كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

كان صاحب صاحبه: وداعا محمود عبد العزيز ..

اللص الذى سحر الكاميرا قبل أن يسرقها!

بقلم: محمد الحنفى

عن رحيل الساحر (صانع البهجة)

محمود عبدالعزيز

   
 
 
 
 

حين شاهدت «محمد» نجل الفنان الكبير محمود عبد العزيز منهارا يبكى بحرقة لحظة تكريم والده فى الحفل الذى أقامته مؤسسة الأهرام يوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، أدركت على الفور أن أيام «الساحر» باتت معدودة وأن حالته صارت حرجة بل متأخرة، بعد أن تمكن المرض اللعين منه، ونهش دمه وعظامه قبل لحمه!

رحم الله هذا الفنان الجميل الذى كما عاش فى هدوء رحل فى هدوء، لم ينشغل يوما عن فنه، ولم ينزلق نحو مهاترات أو مغامرات غير محسوبة، وأثبت أن رهان المخرج الراحل الكبير « نور الدمرداش « الملقب بملك الفيديو عليه، كان فى محله حين اكتشفه منذ ٣٧ عاما، وأسند له دور البطولة فى مسلسل الدوامة جنبا إلى جنب مع النجوم الكبار محمود ياسين ونيللى ويوسف فخر الدين وعلى الشريف ونادية الجندى ونعيمة الصغير!

لقد شارك ابن حى الورديان بالإسكندرية وخريج كلية الزراعة هناك، الكبار ونافسهم بل تفوق عليهم فى أعمال كثيرة منها العار والكيف والساحر والكيت كات ورأفت الهجان وإعدام ميت والبريء واعطنى هذا الدواء وغيرها، وطوال مشواره الفنى الطويل لم يقبل النجم الكبير بديلاً عن البطولة، ولم تشُب سجله الفنى شائبة واحدة، وأتصور أنه واحد من الفنانين القلائل الذين لم يندموا على عمل أو دور قدموه لأنه كان يبحث عن الجودة قبل المادة!

وهو أيضا من الفنانين القلائل الذين لم يتجمدوا فى قالب واحد، حيث قدم الكثير والكثير من الشخصيات التى تمثل أطيافا كثيرة فى المجتمع المصري، ونجح فى إقناع جمهوره العريض بموهبته الفذة واختياراته الموفقة، ولم يعتمد أبدا على وسامته التى تخلى عنها فى معظم أعماله!

رحم الله الشيخ «حسني» فى فيلم «الكيت كات» عام ١٩٩١، ذلك الدور الذى مثّل نقلة نوعية فى مشواره الفنى وأثبت أنه فنان من العيار الثقيل، فحصد عنه جائزة أحسن ممثل بجدارة من عدة مهرجانات سينمائية دولية، وكان موضع إشادة من كبار النقاد فى ذلك الوقت، كما استحق نفس الجائزة عن جدارة فى أفلام القبطان والساحر وسوق المتعة وإبراهيم الأبيض، الذى أدى فيه دورا جديدا تماما بتجسيده شخصية زعيم العصابة المنحرف عبد الملك زرزور، وكان بحق اللص الذى سحر الكاميرا قبل أن يسرقها من نجوم كثيرة فى أفلام كثيرة كالحفيد والعار والكيف وجرى الوحوش والبريء وإعدام ميت والشقة من حق الزوجة والجوع!

كان الفنان الراحل جنتل النجوم ونمس الأدوار المتميزة وملك الصعاليك وجوكر السادة الرجال بذكائه المعهود وحسن نواياه وإخلاصه لفنه، لذا لم يكن مستغربا أن يكون بطلا لأكثر من ٨٠ فيلما و٩ مسلسلات بخلاف المسرحيات وأشهرها خشب الورد!

كما كان صاحب الفضل فى اكتشاف أسماء لامعة من النجوم على رأسهم الفنانة الكبيرة إلهام شاهين والفنان المحترم شريف منير عندما تحمس له ورشحه لدور عمره فى فيلم الكيت كات وكذلك منة شلبى فى فيلم الساحر!

وكان أيضا الرجل الشهم وصاحب صاحبه بجد، وفى هذا الصدد مازلت أذكر موقفه النبيل مع صديقنا المشترك المصور الفوتوغرافى الرائع الراحل فؤاد برهام عندما فقد ابنه الوحيد «محمد « فى حادث أليم فى منتصف تسعينات القرن الماضي، وقتها لم يفارقه محمود طوال محنته بدءاً من الجنازة وانتهاء بأيام العزاء، وإلى الآن مازلت أذكر مشهد دموعه وهى تنساب بغزارة من خلف زجاج نظارته السوداء التى اعتاد ارتداءها ليلا ونهارا، وحين سألته ذات مرة عن سبب ارتدائه الدائم لها وما إذا كان ذلك يعكس حالة من الغرور أو التخفى ضحك ضحكته المميزة وأجاب مازحاً: والله العظيم، تلاتة بالله العظيم عندى حساسية فى عينى والأطباء هم الذين أمرونى بارتدائها وحرموا الناس من عيونى الحلوة!

كما كانت له مواقف رائعة مع الفنان الكبير نور الشريف فى أزمته المرضية، التى انتهت بوفاته فى شهر مايو من العام الماضي، ومن منطلق هذه العلاقة الوثيقة كثيرا ما سافر محمود عبد العزيز خصيصا إلى باريس لزيارة صديق عمره أثناء تلقيه العلاج هناك، وكان له دور إيجابى فى عودة نور إلى بوسى بعد سنوات من انفصالهما وقبل وفاته بـ٣ شهور بل أقام حفلا على شرفهما بمناسبة عودتهما، كما أقام هو وزوجته الإعلامية المتميزة بوسى شلبى حفلا آخر لنور احتفالا بعيد ميلاده الأخير قبل رحيله بأقل من ٢٠ يوما! والحقيقة أن العلاقة القوية بين النجمين بدأت منذ سنوات طويلة تكللت بـ٩ أفلام مشتركة، «ضاع العمر ياولدى والحفيد والعار وجرى الوحوش وابنتى والذئب والصعاليك وإعدام طالب ثانوى والشياطين وليلة البيبى دول «.

ومن الوقائع الطريفة أن اسم نور الشريف كان يسبق اسم محمود عبد العزيز دائما فى فترة السبعينات، حتى تجمعا معًا فى فيلم «العار»، الذى أنتج عام ١٩٨٢، وسبق اسم الشريف زميليه حسين فهمى ومحمود بأفيش وتتر الفيلم، وسرعان ما انقلب الحال بعد سنوات، بعد تجمع الثلاثى معًا للمرة الثانية، نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمى، فى فيلم «جرى الوحوش»، وكان الساحر وصل لقمة النجومية بعد فيلم «الكيف» الذى أنتج عام ١٩٨٦، ما جعل المخرج الكبير على عبد الخالق إلى كتابة أسمائهم بجوار بعضهم على الأفيش والتتر دون تدخل من محمود أو غضب من نور، وهنا اسمحوا لى أن أستحضر ما قاله المخرج على عبد الخالق لـ»اليوم السابع»: محمود عبد العزيز بالنسبة لى ممثلى المفضل، فأنا أكتر مخرج قدم له أفلاما، بلغت حوالى ٨ أفلام، أبرزها «العار» و»الكيف» و»جرى الوحوش» و»إعدام ميت»، ا على مدار ١٨ عاما، وكانت سعادتى كبيرة للغاية، لأننا نجحنا مع بعض، هو أضاف لى كمخرج وله كممثل، وذكر على أنه هو الذى اكتشف الساحر محمود عبد العزيز كفنان كوميدي، رغم تقديمه فى أدوار يغلب عليها طابع الدراما والتراجيديا، وأن جميع الأفلام التى قدمها مع محمود كان هو مصدر البهجة فيها، ورغم أن أدواره كلها كانت شديدة التراجيديا لما فيها من تحولات مأساوية فى كثير من الأحيان مثل دوره مثلا فى «العار» إلا أنه كان مصدر ابتسامة المشاهد فى هذه الأفلام !

وأضاف عبد الخالق أن محمود عبد العزيز يكاد يكون من وجهة نظره الفنان الوحيد الذى يليق بنسبة ١٠٠٪ فى كل دور يقدمه، رغم اختلاف هذه الأدوار شكلا ومضمونا عن بعضها، فمثلا دور الطبيب فى «العار» كان مناسبا للغاية، وقدمه بحرفية شديدة، ودور البودى جارد فى فيلم «النمس»، كان مناسبا جدا له، ودور متعهد الأفراح والحفلات فى «الكيف»، أعتقد أنه الوحيد الذى يقدم هذا الدور بهذا الشكل، وكذلك الابن العاق وضابط المخابرات، ويضيف عبد الخالق أن الذى ساعد الساحر على هذا الأمر ويجعله يصلح لجميع الأدوار دون استثناء، هو أداؤه التمثيلى العبقرى وشكله وتكوينه الجثمانى، ولذلك أطلق عليه الجوكر، مشيرا إلى أنه يعتبر محمود عبد العزيز من أهم الممثلين فى تاريخ السينما المصرية بمختلف عصورها، فكان عنصراً أساسياً فى نجاح أفلامه، على حد قوله !

وأذكر أيضا علاقته القوية بالموسيقار الراحل عمار الشريعى الذى وضع الموسيقى التصويرية لثلاثية رأفت الهجان، وكانت لفتة طيبة منه تجاه صديقه حين أهداه جائزة «إنجازات فنان» التى منحه إياها مهرجان دبى السينمائى قبل رحيله عام ٢٠١٢ .

لقد راهن على «الساحر» أيضا المخرج العبقرى الراحل وصديقى المحترم يحيى العلمى حين أسند له دور البطولة فى مسلسل رأفت الهجان، أحد أهم إبداعات أستاذنا الأديب الكبير وأحد النجوم المبدعين فى دار الهلال «صالح مرسي»، الكل كان يعلم أن الزعيم عادل إمام هو المرشح بقوة لبطولة المسلسل بعد نجاحه الكبير فى مسلسل الدموع فى عيون وقحة، لكن خلافا شديدا حدث بين عادل وصالح بسبب تدخلات الأول فى السيناريو، الأمر الذى رفضه تماما صالح مرسى فدخل فى معركة شرسة مع الزعيم انتهت بإسناد الدور للفنان الراحل لينجح نجاحا مبهرا ويتألق فى أجزائه الثلاثة، فى الوقت نفسه وجد «الساحر» نفسه طرفا فى معركة سخيفة مع عادل إمام لتبدأ رحلة طويلة من القطيعة بل والحرب بينهما على مدى ١٢ عاما حتى تم الجمع بينهما فى فرح ابنة الفنانة الراحلة زهرة العلا والمخرج الكبير الراحل حسن الصيفى - قبل رحيله- وتم تصفية الأجواء بينهما منذ ذلك اليوم.

