كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

من «رأفت الهجان» إلى «الكيت كات»:

مسيرة حافلة صنعت الأسطورة

علا الشافعي

عن رحيل الساحر (صانع البهجة)

محمود عبدالعزيز

   
 
 
 
 

بعد صراع مع السرطان، انطفأ النجم المصري عن عمر ناهز ٧٠ عاماً، ووري الثرى أمس في مقابر الاسرة في مدينة الاسكندرية، على أن يقام العزاء بعد غد الأربعاء في مسجد الشرطة في الشيخ زايد

القاهرةهناك في حي الورديان في الإسكندرية، ولد محمود عبد العزيز في الرابع من حزيران (يونيو) 1946. في ذلك الحي الشعبي الذي نحت شخصيته على ملامح كل السكندريين من عشاق البحر، عاش الطفل محمود طفولته «بالطول والعرض». كانت عيناه مليئتين بالشقاوة كما روى عنه. وكلما كبر، صار أكثر وسامة.

درس الزراعة وحصل على شهادة الماجستير في تربية النحل. ومن هنا عرف قيمة الاختيار والتأمل، اللذين كانا رفيقي رحلته ومشواره. لماذا النحل دون غيره؟ الإجابة ببساطة لأنّ الشاب خريج كلية الزراعة كان مولعاً بهذا العالم، فمملكة النحل تقدس النظام، ولا يتوانى كل من ينتمي إليها عن العمل والإخلاص والتفاني.

كان عبد العزيز يراقب سلوك الملكة واختياراتها عن كثب. لعلّ هذا كان مفتاح شخصية الشاب الوسيم الذي صار واحداً من كبار نجوم السينما المصرية والعربية.

منذ بداياته، كان يتحرك بدأب وإصرار وذكاء منذ اللحظة التي اختاره فيها المخرج نور الدمرداش لدور صغير في مسلسل «الدوامة» مع محمود ياسين ونيللي. توقع الجميع للفتى ذي العينين الملونتين والشعر الأشقر، أن يكتسح «جانات» السينما في ذاك الوقت، ويقف بجوار حسين فهمي، ونور الشريف وغيرهما من النجوم الذين كانوا يتصدرون المشهد السينمائي في ذلك الوقت. بالفعل، تبنّاه المنتج رمسيس نجيب الذي وجد فيه مشروع نجم مستقبلي يتمتع بملامح خاصة. هكذا، قدّمه في بطولة فيلم «حتى آخر العمر» (1975) مع نجوى إبراهيم وعمر خورشيد، عندما جسد دور طيّار أصيب بالشلل في معركة حربية.

بعدها، قدم عدداً من الأدوار التي تتسق مع وسامته ذات الملامح الأرستقراطية. هو وحده كان يعلم أن بداخله طاقات تمثيلية لم يكتشفها أحد، وأنه تركيبة مغايرة تماماً لكل النجوم على الساحة. صحيح أنّه كان صاحب ملامح أرستقراطية، إلا أن تركيبته النفسية شعبية وأصيلة جداً، تحمل تلك الخفة وسرعة البديهة التي تميز ولاد البلد. جانب لم يره رمسيس نجيب في الـ«جان» محمود عبد العزيز، الذي تربع على عرش الأدوار الرومانسية، وصار لقبه في تلك المرحلة «الشاب الحليوة أبو دم خفيف».

لكنّ عبد العزيز ظلّ متيقناً بأنّ اللحظة المناسبة ستأتي وسيخرج من عباءة الفتى الوسيم. في غضون ستّ سنوات فقط، أدّى بطولة 25 فيلماً بأدوار ارتبطت بالشباب والرومانسية والحب والمغامرات. لكن منذ عام 1982، بدأ التنويع في أدواره، إذ قدّم فيلم «العار» الذي رسّخ نجوميته، إذ اختاره المخرج علي عبد الخالق لأداء دور الطبيب ضعيف الشخصية. بعدها، انطلق عبد العزيز، وأصبح تركيبة فريدة لا تشبه أحداً، يلعب في منطقة خاصة جداً من الأداء التمثيلي العميق والممزوج بخفة الدم التي تفجر الضحك، إضافة إلى القدرة على الغناء وتأدية ألوان مختلفة. نوّع أكثر في أدواره، فقدم شخصية الأب في «العذراء والشعر الأبيض» (1983)، وأيضاً في فيلم «تزوير في أوراق رسمية» (1984)، ثم دور عميل المخابرات المصرية والجاسوس في فيلم «إعدام ميت» (1985). وقدم شخصيات جديدة في «الصعاليك» (1985) و«الكيف» (1985) الذي حظي بنجاح جماهيري كبير، وصار بخفته يمثل تهديداً لكبار الكوميديانات، وباتت «إيفيهات» أفلامه الأكثر تداولاً، خصوصاً أنّه مع كل دور جديد، كان يحلّق عالياً في سماء النجومية.

تجربته الأهم كانت مع رأفت الميهي في مرحلة الفارس والفانتازيا

ذكاء محمود جعله يدرك منذ أولى خطواته الفنية، أن سرّ النجاح يكمن في الصدق، وأنه كفنان عليه أن يقنع الناس والمشاهد بأن ما يقدمه حقيقي، وأن يجعل المشاهد ينسى تماماً شخصيته الحقيقية، ويتماهى مع الشخصية التى يقدمها، ويعمل جيداً على خلق وصياغة تفاصيل لا تنسى لكل شخصية يقدمها. من يراه في «العار» بتركيبة الطبيب النفسي المريض والمصدوم بوالده، لن يصدق أنّه الممثل نفسه في فيلم «الكيف» مثلاً.

وقد يكون من الفنانين القلائل الذين أدركوا أهمية الاختيار، فهو لم يقدم أفلاماً بمنطق الانتشار، بل يمكن بسهولة أن نقسم مشواره الفني إلى مراحل: مرحلة الجان اللطيف، ومرحلة الأفلام السوبر كوميدي التي حققت له جماهيرية عريضة وشعبية واسعة، ومرحلة الدراما والتألق في أفلام درامية تحمل طابعاً ملحمياً مثل «البريء»، و«الدنيا على جناح يمامة»، ومرحلة الفارس والفانتازيا في تجربته المهمة التي تدرَّس مع رأفت الميهي. قدما معاً مجموعة من أهم أفلام الفانتازيا في تاريخ السينما مثل «السادة الرجال» و«سيداتي آنساتي» و«سمك لبن تمر هندي».

