الي اجازة قصيرة ثم علمت انه طار الي باريس وانه يعاني من آلام في الاسنان وبالتحديد في منطقة «اللثة» وقد فشلت المسكنات في تهدئة آلامه ولابد من تدخل جراحي وتتم الجراحة ويعود الي القاهرة في فترة نقاهة ولكن سرعان ما يعود مرة اخري الي باريس فقد هاجمته بعض الأورام ويحتاج للعلاج الكيماوي.. وشعرت بالحزن الشديد وتذكرت ما قاله لي ونحن في زيارة العبقري احمد زكي وسألت الله أن ينعم عليه بالصحة والعافية وان يجتاز تلك المحنة كعادته دائما في المواقف الصعبة واتصلت بالمنتج الصديق ريمون مقار لاطمئن عليه بعد ان علمت أن ولديه محمد وكريم وزوجته الاعلامية الكبيرة بوسي شلبي يقيمون معه بصفة دائمة داخل المستشفي منذ عودته من باريس الي القاهرة.. وكعادة الصحفي يظل دائم البحث عن الحقيقة حتي يعثر عليها نجحت في معرفة حقيقة مرض صديق عمري محمود عبدالعزيز فقد أصيب بالانيميا الحادة وضرب المرض الخبيث الكبد والرئة والمخ ووصل للعمود الفقري واصبحت حالته ميئوسا منها ويحتاج إلي معجزة إلهية.. واسقط في يدي انني علي وشك فقد قطعة من عمري بل فقدان عمري كله وظللت ادعو له مثل الملايين من محبيه وعشاقه أن يسترد عافيته مرة اخري ويعود الينا شامخا عظيما بقامته وقيمته المبهرة ولكن لاراد لقضاء الله فقد صعدت روحه الي بارئها وهو الآن بين ايدي مليك مقتدر في جنة الخلد.

محمود عبدالعزيز وداعا يا أعز الرجال وأغلي الناس وأثق في لقاءقريب يجمعني معك في دار الحق، فتلك هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة مهما طال البقاء في عالم الاحياء.

magdeabdlaziz@gmail.com

محمود عبد العزيز مفاجأة خالد جلال التي أبكت العيون

قال المخرج المسرحي والمؤلف د.خالد جلال أن رحيل النجم الكبير محمود عبد العزيز كان صدمة كبيرة كان عليه تداركها أثناء تحضيره لحفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حيث قرر جلال أن يفتح الستار علي مجموعة لصور الساحر مع موسيقي رأفت الهجان في الخلفية وعرض أبرز المشاهد التي قدمها علي مدار تاريخه الفني وهو ما أبكي جميع الحضور في الحفل حيث وقف الجميع تحية للنجم الراحل واختلطت دموعهم مع سعادتهم بهذا التكريم الكبير حيث تم اهداء الدورة لروحه.

 وأضاف خالد جلال: أن الحفل قبلة منا إلي روح الغالي محمود عبد العزيز فقد اردت ان يكون وداعه بسيطاً ومبهجاً، كما كان مبهجا لنا طوال حياته علي الرغم من انه وجع كثير من القلوب المحبة له كما كان رحيله موجعا، وأضاف:» جاء رحيل النجم الكبير ليتم تغيير أشعار اغنية حفل الافتتاح ليتم اضافة الجزء الخاص به ضمن نجوم السينما العالمية والعربية والمصرية والهندية، واستطاعت المطربة الجميلة نسمة محجوب أداء العرض ببراعة وتفاعل معها الحضور بشكل جيد».

وكان خالد جلال قد أجل كتابة مسلسل النجمين تامر حسني وياسمين عبد العزيز، لحين الانتهاء من مهرجان القاهرة السينمائي لدورته الـ38، المقرر أن يخوض به تامر وياسمين السباق الرمضاني المقبل 2017 من إخراج محمد سامي لاسيما أن هناك ورشة تحت إشرافه بدأت في كتابة العمل. ويشار إلي أن آخر أعمال المخرج السيناريست خالد جلال فيلم «عصمت أبو شنب»، والذي عرض ضمن أفلام عيد الفطر الماضي، وحقق نجاحًا كبيرًا، وشارك في بطولته النجم التونسي ظافر العابدين، شيماء سيف، وعدد آخر من النجوم، إخراج سامح عبد العزيز.

أخبار اليوم المصرية في

18.11.2016

 
 

محمود عبدالعزيز يعزف سيمفونية الفرح

الدار البيضاء - نور الدين محقق

يشكل فيلم «الكيت كات» الذي لعب فيه الراحل محمود عبدالعزيز واحداً من أجمل أدواره وربما أجمل دور في السينما المصرية، قفزة نوعية لهذه السينما بصفة خاصة والسينما العربية بصفة عامة، إذ إن المخرج داوود عبد السيد استطاع أن يجمع فيه بين براعة الأداء الفني المتميز، وبين الحبكة الدرامية المتقنة، إضافة إلى الطرح الفكري المتميز والهادف، الذي يقف إلى جانب قوى النور التي تسعى لاكتساح ظلمات الواقع. فهذا الفيلم المستند في حكايته إلى رواية «مالك الحزين» للكاتب المصري المعروف إبراهيم أصلان، قد استطاع تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في التوفيق بين عالمين مختلفين وإن اقتربت مراميهما وأهدافهما الفنية، عالم الرواية وعالم السينما.

ينفتح هذا الفيلم انفتاحاً موسيقياً أولياً، إذ تغمر الحي بأكمله أغنية شعبية تبعث على الانشراح وتفتح سبل الأمل في النفس، آتية من أعماق دكان الشيخ حسني - محمود عبدالعزيز. هذا الشيخ اللعوب الذي لا هم له سوى الانغماس في أحضان السهر والمجون. وتصاحب هذه الأغنية لقطة جد رتيبة يتجسد فيها اثنان من رجال الحرس الليلي وهما يجوبان شوارع الحي وأزقته ويحاولان استكناه خباياه ومعرفة ما يدور في داخله. بعد هذا تنصب الكاميرا على دكان معين وتسبح بأشعتها داخله، لتسمح للرائي بأن يتعرف إلى الشيخ حسني وجماعة من أصحابه وهم يسبحون في عالم لا متناهٍ من الأحلام الوردية، لا يصحبهم إلا العود بنغماته الدافئة ولفائف الدخان المتصاعد بكثافة حاملاً معه رائحة الحشيش. من خلال هذه اللقطات المتتابعة، نلاحظ أن هذا الشيخ الكفيف يكاد يتميز بخاصيتين أساسيتين، أولاهما أنه صاحب مزاج ونكتة، ولاذع في سخريته سواء من نفسه أو من أصحابه، وثانيهما أنه رجل صلب، يكاد العناد يشع في كل حركة من حركات وجهه. واعتماداً على هاتين الخاصيتين سيحاول المخرج داوود عبد السيد أن يقدم لنا عالم هذا الشيخ ويحدد واقع الحي الذي يعيش فيه، هذا الحي الذي يقدم باعتباره نموذجاً واقعياً لكل ما يقع في المجتمعات العربية، بل يمتد إلى غيرها من المجتمعات حتماً. إذ من خلال الاقتراب من هذا العالم، والدخول في متاهاته سنبدأ في التعرف إلى شرائح هذا المجتمع المقدم بكل أحلامها وطموحاتها وبكل هواجسها وخيالاتها، وبكل ما تعيش فيه من مشكلات وصعوبات جسيمة مردها إما إلى الفقر وإما إلى الجهل أو إليهما معاً. وحتى تتضح لنا الرؤية سنتناول دراسة هذا الفيلم من خلال العلاقات القائمة بين شخوصه. هذه العلاقات التي تنبني عليها أحداثه الكبرى الصانعة عالمَه الكلي والخالقة الجوَّ الدرامي المسيطر عليه. هذه الشخوص التي تتعالق في ما بينها تعالقاً متعدد الجوانب، فهناك شخوص يجمع بينها الرابط الدموي، وخير مثال على ذلك أسرة الشيخ حسني، وهناك شخوص أخرى ترتبط في ما بينها على أساس تحقيق المصالح، ولعل من أوضحها العلاقة التي تربط بين هرم، تاجر المخدرات، الذي جسد شخصيته الفنان نجاح الموجي، وبين زبانئه والمتعاملين معه ومن بينهم الشيخ حسني نفسه، الذي باع له البيت والمقهى اللذين كان يمتلكهما. ونظراً إلى أن هذه العلاقات تتشابك في الفيلم وتتعدد مساراتها لتصب في النهاية في اتجاه واحد لا يكاد يخرج عن دائرة الشيخ حسني وابنه يوسف، فإن مقاربتنا لهذا الفيلم ستتركز على هذه الدائرة بالذات باعتبارها تمثل البؤرة الأساسية له.