لكن فترة الصفاء لم تدم طويلا، إذ تجدد الخلاف مرة أخرى بين عادل ومحمود، وكان هذه المرة بسبب فيلم «حسن ومرقص»، الذى كان مقررا أن يتقاسما بطولته فى أول عمل يجمعهما على مدار حياتهما الفنية، وعلى الرغم من الاتفاق الذى تم بينهما إلا أنهما كانا على موعد مع خلاف جديد، حيث أصر عادل إمام على وجود يوسف معاطي، بينما تمسك محمود عبدالعزيز بوحيد حامد لتأليف الفيلم، وهو الأمر الذى رفضه الزعيم، فقرر الاستعانة بالفنان عمر الشريف.

ويشهد شهر مايو من عام ٢٠١٢ مشهداً إنسانيا نبيلاً لهذا الفنان صاحب القلب الأبيض، إذ لم يستطع الفنان الكبير محمود عبدالعزيز حبس دموعه حزناً على زميل مهنته عادل إمام، بعد تأييد الحكم الصادر ضده بالحبس، وقال فى كلمته خلال المؤتمر الصحفى الذى أقيم بنادى نقابة المهن التمثيلية للتضامن مع “الزعيم”: نحن بصدد حرب ضد الحلم الذى عشت أنا وعادل والفنانون جميعاً نحلم بتحقيقه».

وعند سؤاله عن سبب بكائه، أجاب حسبما نشرت صحيفة الوطن : السبب فى هذا أنه وبعد هذا العمر وهذا المشوار الطويل فى الفن، يحكم على عادل إمام بالسجن بتهمة من أبشع التهم، وهى تهمة “ازدراء الأديان”، وأنا أضعف بكثير من أن أزدرى أو أتطاول على ديني.. صحيح أنه لم توجه لى هذه التهمة، لكن الحكم الذى صدر على صديق عمرى هو حكم ضدى أنا شخصياً!
وأضاف: أبكى لأن حلمنا الذى عشناه يحارب بشكل شرس، أبكى لأن الفن والإبداع فى مصر يتعرضان لمؤامرة من أفراد ليست لهم هوية، أبكى وأنا أرى التطاول المباشر على الفضائيات كل يوم من قبل “الذقون” التى تريد أن تزهق حرياتنا وإبداعنا، وتريد اغتيال فنانينا، اليوم بدأوا بأحد عمالقة الفن المصري، وغداً سيكون الدور عليّ أنا وزملائي، أبكى لأننا بدلاً من أن نزيد الفن ازدهاراً نحارب الإبداع، أبكى لأن هناك من يريد تخلف هذا المجتمع!

ومع دخول الفنان محمود عبدالعزيز المستشفى، ووصوله إلى حالة حرجة، حرص عادل إمام على الاطمئنان على صحة محمود من خلال اتصال هاتفى مع نجله محمد، وأبدى خلال المكالمة الرغبة فى زيارته، ولكن محمد اعتذر له وأبلغه أن الزيارة ممنوعة عن والده تمامًا بأوامر من الأطباء.

أعود مرة ثانية إلى مسلسل رأفت الهجان الذى بدأ تصويره عام ١٩٨٧ فى ستوديو ٥ بالتليفزيون المصري، وكنت وقتها شبه مقيم معهم فى الاستوديو بموافقة المخرج يحيى العلمي؛ حتى أكتب عن كواليس المسلسل كل أسبوع، ولاحظ محمود ذلك؛ حتى توقع أننى واحد من فريق العمل وقال ذلك لأستاذى الراحل عبد النور خليل فى إحدى زياراته لدار الهلال، وأذكر أن الساحر لم يدل بأحاديث صحفية فى تلك الفترة إلا لمجلة المصور التى كثيرا ما كان يعتز بها وبمؤسسة دار الهلال العريقة، بل إنه ليس من محبى الظهور الإعلامى إلا عندما يكون له مبرره!

المهم أن مسلسل رأفت الهجان نجح نجاحا مدويا بفضل تألق الساحر محمود عبد العزيز ومعه باقة كبيرة من النجوم، يسرا و يوسف شعبان ونبيل الحلفاوى وصلاح ذو الفقار وحسن حسنى، الفنان الكبير استعاد ذكرياته مع مسلسل «رأفت الهجان»، وبرر عدم تكرار التجربة بقوله: «عندما أقدم شخصية وتنجح لا أحاول أن أشتغلها مرة أخرى ورغم عشقى للهجان إلا أننى أرهقت نفسى فى هذا العمل، وهذه الشخصية جعلتنى مضطرب نفسيًا لفترة»!

وعلى الرغم من الألقاب الكثيرة التى أطلقت عليه خلال مشواره الفنى بداية من الجنتل والجوكر والنمس والقبطان وأخيرا الغول؛ إلا أن «الساحر» كان اللقب الذى التصق به والمحبب إليه منذ لعب بطولة فيلم «الساحر « عام ٢٠٠١ مع النجمة الشابة « منة شلبى « والمخرج الراحل رضوان الكاشف ! والساحر هو اختصار للقب ساحر السينما العربية التى اعترفت بموهبته وقلدته الكثير من الجوائز والأوسمة من مختلف المهرجانات الدولية والمحلية؛ حيث حصل على جائزة أحسن ممثل من مهرجان دمشق السينمائى الدولي، ومهرجان الإسكندرية السينمائى عن فيلم “الكيت كات” وجائزة أحسن ممثل من مهرجان زنزبار الدولى عن فيلم “القبطان”، كما حصل على جائزة أحسن ممثل من مهرجان مسقط عن فيلم “الساحر”، وجائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عن فيلم «سوق المتعة» !

لقد واجه محمود عبد العزيز شبح الموت فى أوائل تسعينات القرن الماضي، لكنه نجا منه وانتصر عليه بفضل الله، عندما اكتشف الأطباء وجود ندبة صغيرة فى الكبد، الأمر الذى أثار شكوكهم ومن ثم سافر الساحر إلى باريس وخضع للفحص الطبى الدقيق وانتهت الأزمة بسلام ليعود محمود أكثر نشاطا وحيوية، ثم كانت الصدفة العجيبة الغريبة فى عام ٢٠١٣ حين انتشرت على المواقع الإلكترونية شائعة وفاته؛ ليتلقى الفنان الكبير ونجله المنتج محمد العديد من المكالمات الهاتفيه للاطمئنان عليه، وكان وراء الشائعة حالة اللبث التى حدثت نتيجة تشابه فى الاسم مع فنان سودانى توفى بالفعل فى ذلك اليوم، الطريف أن محمود واجه الشائعة بنوبة من الضحك!

وفى هذا السياق دعونى أتوقف عند تغريدته التى كتبها على صفحته بموقع تويتر وقال فيها إن مسلسل راس الغول هو آخر أعماله! لعلها مصادفة غريبة تحققت بالفعل!

وقتها انتشرت شائعة اعتزاله الفن مستندة إلى تغريدته، الأمر الذى اضطره وابنه محمد أن يوضحا الأمر، وبخفة ظله المعهودة اعترف أنه «مُحدث تويتر « و كان يعنى بكلمة آخر « أحدث « حيث كتب يقول : إنتو مسكتو فى كلمة آخر؟ أنا مش ح اعتزل. قصدى أحدث، اصبروا عليا شوية فى تويتر لسه فى الأول، راس الغول لا يمكن يعتزل!

لكن سبحان الله .. صدقت تغريدته وكان «راس الغول» آخر أعماله بالفعل!

ومن غرائب المصادفات أيضاً أن يصطحب الساحر أسرته المكونة من زوجته بوسى شلبى وابنيه محمد وكريم فور انتهائه من تصوير مسلسل رأس الغول فى رحلة استجمام إلى باريس، استمرت حوالى شهرين وكأنه كان يودع الحياة مع أقرب أحبائه، وبعد عودته من هناك، اكتشف وجود ورم بلثته فعاد إلى باريس مرة أخرى وقيل إن الأطباء ارتكبوا خطأ فادحا حين قاموا باسئصال الورم، الأمر الذى أصابه بمضاعفات قاتلة أودت بحياته بعد صراع عنيد مع المرض! وبمناسبة الحديث عن نجله الأكبر محمد الذى اتخذ طريق الإنتاج على الرغم من تخرجه فى معهد التمثيل بتقدير ممتاز، بينما فضل نجله الأصغر كريم أن يسير على درب أبيه، وهو الذى ورث عنه خفة الظل والكثير من الملامح، رد الفنان الراحل على من اتهموه بأنه واحد من الفنانين الذين فرضوا أبناءهم على الساحة الفنية قائلاً فى تصريحات تليفزيونية إنه يشفق على أبنائه محمد وكريم من العمل فى الوسط الفني؛ لأنه يعرف جيدًا أن هذه المهنة مرهقة ولا ينجح فيها أحد بسهولة. وشدد أيضا على أنه لم يفرض أبناءه على أحد، ولو فعلها مرة لن يستطيع أن يستمر فى ذلك!

رحم الله نجمنا الكبير الذى أثرى حياتنا الفنية بالكثير من الأعمال الناجحة، وكان واحدا من فرسان التمثيل العظام .. وفى النهاية أقول وداعا ساحر السينما العربية وجنتلها وغولها!

محمود عبد العزيز .. الضاحك الباكى

بقلم - نجوان عبداللطيف

فى دار الأوبرا المصرية فى حفل الرائع على الحجار وصلنى عبر الإنترنت خبر وفاة محمود عبد العزيز.. الفنان.. نعم هو يستحق هذا للقب بامتياز.. ليس كل من يمثل فنانا ولا كل من غنى فنان ولا من لحن ولا من كتب ولا من رسم.. الفنانون قلائل ومن بينهم محمود عبدالعزيز، هو واحد من هؤلاء الذين يؤثرون فى وجداننا، بل يشكلون هذا الوجدان. ليس للمصريين فقط ولكن كل العرب. فى التسعينيات كنت فى زيارة للمملكة المغربية، وحاولت أن أحدد مواعيد للقاء بعض الشخصيات المهمة قال لى صديق مغربى: كل المواعيد ستبدأ بعد الانتهاء من عرض مسلسل رأفت الهجان.. تصورت أنه يبالغ أو أنه يجاملنى كمصرية.