عاشق التمثيل والمخلص في مهنته، ظل طوال مشواره يتعامل مع الفن بمنطق «الأسطى» صاحب الحرفة المميزة، التي لا يعرف سرها غيره. لذلك كان ينسج دوماً أدواره بتلك الروح، ففي كل قطعة يضع بصمته الخاصة، ومع كل خطوة كان يصنع أسطورته ويتجلى.

محمود عبد العزيز قيمة كبيرة في السينما المصرية، موهبته تبدأ من اختيار الموضوع وحرصه على عملية الاختيار وعدم تكرار الشخصيات التي يلعبها. وهذا وحده كان أكبر ضمان لاستمرار نجوميته، فهو لم يستهلك نفسه أبداً، ولم يكن لديه مانع بأن يظلّ في منزله عاماً أو اثنين أو حتى أكثر، طالما أنّه لم يجد الدور أو الشخصية التي يحبّها ليقدمها. كان يمتلك قدرة كبيرة على التطور والدخول في مناطق تمثيلية ربما لا يكون مصنفاً فيها، فهو دائماً قادر على إدهاش متابعيه ومشاهديه، فدور الشيخ حسني الكفيف في «الكيت كات» سجّل ذروة التجلي لموهبته... تلك الشخصية حوّلها عبد العزيز إلى واحدة من الأيقونات الخالدة في تاريخ الفن العربي. عن شخصية الشيخ حسني، قال في تصريحات صحافية: «هناك أنواع كثيرة من فقدان البصر قمت بدراستها، فهناك من ولد فاقداً للبصر، وهناك من فقد البصر فى مرحلة عمرية معينة. تعلمت هذا من أطباء العيون، تجولت في الشارع ورأيت معطفاً أمسكت به وقلت «هذا هو» لأنه يناسب الشخصية، فالمعطف فيه بقعة في منطقة الرقبة، وهو يناسب تركيبة شخص فاقد للبصر، فلا يخلو الأمر من وقوع بقايا طعام على رقبته وصدره».

واصل سحره وتألقه في الدراما التلفزيونية أيضاً، عندما قدم دور رأفت الهجان في أحد أنجح وأهم أدواره. وعنه، قال في أحد حواراته الصحافية: «حينما قرأت ورق «رأفت الهجان»، ذهبت إلى المخابرات العامة، وأخذت منها ملفاً فيه الأوراق الشخصية لهذا البطل وصوراً له في مختلف مراحله العمرية، وأحضرت المجلات والصحف التي صدرت في تلك المرحلة الزمنية وشاهدت فيها طريقة تصفيف الشعر والملابس التي كان يرتديها كل من عاش هذه الفترة، خاصة أن رأفت الهجان كان شديد الأناقة. إلا أنّ مفتاح الشخصية بالنسبة إليّ كان في جملة قرأتها في أوراق المخابرات العامة المصرية عنه وهي بالعامية المصرية «بيتكعبل في النسوان». بالنسبة إليّ، هذه الجملة شديدة الثراء في التمثيل، جعلتني أصيغ تفاصيل الهجان من منطقة خاصة جداً، مما أعطى الشخصية كل هذا السحر».

محمود عبد العزيز نجم صنع أسطورته الخاصة، وكلما تقدم به العمر كان يزداداً بريقاً ولمعاناً، وسيظل حالة فريدة في تاريخ الفن العربي.

قدرة مدهشة على التلوّن والتجدّد:

عبقري الأداء والإحساس

علي وجيه

في رائعة «الزير سالم» (2000 – تأليف ممدوح عدوان، وإخراج حاتم علي)، يصل خبر مقتل «كليب» إلى الزير، فيصرخ غير مصدّق: «أكليب كلّه مات؟». لا أفضل من تعليق كهذا على فاجعة رحيل العملاق المصري: «محمود عبد العزيز كلّه مات؟».

ذلك أنّ «الساحر» أو «زوربا المصري» أو «صانع البهجة» أو «النمس» ليس بالممثّل الذي يمكن تعويضه. هو من تلك القماشة النادرة التي صنعت نجيب الريحاني وأحمد زكي ويحيى الفخراني، مع تفرّد كلّ منهم في التفاصيل. المشخصاتي المدهش يشعرك أنّه جايمس دين في البدايات، ثمّ آل باتشينو في توهّج الثمانينات وبداية التسعينات، قبل أن يصير جاك نيكلسون بنظاراته السوداء، التي ظلّ يرتديها بسبب حساسية الضوء ومشاكل النظر. من لم يتأثّر بخبر انطفائه؟ أثره الوجداني العميق منحه طريقاً مباشراً إلى قلوب الجميع. أداء رفيع. حضور طاغٍ. وسامة محبّبة. عينان آسرتان. ابتسامة ساحرة. حسّ عفوي. خفّة دم لا تعرف الافتعال.

محمود عبد العزيز مذهل في القدرة على التلوّن والتجدّد، من دون فذلكة ولا تعقيد. آمن بشدّة أنّ الورق المتماسك أصعب ما في الأمر. ثابر في البحث عن وصفته المضمونة للفيلم الناجح: المتعة والبهجة ومخاطبة الوجدان وحبّ الحياة والتنوير. رفض المساومة ولعب أدوار لا تحقّق المعادلة، حتى لو كلّفه ذلك الابتعاد لسنوات. بعد العثور على الشخصية، يجيء أوان التحليل والأنسنة وإيجاد المفاتيح. فهم التمثيل على أنّه الناتج النهائي لعجن الحياة، والاحتكاك بالأسفلت، ودراسة تفاصيل الحس والمادة. أدرك أنّ العمق في البساطة والمعايشة. حقّق السهل الممتنع، مستنداً إلى موهبة شديدة الجمال والأصالة. حافظ على شغف البدايات وقلق التجارب الأولى، حتى آخر المشوار في مسلسل «راس الغول» (تأليف وائل حمدي وشريف بدر الدين، وإخراج أحمد سمير فرج).