بحثاً عن حرية

يرتبط الشيخ بابنه ارتباطاً روحياً كبيراً، فإضافة إلى علاقة الأبوة والبنوة التي توجد بينهما، هما يرتبطان برباط حبهما العميق للغناء المعبر عن آلام النفس الإنسانية على رغم اختلافهما في الطبع اختلافاً عظيماً. فإذا كان الأب يميل إلى المجون والعربدة التي تتمثل في معاقرة النبيذ والارتماء في أحضان النساء من دون وازع أخلاقي أو حتى خوف من الناس وكلامهم المر، فإن الابن يكاد يشكل الصورة النقيض لأبيه، فهو منطوٍ على ذاته، يعيش عالماً داخلياً رهيباً، موزعاً بين عوالم الكتب الخيالية والرغبة الجامحة في الرحيل والسفر إلى أرض الآخر، والعيش فوق أديمها، هذه الأرض التي ترمز بالنسبة له إلى الحرية وتحقيق الآمال. وسيتجلى هذا الاختلاف عبر لقطات الفيلم المتعددة، فهناك اللقطة التي تجمع بينه وبين جارته المطلقة التي تعشقه وتسعى بكل قواها للعيش معه.

وحين يتحقق لها هدفها يخذلها هو في اللقاء الأول بينهما. يوسف لا يستطيع أن يحقق لجارته تلك رغبتها، ومرد ذلك يعود، إلى أن هذه المرأة تمثل بالنسبة إليه كائناً لا يمكن احتواؤه. فهي جارته وهي أكثر من ذلك تقيم علاقة طيبة مع جدته، أو أن الأمر يعود فقط لانشغاله الشديد بالتفكير في كيفية تهيئ رحيله من حي «الكيت كات» الذي يعتبره جحيماً لا يطاق العيش فيه. وستكون هذه اللحظات التي يعيشها الابن الآن بصحبة هاته المرأة، من أشد اللحظات قساوة على نفسية الأب إذ لا تكاد أذناه تلتقط كلمات ابنه المريرة التي يعلن فيها للمرأة الولهى عن عجزه، حتى يصرخ الأب من أعماقه لاعناً هذا الابن الذي أفقده رجولته هو الآخر. إضافة إلى هذه اللقطة، هناك لقطة أخرى رائعة يتجسد فيها التكوين الدرامي في أبهى صوره المعبرة، تلك هي اللقطة التي تجمع بين الابن يوسف وأبيه الشيخ حسني، والتي تنتهي بصفعة قوية من الأب لابنه هذا، إذ ما إن يعلم يوسف أن أباه قد باع البيت وأنه قد أنفق كل ما أخذه من بيعه في السهر مع أصدقائه، من دون أن يمنحه هو شيئاً يهيئ له أسباب السفر إلى الخارج، حتى يستشيط غضباً ويتتبع خطى والده بعد أن انتهى من سهره المعهود، محاولاً معرفة مكان وجهته. إلا أن الأب يحس به ويناديه باسمه ويتردد الابن كثيراً ليعلن لأبيه أنه قد علم بكل شيء، وأنه أي الأب قد خذله، ولم يقف بجانبه حين احتاجه، بل في لحظة من لحظات الغضب الأعمى يتسرع الابن فيها ليهاجم أباه بأنه ليس إلا رجل حشيش لا إرادة له. فما يكون من هذا الأخير إلا أن يصفعه. ولتوضيح هذا الجو الدرامي، فإن الكاميرا ستركز في هذه اللقطة بالذات على وجه الأب لنرى – نحن المتلقين – دمعتين تترقرقان بالكاد على خديه، ما يشحن المشهد بالأسى ويجعله أكثر تأثيراً. هذه بعض اللحظات الحرجة التي تجمع بين الشيخ حسني وابنه يوسف.

أما عن اللقطات الأخرى التي يسود فيها الوئام والود اللامتناهي، فيمكن توضيحها من خلال اللقطة التي تجسد وقوع الشيخ ورفيقه الكفيف في مياه البحر بعد أن تم الإيقاع بهما من طرف أحد أعوان المالك الجديد الذي رفض الشيخ حسني أن يبيعه الدكان بالسعر الذي قدمه له. هنا، نجد الابن يسعى بكامل قواه لإنقاذ أبيه وصديقه ثم بعد ذلك ينهال على العون الذي أوقع بهما ضرباً ولطماً حتى يشفي منه غليله. إلا أن من أروع اللقطات التي تبين لنا التحام الأب والابن معاً، هي تلك اللقطة الأخيرة المتميزة، التي نجد فيها الابن والأب يركبان معاً دراجة نارية وتنطلق بهما في عرض الشارع الكبير، والزمن ليلاً. ومن لطائف هذه اللقطة أن الأب الأعمى هو الذي تكلف بسياقة هذه الدراجة النارية وبسرعة جنونية لا تتصور، ما يجعله يكاد يلقي بنفسه وبولده تحت عجلات إحدى الشاحنات لولا أن الابن سيستطيع في اللحظات الأخيرة أن يغير اتجاه الدراجة النارية لترمي بهما في البحر. هنا في هذا الحدث الدرامي الرائع الذي ستصبغ عليه الظلمة جواً من الرهبة وكثيراً من عناصر الرومانسية، ينهض الأب بعد أن يخرج هو وابنه من مياه البحر المتلاطمة، ويأخذ عوده ويبدأ في الغناء، فما يكون من الابن إلا أن يغني معه، من أجل الغد المشرق الآتي.

تجدر الإشارة إلى أن محمود عبدالعزيز الذي قام بتجسيد شخصية الشيخ حسني قد استطاع أن يتوحد مع هذه الشخصية، ويبدع فيها أيما إبداع. استطاع بقدراته الفنية أن يوهم المتلقي هذا الفيلم، وذلك انطلاقاً من رنة الصوت، ومن حركات العينين والفم خصوصاً، وباقي التعبيرات الجسدية الأخرى، أنه فعلاً رجل أعمى، تخونه الرؤية فترتعد فرائصه، ويستبد به التهور فيخترق الشوارع ممتطياً دراجة نارية غير هياب ولا وجل من عوارض الطريق الممتلئ. أما عن شخصية الابن، فقد جسدها الفنان شريف منير ببراعة فائقة، تمثل ذلك في قدرته على تكييف نفسيته الداخلية عبر المواقف الدرامية التي تتعرض لها هذه الشخصية، ومحاولة التعبير عن دواخلها بكل فنية واقتدار، كما ساعدته على هذا التجسيد الملفت، ملامحه الخارجية التي تجمع في طياتها بين الإيهام بالفتوة وبين الإيهام بالحلم الطفولي في الآن ذاته. أما عن باقي الشخوص الأخرى التي تساهم في خلق أحداث الفيلم، فلعل من أهمها شخصية المرأة المطلقة التي تخلى عنها زوجها بعد أن تمكن من الرحيل إلى الغرب، وأرسل لها من هناك ورقة طلاقها. فهذه الشخصية جسدتها الفنانة عايدة رياض بتفاعل قوي مع خبايا نفسيتها الشديدة التعقيد. وفيها تمثل نموذجاً حياً للشخصيات المركبة التي يصعب تجسيدها، إذ فيها تلتقي عناصر المأساة وتتوحد. ولقد جسدت هذه الشخصية بكل روعة، بل بكثير من الالتحام الروحي معها، الفنانة المقتدرة أمينة رزق، بحيث منحتها حياة حقيقية ومدتها من ذاتها الحقيقية بمزيد من البساطة الممتنعة والتلقائية غير المواتية إلا لذوي المواهب الكبيرة وذواتها من أمثال فنانتنا هاته.

على كل، يبقى هذا الفيلم السينمائي الرائع دليلاً ساطعاً على نجاح السينما وهي تتلاحم مع الأدب الروائي، ولكن بخاصة على الإبداع في الأداء الذي ميّز الراحل محمود عبدالعزيز حين عمل تحت إدارة مخرج مبدع.

الحياة اللندنية في

18.11.2016

 
 

مرثيّة محمود عبد العزيز

نصري حجاج

كان على الممثل محمود عبد العزيز أن يعيش أكثر من سبعين عاماً، لكنه الموت. ربما كان من الممكن أن يطوّر في حرفته سنوات مقبلة ذلك السحر الذي يستولي على مخيلة المتفرجين ويأسرهم ويأخذهم في منعرجاتٍ ودروبٍ من المتعة والدهشة التي يصنعها الأداء في هذا الفن الملتبس أمام التحليل النفسي. كان عبد العزيز في نهاية العشرينات عندما اكتشف أن هندسة الزراعة التي درسها ليست ما يبحث عنه في رحلة الحياة، فقد كان التمثيل هدفه الذي سيحدّد مسار حياته. وكانت السينما المصرية مكتظةً بنجوم التمثيل، لكن محمود عبد العزيز جاء بكامل حمولته إلى هذا العالم الغني بالمنافسة. كان شاباً وجميلاً، هكذا نستطيع أن نقول إنه كان شاباً جميلاً، وأبعد من الوسامة، كما درج وصف الرجال، وكان جماله، في بعض تجلياته، أنثوياً. وكان صوته ملازماً لصفاته تلك، فنادراً ما كان يعلو في الأدوار الأولى التي لعبها على الشاشة. كان صوته خافتاً هادئاً ورقيقاً، وفيه من الخفر والخجل ما يشي بوجل البوح بمكنونات شخصيته. وكان على محمود عبد العزيز أن يكبر بالعمر، لكي تتطور شخصية الممثل المؤدي ببراعة أدواراً تتطلب تلك الثقة العالية، بالطاقة على الإبداع، وإظهار المقدرة على تقمص شخصيات بعيدة وقصية عن شخصيته في الواقع. ولكي تزيل كل قراءةٍ أولى وسطحية لشخصيته، وتضع المتفرج أمام شخصيةٍ أخرى، غير ما نراه على الشاشة. 