فى موعد عرض المسلسل قررت التسوق فى وسط مدينة الرباط، فوجئت بالشوارع شبه خالية إلى درجة صعوبة إيجاد سيارة تاكسى، وأنا أسأل شابا مغربيا متعجلا عن الطريق لشارع محمد الخامس قال لى بعد أن أدرك من لهجتى أننى مصرية: أجلى مشوارك بعد انتهاء مسلسل الهجان.

صحيح أن المسلسل كان له تأثير كبير فى مصر، لكنى أبدًا لم أتصور ذات التأثير وربما أكثر على الشعوب العربية التى يذاع فيها المسلسل، أذكر سؤال المغربيات عن محمود عبدالعزيز.. كانوا متيمين بأدائه كانوا يتحدثون عنه وكأنه هو البطل الحقيقى رفعت الجمال، قالت لى إحداهن إن مسلسل الهجان غفر لمصر اتفاقية الصلح المنفرد مع إسرائيل! إلى هذا الحد نجح الهجان فى إذابة بعض من الجليد الذى نشأ بين مصر وعالمها العربى بسبب اتفاقية السلام التى وقعها السادات مع العدو الإسرائيلى. وأعاد لجهاز المخابرات وضعه وهيبته لدى الجميع بعد كشف بعض الممارسات غير السليمة من رئيسه السابق صلاح نصر والذى أعفى من منصبه بسببها وحوكم عليها.

مسلسل الهجان كان الضوء الكاشف للدور الوطنى المهم الذى لعبته المخابرات المصرية ضد العدو الإسرائيلى، فى حرب الاستنزاف وحرب١٩٧٣ وخلق وعيا لدى الأجيال الجديدة بقدرات المصريين التى تأثرت بثقافة السلام المزيف لتعرف أن «إسرائيل عدو الأمس واليوم والغد».

رحل رأفت الهجان. والشيخ حسنى فى (الكيت كات) وسمير فى (الشقة من حق الزوجة) ومنصور فى (الساحر) والدكتورعادل فى (العار) والضابط توفيق شركس فى (البرىء). والجاسوس منصور ورجل المخابرات عزالدين فى إعدام ميت. والعديد من الشخصيات فيما يقرب من ٩٠ فيلما. استطاع فى كل عمل أن يقدم لنا شخصية مختلفة، كان أهم ما يميز أداءه مصريته، لا تملك إلا أن تصدق أن سمير الموظف فى الصباح وسائق التاكسى بعد الظهر فى فيلم الشقة من حق الزوجة، هو الذى يرقص على أغنية زحمة يادنيا زحمة، وهو الذى يلقى فى وجه حماته بالغسيل فى مشهد من أحلى مشاهد الكوميديا على الشاشة الفضية، وأن توفيق شركس هو ضابط الشرطة المصرى الذى يعيش تناقضا حادا بين شخصيته الوديعة الرقيقة مع أسرته وشخصيته الأخرى القاسية المستبدة فى المعتقل. ولا هذا الطبيب عادل الذى ترك نفسه لتيار المال الحرام فى العار ولم يجد أمامه إلا السخرية من ضياع كل شيء بالغناء (والملاحة والملاحة وحبيبتى ملو الطراحة)، أما الشيخ حسنى الضرير الذى يقود الموتوسكيل فى مشهد هو من روائع السينما المصرية هو هذا المواطن البسيط الفقير ولكنه أبدا ليس بالشخص العادى، محمود عبدالعزيز قادر على أن ينسيك أنك تشاهد عملا فنيا - مجرد تمثيل- بل يجعلك تنتقل من أمام الشاشة للشارع أو الحارة لتلتقى بمواطن مصرى من دم ولحم، محمود عبدالعزيز هو واحد من هؤلاء الذين كانوا ومازالوا – رغم رحيلهم - قادرين على إدخال البهجة إلى قلوبنا بالفن الجميل، حتى ولو كانوا ينقلون الواقع المر.

كثير من هؤلاء لم يأخذوا حقهم ومنهم محمود عبدالعزيز، رغم النجومية وحب الناس ولكنه أبدا لم يعامل بما يستحق من الدولة، بعض المقربين منه قالوا إنه مر باكتئاب بسبب ضعف الأعمال التى تعرض عليه، وقضى بالفعل أوقاتًا طويلة بلا عمل، لأنه لا يحب أن يقدم الغث، ولأنه محب لجمهوره وفنه إلى درجة التفانى. كم كان هذا مؤلمًا للعظيم محمود عبدالعزيز كان يحلم بالكثير الذى يستطيع أن يقدمه ولكنه عاجز عن تحقيقه كان الضاحك الباكى.

تقاطعت أفكارى عن محمود عبدالعزيز مع صوت القدير على الحجار وهو يصدح بكلمات العظيم عبدالرحمن الأبنودى

كل الجروح ليها دوى

ياطير.. يا حايم.. ف الهوى

اطوى الجناح على الجراح

واضحـك.. 

ويلا.. نطير سوى

أنا مش هبيع الصدق ب الأكاذيب

ولا قولش للحمل الوديع.. يا ديب

ولا قولش للديب.. يا أعز حبيب

والصدق مهما.. عزّ

ف.. الأزمه.. مش.. ههتز

ساعات يكون

كــــــــــتّم الأنين

أصــــــــــــد ق

الصدق هو عنوان أى فنان على الحجار والأبنودى ومحمود عبدالعزيز. كان حزينًا رغم قدرته اللا محدودة على إضفاء البهجة على الآخرين، يصعب عليه كثيرًا أن يقبل عملا لا يرضيه بالكامل، وهو الذى لم يتردد لحظة عن قبول العمل مع مخرجين لازالوا فى بداياتهم لقناعته بموهبتهم وبالعمل المقدمين عليه، كما قبل بحدس الفنان أن تكون أمامه بطلات شابات لم تخطُ بعد خطواتها الأولى فى عالم الفن، فكانت منة شلبى فى الساحر ووفاء صادق فى القبطان، وغيرهن كثيرات.

ربما لم يشعر محمود عبدالعزيز بتقدير الآخرين له بما يستحق ولكنه كان متعففًا عن الطلب أو الشكوى كان (كتم الأنين أصدق)، مع أنه بالفعل واحد من الكبار تحقق ذلك بعد وفاته، جهاز المخابرات العامة المصرية ينعيه فى صحيفة الأهرام، فى سابقة لم تحدث من قبل وذلك لدوره الوطنى، كما تصدر خبر وفاته نشرات أخبار الفضائيات العربية والصحف، وفى صحيفتين من أشهر الصحف الفرنسية احتل خبر رحيله مساحة ليست بالصغيرة.. (صحيفة ليموند) قالت إنه صاحب الوجه الضاحك المتميز بخفة الدم والبساطة فى التعبير، وأشارت إلى فيلمه العظيم الكيت كات.

أما صحيفة ليبرالسيون وصفته بأيقونة السينما المصرية، وأشارت إلى فيلميه الكيت كات للمخرج داود عبدالسيد والساحر للمخرج الراحل رضوان الكاشف باعتبارهما من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية.

كثيرون من الكبار يعيشون بيننا لا نعطيهم ما يستحقون مع أنهم قدموا الكثير دون أن ينتظروا المقابل. تداخلت أفكارى بين محمود عبدالعزيز وبين صوت الحجار، والحجار واحد أيضًا من الكبار موهبة وقدرة واحترامًا للفن واجتهادًا فى اختيار الكلمة واللحن يحمل هموم الوطن فى قلبه، من يعطيه حقه هو وآخرين من الفنانين والمبدعين والعلماء هم ملح هذه الأرض.. هم الذين جعلوها حلوة الحلوات. يغنى الحجار:

اللى بنى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى

وعشان كده مصر يا ولاد مصر ياولاد حلوة الحلوات

بحلم يا صاحبى وأنا وأنا لسه بأحبى

بدنيا تانية ومصر جنة يا صاحبى

وآجى أحقق الحلم

ألقى الموج عالى عالى عالى عالى طاح بى

ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين

ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين

وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات.

رزق شحاتة.. كاتم أسرار «الساحر» يكشف عن وصيته للمصريين: «خلوا بالكو من بلدكو»

حوار: نورا حسين

أسرار مهمة لا يعرفها الكثيرون عن حياة «الساحر» محمود عبدالعزيز يكشفها لـ»المصور» صديقه المقرب وكاتم أسراره المقيم فى العاصمة الفرنسية «باريس»، رزق شحاته، والتى كان الراحل يقيم فيها كثيرا مع عائلته، ويتمتع بدائرة واسعة من الأصدقاء هناك.. فإلى نص الحوار:

·        متى بدأت علاقتك بالفنان الراحل؟

«قبل أى كلام ممكن أقوله عن صديقى وحبيبى الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، أطلب منكم الدعاء له بالرحمة والمغفرة، فمهما قلت عنه لن أوفيه حقه، فقد تعرفت عليه منذ ٢٠ عاما، عن طريق صديق مشترك بيننا فى فرنسا حيث أقيم هناك، وعندما تعرفت عليه وجدت فيه ملامح الإنسانية التى لم أرها فى مخلوق سواه، لذلك لم نفترق أبدا وظللت طوال الـ٢٠ عاما الماضية الصديق المقرب له من فرنسا.

·        وهل كان يحب السفر لفرنسا كثيرا؟

نعم كان يحب فرنسا جدا، فكان يأتى إلينا مرتين كل عام، مرة فى فصل الصيف، وأخرى فى الشتاء، لأنه كان يعتبر فرنسا بلده الثانى منذ أول مرة جاء إليها لعمل عملية جراحية فى البنكرياس، فهو يعشق جو فرنسا، وكان يهوى جمع «الأنتيكات» والتحف الفرنسية، ومنها موبيليا لويس السادس عشر ونابليون الثالث ويهوى أيضا جمع الانتيكات من سرفيسات الأطباق من ماركة سيفر المعروفة وكان دائما يأخذنى إلى «دوفيل» على البحر فى المكان الذى صور فيه المخرج هتشكوك فيلم «الطيور».