النشوء في حيّ «الورديان» بالإسكندرية علّمه الجلد، والإصرار على التحقق. مثل عادل إمام وسمير غانم، درس في كليّة الزراعة، مسجّلاً حضوراً لافتاً على خشبة المسرح الجامعي (لا ننسى أنّ يحيى الفخراني خرّيج طب، وسعيد صالح حائز شهادة في الآداب). انتقل إلى القاهرة عام 1973، إلا أنّه بقي إسكندراني الهوى. هو الذي صرخ على شاطئها في مسلسل «محمود المصري» (2004 – تأليف مدحت العدل، وإخراج مجدي أبو عميرة): «بحبّك يا بنت الذين. بحبّك أوي». بدأ بأجر 4 جنيهات في مسلسل «الدوّامة» (1973 – إخراج نور الدمرداش). حطّ على كوكب السينما من خلال «الحفيد» (1974) لعاطف سالم بدور زوج الأخت الوسيم، فتنبأت الناقدة إيريس نظمي أنّه فتى الشاشة القادم. حلم بلقاء المنتج رمسيس نجيب، الذي لم يتأخّر في طلبه ومنحه بطولة «حتى آخر العمر» (1975) لأشرف فهمي. في تلك المرحلة، سجنه المخرجون ضمن خيار «الفتى الوسيم» العاشق أو المغامر. عمل تحت إدارة أسماء مثل حلمي رفلة وحسن يوسف وحسام الدين مصطفى وسيد طنطاوي وهنري بركات وزكي صالح وأحمد يحيى وأحمد السبعاوي وسعد عرفة. لا اختراق يُذكَر، باستثناء شغله إلى سعاد حسني في «شفيقة ومتولي» (1978) لعلي بدرخان، و«المتوحشة» (1979) لسمير سيف. مع شعوره بالتأطير، راح عبد العزيز يبحث عن أدوار أكثر عمقاً وتنوّعاً، مستغلاً ما ثبّته من شهرة ومكانة.

«الكيف» مدرسة أزليّة في الضحك العربي

أدرك طبيعة معدنه وجودة مخزونه. صرخ أنّ بداخله كوميدياناً لا يشقّ له غبار. جاء الإنقاذ عبر تحفة «العار» (1982) لعلي عبد الخالق، بعد رفض يحيى الفخراني لدور طبيب الأمراض العصبيّة، إلى جانب نور الشريف وحسين فهمي (قدّم معهما أيضاً «جري الوحوش» لعلي عبد الخالق عام 1987). من ينسى الختام المأساوي بانفجاره الهستيري على القارب: «الملاحة والملاحة وحبيبتي ملو الطرّاحة»؟ أخيراً، فكّت العقدة، وفتحت مغارة علي بابا. انهمك في نشاط محموم، دافناً صورته النمطية إلى الأبد. أخرج أحلى ما لديه تحت إدارة حسن الإمام ومحمد خان وحسين كمال ومدحت السباعي وإيناس الدغيدي وعمر عبد العزيز ويحيى العلمي ورأفت الميهي وعاطف الطيب وداود عبد السيد. حلّق إلى فضاءات أعلى، منوّعاً بين كوميديا الرومانس والواقعية الجديدة. كثيراً ما برهن عن اقتدار كوميدي، من دون تهريج أو افتعال. «الكيف» (1985) لعلي عبد الخالق مدرسة أزليّة في الضحك العربي. إيفيهات من قبيل «بحبك يا ستموني مهما النّاس لاموني»، و«ادّيني في الهايف وأنا أحبك يا ننس» مغروسة في الذاكرة. في «الكيت كات» (1991) لداود عبد السيّد، بلغ ذروةً لا تُنسى، لاعباً «الشيخ حسني» ببهاء وفرادة. هو البلبل الذي «غنّى وغنّى على ورق الفلّة»، كما أهداه سيّد مكاوي. هذا التجلّي الأسمى للممثّل، في مستوى لم يبلغه سوى صديقه أحمد زكي (حققا معاً شريطاً خلّاباً هو «البريء» لعاطف الطيب عام 1986، إلى جانب عناوين أخرى). حتى الأدوار الأقل شهرة، أدلّة أخرى على حنكته المتزايدة. في أوائل التسعينات، أنهى «القبطان» مرحلة حافلةً بزلزال تلفزيوني، هو ثلاثية «رأفت الهجان» (تأليف صالح مرسي، وإخراج يحيى العلمي). ألهب مشاعر الجمهور العربي، بسيرة تحبس الأنفاس للجاسوس المصري المزروع في كيان الاحتلال. خبير هو بعالم المخابرات وعمليات التجسس. «إعدام ميت» (1985) لعلي عبد الخالق، و«فخ الجواسيس» (1992) لأشرف فهمي مثالان على ذلك. بعدها، عمل في تجارب متفاوتة، لم تفتقد إلى إخلاصه المعتاد. تألّق في «الساحر» (2001) لرضوان الكاشف، فاكتسب لقبه الفنيّ الأشهر.

مع الألفية الجديدة، سيطرت موجة «السينما النظيفة» وأفلام الشباب وما إلى ذلك من متغيّرات. وقف محمود عبد العزيز متأمّلاً ما يحصل. رأى أنّ الوضع «مش مزبّط». الفن مرآة لما يحصل من انحدار في السوية والذائقة. هذه دورة حياة السينما التي اعتادها، ولكن لا بدّ من ظهور فيلم جيّد مهما قست الظروف. عناده الفنيّ، وحرصه على عدم الانزلاق، كلّفاه سبع سنوات من الانقطاع، حقق خلالها «محمود المصري» في التلفزيون. شركة good news تمكّنت من إعادته إلى صالات العرض بـ «ليلة البيبي دول» (2008) لعادل أديب، و«إبراهيم الأبيض» (2009) لمروان حامد. هنا، تفوّق على نفسه بشخصية «عبد الملك زرزور» رغم مساحتها المحدودة. أنجز تكاملاً مثالياً بين الفيزيك والحس الداخلي، بين شراسة بارون المخدّرات الشعبي وانكسار العاشق الكهل. قال «دي دخلة إنّك لميّت وإنّهم لميّتون»، و«الجرأة حلوة مفيش كلام»، فابتلع الفيلم بمن فيه. كان ختام المسك، إذ لم يقدّم فيلماً بعده. في السنوات الأخيرة، دار حديث جديّ عن مشروع لم ينفّذ، بعنوان «أوضتين وصالة» لشريف البنداري. كذلك، أبدى رغبته في لعب شخصية إسلامية تعبّر عن الوجه الحقيقي للدين، إضافةً إلى حلمه بالعودة إلى المسرح. غريب أنّ صنّاع السينما المصريّة لم يستغلّوا نضجه اللامتناهي، فركن إلى دراما رمضان.