قليلون هم الممثلون الذين امتلكوا قدرات الإمساك بقوة التحكم بالصوت وملامح الوجه وحركات الجسد كاملاً، مع صحوة العقل المبدع، كما فعل محمود عبد العزيز، وربما هذا ما جعله ممثلاً مهيمناً على مخيلة الجمهور، وماسكاً ذاكرتهم ومانعاً للنسيان، وفاتحاً طرق التذكّر الذي لا ينقطع. سنتذكّر محمود عبد العزيز الذي طوّع الصوت، ليخدم الشخصية التي يؤديها بطريقةٍ لا يشبهه فيها أحدٌ من مجايليه. ليس الصوت الطبيعي الذي يميز شخصاً عن آخر، بل الصوت المُختَرع القادم من موهبة الأداء التي تزيح الضجر والرتابة، حتى في تقلبات الشخصية المؤداة في الفيلم أو المسلسل. سيتذكّر النقاد وعشاق السينما الأدوار الكثيرة العالقة في الذاكرة بعد رحيله. والممثل المبدع لا يفاضل بين دور ودور، فالمفاضلة مهنة النقاد، لأنهم خارج ذات الممثل، وخارج ذلك الضجيج والتشابك السيكولوجي الذي تزدحم فيه تلك الذات. 

وعندما نحكي عن محمود عبد العزيز، أو نكتب عنه، سيكون من الظلم أن نسقط عليه تقييماتنا الآتية من أحكام مسبقة عن حرفة التمثيل، أو مواقفنا التي يختلط فيها السياسي مع الفني مع الشخصي. سوف نتذكّر بالضرورة "رأفت الهجان"، المسلسل الذي كشف فيه محمود عبد العزيز عن موهبة الأداء في حلقاتٍ كثيرة، ومن ذلك المشهد الفاتن في الحلقة السادسة من الجزء الأول، حين أجرى مقابلة هدفها اختياره لمهمته. ومن منا لا يذكر إبداع صوته المتغيّر في أقل من ثانية معبّراً عن الخوف من التفكير بالإعدام، والزهو بمهمته في الوقت نفسه. وسوف نتذكّر الشيخ حسني في فيلم "الكيت كات"، ليس شخصية روائية فقط، بل أداءً خارقاً للسائد. وكيف لنا أن ننسى أداءه في "الساحر" و"الجوع" و"إبراهيم الأبيض" و"القبطان" و"الكيف" و"باب الخلق"، بطريقة كان من الصعب أن يبدع فيها ممثلٌ غيره. 

دخل عبد العزيز إلى مخيلة الجمهور، واستوطن قلوبهم في كل مكان من العالم العربي. ولم تكن شخصية رأفت الهجان التي جعلته نجماً محبوباً لملايين العرب، لأن الهجان كان بطلاً قومياً يعوّض الشعور بالهزيمة لدى العرب، فتماهى معه المشاهدون، فقد سبقه مسلسل "دموع في عيون وقحة" لعادل إمام الأكثر شعبيةً من عبد العزيز، لكنه لم يحظ بذلك الإعجاب، على الرغم من تشابه الثيمة، وتقديم بطل قومي بارع. وهنا، قوة الإبداع وعبقرية الأداء لدى محمود عبد العزيز التي لن تُنسى.

في تذكّر "مالك الحزين"

معن البياري

طبيعيٌّ أن يكون "الشيخ حسني" الضرير في فيلم "الكيت كات" (إنتاج 1991) أبدع الأدوار التي أدّاها النجم محمود عبد العزيز في السينما، ليس فقط لأنه تفوّق فيه، بأداء أخّاذ، بل أيضاً لأن قدرات أيّ ممثلٍ بارعٍ إنما تُختبر في تمثّل الشخصيات ذات المواصفات الخاصة، ففي وسع كثيرين أن يُجيدوا في أدوار أستاذ الجامعة ورجل الأعمال والأب والموظف، غير أن قليلين يبرعون في تأدية أدوار الأعمى والأخرس والمشلول والمعتوه والمجنون. ولهذا، فإن مشهد صلاح منصور في تحفة صلاح أبو سيف "الزوجة الثانية" (1967)، نصفُه مشلولٌ على السرير، يحاول انتزاع بندقيّته من على جدار الحجرة، ثم سيره إلى النافذة، ليصوّب على زوجتيه المتشاجرتين (سناء جميل وسعاد حسني)، لا مبالغة في اعتبار هذا المشهد من أهم ما شوهد في السينما العالمية. وكان بالغ الإدهاش أداء داستن هوفمان في فيلم "رجل المطر" (1988). ولا يُغفل أبداً أداء محمود ياسين دوري الأخرس في "الأخرس" (1980) والزبّال في "انتبهوا أيها السادة" (1978). ولكن الضرير في "الكيت كات" لم يكن ضريراً فحسب، كان شخصيةً (أو حالةً؟) مبتهجةً بالحياة، أو على الأصح، تُصارع ضغوط الحياة وعنَتها باستدعاء الفرح، يحتال عليها، ويتعاطى الحشيش، ويغنّي ويعزف على العود. 

انتشل داود عبد السيد هذه الشخصية المركّبة، من رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين" (1983)، وجعلها بطل فيلمه، فيما هي ليست مركزيةً في الرواية. وجعل يوسف، الشاب المثقف المحبط، خرّيج الجامعة العاطل، الخائف، ابنه، فيما هو ليس كذلك في الرواية التي يكاد يكون البطل الأول فيها. وذلك في تغييرٍ غير قليل أحدثته كتابة داود عبد السيد وإخراجه الفيلم على الرواية القصيرة (نحو 140 صفحة) التي تبلغ الشخصيات فيها نحو مائة، والتي لا مساراً لحكايةٍ متتابعةٍ فيها، وإنما تتلملم فيها حكاياتٌ وفيرةٌ تتقاطع، وتتداعى في سرد الراوي، كيفما اتفق أَحياناً، في زمن القصّ الذي لا يتجاوز يومين، في حي إمبابة الشعبي في القاهرة. ويمكن حسبان موت بائع الفول "العم مجاهد"، وقرار إخلاء المقهى لإقامة بنايةٍ مكانها، حدثيْن تطوف عليهما التفاصيل والوقائع المتناسلة من بعضها في الرواية. أبقى عبد السيد على بعض الشخصيات، وأقام أحياناً علاقاتٍ جديدةً بينها، واستغنى عن كثيرين، وحافظ على الروح العامة في الرواية، لكن الأبرز، في عمله هذا، أنه صنع من شخصية "الشيخ حسني" بؤرةً مركزيةً في الفيلم الذي يُحسب كوميدياً اجتماعياً، على غير حال الرواية، المتقشّفة، المستغرقة في وصف الأشياء وفضاءات المكان، والحياديّة إلى حد كبير في تظهير الشخصيات التي انشغل السرد بعوالمها الخارجية، من دون اكتراثٍ بدواخلها. 

ومما أحدثه مخرج الفيلم وكاتبه أنه سمّاه "الكيت كات" باسم مكان مشهدياته في حي إمبابة، والمعنى البادي في هذا الإجراء، البالغ الوجاهة، أن المكان ليس فضاءً فقط، وإنما مركزيٌّ جداً في الفيلم السينمائي، كما في الرواية التي يعدّ المكان البطل الأساسيّ فيها، ما دام لا بطولةَ واضحةً لأيٍّ من شخصياتها المتعدّدة. وعندما يختار إبراهيم أصلان اسم ذلك الطائر الجميل، مالك الحزين، الذي يعيش عند الأنهار، وإذا ما جفّت يصير في حزنٍ يعبّر عنه في تغريداتٍ حزينة، فذلك يوحي بإحالةٍ إلى ما صار يُصيب مجتمع إمبابة من تصدّع، أو تحوّل، أو غروب، مع وفاة "عم مجاهد" الفوال وهدم مقهى الحي، فيما ناسه طيبون ووديعون. وقد يحيل هذا الاسم، أيضاً، إلى الحزن المقيم في شخصية يوسف النجار، الشاب المثقف الخائب، والموجوع بفشله وقلة حيلته، بل وضعفه الجنسي أيضاً. لم يحفل الفيلم بالأمريْن كثيراً، وإنما عمد إلى تشخيص مغالبة العيش بالفرح الشفيف الذي يقيم عليه "الشيخ حسني"، الضرير الذي يعدّ حواره مع "عم مجاهد" الميّت، قبل أن يعرف أنه ميّت، مشهداً بالغ الحرارة في الفيلم (أظنه مشهداً غير حاضر في الرواية؟)، فبدت مكاشفةُ الكفيف مع الميت عن أحوال الدنيا إيجازاً عن حالٍ أعمّ وأوسع. وكانت الرغبة بهزيمة الواقع واضحةً في "الشيخ حسني"، في فيلم"الكيت كات"، وفي رواية "مالك الحزين" التي أخذتنا وفاة الفنان محمود عبد العزيز، أخيراً، إلى استعادتها، والتملّي في تلك الروح المصرية المتعبَة فيها. 