·        وما الجوانب الإنسانية التى لمستها فيه؟

كان إنسانا طيبا وصادقا ومتواضعا، لن أنسى أنه وقف معى فى أزمة كبيرة مررت بها منذ ٩ سنوات، ولم يتركنى إلا عندما أطمئن أن الأزمة مرت بسلام، فهو رجل حق وحمل كثيرا من هموم المصريين فى الخارج، كما كانت شخصية محمود عبدالعزيز شخصية عصبية، لكنها كانت تخفى وراءها أطيب قلب عرفته فى حياتي.

·        محمود عبدالعزيز كان معروفا فى الوسط الفنى بأنه أكثر الفنانين تواضعا.. هل هذا حقيقي؟

أنا أحدثك عن عبدالعزيز الإنسان حتى بعيدا عن الوسط الفني، لن تصدقى إذا قلت لكِ إنه كثيرا ما كان يترك عزومات فى أكبر مطاعم باريس ويقولى «خدنى عندك نفسى فى طبق فول وحتة جبنة بيضا».

·        وما الذى تتذكره من ذكريات وكواليس فنية حكاها لك؟

مشهد الطشت والهدوم اللى رماها على القديرة نعيمة الصغير فى فيلم «الشقة من حق الزوجة»، هذا المشهد لم يكن مكتوبا فى سيناريو الفيلم، لكنه فعله بتلقائيته الكوميدية، لذلك رحب جدا مخرج الفيلم عمر عبدالعزيز بالمشهد وأضافه على السيناريو.

·        وماهى أقرب الأعمال الفنية لقلب الراحل؟

«الشيخ حسنى» فى فيلم «الكيت كات» هو أكثر الأعمال الفنية قربا إلى قلبه، فكان يحكى كثيرا عن الشيخ حسنى وعن المواقف الكوميدية «اللى» حدثت أثناء تصوير الفيلم، وكنت عندما أقول له إنه «مافيش» فنان فى مصر يقدر يقدم الشيخ حسنى غيرك، كان يسعد كثيرا بذلك.

·        وماذا عن آخر مكالمة تليفونية بينكما.. وهل طلب منك شيئا؟

الحقيقة أنه بعد تدهور حالته الصحية بهذا الشكل، كان لا يستطيع الكلام، ولكننى كنت أحادث زوجته بشكل مستمر، وللأسف فى الأيام الأخيرة كنت أسمع صوته يتألم وأنا مع زوجته على الهاتف، فكنت أغلق الخط، وأقوم بتشغيل مسلسل «رأفت الهجان» على الحلقة الأولى فى المشهد الذى يبكى فيه من الألم فى حضن الفنانة يسرا، وفى المكالمة الأخيرة طلب منى دواء أرسلته له من فرنسا قبل وفاته بليلة، ولكنه للأسف رحل سريعا وتركنا نعيش على ذكراه ولم يتناول الدواء، كان نفسى أساعد فى شفائه.

·        فى رأيك.. ما الخطوة الفنية التى اعتبرتها نقلة جديدة فى حياته؟

عبدالعزيز كان يعتبر فيلم «العار» نقلة جديدة فى مشواره، خاصة لأنه ترك الرومانسى وانتقل إلى الأعمال الكوميدية، فكانت قالبا جديدا يحبه، وبالفعل امتاز فى تقديم الكوميديا، لأنه شخصية مرحة جدا فى الحقيقة.

·        والشىء الذى كان يسعده كثيرًا؟

جلوسه مع أصحابه، كان يحب أن يجمع أصدقاءه حوله، ونقوم بإلقاء النكات والضحك الهستيرى عليها، أيضا كان يسعد كثيرا عندما كنا نجلس على مقهى فى باريس ويأتى العرب وينادون عليه هاتفين «رأفت الهجان» (بتعطيش الجيم) ويطلبون التصوير معه، وكان يصل عدد من يريدون التصوير معه فى المرة الواحدة إلى ٥٠ معجبا، ويتركنا ويقف للتصوير رغم مرضه وتعبه، إلا أنه كان من المستحيل أن يحرج أحد معجبيه.

·        هل كنت معه عندما سافر إلى المغرب لتكريمه منذ سنتين؟

نعم كنت معه، ولأول مرة فى التاريخ يحدث ما حدث معه، كان عبدالعزيز هناك لتكريمه فى مهرجان الدخلة جنوب المغرب، وعند نزولنا إلى هناك خرجت المدينة بأكملها لاستقباله والاحتفال به، ولأول مرة فى تاريخ مهرجان سينمائى عند دخوله تم عزف موسيقى «رأفت الهجان» والنشيد الوطنى المصري، وقتها لم أنس دموع فرحته وسعادته الكبيرة بما حدث.

·        هل كان يتحدث معك عن وضع الفن الآن.. وهل كان معجبًا بموهبة أحد من جيل الشباب؟

كان حزينا جدا على الأوضاع الفنية الحالية، ولن أنسى حزنه الشديد والفضيحة التى تسبب لنا فيها بعض الفنانين فى مهرجان «كان» بعد ثورة ٢٥ يناير، وكان معجبا جدا بالفنان الشاب مصطفى أبو سريع الذى كان يشاركه فى مسلسل رأس الغول، وكان دائما يقول إنه موهبة صاعدة وتوقع له مستقبلا فنيا كبيرا.

·        وماذا كان يقول عن مصر؟

كان يحب مصر كثيرا، وكان يدعو للرئيس عبدالفتاح السيسي، وبالفعل أقمنا مظاهرة فى باريس لمساندة السيسي، وشارك معنا هو وأولاده محمد وكريم، رغم أنه كان مريضا، كان دائم القلق على حال مصر والمصريين وكثيرا يدخل فى اكتئاب عندما يشعر بأى خطورة على مصر.

·        وماذا عن وصيته الأخيرة؟

محمود كان عاشقًا لبلده، وآخر جملة أوصى بها للمصريين هى كان سيوصى الشعب المصرى «خلوا بالكوا من بلدكوا».

·        من كان الأقرب إلى قلبه من أفراد عائلته؟

كان يحب حفيدته ابنة كريم، كان دائما يحكى عنها، وكانت روح قلبه والقريبة منه جدا.

·        متى كانت آخر مرة قابلت فيها «الساحر»؟

عندما كان فى زيارته الأخيرة إلى باريس منذ شهر بالضبط، لإجراء عملية جراحية، وكان سعيدا بشفائه نسبيا من الألم، وفاجأنى بتقديم هدية لزوجتى؛ بمناسبة عيد ميلادها، وبعدها عاد إلى مصر ودخل إلى المستشفى مرة أخرى بعد أن تدهورت حالته الصحية ولم يخرج منها إلا بعد وفاته.

«نعى» على غير العادة

بقلم: أحمد أيوب

«ننعى بمزيد من الحزن والأسى الفنان الكبير محمود عبد العزيز الذى أثرى بفنه العديد من الإبداعات والذى جسد بصدق بطولات أبناء الوطن عبر إخلاصه وقدرته العظيمة»..

هذا نصا نعى جهاز المخابرات العامة للفنان الراحل محمد عبدالعزيز

نعى على غير العادة لفنان غيرعادى

لم يفعلها جهاز المخابرات العامة من قبل، لكن مع فنان بحجم ووطنية رأفت الهجان لا مانع أن يخالف هذا الجهاز الوطنى عرفه الذى سار عليه، وأن يخرج عن المعتاد لينعيه ويعلن على الجميع كم كان هذا الفنان وطنيًا مخلصًا، لم يبع بلده ولم يتخل عنها

القصة عند جهاز المخابرات ليست فنان كبير فقدناه، وإنما رجل قدم لبلده ما لم يقدمه كثيرون، أدى رسالته بضمير وإخلاص وطنى وبكل تواضع وحب جعل أجيالا متعاقبة تعرف معنى التضحية وتعيش روح الفداء من أجل الوطن، فعلى مدى ثلاثة أجزاء جسد فيها دور رجل المخابرات رأفت الهجان أبدع محمود عبدالعزيز لدرجة جعلته نموذجا يقلده الشباب ويفتن بدوره أغلب المصريين

عبد العزيز قدم لمصر فى مسلسل الهجان ما لم يقدمه آخرون يرسمون أنفسهم وكأنهم أبطال وأصحاب فضل على مصر، ورغم ذلك لم يزايد عبدالعزيز على بلده ولم يتاجر بدوره، وهذا وحده يكفى لاحترامه.

نعى المخابرات العامة يحمل ألف رسالة فى كلمات معدودة، وأول الرسائل أن جهاز المخابرات العامة يعرف الفضل، لا ينكر الجميل بل يعرف كيف يحفظه لأهله أحياء وأمواتًا.

الرسالة الثانية كانت للجميع بأن التكريم واجب للأبطال، كل من خدم وطنه، كل من ضحى من أجل مصر، كل من قدم جهدا أو ساهم فى عمل لصالح مصر، ومحمود عبدالعزيز واحد من الأبطال الذين يستحقون التكريم.

الرسالة الثالثة التى حملها نعى المخابرات لرأفت الهجان، أن مصر لا تنسى أبناءها المخلصين، طالما أنهم لم ينسوا فضلها عليهم.

الرسالة الرابعة، أن الفنان يمكن ألا يقل دوره عن فدائية رجال الجيش فى المعارك الحربية، وبنفس المنطق فالدولة ومؤسساتها الوطنية تتعامل معهم بنفس درجة احترامها وتقديرها لشهداء الوطن وأبطاله، إن مافعله جهاز المخابرات مع الراحل المبدع محمود عبد العزيز يؤكد بالفعل أننا أمام مؤسسة محترمة ويطمئننا أن الوطن لايهدر حق المخلصين من أبنائه، وعلى الجميع أن يعى هذا المعنى ويطمئن.

الملك.. محمود عبدالعزيز

بقلم: أكرم السعدنى

فى مطلع الثمانينيات كان «اللوكيشن» هو ملتقى عدد كبير من مبدعى مصر، منهم «الملك» فريد شوقى الذى اجتمعت حوله كل أجيال دولة الفنون وفى اللوكيشن كان اللقاء اليومى من العاشرة مساء وحتى طلوع الفجر، ذات يوم كان العم صلاح السعدنى ومعه إبراهيم عبد الرازق وعبد الله فرغلى وسعيد صالح ووسطهم فريد شوقى.. سألوه يا ملك دلوقتى «فلان الفلانى» بيمثل ١٥ فيلمًا فى السنة من بين الـ٦٠ فيلمًا اللى بتنتجها السينما فى مصر ..فرد الملك آه يا حياتى.