محمود عبد العزيز طفل منذور للعب والانعتاق. أجاد البوح بتلقائية فريدة. تجنّب استعمال كلمات مثل الكره والموت في كلامه. نادراً ما تحدّث للصحافة، مفضّلاً التكريم والندوات العامّة. التقيناه في مهرجان دمشق السينمائي عندما كان يحضّر لـ «إبراهيم الأبيض»، فحدّثنا عنه بحماس الوجوه الجديدة. كان حريصاً على حضور الأفلام المصريّة وتشجيع أصحابها، وارتياد النادي الرياضي في فندق الشام عصر كلّ يوم. بشجن أليم، قال لـ «عم مجاهد» في «الكيت كات»: «بضحك، وأغنّي في قعدة حلوة.. لغاية ما أموت». نعم، فعلها «الجنتل» قبل أن يرحل «على جناح يمامة». وداعاً.

مشاركاته في الدراما التلفزيونية

لم يبتعد عن التلفزيون نهائياً، وحاول التواجد فيه، لكن ثقله ظلّ في السينما. إذ يتلخّص مشواره في الدراما التلفزيونية بحوالي 12 مسلسلاً فقط، الا أنّها من الأعمال البارزة التي حفرت في ذاكرة الجمهور.

أول مسلسل يحمل عنوان «الدوامة» (إخراج نور الدمرداش، تأليف إبراهيم الورداني، وسيناريو وحوار شريف المنباوي)، أدى بطولته محمود ياسين، ونيللي، وهياتم، ونادية الجندي، ويوسف فخر الدين. وكان عبد العزيز يومها وجهاً جديداً. بعد ثلاث سنوات، قدم مسلسلاً من بطولته بعنوان «شجرة اللبلاب» (1976)، للروائي المصري الراحل محمد عبد الحليم عبد الله (كتب السيناريو والحوار محمد عبد الرحمن ـ أخرجه عبد المنعم شكري).

انقطع عن التلفزيون لمدة 11 عاماً وركز على السينما فقط، إلى أن عاد عام 1987، بمسلسل «رأفت الهجان» (تأليف صالح موسى، وإخراج يحيى العلمي) الذي يعد نقطة تحوّل في مشوار «الساحر» في الدراما التلفزيونية، سيما أنّ هذا المسلسل يعتبر الأبرز بين الأعمال التي تناولت ملفاً من ملفات المخابرات المصرية من خلال شخصية «رفعت علي سليمان الجمال» الذي تم زرعه داخل المجتمع اﻹسرائيلي للتجسس لصالح المخابرات المصرية. بعدها قدم منه جزءين آخرين عامي 1990، و 1992.

في 1988، أدى بطولة مسلسل «البشاير» الذي كتبه وحيد حامد وأخرجه سمير سيف، وشاركته البطولة مديحة كامل وسناء يونس وأمينة رزق. تدور أحداث المسلسل حول، رجل مكافح يعود من الخارج، لتنفيذ مشروع زراعي في قريته، وينقذ فنانة من حادث قريب من مزرعته ويقع في غرامها.

مجدداً، غاب عبد العزيز سنوات عن التلفزيون إلى أن عاد عام 2004 بمسلسل «محمود المصري» (تأليف مدحت العدل وإخراج مجدي أبو عميرة) الذي حقق نجاحاً كبيراً، وشاركت في بطولته غادة عبد الرازق، وسمية الخشاب، ومي عز الدين، وأحمد خليل، وهشام سليم، وحنان مطاوع، وشريف سلامة، ومحمد نجاتي، ومادلين طبر.

وفي 2012، قدم مسلسل «باب الخلق» (تأليف محمد سليمان عبد المالك، وإخراج عادل أديب) الذي شاركت في بطولته دينا، وسوزان نجم الدين، وأحمد فلوكس، ومنة فضالي، وعبير صبري. وفي 2014، أدى بطولة «جبل الحلال» (تأليف ناصر عبد الرحمن، وإخراج عادل أديب) الذي شاركت في بطولته وفاء عامر، ونرمين الفقي، وكريم محمود عبد العزيز، وخالد سليم، ومي سليم. وفي 2016، قدّم آخر مسلسلاته «رأس الغول» (إخراج أحمد سمير فرج، وتأليف وائل حمدي وشريف بدر الدين) بمشاركة لقاء الخميسي، وميرفت أمين وفاروق الفيشاوي.

ركب حصان خياله ومضى

خليل صويلح

هل مات محمود عبد العزيز فعلاً؟ الأمر لا يتعلّق بالمراثي بقدر ما هو إعادة توصيف ضرورية لشخصية فانتازية لطالما رفضت أن تندحر إلى الخلف رغم تراكم عناوين الأفلام اللاحقة. ذلك أنّ شخصية الشيخ حسني التي لعبها هذا الممثل بمهارة استثنائية في فيلم «الكيت كات»، عصية على النسيان أو التجاهل، كأننا نشاهدها للمرة الأولى في الإعادات المتكرّرة للفيلم على الشاشات، أو أننا نكتشف ثراء هذه الشخصية وقدرتها على العيش في الواجهة رغم هامشيتها في الحياة بقوة عمل الفانتازيا بطاقتها القصوى.

كان الراحل إبراهيم أصلان قد كتب سيرة هذا الشيخ الضرير في روايته البديعة «مالك الحزين» (1981) كواحدة من سير أخرى يعرف حيوات أصحابها عن كثب، في حي إمبابة الشعبي. لكنه أضفى عليها بعداً تخييلاً وضعها في مهبّ الكوميديا السوداء، ثم أتى داود عبد السيد ليخلخل البنية السردية للنص الروائي، ويقتنص بعداً فلسفياً لمعنى البصر والبصيرة. في الرواية، يورد إبراهيم أصلان تفصيلاً جانبياً للغرفة يتعلّق بلوحة مرسومة بالأبيض والأسود شبه تالفة بتوقيع بابلو بيكاسو عن فارس هزيل وتابعه، في إشارة إلى شخصية دون كيخوته، لكن داود عبد السيد سيصنع منها نسخة أصلية ويمنحها للشيخ حسني، معتبراً إياه دون كيخوته آخر في معاندته للقدر... لتأتي الأغنية التي يؤديها بصحبة ابنه يوسف عن «حصان الخيال» علامة إضافية على صناعة البهجة (لحّن الأغنية موسيقي ضرير آخر هو سيد مكاوي)، رغم العواصف التي تعبث بمصير الأب والابن.