العربي الجديد اللندنية في

18.11.2016

 
 

استعدادات “الساحر” لـ”حتى أخر العمر

أحمد حسين صوان

كشف المنتج محسن علم الدين، كواليس تصوير فيلم “حتى آخر العمر”، الذي تصويره في مطلع عام 1974، موضحًا أن الدور كان مرسومًا للفنان حسين فهمي، لكنه اعتذر عن تجسيد الدور، وعلى الفور تم عقد اجتماع مع رمسيس نجيب، وأشرف فهمي ووجيه فريد، للبحث عن شخصية فنية تجسد الدور.

أوضح “علم الدين” خلال ندوة “صانع البهجة.. في حب محمود عبد العزيز”، ضمن فاعليات اليوم الثالث لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين، إن “فريد” اقترح الفنان محمود عبد العزيز، لتجسيد الدور، حيث أشاد بدوره في مسلسل “الدوامة”، مضيفًا أنه سافر إلى الإسكندرية للاتفاق مع “الساحر” لتجسيد الدور.

أضاف أن محمود عبد العزيز اتفق على العقد وتجسيد الدور في جلسة واحدة، حيث قرأ السيناريو ومضى على العقد، وفي اليوم التالي بدأ التحضير للدور، حيث أن دوره كان يتطلب التدريب على ركوب الخيل، وقيادة السيارات، مشيرًا إلى أنه كان يذهب إلى مطار ألماظة في طيارة هليكوبتر، لمعايشة الضباط وجو الطيران، وكان قائد الهليكوبتر آنذاك “منير ثابت”.

تابع أنه بعد عرض فيلم “في آخر العمر” بات محط اهتمام من الجميع خاصة ضباط الجوية، موضحًا أنه تعاقد بعدها على أفلام وهم “وادي الذكريات”، و”السادة المرتشون”، و”ياعزيزي كلنا لصوص”، مضيفًا أنه كان فنانًا ملتزما ومحبًا لعمله.

ذكر “علم الدين”، أنه بعد تصوير فيلم “يا عزيزي كلنا لصوص” سافر فريق العمل إلى إيطاليا، واستضافتهم أكاديمية الفن في روما، حيث عرض “علم الدين” على محمود عبد العزيز، بالإقامة في أحد الفنادق، إلا أن الأخير رفض على الفور، قائلًا: “ليه هو أنتم أحسن مني في أيه”، مضيفًا أنه ظل في الأكاديمية مع فريق العمل لمدة 10 أيام، مؤكدًا أنه تميز باختلاف أداراه، وتفوقه في تجسيدها، وأعماله ستظل باقية.

وصية الساحر لـ”سمير صبري

أحمد حسين صوان

روى الفنان سمير صبري، الذكريات التي جمعته مع الفنان الراحل محمود عبد العزيز، قائلًا: “جمعنا حب البحر وأكل السمك المشوي”، موضحًا أن الساحر تعرض لوعكة صحية في تسعينيات القرن الماضي، حيث شعر بألم شديد في بطنه، تطلب سفره إلى باريس، لإجراء عملية جراحية على يد خبراء من الأطباء.

أوضح “صبري” ” خلال ندوة “صانع البهجة.. في حب محمود عبد العزيز”، ضمن فاعليات اليوم الثالث لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين، إن “الساحر” أوصاه قبل دخوله إلى غرفة العمليات، بأنه يتم “رش” مياه البحر على قبره، وذلك في حضور شقيق “الساحر، وزوجته الأولى.

تابع أنه بعد إنهاء العملية، شهدت حالته الصحية تحسنًا جيدًا، حيث داعبه “الساحر” بقوله: “الظاهر ماحدش هيرش مياه بحر على قبري يا سمير”، موضحًا أنهما تجولا في شوارع باريس، لقضاء فترة نقاهة، حيث تأملا الفن المعماري، والتحدث باللغة الفرنسية.

أوضح سمير صبري، أنه أوصى محمد وكريم محمود عبد العزيز، بـ”رش” زجاجة مياه بحر، على قبر والدهما، في أول زيارة إليه بالإسكندرية، مضيفًا “كان اسكندراني ابن بلد جدع جدًا”.

أشرف زكي ينتقد الحكومة بسبب “الساحر

أحمد حسين صوان

حرص الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، على توجيه الشكر لإدارة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثامنة والثلاثين، والناقد السينمائي طارق الشناوي، على سرعة تجاوبهم مع خبر وفاة الراحل محمود عبد العزيز، وتنظيم ندوات تحمل اسم “الساحر.”

قال “زكي” خلال ندوة “صانع البهجة.. في حب محمود عبد العزيز” ضمن فعاليات اليوم الثالث لمهرجان “القاهرة السينمائي” إن خبر الوفاة كان أليمًا أصاب الأمة العربية، موضحة أن مصر حضرت العزاء يوم الأربعاء الماضي، وعدد كبير من الشخصيات بالدول العربية حرصت على حضور واجب العزاء، فضلًا عن ممثلين من جهاز المخابرات.

أوضح أن محمود عبد العزيز استطاع أن يوضح قيمة ودور جهاز المخابرات للشعب، مقدمًا الاعتذار لكل فنان أو شخص من جمهور “الساحر” تغيب عن حضور الندوة أو العزاء، موضحًا أن ذلك الأسبوع، كان مليئًا بالأحداث ومن الضروري التماس الأعذار.

أشار إلى  أن اللواء كمال الدالي محافظ الجيزة، حضر واجب العزاء، واقترح بإطلاق اسم “محمود عبد العزيز” على أحد الشوارع أو المراكز الثقافية تقديرًا لجهوده ومشواره الفني، بالإضافة إلى طلب اللواء رضا فرحات محافظ الإسكندرية الذي طرح نفس الاقتراح، موضحًا أن هذا يدل على قيمة الفنان محمود عبد العزيز، قائلًا: “رحل الجسد لكن مشواره الفني الطويل باقٍ يتعلم منه أجيال.”

انتقد الدكتور أشرف زكي، الحكومة لتجاهلها تكريم “الساحر”، وعدم تنظيمها عزاء رسمي له، موضحًا أنه كان من الضروري على الدولة تنظيم عزاء تقديرًا لجهوده، حتى ولو سطر صغير، مضيفًا أن الفنان ليس موجودًا في “أجندة” الدولة، وأن الأخير تكون في حاجة إليهم عند “تزويق” التورتة.

صورة الساحر تتسبب في “خناقة” بمهرجان القاهرة

سما جابر

تسببت صورة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، في اشتعال مشادات كلامية بين بعض المنظمين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة الـ38.

فقبل بداية الندوة التكريمية للفنان الراحل التي تقام حاليا على المسرح المكشوف بدار الأوبرا بعنوان “ندوة في حب صانع البهجة”، وخلال نقل المنظمين للبوستر الذي يحمل عدد من صور الساحر، نشبت مشادة كلامية بين المنظمين بسبب خوفهم من أن يؤثر “البوستر” على شاشة العرض الموجودة بالمسرح، لكن سرعان ما تدخل البعض وانتهت المشادة.

حضر الندوة التكريمية للفنان الراحل عدد كبير من النجوم أبرزهم نقيب الممثلين الفنان أشرف زكي والفنانة بشرى ورئيس المهرجان ماجدة واصف والمخرج شريف مندور والناقد طارق الشناوي والفنانة إلهام شاهين ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل وغيرهم.

طارق الشناوي: “إرادة الساحر” هي السبب الحقيقي في تأجيل العزاء

سما جابر

وجّه الناقد الفني طارق الشناوي الشكر لنقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، مؤكدا أنه عندما اقترح إقامة أمسية في حب الساحر، خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ38، وافق على الفور كأنه كان يفكر في ذلك أيضًا.

في السياق ذاته قال “الشناوي” خلال ندوة تكريمية تقام حاليًا على المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، بعنوان “ندوة في حب صانع البهجة”، أنه شعر بأن من قام بتأجيل العزاء ليس أبناء الفنان الراحل، بل إرادة الساحر نفسه، هي التي قررت تأجيل العزاء حتى لا يتعارض مع افتتاح المهرجان الذي كان من المفترض أن يقام في نفس وقت العزاء قبل تأجيله.