السؤال فين بقى؟ !.. ثم عاد العم صلاح ليسأل فلان ده هو اللى هيبقى الملك بعدك !!ضحك الفنان الأجمل فى دنيا الفنون وقال.. لا لا لا ما ينفعش خالص.. فقال السعدنى طب سمى مين الملك اللى بعدك..

بدون تفكير قال الملك اللى بعدى هو محمود عبد العزيز.. وأما الأسباب الفنية التى عددها الملك فريد شوقى فكلنا نعلمها ولكن الأسباب الإنسانية استغرقت من الملك وقتا طويلًا وهو يعدد مزايا هذا النجم الذى غزا قلوب عشاق دولة الفن فى مصر وانطلق إلى عالمنا العربى ..بالمناسبة حتى لا يفهمنى أحد خطأ «فلان الفلانى» هو نجم بزغ ثم انطفأ إشعاعه وهو الآن أحد الثائرين الناشطين المتفلسفين وهى مهنة من لا مهنة له وأخونا إياه سوف تكون له معنا وقفة سنقول فيها ما يمكن لقانون النشر أن يسمح به.. المهم سنعود إلى أجمل من قابلته فى رحلة الحياة عمى وتاج الرأس محمود عبد العزيز الإنسان الذى لا يمكن أن تختلف معه أو حوله تربى فى الإسكندرية مدينة السحر وأكاديمية الجمال فاكتسب منها خصائص المدينة فهو كما بحرها لا حدود لمشاعره النبيلة أما أعماقه فهى خزانة لكنوز الصفات البشرية التى لا تتوفر سوى لعباد الله الذين خصهم باحتواء كل البشر وبمحبة الناس حيث البساطة بلا ادعاء والشهامة بغير إعلان والرجولة كما ينبغى لها أن تكون.. عرفت محمود عبدالعزيز فى العام ١٩٨١ وشاهدته للمرة الأولى فى منزل الرائع السكندرى الجميل النبيل بهجت قمر ذلك لأن أهل الإسكندرية شىء ما يشدهم ويجمعهم فى رباط مقدس هو ذلك السحر القادم من أعماق البحر ..وكان محمود يعتبر بهجت قمر هو «حاضن المبكى» وليس «حائط المبكى» كلما شعر أحد من أهل الفن المقربين لبهجت بالإحساس والحاجة إلى البكاء وتفريغ الشحنات السلبية ذهب إلى هناك هكذا كانت تفعل معالى زايد الجميلة الجريئة وهكذا وجدت هناك محمود عبد العزيز فى أول مرة يقع بصرى عليه ومنذ ذلك اليوم لم أبتعد عن الفنان الكبير العظيم العطاء الذى ينطبق عليه السهل الممتنع المتسع واليوم لا أدرى كيف أنعى هذا الإنسان والفنان الذى كان منبعًا للبهجة والسعادة طوال حياته.. وعلى نفس هذا المنوال سوف نحكى حكايات وقصص محمود عبدالعزيز ونواصل الكتابة عن صاحب البهجة فى دولة الفنون، الرجل الوحيد والفنان النادر الذى اختاره فريد شوقى ليحمل من بعده اللقب الأعظم فى دولة الفنون «الملك» نعم ذهب محمود عبد العزيز بجسده وكلنا سوف نذهب ولكن ما أجمل أن تترك خلفك ذكرى يتداولها الناس فيندهشون ويضحكون ويتعلمون ويفكرون وهم يترحمون عليك أيها الضاحك المبكى ..الشهم الجدع الوفى ..لقد تابعت اليوم مشهد الوداع الأخير فوجدت الغالى النفيس حسين فهمى يحبس دموعه ومشاعره حتى خرج الجثمان الذى كان يحمل أجمل روح.. فإذا بحسين فهمى ينهار لفراق أحد أجمل زملاء العمر وجدت محمود حميدة. وكان أقرب الناس إلى قلب محمود عبد العزيز وهو الوحيد الذى كان مسموحا له من ناحية» حميدة «بأن يتجاوز فى الهزار وفى المزاح وكان عبد العزيز وحميدة وكأنهما توأم روح رغم فارق العمر ..وجدت حميدة وأعماق الأسى الرهيب تشع من كيانه بأكمله.. لم أقترب منه واحترمت لحظة حزن عميقة سوف تعيش داخله مع الزمن.. لم يفتح حميدة فمه بكلمة واحدة وانطلق ليسبق الموكب إلى الإسكندرية يوارى صديق العمر ولمحت أحدهم وهو من الموهومين.. فداخله وهم أعظم بكثير من موهبته.. هذا العالمى اتجه إلى كل كاميرا وتكلم فى كل ميكرفون.. ذلك لأنه لا يفوت فرصة إلا، واستغلها فى صالح الإعلان لنفسه..

كان كل أعضاء النقابة هناك ليس لكونهم مسئولين عن المهنة خدميا ..ولكن لأنهم فى الحقيقة تأثروا بإشعاع هذا الكائن النادر التكرار محمود عبد العزيز رأيت أشرف زكى وهو يغالب دموعه وسامح الصريطى محاولا تنظيم الأمور حتى لا تحدث مأساة بسبب الاندفاع الشديد وتكالب الافندية المصورين وأصحاب كاميرات الفيديو الخاصة بالفضائيات وكان أبو داود يقف فى حالة ذهول غير مصدق بأن نجم الليالى والملحمة الأجمل فى ليالى بهجت قمر وسمير خفاجى قد غادر دنيانا.

وإلى العدد القادم

المصور المصرية في

16.11.2016

 
 

محمود عبد العزيز كوكتيل الضحك والبكاء والرومانسية

قبطان السينما المصرية وطائرها الحزين

حسنين كروم - القاهرة – «القدس العربي» :

ظهر الفنان محمود عبد العزيز لأول مرة كوجه جديد في مسلسل «الدوامة» مع كبار النجوم في أوائل السبعينيات، وكان لظهوره وقع يشي بالنجاح ويبشر بمولد نجم، وبالفعل جاء الظهور الأوضح في فيلم «الحفيد»، فقد تقاسم البطولة مع الفنان نور الشريف وبرزت قدراته وخصائص أدائه في ظل وجود الفنان القدير عبد المنعم مدبولي والنجمة ميرفت أمين، ويمكن القول إنها كانت البداية الحقيقية للشاب الموهوب، الباحث عن فرصة بين الكبار، وهو ما زال حديث السن والخبرة ولا يملك من مقومات النجاح غير الموهبة، فهو ليس من خريجي المعاهد الفنية ولا صلة له بالواقع الفني غير الحلم بأن يصبح ممثلا ونجما شهيرا يشار إليه بالبنان وربما كان الأصعب في تحقيق حلم العمر أنه ليس من سكان القاهرة، بل هو الوافد من الاسكندرية عروس البحر المتوسط ومدينة الرومانسية، لذا كان التعلق بالفن والشهرة والنجومية منطقيا ومبررا، حيث كان للمناخ السكندري فضل كبير في تنمية المواهب الكبرى ونضجها في مجالا متعددة، فهناك سيد درويش أنبغ أبناء عصره في مجال الموسيقى والغناء، وهو نموذج مثالي جديد بتجديد حلم كل موهوب في أن يصبح فنانا، ولا شك أن نخبة كبيرة من النجوم والمبدعين المعاصرين السكندريين اقتدى بهم محمود عبد العزيز واستفاد من تجاربهم ليطوي المسافة الفاصلة بينه وبين القاهرة العاصمة، التي تموج بالحركات الفنية والثقافية، والتي اختارها لتكون مقر إقامته ومركز إنطلاقه بعد تخرجه في كلية الزراعة في بداية العشرينيات من عمره ليكون قريبا من الأضواء ومحيط الابداع.

وكان لنجاح التجربة السينمائية الأولى في حياته أثر بالغ الأهمية، فقد ذلل العقبة الأولى عقبة الاكتشاف وكسر حاجز الرهبة واكتسب بعض المهارات، ولذلك لم يكن مستغربا وجوده في فيلم شفيقة ومتولي التجربة الأهم في بداياته ليقف مع أحمد مظهر وسعاد حسني وجميل راتب وأحمد زكي كبطل تتوافر فيه كل شروط ومعطيات النجاح وبالفعل أخذ الممثل الصاعد في تثبيت أقدامه وتوالت الأدوار تلو الأدوار ويأتي فيلم «طائر الليل الحزين» مع الممثل القدير والنجم الكبير محمود مرسي محطة رئيسية أخرى في مشواره ومسيرته لتسلمه إلى محطات مهمة على المستوي نفسه، فنرى التعدد والتنوع في الرؤى والتجسيد البريء «الدنيا على جناح يمامة» و«الكيف» و«جري الوحوش» و«العار»، والأخير هو الأكثر حظا فقد نجح الفيلم نجاحا مذهلا لطبيعة الموضوع الشائك الذي كتبه السيناريست محمود أبو زيد، والإخراج المتميز للمخرج علي عبد الخالق والتنافس الصحي بينه وبين بقية أبطال الفيلم نور الشريف وحسين فهمي وإلهام شاهين وأمينة رزق، وقد بلغ من تأثير هذا الفيلم أنه اختصر رحلة محمود عبد العزيز فصار يشار إليه به كأنه الوحيد المتميز بين أفلامه وظل هذا لفترة طويلة إلى أن جاء دوره في فيلم «الكيت كات» ليكتشف النقاد والجمهور مواطن تألق مختلفة في إبداعه وتمثيله، وبرغم صعوبة الدور وتركيبه الدرامي، إلا أن المخرج داود عبد السيد أفلح كثيرا في منح الشخصية مذاقها الكوميدي، الذي ظهرت به على الشاشة، معطيا الفرصة كاملة للنجم الراحل لتقمصها وإعادة إنتاجها لحما ودما بما يناسب الشكل أو القالب المطلوب لتكون قريبة من الجمهور وروحه الفكاهية، لذا تم تصنيف الفيلم تصنيفا كوميديا على عكس طبيعته من فرط الإعجاب بشخصية الشيخ حسني والتفاعل معها.