الشيخ حسني دون كيخوته آخر في معاندته للقدر

هكذا تراكمت ثلاث طبقات فوق قماشة السرد التخييلي في تظهير شخصية الأعمى عمل عليها (الروائي والممثل والمخرج) في خلطة عجائبية لن تتكرّر بسهولة في أرشيف السينما المصرية. مغامرة داود عبد السيد إذاً، تتجلى في اكتشافه هذه الرواية الصغيرة أولاً، واختياره محمود عبد العزيز دون سواه ثانياً، لقناعته بقدرة هذا الممثل على تجسيد هذه الشخصية الصعبة، وسحبه من بساط الرومانسية نحو منطقة الأداء الحرّ التي تتطلّب أن يعمل كممثل لا كنجم شبّاك يعتمد وسامته وحسب. على المقلب الآخر، سنقع في الحيرة لجهة أكثر المشاهد ثراءً في الشريط، نظراً لتنويعات اللعب التي فرضتها عشوائية المكان بعشوائية موازية في سلوكيات الشخصية وشغفها بالمغامرة وعدم اعترافها بعاهتها.
كان دون كيخوته ضحية كتب الفروسية التي أشعلت خياله في القيام بمغامرته المجنونة، فيما سيلجأ بطلنا إلى تعاطي الحشيش لإيقاد مخيلته بمغامرات صاخبة. لا حصان لفارسنا المعاصر، لذلك سيحقّق رغبته بامتطاء دراجة ناريّة ستخترق السوق الشعبي إلى أن ترتطم بأقفاص الدجاج، في دلالة صريحة على توق الشيخ حسني تحطيم القفص والتحليق عالياً غير عابئ بالخسران. مشهد الميكرفون المفتوح سهواً، على صوت الشيخ حسني وهو يروي لأصدقائه ما يدور سراً في الحي، سيفضح الجميع بما فيهم ابنه يوسف وعلاقته مع فاطمة، على أن مغامرته الأعمق سنجدها في ذهابه إلى السينما بصحبة شيخ ضرير آخر لا يعلم أن مرافقه أعمى أيضاً، وكيف يقنعه باختراع سيناريو آخر للفيلم وسط دهشة المتفرجين في المقاعد المجاورة. وسترتفع وتيرة الفانتازيا إلى مرتبة أعلى بمرافقة الشيخ نفسه في رحلة نهرية قبل أن ينقلب المركب بهما. هذا التوق إلى العناد لن يتوقف إلى نهاية رحلته على دراجة نارية بين العربات المسرعة في شوارع القاهرة إلى أن تقذف به إلى نهر النيل برفقة ابنه الذي يحاول عبثاً إقناع أبيه بأنه أعمى.

«مالك الحزين» يقف على ساق واحدة متفرّجاً على المستنقع من دون أن يعترف بمحنته وبأنه يحارب طواحين الهواء برمحٍ مكسور وحاسة معطوبة. سيكرّر محمود عبد العزيز التجربة بفضاء سردي آخر لا يقل أهمية عن دوره في «الكيت كات»، كما في فيلم «الساحر» (2001) مع المخرج الراحل رضوان الكاشف. هنا سيتوغل الممثل في متاهة بصرية أخرى، تبدو كما لو أنها تتمة لشخصية الأعمى في «الكيت كات»، ذلك أن «منصور بهجت» يتكفّل هذه المرّة بتعميم «نظرية البهجة» على محيط غارق في الاكتئاب.

«راس الغول» آخر إطلالة

محمد عبد الرحمن

القاهرةقبل أيام من رمضان الماضي، أخطأ المسؤول عن حساب محمود عبد العزيز على تويتر وكتب عن مسلسل «راس الغول» أنه آخر وليس ـــ أحدث ـــ مسلسلات «الساحر». لكن الخطأ غير المقصود تحول إلى واقع. رحل الفنان الكبير أخيراً بعد صراع مع المرض ليكون «راس الغول» هو فعلاً آخر لقاء بينه وبين الجمهور.