لفت الناقد الفني إلى أنه من فرط حب محمود عبد العزيز للفن، فمن المؤكد أنه إذا كان موجودا، لم يكن يريد أن يكون سببا في إحداث توتر في مهرجان القاهرة.

روى طارق الشناوي أيضًا موقفًا حضره مع الفنان الراحل، في عام 2000، في أثناء حضورهم أحد المهرجانات خارج مصر، حيث تم عزف موسيقى مسلسل رأفت الهجان بدلًا من النشيد الوطني.

آية من الإنجيل لم تفارق هاتف محمود عبد العزيز

سما جابر

رثى الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي للسينما، الفنان الراحل محمود عبد العزيز، مُشيرًا إلى أنه ما زال حيّ بفنه وأعماله وروحه وذكرياته مع محبيه، لافتًا إلى أنه قابله وكرمّه أكثر من مرة، لكن هناك مرة واحدة لم يستطع نسيانها حتى الآن.

أضاف “دانيال” خلال كلمته في ندوة أقيمت مساء اليوم، الجمعة، في دار الأوبرا المصرية، وأدارها الناقد الفني طارق الشناوي ونقيب المهن التمثيلية أشرف زكي، أنه قابله مرة خلال تصوير مشهد من فيلم “ليلة البيبي دول” وعاتبه وقتها وقال له: “أنا زعلان منك لأني ببعتلك رسالة تهنئة وما بتردش”، فيما اعتذر له الساحر قائلًا له إنه مُتعب قليلًا وحزين، تابع “دانيال” أن الفنان الراحل قال له إن سبب حزنه أن والدته أنشأته على عدم التمييز بين الأشخاص على حسب ديانتهم أو عرقهم أو جنسهم، وأن هذا عكس ما يراه حاليًا ممن حوله.

استطرد رئيس المركز الكاثوليكي أنه رد على محمود عبد العزيز بآية من الإنجيل، قائلًا: “يقول لك الله (تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم)”، لافتًا إلى الراحل وعده ألا يزيل هذه الآية من هاتفه طوال حياته.

عبد الملك زرزور” سبب اعتزال الساحر للسينما

سما جابر

روى الفنان سمير صبري، أن الفنان الراحل محمود عبد العزيز غضب بعد عرض فيلم “إبراهيم الأبيض” نظرًا لحذف بعض مشاهده من الفيلم، لافتًا إلى أن هناك البعض من الموجودين بالوسط قاموا بـ”تسخين” الأمر مما جعل الساحر يقرر اعتزال السينما.

أضاف “صبري” خلال ندوة تكريمية انتهت قبل قليل أقيمت للفنان الراحل في دار الأوبرا المصرية على هامش فعاليات الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أنه حاول اقناعه بأنه من المؤكد أن الفيلم استلزم حذف بعض مشاهده، وأنها رؤية المخرج التي تصب دائما في صالح العمل، كما حاول أن يقنعه بالعدول عن قرار اعتزاله للسينما.

من جانبه علق طارق الشناوي مُشيدًا بدور الراحل في فيلم “إبراهيم الأبيض” قائلًا: “هذا مسك الختام في تاريخ محمود السينمائي، والفيلم مدين بنجاحه لمحمود عبد العزيز”.

يذكر أن فيلم إبراهيم الأبيض من بطولة كل من أحمد السقا ومحمود عبد العزيز وهند صبري وعمرو واكد وسيد رجب ونضال الشافعي وإخراج مروان حامد وتأليف عباس أبو الحسن، وإنتاج عام 2009.

إلهام شاهين عن محمود عبد العزيز: كان حزين

سما جابر

أبدت الفنانة إلهام شاهين، استيائها من فكرة تكريم الفنانين بعد وفاتهم، وآخرهم الفنان محمود عبد العزيز، من قِبل المهرجانات المصرية، مُضيفة: “نفسي يتكرموا في حياتهم مش قبل ما يموتوا، نجومنا عمالين يروحوا واحد ورا التاني”.

تابعت “شاهين” خلال كلمة ألقتها في ندوة بعنوان “في حب صانع البهجة” بدار الأوبرا المصرية، أقيمت مساء اليوم الجمعة، على هامش فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة الثامنة والثلاثين، أن مصر لديها ثروة من الفنانين ويجب منحهم قيمتهم التي يستحقونها في حياتهم، مضيفة: “معظم فنانينا بيموتوا بحالة اكتئاب”.

أكدت أيضًا أنه كان حزينا ومهموما بشكل كبير، وأنه كان صادقا وحساسا ومهموما بحال البلد، وكان يجب تكريمه في حياته ليكون سعيدا كما أسعد المصريين بأعماله الفنية المهمة.

وعن عدم حضور معظم الفنانين لحفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، بسبب وفاة الساحر، قالت إلهام شاهين إن كل من كان يحب محمود عبد العزيز كان يجب عليهم التواجد في الافتتاح، لافتة إلى أن إدارة المهرجان ألغت الاحتفالية التي تقام يوم الافتتاح واقتصر على الافتتاح في الأوبرا فقط، بجانب إهداء الدورة ل لـ”عبد العزيز”.

تفاصيل “خناقة” إلهام شاهين ومحمود عبد العزيز قبل 24 عامًا

سما جابر

روت الفنانة إلهام شاهين تفاصيل “الخناقة” التي حدثت بينها وبين الفنان الراحل محمود عبد العزيز خلال تصوير فيلم “دنيا عبد الجبار” (1992)، حيث قالت إنه انفعل عليها بسبب ارتداءها فستان لم يكن مناسبًا لشخصيتها في الفيلم وطلب منها تغييره، قائلًا لها: “مرات عبد الجبار ما تلبسش كده”، وتركها وغادر التصوير.

أضافت خلال كلمة ألقتها في ندوة بعنوان “في حب صانع البهجة” بدار الأوبرا المصرية أقيمت مساء الجمعة على هامش فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة 38، أن سبب انفعاله عليها وقتها هو توحده بشكل كبير مع الدور الذي قدمه، لافتة إلى أنها اعتذرت له فيما بعد وارتدت فستانًا أخر ملائم للشخصية التي تؤديها.

في سياق آخر أبدت “شاهين” استيائها من فكرة تكريم الفنانين بعد وفاتهم، وآخرهم الفنان محمود عبد العزيز، من قِبل المهرجانات المصرية، مُضيفة: “نفسي يتكرموا في حياتهم مش قبل ما يموتوا، نجومنا عمالين يروحوا واحد ورا التاني”.

تابعت، أن مصر لديها ثروة من الفنانين ويجب اعطائهم قيمتهم التي يستحقوها في حياتهم، مضيفة: “معظم فنانينا بيموتوا بحالة اكتئاب”، وأكدت أيضًا أنه كان حزينا ومهموما بشكل كبير، وأنه كان صادقا وحساسا ومهموما بحال البلد وكان يجب تكريمه في حياته ليكون سعيدا كما أسعد المصريين بأعماله الفنية المهمة.

وعن عدم حضور معظم الفنانين لحفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، بسبب وفاة الساحر، قالت إلهام شاهين إن كل من كان يحب محمود عبد العزيز كان يجب عليهم التواجد في الافتتاح، لافتة إلى أن إدارة المهرجان ألغت الاحتفالية التي تقام يوم الافتتاح واقتصر على الافتتاح في الأوبرا فقط، بجانب إهداء الدورة لـ”عبد العزيز”.

نصيحة محمود عبد العزيز لـ “نهال عنبر

سما جابر

أكدت الفنانة نهال عنبر أنها كانت تربطها علاقة صداقة وطيدة بالفنان الراحل محمود عبد العزيز حتى قبل أن تبدأ في مجال التمثيل.

أضافت “عنبر” خلال تواجدها في ندوة تكريمية أقيمت مساء الجمعة، بدار الأوبرا المصرية، على هامش فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام، أن الفنان الراحل وجه لها نصيحة عقب دخولها مجال التمثيل وهي أن تظل موجودة داخل موقع التصوير طول الوقت حتى تعتاد على أجواء التصوير، لافتة إلى أنها نفذت نصيحته وأفادتها بالفعل في مشوارها الفني.

جدير بالذكر أنه حضر عدد كبير من النجوم الندوة التكريمية للساحر، ومن أبرزهم الفنانة إلهام شاهين وسامح الصريطي ومحمد متولي وبشرى وغيرهم، وأدار الندوة الناقد الفني طارق الشناوي ونقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي.

تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة محمود عبد العزيز

كشف الإعلامي المصري عماد الدين أديب، التفاصيل الكاملة للمرض الذي أودى بحياة الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، وذلك خلال مقال له نشر في جريدة  “الوطن“.