ومضت السنوات وزادت خبرة محمود عبد العزيز فاختلف أداؤه تبعا لاختلاف الأدوار والشخصيات وبين التنقل من شخصية لشخصية ومن فيلم لفيلم كان الدور الدرامي الشعبي البطولي الأميز في مسلسل «رأفت الهجان» علامة أساسية في تاريخه الفني وشهادة موثقة بالصوت والصورة دالة على موهبته وتفرده فقد تحول عبد العزيز إلى شخصية معادلة لشخصية «الهجان» في وجدان الجماهير المصرية والعربية كأنه صاحب البطولات الحقيقية، التي قام بها رجل المخابرات المصرية في الأزمنة المشار إليها في الحلقات وبفضله بعث رأفت الهجان من جديد ليستوطن قلوب الملايين بعدما كان شخصا مجهولا لا يعرف عنه أحد شيئا.

وقد حاول تكرار التجربة في مسلسل أخر أحيط قبل عرضه بهالة دعائية ولكن لم يحالفه الحظ فمسلسل «محمود المصري» كان أقل أهمية ولم يحقق التأثير الجماهيري نفسه، نعود إلى السينما، حيث التنوع والثراء والدور المختلف في فيلم «سوق المتعة» الأكثر إثارة للجدل فهو يجسد صورة إنسانية لشخص اعتاد القهر فتوطن عليه وتكيف معه ولم يستطع الفكاك من وطأة الذل والعجز فاختار أن يعيش سجينا طوال حياته حتى بعد أن امتلك قدريته وهي رؤية للكاتب والسيناريست وحيد حامد يعمل فيها فلسفة خاصة لقراءة النفس البشرية في ضوء ما تتعرض له من صدمات وضغوف تفقد الإنسان أعز ما يملك إنسانيته فلا يستطيع تعويضها ولو أمتلك كل أموال الدنيا.

وعن التنوع أيضا كانت تجارب أخرى غاية في الأهمية قدمها محمود عبد العزيز في ثلاثة أفلام نوعية هي «القبطان» للمخرج سيد سعيد و«ثلاثة عللا الطريق» و«البحر بيضحك ليه» لمحمد كامل القليوبي، وكلها حملت أبعادا سياسية وتطرقت لقضايا مصيرية وطرحت أفكارا تقدمية، فهكذا كان الفنان الراحل محمود عبد العزيز في أدائه واختياراته شديد البساطة وشديد العمق.

القدس العربي اللندنية في

16.11.2016

 
 

رحيل الفنانين: الشائعة التي تنقلب حقيقة

كريستين أبيض

عاشت الفنانة اللبنانية، صباح، أكثر من ثمانين عاماً حتى توفّيت عام 2014. لكن، في سنوات ما قبل رحيلها، كانت صباح أسيرة نفي أخبار إشاعات وفاتها. حزنت صباح كثيراً لانتشار تلك الشائعات، ووصل بها الحال إلى التساؤل، حول ما إذا كان مطلقو الشائعات، ينزعجون من بقائها على قيد الحياة. وكانت كل مرَّة تسألهم الرحمة، ومراعاة شعور محبيها الذين يتسابقون وينادون بنفي تلك الشائعات المغرضة. ووقفت الصحافة في السنوات الأخيرة موقفاً خجولاً من الشائعات التي تطاول الفنانين دوماً، خصوصاً في بعض المواقع الإلكترونية التي تستمد معلوماتها من مواقع التواصل الاجتماعي دون عناء التدقيق، فتقع هي أيضاً فريسة الكذب، حتى إن هذه المواقع، لا تُكلِّف نفسها توضيح الخبر أو الإشاعة، ولا يتمّ الاعتراف بعدم التأكد من مصدرها. 

يقول، جوزف غريب، الذي كان إلى جانب الفنانة صباح لسنوات سبقت رحيلها، أنه "جهز نفسه لوقت طويل لنفي شائعة موت صباح". ويؤكّد غريب لـ "العربي الجديد": "خصَّصت هاتفاً جوالاً من أجل الرد على استفسارات بعض الصحافيين الذين لم يدخلوا لعبة نشر المعلومة قبل التأكد منها، وهم قلة. يتصلون معي ويسألونني بشيء من التمويه عن صحّة الصبوحة، ويدركون من صوتي أنها بخير. فيما كان البعض الآخر يسأل، وأجيبه بشكل مقتضب: الصبوحة بخير". 

يؤكد نجل الفنان الراحل، ملحم بركات، ملحم جونيور، أنّ والده عانى كثيراً من الشائعات التي تحدثت عن مرضه، أو تلك التي وضعت نفسها في موقع التحليل، وكشفت عن تقدم مرحلة المرض عند بركات. ويعتقد أبناء ملحم بركات، أن بعض الفنانين والصحافيين، أسهموا إلى حد ما في زعزعة الاستقرار النفسي الذي يجب على الفنان أو أي إنسان الخضوع له طوال معاناته الصحية. 

كل ذلك، دفع بعض النجوم في العالم العربي، إلى إصدار بيانات صحية بعد أن تصلهم معلومات عن وفاتهم، وكان منهم الفنانة، نبيلة عبيد، التي أصدرت بياناً شديد اللهجة، تؤكد فيه بأنّها على قيد الحياة، بعدما انتشرت شائعة مرضها، وبأنّ كل ما كانت تعانيه هو مجرد إنفلونزا عادية اضطرتها إلى ملازمة المنزل لفترة من الوقت، قبل أن تستعيد نشاطها الفنّي. 

الفنانة، نبيلة عبيد، أيضاً، نفت مراراً شائعات وفاة زميلتها الفنانة، مديحة يسري، والتي تعاني من أزمة صحية، بسبب تقدمها في العمر. والمعروف أن الفنانة، مديحة يسري، أصيبت بنوع من آلام المفاصل والعظام، ما أثّر على صحتها بشكل كبير، لكنها حتى الساعة تُعالج في أحد مستشفيات القاهرة. وعانت الفنانة الراحلة، مريم فخرالدين، من شائعات كثيرة تجزم بوفاتها، وهي عاشت لسنوات بعيدة عن الأضواء، لكن المقربين منها كانوا ينفون ذلك حتى توفيت عام 2014. 

وكذلك يعاني الفنان، عادل إمام، من شائعات تطاول حياته. حتى إنه تحدث في أحد اللقاءات التي جمعته بالصحافة، قائلاً "خايف لما موت بجد ما حدش يصدق"، في الإشارة إلى مجموع الشائعات التي يضطر "الزعيم" إلى نفيها بنفسه. 

ونفى الفنان، سمير غانم، خبر وفاته قبل أشهر قليلة، على الرغم من تدني حالته الصحية اليوم. وقال مستهزئاً: "سمعت بخبر وفاتي، فذهبت لأعزيني، فوجدت نفسي حياً أرزق، فانكسفت من نفسي". فيما دعت ابنته الفنانة، دنيا سمير غانم، إلى اتقاء الله من قبل ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، والتأكد من صحة أي خبر يقومون بنشره، خصوصاً في مسألة الموت. 

وقبل أشهر، نفى الفنان السوري، دريد لحام، خبر رحيله بعدما انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي. وطلب لحام عبر مداخلة إذاعية، بأن يحترم مطلق الشائعة شعور عائلته وجمهوره، نافياً في الوقت نفسه أن يكون له أي حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي التي يحاول مطلق الشائعة من خلالها التفنّن بنشر الخبر عبر تلك الصفحات، وهي في الأصل مزورة. 

وكذلك الحال بالنسبة للفنّانة المصريّة، فيفي عبده، التي أبدت انزعاجها من انتشار شائعة موتها بطريقةٍ مُفاجئة. وعلى الرغم من ردها الانفعالي، قالت عبده: "إن الموت حق، وأنا لا أخشى الحق"، لكنها ندَّدت ببعض الحاقدين الذين يبثّون مثل هذه الأخبار، دون التأكُّد من صحتها. 

وانتشرت قبل عام، شائعة رحيل الفنان، عزت أبو عوف، بعد خضوعه لعملية جراحية حرجة، سبقها سيل من الشائعات التي طاولت أبو عوف. لكن ظهوره بالصورة على أحد المواقع، وطمأنة جمهوره، قلل من أهمية ونشر الخبر الكاذب. 

وبعد إصابته بجلطة دماغية في سورية عام 2011، نفى مُقرّبون من الفنان، جورج وسوف، خبر وفاته الذي تناقلته، يومها، بعض المواقع الإلكترونية. وتم نقل الوسوف إلى أحد مستشفيات لبنان لمتابعة علاجه. الوسوف واجه، أيضاً، شائعة موته عام 2014، عندما كان يتلقّى علاجه في السويد. 

وكانت الممثلة، رانية ياسين، ابنة الفنان القدير محمود ياسين، قد نشرت على موقع فيسبوك موقفاً شديد اللهجة رداً على الشائعات التي انتشرت عن رحيل والدها الفنان محمود ياسين. ياسين كتبت "ملعون أبو فيسبوك الذي فتح الباب أمام مجموعة من الناس التي لا يهمها شعور أهل الفنان، ولا حتى معنويات الفنان نفسه، والوقوف على خاطره". 

الإشكالية في مثل هذه الحالات، لا تتعلّق فقط بكون الفنان ملكاً عاماً للجمهور، بل تتعلق من جهة، برغبة الفنان بنشر حقيقة مرضه من عدمها، وذلك التزاماً بالخصوصية التي يكفلها حتى الطبيب المعالج. وبمتاجرة البعض، من جهة أخرى، في طرح سبقٍ إخباريّ عبر استغلال شائعات الموت، فيصدر الخبر أو ينشره على مواقع تضج بآلاف المتابعين. 

العربي الجديد اللندنية في

16.11.2016

 
 

رجال الفن والسياسة في عزاء عبدالعزيز...وابن المخلوع يثير الجدل

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

حرص عدد كبير من الفنانين ورجال السياسة على حضور مراسم عزاء الفنان محمود عبد العزيز، الذي توفي مساء السبت الماضي بعد صراعٍ مع المرض.

وبعد غيابه عن جنازة الساحر، وتعرّضه لانتقادات عديدة، حضر الفنان عادل إمام برفقة نجله محمد.

كما حضر كل من عمرو دياب، ومحمد حماقي، وشريف منير، وهاني سلامة، وبوسي، وعزت أبو عوف، ومحمد فؤاد، والراقصة دينا برفقة نجلها علي، وهاني شاكر، ومحمد منير، وسمير غانم، ورشوان توفيق، وإيهاب فهمي، وحمادة هلال، ومصطفى قمر، وأشرف زكي، ومنى زكي، وأحمد عدوية، وميرفت أمين، ومي كساب، وهالة صدقي، ووزير الثقافة حلمي النمنم، وصابرين، وإلهام شاهين، ويسرا.