رغم النفي المستمر للتفاصيل المسربة عن حقيقة مرض الفنان، لكن قلق جمهوره ظل متواصلاً حتى إعلان خبر وفاته عن عمر ناهز 70 عاماً. السبب أن تصريحات أبنائه حول إصابته بأنيميا حادة وورم في اللثة وصعوبات في التنفس، لم تقنع محبي «الساحر» بسبب منع الزيارة عنه وحالة السرية التي فرضتها أسرته على مقر إقامته في «مسستشفى الصفا» في ضاحية المهندسين في الجيزة. سرطان في الرئة كان ذلك هو التشخيص الذي تداوله الوسط الفني والصحافي قبل إعلانه رسمياً من قِبل الأطباء، ليرحل الفنان المحبوب بعد صراع مع المرض ظهرت بوادره في مسلسله الأخير «راس الغول» الذي حقق نجاحاً ملحوظاً منذ عرضه في رمضان الماضي. ظهر الإجهاد والإعياء على وجهه في العديد من المشاهد، وأكد بعض ممن شاركوا في العمل أن عبد العزيز أكمل تصويره بصعوبة. هكذا، ودّع جمهوره من خلال شخصية «درويش» التي قدمها في رمضان 2016. ويعد عبد العزيز واحداً من قائمة تضم أبرز نجوم السينما المصرية في السنوات الخمسين الأخيرة، ويمكن اعتباره الآن ثالث الراحلين من هذه القائمة بعد أحمد زكي (1949 – 2005) ونور الشريف (1946 -2015)، وتضم القائمة أيضاً عادل إمام، وحسين فهمي، ويحيى الفخراني ومحمود ياسين. تخرج عبد العزيز في كلية الزراعة في جامعة الإسكندرية حيث ولد في المدينة الساحلية الشهيرة عام 1946، ودخل الوسط الفني مبكراً مستغلاً ملامحه الجذابة، لكنه سرعان ما عبّر عن موهبة تمثيلية فذة جعلته خلال سنوات معدودة يصل إلى البطولة المطلقة. لكن اللافت أنّ عبد العزيز تألق بشكل واضح في البطولات الجماعية التي شهدت مشاركة نجوم جيله مثل نور الشريف وحسين فهمي ويحيى الفخراني، وتحديداً أفلام «العار» (1982) حيث شخصية الطبيب النفسي المهتز والمضطر للعمل في تجارة المخدرات، و«جري الوحوش» (1987) حيث قدم شخصية «صانع المفروشات» الذي يتنازل عن عضو من أعضائه لأحد الأثرياء، و«الكيف» (1985) أحد أكثر أفلام الثمانينات نجاحاً، وجسد فيه عبد العزيز شخصية «مزاجنجي» الشقيق الفاسد لعالم الكيمياء. جاءت هذه الأفلام لتؤكد مكانة محمود عبد العزيز بعد مرحلة الانتشار التي شهدتها حقبة السبعينات، حيث كانت بداياته في أفلام «الحفيد» (1974) مجسداً شخصية صديق البطل الذي هو نور الشريف، كذلك شخصية الشاب المتهم ظلماً في جريمة قتل في طائر «الليل الحزين» (1977) أمام نيللي ومحمود مرسي وشويكار وعادل أدهم، ومن أفلام حرب أكتوبر فيلم «حتى آخر العمر» (1975) مع نجوى إبراهيم في شخصية الطيار الذي أصيب في الحرب، وشخصية عشيق سعاد حسني في الفيلم الشهير «شفيقة ومتولي» (1978). قدم الممثل الراحل قرابة 96 فيلماً حقق معظمها نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، إلى جانب 12 مسلسلاً لكن يظل أبرزها على الإطلاق الأجزاء الثلاثة من مسلسل «رأفت الهجان» التي بدأ عرضها للمرة الأولى عام 1987 من إنتاج التلفزيون المصري. استخدم عبد العزيز في هذه الشخصية عصارة خبراته، وركز فيها بشكل واضح لتظل عالقة هي وباقي شخصيات المسلسل في أذهان الجمهور حتى الآن. تعد موسيقى المسلسل للراحل عمار الشريعي (1948-2012) من أكثر شارات المسلسلات المصرية انتشاراً. وظل الاسم مرتبطاً بعبد العزيز حتى قدم فيلم «الساحر» مع المخرج رضوان الكاشف (2001)، وهو الفيلم الذي قدم للجمهور الوجه الجديد وقتها منة شلبي. هكذا، التصق به لقب «الساحر» منذ ذلك الحين. قبل «الساحر» وبعد انتهاء مسلسل «الهجان»، وجد عبد العزيز صعوبة كبيرة في العودة للدراما التلفزيونية لأكثر من 12 سنة. خلال تلك الفترة، قدم العديد من الأفلام التي لم تحقق نجاحاً تجارياً، لكنها تميزت بالقيمة الفنية مثل فيلم «القبطان» (1997) مع المخرج السيد سعيد، وفيلم «الكيت كات» الذي قدم من خلاله شخصية «الشيخ حسني» الشهيرة من توقيع داود عبد السيد (1991)، إلى جانب تجاربه مع المخرج رأفت الميهي المختص في سينما الفانتازيا. وقدم كذلك مع المخرج محمد كامل القليوبي فيلمي «ثلاثة على الطريق» (1993) و«البحر بيضحك ليه» (1995). في نهاية التسعينات، حاول عبد العزيز مجاراة سينما الشباب، لكن التجربة لم تفلح في فيلم «الجنتل» (1996)، ليعود من جديد إلى الأفلام ذات المضمون المميز بفيلم «سوق المتعة» (2000)، ثم يحن إلى الدراما التلفزيونية مجدداً في مسلسل «محمود المصري» (2004)، ويبدأ في الظهور كنجم كبير في أفلام الشباب وتحديداً شخصية عبد الملك زرزو في فيلم «إبراهيم الأبيض» (2009) مع أحمد السقا وهي من الشخصيات العالقة في أذهان الجمهور. كما شارك في فيلم النجوم «ليلة البيبي دول» (2008) لكن الفيلم نفسه لم يحقق أي نجاح. وبعد ثورة يناير ابتعد طويلًا عن السينما واكتفى بتقديم ثلاثة مسلسلات كان أولها «باب الخلق» (2012) مع المخرج عادل أديب، ثم «جبل الحلال» (2014) مع عادل أديب أيضاً، وأخيراً «راس الغول» مع المخرج أحمد سمير فرج. وعلى خشبة المسرح، قدم 3 مسرحيات فقط أبرزها «خشب الورد» (1986) أمام عبد المنعم مدبولي وأشرف عبد الباقي. ومن مسلسلاته أيضاً «البشاير» (1988) حيث جسد شخصية أبو المعاطي شمروخ أمام مديحة كامل، وعرف عن الساحر ابتعاده المستمر عن الأضواء والحوارات التلفزيونية ودعمه في الوقت نفسه لتجربة ولديه الممثل والمنتج محمد وكريم الذي اكتفى بالعمل في التمثيل وقلد والده في العديد من أفلامه الكوميدية. لكن كلاهما لم يقترب بالطبع من تكرار تجربة «الساحر» على الأقل حتى الآن.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترMhmdAbdelRahman@

فقراء لا يدخلون الجنة

جمال جبران

تلك الصور التي نشاهدها في طفولتنا، الصور الأولى، لا تغادرنا أبداً. تبقى تطاردنا في كل شيء نراه أو مع صاحب تلك الصورة على وجه الخصوص.