أديب أكد إن ما حدث مع محمود كان بسبب خطأ طبي، حيث قال: “منذ أشهر عدة وبالتحديد في شهر رمضان الماضي بدأت معاناة محمود عبدالعزيز بآلام في أسنانه قيل في التشخيص الأول أنها تسوس حاد في الأسنان والضروس يحتاج لجراحة.. أجريت الجراحة في فرنسا وثبت بعد فترة أنه حدث فيها خطأ في استكمال الجراحة، مما أدى إلى دخول فيروسات إلى أعلى الفك ومنها إلى مؤخرة الرأس”.

وأضاف: “شاهدته مرات عدة في باريس يتألم بشدة من ردود فعل هذه الجراحة إلى الحد الذي كانت تتسرب منه بعض عبارات اليأس من الشفاء من هذا الألم رغم الكمية الهائلة التي كان يتناولها من المسكنات.. ثم اكتشفت بعض الأورام قيل إنها محدودة وبدأت رحلته في فرنسا للمرة الثانية للعلاج ولكن هذه المرة بالكيماوي.. وبعد قرابة 20 جلسة من الكيماوي عاد للقاهرة ولكن الآلام عاودته.. فأكدت الأشعة المغناطيسية أن السرطان قد انتقل إلى خمسة أماكن رئيسية منها الكبد والرئة والعمود الفقري والمخ”.

وتابع: “باختصار، أبلغ الأطباء في مستشفى الصفا ولديه محمد وكريم أن الحالة ميؤس منها وأن المسألة مسألة وقت وتعهدوا أن يبذلوا كل الجهود للتخفيف عنه حتى يحين أمر الله.. كما كانت هناك محاولات للبحث عن آخر أمل ممكن للعلاج في باريس، وتم بالفعل إرسال تقرير طبي من مستشفى الصفا مع شريط سي دي إلى أهم استشاري أورام في باريس الذي أكد دقة تشخيص الأطباء المصريين وأن حالته لا تسمح بنقله وأنه لا يوجد أي بروتوكول علاجي يمكن أن ينقذه”.

وأكد، أنه تم إخفاء هذه المعلومات عن محمود عبدالعزيز الذى تمكن منه المرض وأصبح يؤثر على حالته النفسية، مشيرا إلى إنه أمضى آخر 8 أسابيع رافضاً للطعام وأصبح يتناول غذاءه عبر محاليل عبر الوريد، وقال: “شعر محمود عبدالعزيز بقرب لقاء ربه فكان يكثر من تلاوة ما يحفظ من قرآن ويدعو ربه ضارعاً مستغفراً”.

يذكر أن محمود عبدالعزيز قد وافته المنية مساء السبت 12 نوفمبر، عن عمر يناهز 70 عاما، في مستشفى الصفا بالمهندسين.

موقع "إعلام.أورج" في

18.11.2016

 
 

محمود عبد العزيز.. في محبة الرجل الجميل

محمد صبحي

1

القاهرة تموز/يوليو 2008، بدأ عرض فيلم "ليلة البيبي دول" في 90 صالة سينمائية، كما أكدت الشركة المنتجة، وبدأت دقات قلب محمود عبد العزيز في الخفقان. أحدهم كتب حينها أنه لو ذهبت إلى ضاحية 6 أكتوبر، وبعد أن تنتهي من طريق المحور وبمجرد البدء في البحث عن محمود عبد العزيز سوف تستطيع إن أرهفت السمع أن تتتبع نبضات قلبه لتحدد بالظبط مكان فيلا الفنان.

كان محمود ينتظر أن يعوّضه دور "حسام" في"ليلة البيبي دول" كل سنوات الترقب التي ظلّ يعايشها في انتظار أن يقهرها بدور يعيده إلى مكانته على الخريطة السينمائية المصرية. 6 سنوات ومحمود غائب عن السينما منذ "سوق المتعة". جيل محمود -باستثناء عادل إمام- عانى الغياب الاضطراري مبتعدًا عن مشهد الصدارة في دور العرض، أما محمود نفسه فلم يكن يريد، ولا يستطيع أن يجد نفسه وقد أصبح يلعب سينمائيًا في مساحات نور الشريف ومحمود ياسين في تلك الفترة.

منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن لم تحقق نصف الأفلام التي قام ببطولتها إيرادات مرتفعة وفي الوقت ذاته شهدت الخريطة السينمائية تغيرًا ساحقًا، فكان الدفع بنجوم جدد للساحة أصبحوا هم القوة الضاربة في شباك التذاكر، ولم يصمد من جيل محمود سوى عادل إمام، فهو الوحيد الذي تماسكت إيرادات أفلامه وهو الوحيد القادر على أن يجد لنفسه مكانًا رغم وابل الإيرادات التي يحققها بجواره أسماء مثل محمد سعد وأحمد السقا ومحمد هنيدي وأحمد حلمي وأحمد عز!

محمود عبد العزيز حمل ماجستير في العلوم الزراعية، وقد عاد لمصر وبدأت انطلاقته بعد أن وجد أن بيع الجرائد في أوروبا ليس ما يريد

كان محمود يحلم بأن يتحقق سينمائيًا مثل عادل إمام الذي يبدو صعوده للقمة غامضًَا ويحظى بشعبية غير مفهومة هي الأخرى. لا يريد أن يدخل تاريخ السينما باعتباره "فنان الجوائز الأول". لا بأس بالجوائز بالطبع، ولكن الأهم أن يدخلها مدعمًا بجاذبية جماهيرية، خاصة أنه عاش مثل هذه الانتصار في ذروتيه: الأولى في السينما مع "الكيت كات" والشيخ حسني تحت إدارة داود عبد السيد، والثانية في التلفزيون مع "رأفت الهجّان" الجاسوس المصري الأشهر الذي تحوّل إلى أسطورة تتناقلها الأجيال.

2

في عام 1966 قدمت أم كلثوم "الأطلال" ورأى كثيرون أنها قد وصلت إلى الذروة التي لم يتوقع أحد أن تقفز بعدها إلى ذروة أعلى. السنباطي قال لها إن عليها أن تنسحب فورًا من الحياة الفنية لأن كل ما سوف يأتي بعد "الأطلال" سيصبح رمادًا، وهو كملحن لن يقدّم لها ما هو أفضل.

ولكن أم كلثوم بعشقها الدائم والمتجدد للغناء وربما بتطلعها للسيطرة لم تستمع إلى نصيحة السنباطي وغنّت العديد من الأغنيات بعد "الأطلال"، والسنباطي نفسه نكص العهد الذي قطعه على نفسه ولحّن لها أكثر من قصيدة مثل "من أجل عينيك" و"الثلاثية المقدسة"!

في حياة كل المبدعين هناك ذروة ما ولكن لا يعني ذلك أن تتحول الذروة إلى عقدة، سواء توقف عندها أو توقف بعدها الفنانمحمود عبد العزيز عانى عقدة النجاح الطاغي بعد "الكيت كات"، وتوقف تقريبًا من بعدها لا يستطيع تجاوز سطوة "الشيخ حسني" رغم أن جميع أفلامه التي لعب بطولتها بعد "الكيت كات" كانت تحمل شيئًا من "الكيت كات"، وهو شيء لن يراه المتفرج على الشريط المرئي ولكن يمكن إدراكه في طبيعة اختيار الأدوار ذاتها.

محمود هو أحد فتيان الشاشة الكبار في الأربعين سنة الأخيرة. إنه "الجان" خفيف الظل الذي يثير حضوره على الشاشة حالة من البهجة، ولكن بالتأكيد سيكون من الظلم والإجحاف حصره في تلك المساحة المحدودة للغاية.

كان محمود في بدايته هو الفتى الوسيم فقط؛ فإذا كانت الأدوار تنهال على حسين فهمي لوسامته، فإن محمود عندما بدأ بطلًا في فيلم "حتى آخر العمر" (1975) كان مجرد تحدٍ من المنتج رمسيس نجيب، وذلك عندما رفع حسين فهمي أجره فقرر المنتج الدفع بوجه جديد كان يرى وقتها أن سلاحه التمثيلي هو الوسامة أيضًا.

عانى محمود عبد العزيز من عقدة النجاح الطاغي بعد "الكيت كات"، فلم يستطع تجاوز سطوة "الشيخ حسني"

لم يكن لمحمود رصيد كبير في السينما قبل تلك البطولة الأولى، فقط ظهر في مشاهد محدودة من مسلسل جماهيري "الدوامة" بعد أن دفع به أستاذه المخرج نور الدمرداش في هذه التجربة التليفزيونية، وتقاضى عنها محمود 4 جنيهات، ثم أسند له عاطف سالم دورًا صغيرًا في فيلم "الحفيد".

بعد أن تخرّج في كلية الزراعة في مدينته الإسكندرية عام 1966، عمل محمود في فريق الإخراج للمخرج الكبير نور الدمرداش، وكان الأخير يحمل لقب "ملك الفيديو" خلال الستينيات والسبعينيات. كان الدمرداش يرى أن ذلك الشاب الوسيم من الممكن أن يصبح نجمًا، بينما تلميذ الدمرداش النجيب وأقصد المخرج محمد فاضل -والذي كان مساعدًا للدمرداش- كان له رأي آخر ولم يتحمس لمحمود ممثلًا. ولهذا اختار محمود في نهاية الستينيات أن يسافر إلى فيينا عاصمة النمسا، ليس من أجل قضاء ليالي الأنس هناك ولكن لبيع الجرائد مثل أغلب الشباب خريجي الجامعات وقتها.