كما لفت الانتباه غياب والدة كريم ومحمد، نجلي محمود عبد العزيز، عن مراسم العزاء.

وحضر أيضاً من الفنانين زينة وأحمد عز، في ظهور نادر لهما سوياً، بعد أزمة قضية النسب التي كانت حديث الرأي العام لسنوات طويلة.

وحرصت على الحضور كذلك الفنانة حنان ترك، التي حاولت تهدئة الإعلامية بوسي شلبي، زوجة الفنان الراحل، بكلمات من القرآن الكريم والأحاديث.

وقد أرسل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، باقة من الزهور في مراسم العزاء، وحضر أيضاً رئيس الأركان المصري الأسبق، الفريق سامي عنان، وعلاء مبارك نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي كان قد أجرى اتصالا هاتفيا بالفنان في المستشفى للاطمئنان على صحته قبل وفاته بأسبوعين.

وعلى الرغم من وجود أفراد الحراسة الشخصية، إلا أن هذا لم يمنع حصول بعض المشاحنات بين الحراس وبين الجمهور الذي كان يقف أمام قاعة العزاء، حين وصل الفنان عادل إمام وحاول عدد من محبيه التقاط الصور معه.

العربي الجديد اللندنية في

17.11.2016

 
 

أحزان عادل قبل وبعد السرادق!

طارق الشناوي

بينما كانت فعاليات المهرجان فى دار الأوبرا وفى وسط المدينة تعرض أفلاماً مصرية وعربية وعالمية، كانت مشاعر الناس والإعلاميين والمثقفين والفنانين هناك ناحية جامع الشرطة بالشيخ زايد، حيث عزاء محمود عبدالعزيز، شاهدنا مظاهرة حب ومبايعة لهذا الفنان الذى لم ولن يغيب عن مشاعرنا، كل الأطياف السياسية والفنية حضرت العزاء بينما روح محمود عبدالعزيز فى السماء تحلق وتحتضن الجميع.

الدولة الرسمية توجهت، أكثر من مسؤول قدم الواجب، النجوم مع اختلاف مشاربهم، وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، ورئيس الأركان الأسبق، سامى عنان، علاء وجمال مبارك حرصا على التواجد، ومن المؤكد أصبحا هدفا للمواقع والفضائيات، وكالعادة كان حضور عادل إمام هو الملفت، رغم أنه كان متوقعاً، فهو أبسط الأمور فى التعبير عن المشاعر.

كانت الميديا قد لعبت كثيراً فى تأجيج لهيب الصراع بين عادل ومحمود، وتناست أنه بعد الموت يموت الصراع.

شىء من هذا تكرر قبل 11 عاماً مع رحيل أحمد زكى، هناك من يستغل جلال الموت ويعتبره فرصة لتصفية الحسابات، ويومها عندما وجدت حالة الاستقطاب، كتبت مقالاً فى جريدة «القاهرة» عنوانه «نجم الإبداع ونجم الأرقام» كنت أقصد طبعاً بالإبداع أحمد زكى والأرقام عادل إمام.

الصراع شريعة الحياة وليس فقط الحياة الفنية، وكل من يقرأ تاريخ الفن يُدرك أن معارك حادة كانت بين أم كلثوم ومنيرة المهدية سلطانة الطرب، وصلت إلى حد هتك الأعراض، وفى النهاية زارت أم كلثوم منيرة فى بيتها قبل رحيل منيرة بأعوام قليلة، ولم تنس منيرة أن تشير فى الحوار التليفزيونى الوحيد الذى أجرته عام 62 إلى حبها لأم كلثوم، بينما أم كلثوم ذكرت أن منيرة شربت أولاً من كوب المياه الغازية عندما زارتها فى منزلها حتى تطمأن أنها لم تدس لها السم.

شهدت الساحة صراعاً ضارياً بين عبدالوهاب وأم كلثوم، وأصبح أكثر ضراوة بين أم كلثوم وعبدالحليم، إلى درجة أن أم كلثوم بعد عام 64 منعت عبدالحليم من مشاركتها فى أى حفل، بعد أن سخر منها على الهواء فى حضور عبدالناصر، لأنها ظلت تغنى متجاوزة التوقيت.

مثلاً كل من أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز تصارعا فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 98 بفيلمى «أرض الخوف» و«سوق المتعة» وفى النهاية انتزع محمود الجائزة عن «سوق المتعة»، وكنت حاضراً الواقعة فى الأوبرا وشاهدت أحمد زكى وهو يصفق لمحمود.

وقبلها ببضع سنوات عام 91 كان الصراع الثلاثى فى مهرجان الإسكندرية بين نور الشريف، يؤدى دور أخرس فى «الصرخة» ومحمود عبدالعزيز الأعمى «الكيت كات» وأحمد زكى مسجون أمضى المدة فى «الراعى والنساء»، وفاز فى النهاية محمود بالجائزة، وصفقا له، وليلتها غنى أحمد ونور كورس خلف محمود «الصهبجية».

كان الصراع بين عادل ومحمود أشد ضراوة، لأن محمود كان يشكل تهديداً على المستوى الرقمى، محمود يسبق فى الإيرادات كلاً من أحمد ونور، وكان يسبقه عادل، بديهى أن إمكانيات وموهبة محمود تضعه فى مرمى عادل، خاصة أن محمود يملك مواصفات الكوميديان، فهو داخل نفس المساحة التى يتفرد بها عادل، بشكل أو بآخر ستجد أن أفلاماً رشح لها عادل من نصيب أحمد زكى أو نور وليس بالضرورة محمود، والعكس صحيح، ثلاثية «بخيت وعديلة» التى كتبها لينين الرملى كان من المفترض أن يلعب بطولتها أحمد زكى وكانت له ملاحظات ثانوية ولم يقتنع بها لينين فاقتنصها عادل. أهم مسلسل قدمه محمود «رأفت الهجان» كان مرشحاً له عادل واعترض على الخط الدرامى الذى يبدأ بـ«الفلاش باك»، وعلى الفور صار محمود مطروحاً بقوة، وقتها تردد فى الدائرة القريبة لمحمود أنه كان منذ اللحظة الأولى المرشح قبل أن يتم توجيه الدفة لعادل، بعيداً عن توثيق هذه المعلومة، فإن المتداول أن عادل والكاتب صالح مرسى والمخرج يحيى العلمى بعد نجاح «دموع فى عيون وقحة» الذى تناول حياة جمعة الشوان واسمه الحقيقى أحمد الهوان، قررت المخابرات استكمال نفس الفريق فى «رأفت الهجان» أقصد رفعت الجمال، ومعروف الخلاف الحاد فى الرؤية بين عادل وصالح مرسى، ولم يرض أبداً صالح الخضوع للنجم، وأسند الدور إلى محمود ليصبح أيقونة المسلسلات الدرامية، وفاق نجاحه الجماهيرى «دموع وقحة»، ولايزال عندما تُذكر كلمة مسلسلات يصعد اسم «الهجان» كحالة استثنائية، وبعدها بسنوات قلائل يتكرر الأمر سينمائياً، يعتذر عادل عن «الكيت كات» فيسند المخرج داوود عبدالسيد الدور إلى محمود، ليصبح ليس فقط دور عمره، ولكنه الفيلم الذى صار عنواناً له ولمخرجه بل أحد أهم عناوين السينما ليحتل المركز الثامن كأفضل فيلم عربى، والحقيقة فى أكثر من حوار قرأت إشادة من عادل بأداء محمود فى الشيخ حسنى،، ويلعب بعدها عادل دور كفيف فى «أمير الظلام» ولكنه لا يترك أثراً. وتتعدد الترشيحات المتبادلة «سوق المتعة» الذى حصل به محمود على جائزة أفضل ممثل من مهرجان القاهرة، تردد قبل محمود اسما أحمد زكى وعادل إمام، وقبل أن يسند الإخراج لسمير سيف كان الفيلم فى حوزة شريف عرفة، ويبقى «حسن ومرقص» مشروع الإعلامى والمنتج عماد أديب بأن يجمع عادل ومحمود، السيناريو ليوسف معاطى، واحتجاج من محمود ولكن عادل أصر على السيناريو، وجاء الإنقاذ صوب عمر الشريف، وتحقق حلم آخر لعادل بلقاء عمر، بل أن يسبق اسمه أيضاً فى «التترات» اسم عمر، ولكن من المؤكد حرمنا من مباراة فنية رائعة طرفاها محمود وعادل.

نعم لسنا ملائكة وليسا ملائكة، فهما يتصارعان أحياناً لأنهما يلعبان فى نفس الدائرة، وتزداد لهيب النيران لأنهما تحت الأضواء وفى مرمى الإعلام، وكان بينهما خلافات اشتعلت يوماً، وأيضاً قفشات متبادلة ضحكا عليها معا، شاهدت جانباً منها فى لقاء جمعهما مع عماد أديب فى مهرجان «كان»، لا يشكك أحد فى أن أحزان عادل على فقدان محمود عبدالعزيز لا تحتاج إلى دليل، فهى مؤكدة قبل وبعد ذهابه إلى سرادق العزاء.

tarekelshinnawi@yahoo.com

المصري اليوم في

17.11.2016

 
 

خطأ طبي سبب وفاة محمود عبد العزيز

كشف الإعلامي المصري عماد الدين أديب، التفاصيل الكاملة للمرض الذي أودى بحياة الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، وذلك خلال مقال له نشر في جريدةالوطن“.

أديب أكد إن ما حدث مع محمود كان بسبب خطأ طبي، حيث قال: “منذ أشهر عدة وبالتحديد في شهر رمضان الماضي بدأت معاناة محمود عبدالعزيز بآلام في أسنانه قيل في التشخيص الأول أنها تسوس حاد في الأسنان والضروس يحتاج لجراحة.. أجريت الجراحة في فرنسا وثبت بعد فترة أنه حدث فيها خطأ في استكمال الجراحة، مما أدى إلى دخول فيروسات إلى أعلى الفك ومنها إلى مؤخرة الرأس”.