وأول من أمس، حين سمعت بخبر رحيل محمود عبد العزيز، استرجعت ذاكرتي على الفور تلك الصورة الأولى التي شاهدتها له في فيلم «فقراء لا يدخلون الجنة» (سيناريو واخراج مدحت السباعي ـــ 1984). في طفولتي، وكنّا فقراء وبالكاد أنجح في الحصول على قيمة تذكرة سينما. ريالان فقط. لكنّ كنا فقراء إلى درجة ظهور هذا المبلغ على هيئة ثروة مستحيلة لمن هم في مثل حالتي. ومع ذلك، كنت أنجح في الحصول عليه. أبيع جرائد أو مياهاً مثلّجة أو أقوم بخدمة سيدة ثرية تسكن لوحدها في بيت يجاور بيتنا، وكانت بحاجة لمن يقوم بخدمتها عن طريق مساعدتها في شراء حاجيات وأحتفظ بالمال الذي كان يبقى وأذهب به إلى السينما، في تلك الأيام الجميلة التي كان في صنعاء دور كثيرة للسينما.
في يوم عرض «فقراء لا يدخلون الجنة»، حضرت متأخراً ولم أشاهده إلا من منتصفه. لقيت صعوبة يومها في الحصول على "الريالين". وصلت على مشهد البطل وهو يقوم بتنظيف أحد المراحيض وقد أضطر لهذا (سأعرف هذا بعد تمكني من مشاهدة الفيلم من بدايته في مرة أخرى)، كي يتمكن من توفير مبلغ ما لصديقته (آثار الحكيم) لتنجح في تسديد فواتير إيجار المنزل المتراكمة عليها. لقد أجبره حبه على فعل ذلك. وهو قام بذلك في وقت كانت هي فيه قد بدأت سيرها على طريق الخيانة والانتقال من حضن رجل إلى آخر. أُجبرت على هذا في أول مرّة لكنّها خضعت عن طيب خاطر في المّرات التالية.

وفي الحقيقة، لن تبقى في ذاكرتي فقط صورة عبد العزيز في حالته المُهينة تلك وهو يقوم بوضع قلبه في الإهانة من أجل رضى المحبوبة، لكن ستبقى صور أخرى من الفيلم كلّه. صور كثيرة ستقول في مجملها بحالة العبث التي احترف بطل "رأفت الهجان" في تقديمها على نحو لم يكن يقدر عليها سواه. تلك القدرة على قول أصعب الأشياء بأبسط العبارات وأقدرها في لمس وعي الناس العاديين.

بداية من حالة الجنون التي ستحكم نهاية الفيلم بعد قيامه بقتل إحدى شخصيات "فقراء"، الحالة نفسها التي ستبدو في "البحر بيضحك ليه" وبأنها الطريقة الوحيدة التي ينبغي للواحد أن يسير عليها في تعامله مع الحياة. حالة الجنون التي ستكون أيضاً في "جري الوحوش" كنتيجة طبيعية للكائن الراغب في تجاوز المستحيل والتفوق عليه. إلى كل هذا حالة الجنون في فيلم"الكيف" التي كانت تبدو في تلك الأغنيات الشعبية التي ازدحم بها الفيلم وصارت شعارات يتم تناقلها إلى اليوم للتدليل على حياة العبث التي صارت إليها الحياة نفسها مثال "احنا اللى خلينا الشكرمون طاخ فى الترالوللى" و"احنا بالصلاة ع النبى حلوين قوى مع بعض،لكن ساعة الغلط بنطرطش زلط، يعنى لحمنا جملى مكندز مانتكالش، وان اتكالنا عضمنا ركب ماننقرش، وان انقرشنا نشرخ فى الزور وماننبلعش". أمّا العبارة الأشهر حين قال "بحبك يا ستموني، مهما الناس لاموني". وهي العبارات التي جاءت من تحتها أغنيات كثيرة لن يكون من اليسير حصرها قامت بتشكيل موجة أغاني الميكروباصات والكاسيتات التي تتم عملية انتاجها من كتابة وتلحين وتنفيذ، في جلسة تحشيش واحدة.

وبعد كل هذا أعود:

عندما كان البطل يحاول مساعدة حبيبة قلبه على تجاوز سقوطها في الخيانة، في ذلك الفيلم، كنت أنا أحاول بكل طاقتي الحصول على مبلغ ريالين كي أتمكن من اللحاق لمشاهدة لفيلم من أوله. ولم أنجح. مع ذلك ما زلت أغنيّ، كلما ظهرت صورة محمود عبد العزيز أمامي " بحبك يا ستموني، مهما الناس لاموني ".

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر@jimy36@

الشاب السكندري عشق البحر والتجريب

محمد الخولي

كُثر مروا من هنا، ودخلوا دائرة النسيان بمجرد غيابهم، غير أنّ هناك قلة قليلة ظلت باقية، فخلدت إلى الأبد. لم يبق هؤلاء من فراغ، وإنما حازوا تلك الميزة غير الطبيعية، لأنهم أناس مختلفون.

محمود عبد العزيز واحد من هؤلاء الذين لن ينتهي ذكرهم، برحيلهم عن عالمنا. فالساحر خلق عالمه لنفسه، ولن يستطيع أحد إبعاده عنه. هذا الشاب السكندري، بكل ما تحمله تلك المدينة الساحلية من ميزات، وثقافات، اختاره المخرجون في البداية لمجرد أنه شاب وسيم، يناسب سينما السبعينات. لكن لأنه يملك مخزوناً كبيراً من الإبداع، صار هو محمود عبد العزيز، الذي قدّم أعمالاً مميزة للسينما والتلفزيون والمسرح، جعلته بالفعل واحداً من أعلام الفن المصري، يتعاون مع أعظم المخرجين الذين عاصرهم على اختلاف توجهاتهم الفنية.

عندما قرّر محمود عبد العزيز مغادرة حيّ الورديان التاريخي في الاسكندرية، والمجيء إلى العاصمة، كان في ذهنه هدف واحد: الخلود، فبدأ مشواره السينمائي عام 1974 بالمشاركة في واحدة من كلاسيكيات السينما المصرية، فيلم «الحفيد» (إخراج عاطف سالم). هذه المشاركة كانت نقلة في حياته، إذ حصل بعدها بعام واحد، على بطولة فيلم «حتى آخر العمر» وانطلق من هذا التاريخ في طريقه الطويل، إذ اصبح يشارك في أكثر من عمل في العام الواحد. غير أن بدايته الفعلية كانت مع دوره فيلم «العار» (1982).

لم يكن محمود عبد العزيز وحده على الساحة الفنية، لكنه كان يملك أسلوباً مختلفاً عن الآخرين. لذلك، كان ما يقدمه من فن مختلفاً عن كل ما كان يقدم في تلك الفترة، وابتدع طريقة في التشخيص لم يسبقه إليها أحد.