لم يكن محمود يحمل فقط بكالوريوس كلية الزراعة ولكن ماجستير في العلوم الزراعية تخصص تربية نحل، وبعد أن وجد أن بيع الجرائد لن يحقق أي طموح عاد إلى مصر، ثم بدأت الانطلاقة.

3

لعب محمود أدوار البطولة في العديد من الأفلام مثل "طائر الليل الحزين"، "حساب السنين"، "شفيقة ومتولي"، لا يزال التحقيق مستمرًا"، "حب لا يرى الشمس" وغيرها، ولكن كان الفيلم الذي شكّل في مشوار محمود نقطة اكتشاف حقيقي لقدراته هو "العار" رغم أنه كان بطلًا ثالثًا في الفيلم بعد كل من نور الشريف وحسين فهمي، ولم يكن محمود هو الترشيح الأول للمخرج علي عبد الخالق ولا للكاتب محمود أبو زيد، بل جاء للفيلم في اللحظات الأخيرة بعد اعتذار يحيى الفخراني عن الدور.

قرأ الفخراني السيناريو الذي كتبه أبو زيد ووجد أن الأقرب إليه هو دور الضابط الذي أداه حسين فهمي، أو تاجر المخدرات الذي أداه نور الشريف، لكن لا الكاتب ولا المخرج استطاعا تحقيق ذلك، فجاء محمود إنقاذًا للموقف!

محمود عبد العزيز ليس "كوميديان"، ولكنه "جان" يدفعك للابتسام وتصل معه في أحيان كثيرة إلى مشارف الضحك

هذا الدور الذي أداه محمود انطلق من خلاله إلى قلوب الناس في عام 1982، ولا يزال بينه وبينهم تلك الحميمية والدفء (بالمناسبة دور الممثلة نورا في نفس الفيلم يمكن أن ينطبق عليه نفس الكلام). كان لمحمود إضافات خاصة للشخصية التي يؤدي من خلالها دور الطبيب في الفيلم، وكانت لازمة الحبوب المهدئة واحدة من تلك الإضافات التي انتزعها محمود بذكاء من مفردات الشخصية فحققت كل هذا النجاح.

ثم هناك دوره في "الشقة من حق الزوجة"، وهو أهم فيلم قدمه المخرج عمر عبد العزيز. وفي هذا الدور لامس محمود الوتر في الأداء الذي يجمع بين خفة الدم وتقمص الشخصية دراميًا، وحقق من خلاله قفزة أخرى. إنه محمود في أفضل حالاته وذلك عندما يعثر على شخصية ترى في تكوينها الجدية وفي نفس الوقت لديها خفة ظِل.

محمود ليس "كوميديان"، ولكنه "جان" يدفعك للابتسام وتصل معه في أحيان كثيرة إلى مشارف الضحك. وهو ممثل أكبر من الدور الذي يمثّله بمعنى أنه لا يتعامل مع الشخصية التي يجسدها بمنطق الاستسلام لها أو تأديتها بصفتها واجبًا عليه كممثل، لكنه يظل دائمًا بالنسبة لكثيرين هو "الجان" صاحب الابتسامة، ولو أنه حافظ على تلك الابتسامة لوجد أن أبواب التاريخ مفتوحة أمامه وعلى مصراعيها.

ثم تتابعت أفلام مثل "العذراء والشعر الأبيض" و"أرجوك أعطني هذا الدواء"، والفيلمان للمخرج حسين كمال، و"تزوير في أوراق رسمية" ليحيى العلمي و"إعدام ميت" لعلي عبد الخالق، ثم كان لقاؤه الأول مع المخرج داود عبد السيد في "الصعاليك" وشاركه البطولة نور الشريف، وقدّم أيضًا أول أفلام إيناس الدغيدي "عفوًا أيها القانون" وهو بالمناسبة أفضل أفلامها أيضًا، ثم انتقل في 1985 مع الكاتب محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق إلى ذروة جماهيرية أخرى في "الكيف" بمشاركة يحيى الفخراني، وبعده بعامين التقى في الجزء الثالث من تلك الثلاثية الأخلاقية التي صاغها أبو زيد وعبد الخالق وهو "جري الوحوش"، حيث اجتمع محمود ونور الشريف وحسين فهمي مرة أخرى في دراما عائلية تعالج التطورات الاجتماعية في عصر السادات.

وجدير بالذكر أن اسم نور الشريف في 1982 -حين ظهر فيلم "العار"- كان يسبق اسم حسين فهمي على التيترات، وفهمي بدوره يسبق اسم محمود، إلا أن محمود بعدها بدأ يصعد لأعلى حتى تفوق على نور الشريف، ولهذا وحسمًا لأي خلاف قال الشريف: "محمود يسبقني هذه المرة في "جري الوحوش". وهكذا انتقل محمود من المركز الثالث إلى المركز الأول فقد كان أجره أكبر وشباك تذاكره أقوى.

الفراق بين الميهي وعادل إمام بلا جراح، على عكس محمود عبد العزيز، حيث كان الطلاق بينهما قاسيًا وترك جراحًا غائرة عند الاثنين

ومع رأفت الميهي، كاتبًا ومخرجًا، كان لمحمود ثلاثة أفلام لعبت بقوانين الفانتازيا وهي "السادة الرجال" 1987 "وسمك لبن تمر هندي" 1988 و"سيداتي آنساتي" 1990، وبعدها شعر محمود أن هناك حالة من التشبّع بالفانتازيا بينما لم يدرك الميهي ذلك، حيث تابع مع ليلى علوي أفلامه الفانتازية، وأعتبر الميهي أن محمود "متمرد".

لا شك أن الذروة التي تحققت في "السادة الرجال" تراجعت كثير في "سمك لبن تمر هندي"، وحاول الثنائي أن يتماسكا في "سيداتي آنساتي" إلا أن الأمر في كل الأحوال كان ينبغي أن ينتهي عند هذا الحد. لقد كان لعادل إمام دور واحد مع الميهي في "الأفوكاتو" 1984، وبرغم النجاح الجماهيري للفيلم وبرغم أن الميهي كان يرى في عادل إمام فرس الرهان الرابح، فإن الأخير وجد أنه يكفي فيلم فانتازي واحد، بينما استمر محمود ثلاثة أفلام.

كان الفراق بين الميهي وإمام بلا جراح، على عكس ما حدث مع محمود، حيث كان الطلاق بينهما قاسيًا وترك جراحًا غائرة عند الاثنين، وتبادلا الاتهامات على صفحات الجرائد الفنية، إلى درجة أن ناقدًا معروفًا عنه الهدوء كتب مقالًا ضد محمود قائلًا: "عيب يا ولد".

الفيلم الذروة هو "الكيت كات" 1991، وكان المرشح الأول لأداء شخصية الشيخ حسني هو عادل إمام ولكنه تراجع في اللحظات الأخيرة -وحسنًا فعل- لإحساسه بأن الفيلم ربما لا يحقق إيرادات مرتفعة، وعادل إمام لا يمكن أن يغامر مهما كان الإغراء الفني والفكري إذا شعر أن الربح غير مضمون.

فأسند عبد السيد الدور إلى محمود، وكانت إيرادات الفيلم مفاجئة للجميع. نجاح تجاري ونقدي ومشاركة في العديد من المهرجانات، وظل الفيلم حتى سنوات قريبة يحقق أعلى كثافة مشاهدة عند عرضه في القنوات الفضائية.

كانت السيناريوهات في تلك السنوات من منتصف الثمانينيات تُصنع من أجل عادل إمام، أكثر من 80% مما تم إنتاجه في السينما وقتها كان المرشح الأول لبطولته هو عادل إمام، وبالتالي فإن عشرات من الأدوار التي رفضها إمام ذهبت إلى غيره من النجوم لكنه لم يعلن ندمه سوى مرة واحدة، وكانت عن دور الشيخ حسني في "الكيت كات".

وكان التلفزيون قبل ثلاثة أعوام من عرض "الكيت كات" قد منح محمود فرصة انطلاق جماهيرية في مسلسل "رأفت الهجان" الذي كتبه صالح مرسي وأخرجه يحيى العلمي، وشهد هذا المسلسل أيضًا صراعًا بين محمود وعادل إمام لا ندري حيث حدث أن عبد العزيز قد حصل على الدور بالفعل، لكن الصحف المصرية نشرت وقتها خبرًا يؤكد أن الدور ذهب لعادل إمام، فقرر محمود أن يلتزم الصمت ويسلّم أمره لله خاصة أن الدور كان مناسبًا له بسبب طبيعة الملامح الشخصية للبطل فهو وسيم وملامح وجهه تناسب المهاجرين لمصر ويجيد التحدث بعدة لغات، وهذا لا ينطبق على عادل إمام.