وأضاف: “شاهدته مرات عدة في باريس يتألم بشدة من ردود فعل هذه الجراحة إلى الحد الذي كانت تتسرب منه بعض عبارات اليأس من الشفاء من هذا الألم رغم الكمية الهائلة التي كان يتناولها من المسكنات.. ثم اكتشفت بعض الأورام قيل إنها محدودة وبدأت رحلته في فرنسا للمرة الثانية للعلاج ولكن هذه المرة بالكيماوي.. وبعد قرابة 20 جلسة من الكيماوي عاد للقاهرة ولكن الآلام عاودته.. فأكدت الأشعة المغناطيسية أن السرطان قد انتقل إلى خمسة أماكن رئيسية منها الكبد والرئة والعمود الفقري والمخ”.

وتابع: “باختصار، أبلغ الأطباء في مستشفى الصفا ولديه محمد وكريم أن الحالة ميؤس منها وأن المسألة مسألة وقت وتعهدوا أن يبذلوا كل الجهود للتخفيف عنه حتى يحين أمر الله.. كما كانت هناك محاولات للبحث عن آخر أمل ممكن للعلاج في باريس، وتم بالفعل إرسال تقرير طبي من مستشفى الصفا مع شريط سي دي إلى أهم استشاري أورام في باريس الذي أكد دقة تشخيص الأطباء المصريين وأن حالته لا تسمح بنقله وأنه لا يوجد أي بروتوكول علاجي يمكن أن ينقذه”.

وأكد، أنه تم إخفاء هذه المعلومات عن محمود عبدالعزيز الذى تمكن منه المرض وأصبح يؤثر على حالته النفسية، مشيرا إلى إنه أمضى آخر 8 أسابيع رافضاً للطعام وأصبح يتناول غذاءه عبر محاليل عبر الوريد، وقال: “شعر محمود عبدالعزيز بقرب لقاء ربه فكان يكثر من تلاوة ما يحفظ من قرآن ويدعو ربه ضارعاً مستغفراً”.

يذكر أن محمود عبدالعزيز قد وافته المنية مساء السبت 12 نوفمبر، عن عمر يناهز 70 عاما، في مستشفى الصفا بالمهندسين.

موقع "إعلام.أورج" في

17.11.2016

 
 

من جراب «الساحر»|

«القبطان».. زوربا المصري ينتصر للحياة ويهزم القهر

محمد الحسن

أي جرأة امتلكها الفنان الراحل محمود عبد العزيز للدخول في تجارب سينمائية مختلفة وغير مضمونة النجاح جماهيريا، خصوصا إذا كانت مع مخرجين مغمورين.

الحقيقة أن هذه النقطة كانت من أهم ما يميز "الساحر" طوال مشواره السينمائي، حتى أنك تكتشف أن "جرابه" مليء بالعديد من الألاعيب الفنية الجميلة، التي قدم فيها أفكارا غاية في التجديد والتميز، بخلاف الأعمال المعروفة له.

هنا نعيد اكتشاف أحد أعمال محمود عبد العزيز المظلومة، لنلقي الضوء على جانب المغامرة في مشوار الراحل. والحديث عن فيلم "القبطان".

بطاقة الفيلم:

تأليف وإخراج: سيد سعيد

بطولة: محمود عبد العزيز، أحمد توفيق، وفاء صادق، مصطفى شعبان.

الموسيقى التصويرية: راجح داوود

العرض الأول: 29 سبتمبر 1997.

قصة الفيلم تحكي عن منصور الدهشوري أو "القبطان" كما هو معروف لدى الجميع، الأحداث في عام 1948 ببورسعيد، عندما هُزمت الجيوش العربية  في فلسطين، فيما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي. "القبطان" رجل محبوب من الجميع، لديه سلطة معنوية كبيرة عليهم، هائم في الحياة، يساعد الجميع ويجميهم من غيرهم وحتى من أنفسهم، محب للحياة وللنساء، فيما يشبه شخصية "زوربا" في الأدب اليوناني، والتي قدمها أنطوني كوين في فيلم بنفس الاسم.

في المشهد الافتتاحي للفيلم الذي يظهر آثار النكبة الفلسطينية، ينزل اللاجئون الفلسطينيون الذين هجرهخم الاحتلال الصهيوني، في ميناء بورسعيد، تخاطف فتاة الشيخ العجوز: "شهل يا شيخ لا يلحقونا"، فيرد عليها "لو الصهاينة لحقونا في مصر وين راح نروح يعني، ما قدامنا غير الموت"، في إشارة بديعة لتحصن العرب عموما والفلسطيين خصوصا بمصر التي يرون فيها الملجأ الأخر لهم في وجه الصهاينة.

يتولى "الحكمدار" إسماعيل الذي يقوم بدوره أحمد توفيق مسؤولية بورسعيد، ومن أول الفيلم تظهر بوادر العداء بينه وبين "القبطان"، وطوال العمل تتنوع مشاهد الصراع بينهما، محمود عبد العزيز ممثلا لسلطة الشعب والمعرفة، وأحمد توفيق ممثلا للسلطة الحاكمة الباطشة القاهرة.

يبدأ الفيلم قبل أي شيء بعبارة من كتاب "المواقف والمخاطبات" للقطب الصوفي محمد بن عبد الجابر النفري، وهي: "إنما أحدثك فترى.. فإذا رأيت فلا حديث"، يعبر هذا عن نزعة صوفية للعمل يريد أن يقدمها مخرجه المغمور وصاحب الإنتاج القليل للغاية سيد سعيد، ولا حقا سنفهم معنى عبارة النفري.

من خلال شخصية القبطان، وأحاديثه ومواقفه، سننعرف تفاصيل الصراع الذي يريد الفيلم توضحيه أو "التحدث به" وفقا لعبارة النفري، فـ"القبطان" رجل غير محدد الجنسية، لتدعيم فكرة أنه قيمة كبيرة وليس مجرد شخص، يعمل بجوار الميناء، لديه قدرة كبيرة على بث السعادة والبهجة ومد يد العون للجميع.

يحب "القبطان"، مع 3 رجال آخرين، "وجيدة" التي تلعب دورها وفاء صادق، لكنها فجأة تتزوج من الحكمدار، ونسمع في وصف حبه لها قطعة جميلة جدا من السناريو، تلمس القلب من فرط كلماتها البديعة: "بحبها.. بحب عنيها الواسعة وشعرها الأسود المجعد لون البحر.. بحب بشرتها اللي شاربة من لون الشمش ومعجونة بنور رباني.. بحب صوابعها الطويلة المسكوبة.. بحب ضوافرها اللي زي صدف البحر.. كانت بتحبني أيام الصبا. عاوزها تدخل بيتي وتسقيني من أبريقها وعمري ما أرتوي. أجمل ما فيها شيء مني وأجمل ما في شي مني.. هي وحدانية وأنا وحداني، رغم الأهل والصحاب والناس.. هي وحدانية لأن ملهاش زي".

يملك "القبطان" جهاز راديو يسمع عليه نشرة الأخبار الأجنبية، وينقلها مترجمة للأهالي الأميين، يثير هذا حنق "الحكمدار"، ويحاول منعه من ذلك، لكن "القبطان" الذي يمثل في هذا قيمة المعرفة ينتصر على السلطة الرافضة لأن يعرف الشعب.

أحد المواقف التي تنهزم فيها السلطة في الفيلم مشهد بسيط للغاية، إذ يجلس "الحكمدار" على الشاطئ للصيد، وبالقرب منه يجلس "القبطان"، الأول لا يتمكن من اصطياد أي سمكة فيما الآخر يعطيه البحر مما عنده، يتضايق "الحكمدار" ويجلس في مكان "القبطان" الذي يذهب إلى مكان "الحكمدار" الأول، لكن الوضع يبقى كما هو عليه: القبطاد ينجح و"الحكمدار" يفشل.

وعندما تأتي لـ"الحكمدار" فرصة للقبض على القبطان والنيل منه، يفشل أيضا، إذ يختفي "القبطان" فجأة، فلا وجود للبيت الصغير الذي كان يتجمع فيه مع الأهالي لينقل لهم الأخبار (المعرفة)، والجميع يردون بأنهم لا يعرفون أحدا اسمه القبطان، يقلب "الحكمدار" البلدة رأسا على عقب لكنه يفشل في العثور على "القبطان"، فتقيله السلطة في العاصمة، وفيما هو مستقل القطار خائبا مهزوما يظهر القبطان فجأة، في مشهد مشابه لما ظهر عليه في أول الفيلم عندما رآه "الحكمدار" لأول مرة.

الفيلم به نزعة فانتازية واضحة، تتجسد بالطبع في فكرة اختفاء القبطان تماما، وكأنه لم يكن موجودا، ويذهب بعض النقاد إلى أن الفيلم يحمل أفكار "كفكاوية" نسبة إلى الكاتب التشكي فرانز كافكا، المعروف بالنزعة الفانتازية السوداوية، لكن البعض يرد بأن سيد سعيد لا يتفق مع أفكار كافكا السوداوية، لأنه ينتصر بـ"القبطان" للحياة وللمعرفة، في مواجهة السلطة الباطشة المانعة، التي أظهرها الفيلم في صورة "خائبة" وفاشلة وتائهة حول نفسها، لا تملك من الحيل إلا البطش والتهديد فقط، فيما الناس الذي يمثلهم القبطان يبدون على قدر كبير من فهم الحياة، والرغبة في المعرفة، ومساعدة الآخرين.

"القبطان" عمل رائع، قدمه عبد العزيز وسقط من ذاكرة الكثيرين، لكن إعادة اكتشافه، ولو بعد واة محمود عبد العزيز، مهمة للغاية، في دراسة مشوار الفنان الراحل، وفي معرفة كيف أن الفن يمكن أن يكون بديعا غلى هذه الدرجة.

يمكننا إذن أن نفهم عبارة النفري التي صدر بها المخرج الفيلم "إنما أحدثك فترى.. فإذا رأيت فلا حديث"، والنفري أيضا هو صاحب العبارة الشهيرة "كلما اتسعت الرؤية ضاعت العبارة"، فالفيلم يريد أن يقول للمشاهد على ما يبدو أن الصورة أمامك، وعليك أن تتأملها وتفهمها، يكفينا أن نتحدث لندلك عليها فقط، وعليك أن تبحث عن المعاني بداخلها، لنتوقف نحن عن الحديث مع نهاية الفيلم ونتركك تفسر ما رأيته، وهي مهمة نجح فيها إلى حد كبير المخرج سيد سعيد الذي ابتعد عن المباشرة والخطابة وقدم رسالة فنية تلمس العقل والقلب معًا.

اليوم الجديد المصرية في

17.11.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)