كانت السيناريوهات منتصف الثمانينيات تصنع لعادل إمام، أكثر من 80% مما تم إنتاجه وقتها كان المرشح الأول لبطولته هو عادل إمام

استسلم محمود للأمر وسافر مع أولاده لتأدية العمرة، وكان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يزور السعودية وقتها وشاهد محمود عبد العزيز في صفوف المُستقبلين فتحدث معه وأبلغه بما حدث له في مصر، فقال له مبارك: "لا تغضب وأنت من سيؤدي الدور"، وفور عودته تلقى اتصالًا هاتفيًا من جهاز المخابرات بالذهاب لمقر الجهاز لبدء الاستعداد للعمل. وبعيدًا عن تلك القصة التي يحكيها أحد جيران محمود في الإسكندرية، فالثابت أن "رأفت الهجان" حقق لمحمود في الشارعين المصري والعربي نجاحًا جماهيريًا لم يحدث لأي نجم من قبل ولا من بعد.

عقب وفاة محمود مؤخرًا صرّح أحد لواءات جهاز المخابرات المصرية في رده على سؤال حول حقيقة أن هناك فنانين آخرين قدموا أعمالًا للمخابرات ولم ينعهم الجهاز كما فعل مع محمود، مثل الفنان نور الشريف الذي قام ببطولة مسلسل "الثعلب"؛ صرّح بأن مسلسل نور الشريف لم يعلق بذاكرة الجماهير المصرية والعربية مثل "رأفت الهجان" ولم ترتبط الجماهير بمسلسل مثلما ارتبطت بـ"رأفت الهجان"، ودلّل على ذلك بقوله إن "شوارع مصر لم تكن تخلو من المارة إلا في حالتين فقط: الأولى عندما كان جمال عبد الناصر يُلقي إحدى خطبه، والثانية عندما كانت أم كلثوم تشدو في سهرة الخميس الأول من كل شهر، وجاء مسلسل "رأفت الهجان" ليكون الحالة الثالثة التي كانت تخلو فيها شوارع مصر من المارة عندما يحين وقت عرض المسلسل".

4

استمرت مسيرة محمود في السينما وقدم بالفعل أدوارًا مهمة في أفلام "ثلاثة على الطريق" و"البحر بيضحك ليه" لمحمد كامل القليوبي و"البطل" لسيد سعيد و"هارمونيكا" لفخر الدين نجيدة، والأفلام الثلاثة الأخيرة كانت هي باكورة أعمال هؤلاء المخرجين الشباب، ورغم ذلك لم يتردد محمود في الوقف معهم. لكن كل هذه الأدوار رغم نجاحها النقدي وبعضها حقق جوائز لمخرجيها ولنجمها فإنها باستثناء "ثلاثة على الطريق" لم تحقق لمحمود شباك التذاكر الذي يرنو إليه ويتمناه.

كان محمود دائمًا يضع أمامه سقف إيرادات "عادل إمام" يريد أن يتخطاه، ولكن الواقع يقول أنه حتى في ذروة النجاح الجماهيري لمحمود كانت إيرادات أفلامه تأتي تالية لإيرادات أفلام عادل إمام!

يقولون إن مايبقى من الإنسان هي سيرته الطيبة، وقد ترك محمود عبد العزيز كثيرًا ليتذكره به الناس، أفلامًا وأدوارًا وإفيهات

قدّم محمود الفيلم التجاري "النمس" 2000، ثم استعاد بعضًا من بريقه في فيلم "سوق المتعة" في نفس العام، ولكن ثمة ملاحظة تكشف عن تراجع مكانة محمود كنجم جماهيري في بداية الألفية الجديدة وهي أن عادل إمام كان هو المرشح الأول للدور ومن بعده أحمد زكي ثم يليهما محمود كمرشح ثالث. حصل محمود عن دوره في الفيلم على جائزة التمثيل من مهرجان القاهرة السينمائي، وكان ينافسه على تلك الجائزة أحمد زكي عن دوره في "أرض الخوف"، الذي ربما يكون أهم فيلم مصري حتى الآن.

ثم لعب محمود بطولة فيلم "الساحر" لرضوان الكاشف، وهو آخر أفلام المخرج الراحل، وشارك الفيلم في أكثر من مهرجان وقدّم فيه محمود دورًا للذكرى، ولكن لم يحقق الفيلم الإيرادات التي كان ينتظرها محمود عام 2002. ثم في نهاية العام نفسه عُرض لمحمود فيلم قديم من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي هو "رحلة مشبوهة" للمخرج أحمد يحيى وهو واحد من تلك الأفلام التي تسقط سريعًا من الذاكرة وأغلب الظن أن محمود نفسه أسقطه من ذاكرته شخصيًا، ثم توقف محمود نهائيًا عن الظهور على شاشة السينما إلى أن جاء "ليلة البيبي دول" والضجة المصاحبة له من قبل الشركة المنتجة، ورأى محمود ما فعلته دعاية الشركة الضخمة مع فيلميها السابقين "حليم و"عمارة يعقوبيان"، ولكن في النهاية اتضح أن الأمر كله "ضجيجًا بلا طحن" ومرّ الفيلم ساحبًا غبارًا كثيرًا خلفه.

لكن محمود لم ينتظر طويلًا حتى يجد لنفسه دورًا يغلق به قوسه السينمائي، فاختار أن يخرج على الناس بدور عبد الملك زرزور في فيلم "إبراهيم الأبيض" للمخرج مروان حامد، وكان أبرز وأبقى ما في الفيلم. من بعدها وجد محمود في التلفزيون ملجأً كي يجد أدوار البطولة التي تسمح له بالظهور الموسمي في رمضان.

5

يقولون إن مايبقى من الإنسان بعد مغادرته الحياة هو سيرته الطيبة، وقد ترك محمود كثيرًا ليتذكره به الناس، أفلامًا وأدوارًا ومشاهد وإفيهات وقفشات، وكان دليلًا على رحابة وانطلاق ذلك الفنان الذي يصادق شخصياته، وظل حتى آخر أيامه يسعى لذرواتٍ وروابٍ تمثيلية، عملًا بنصيحة الشيخ حسني الذي حسّ رفاقه على التمسك بالخيال كأمل أخير.

كاتب وصحفي من مصر

موقع "صوت ألترا" في

19.11.2016

 
 

محمود عبد العزيز كان لديه طقس خاص قبل تجسيد شخصياته.. تعرف عليه

خالد طه

رحل "الساحر" محمود عبد العزيز بجسده، ولكن تظل شخصياته الفنية مؤثرة في وجدان محبيه، بسبب عمقها، واجتهاده في تجسيدها على الشاشة إلى حد التوحد معها، فمن الذي لم يكرهه وهو يجسّد الضابط السادي مع مساجينه وجنوده وضعيف الشخصية أمام زوجته في فيلم "البريء"، ومن الذي لم يحبه في دور سائق التاكسي الطيب والشهم في فيلم "الدنيا على جناح يمامة"، ومن الذي لم يشعر معه بحبه للوطن وانتمائه له في مسلسل "رأفت الهجان"؟
وكان الراحل محمود عبد العزيز يدقق بعناية في انتقاء أدواره، كي تشكّل إضافة حقيقية إلى رصيده الفني، ولكي يخلف ما تتذكره به الأجيال اللاحقة، وهو ما نجح فيه بالفعل، بتسابقهم في نعيه، وتعبيرهم عن حبه له عبر مواقع التواصل الاجتماعي فور علمهم بوفاته، فكل شخصية من شخصيات محمود عبد العزيز تعبّر عن كل شخص منا، بسبب واقعيتها الشديدة، وملامستها لقضايا اجتماعية معاصرة.

ويحرص غالبية الممثلين على الوقوف أمام المرآة لتقمص أدوارهم أثناء دراستهم لها، ولكن قلة منهم الذين يجتهدون في دراستهم لشخصياتهم الفنية، ومنهم محمود عبد العزيز، الذي كانت تكمن وراء عبقريته طقس كان يحرص عليه قبل تصويره لأي عمل، والذي أفصح عنه في لقاء تلفزيوني قصير مع برنامج "صباح الخير يا مصر" قبل سنوات، ولا يعلمه غالبية جمهوره ومحبيه.

وأفصح محمود عبد العزيز في واحد من لقاءاته الإعلامية النادرة عن طقسه قبل تجسيد أي شخصية، ألا وهو الرسم، وأوضح أنه كان يستثمر موهبته في الرسم ليرسم شخصياته الفنية على الورق قبل أن يجسدها على شاشة السينما، كي تمنحه تصوّرا كاملا عنها، سواء في ملامحها أو في ملابسها أو إكسسواراتها، وأضاف أنه عندما يوافق على التصوّر النهائي لها يعتمدها قبل أن يمثلها أمام الكاميرا، ويمتع بها جمهوره

موقع "في الفن" في

19.11.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)