ولعل من بين ما جعل محمود عبد العزيز في تلك القيمة، هي روح المغامرة التي تصيب سكّان المدن الساحلية، لمرافقتهم البحر في أوقات كثيرة. هكذا، رفض التقليد، وعشق التجريب، لذا كان من الطبيعي أن يجرب مع مخرج كداود عبد السيد، الذي ينتمي إلى مدرسة أقرب إلى الواقعية، وكان من الطبيعي أن يوضع العملان اللذان تعاون فيهما عبد العزيز، وعبد السيد، في لائحة أفضل مئة فيلم عربي في تاريخ السينما العربية. وهما فيلما «الكيت كات»، و«الصعاليك»، وهذا الأخير كان العمل الروائي الأول لدواد عبد السيد.

لم يغلق محمود عبد العزيز بابه على تلك التجربة، فلديه الكثير ليجود به، وهو الفنان الذي يحمل قدراً من الإبداع، وبالتالي بعضاً من الجنون والعبثية. ومع المخرج الكبير رأفت الميهي، وجد ضالته، فسينما الميهي اتخذت طابع الفانتازيا، أو «سينما المسخرة»، ومعه فعلا تلك المسخرة، في «السادة الرجال» (1987)، و«سمك.. لبن.. تمر هندي» (1988)، و«سيداتي آنساتي» (1989). وفي كل واحد من هذه الأعمال، كان الميهي وعبد العزيز يقدمان وجبة دسمة من سينما المسخرة، التي تكشف عبثية المجتمع، وثقافته الذكورية، خاصة في فيلم «سيداتي آنساتي» الذي طرح فكرة عامة مفادها: ماذا لو تبادل الرجل والمرأة الأدوار في الحياة، فهل سيتحمل الرجل ما تتعرض له المرأة من مسؤوليات، وإهانات؟

مرت السنون، ونضجت موهبة محمود عبد العزيز، لكنه لم يتخلَّ عن رغبته في التجريب، فقرّر المغامرة في تجربة مختلفة مع المخرج رضوان الكاشف في فيلم «الساحر» (2001). تلك الحالة من الشبق الفني، جعلت محمود عبد العزيز يلعب في منطقة بعيدة عن أبناء جيله، فتغلّب على أغلبهم كونه أصبح فناناً شعبياً بامتياز. لذا كان من الطبيعي أن يحزن الجميع على رحيله. فور الإعلان الرسمي، تحولت صفحات التواصل الاجتماعي إلى سرادقات عزاء كبيرة. الجميع في الحقيقة كان يعزي نفسه، ويعزي مرحلة هامة في التاريخ الفني. يعزي الشيخ حسني في «الكيت كات»، ومنصور بهجت في «الساحر»، وأغنية «الكيمي كيمي كا» في «الكيف»، وعبد الملك زرزور في آخر أفلامه «إبراهيم الأبيض» (2009). في كل هذه الأفلام وغيرها، كانت لمحمود عبد العزيز جملة تحولت إلى «قفشة» يستخدمها المصريون في حياتهم اليومية. ورغم مرور سنوات كثيرة على تلك الأفلام، إلا أنّك من المعتاد أن تسمع في حوارات المصريين جملاً كـ «أنت بتستعماني يا هرم»، أو «بحبك ياستموني مهما الناس لاموني». وعند السخرية من أحد، ستجد من يقول للآخر: «أنت صميم يا عربي». وفي المشاجرات الشعبية، ستسمع من يقول «حد ليه شوق في حاجة؟». وفي الشوارع ستجد من يكتب على خلفية سيارته الأجرة «ده احنا كسيبة ومخلصين وبنطلع القرش من بذر العنب»، وكل ما سبق هي جمل نطقها محمود عبد العزيز في أفلامه، والتصقت بالذاكرة الشعبية.

لذا ودع الجميع محمود عبد العزيز بحفاوة، وتمجيد لأعماله وجمله. وداع يؤكد أنّ هذا فنان تجاوز القوانين الطبيعية، فهو لن يموت ولن يصبح مجرد ذكرى، بل سيكون حاضراً بقوة، سنجده في المستقبل، بـ«قفشاته»، وتعابير وجهه وجسمه، التي ستبقى لأنها صالحة لكل زمان ومكان، وهذه روعة وإبداع، فنان كبير كمحمود عبد العزيز.

الأخبار اللبنانية في

14.11.2016

 
 

محمود عبد العزيز.. هرب من المكان وطار

محمد شعير

ثلاثة أشهر، اهتمّ فيها المصريون بالحالة الصحيّة الغامضة لمحمود عبد العزيز. شائعات كان يتمّ نفيها بسرعة، إلا أنها تأكدت أمس: لم يعد الخبر شائعة كما تمنّى كثيرون.. لقد رحل النجم.

ولد عبد العزيز فى 4 حزيران (يونيو) 1946، بالإسكندرية، درس الزراعة في جامعتها، قبل أن ينتقل إلى القاهرة ليخوض أولى تجاربه: المسلسل التلفزيوني «الدوامة» (1974). وكما كان التلفزيون أول اطلالته على عالم النجومية، كان مسلسل «رأس الغول» آخر تجاربه التي قدمها في رمضان الماضي. وبين التجربة الأولى والأخيرة عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية والإذاعية المتميزة.

منذ البداية لفت عبد العزيز الأنظار إليه باعتباره «جان» سينمائي، توافرت فيه كل مواصفات النجم العاشق، فقام بأدوار في «الحفيد» و «المتوحشة» و «وداعا للعذاب».. وغيرها. ثم كانت النقلة في دور ثان في فيلم «البريء» حيث يقوم بدور المعتقل، إذ نرى العقيد توفيق شركس الذي يعيش حياة مزدوجة بين حياته الخاصة حيث يبدو في غاية اللطف والرقة، وبين حياته العملية حيث يمارس أبشع وسائل التعذيب بعنف ووحشية، فكانت الازدواجية في شخصية العقيد عندما يشارك طفلته في اختيار هدية عيد الميلاد فإنه يرفض أن يبتاع لها لعبة على شكل عسكر وحرامية وإنما يختار لها آلة موسيقية رقيقة هي الغيتار، بل إنه لا يتعامل بغلاظة مع شرطي المرور الذي يعنّفه لوقوفه بسيارته في الممنوع. في مقابل ذلك يتحول توفيق شركس إلى وحش بشري في معسكر الاعتقال، لا يخضع لأي وازع إلا إرضاء الرؤساء الذين يكلّفونه بواجبات منصبه، فيبالغ في التنكيل بنزلاء المعتقل.

توالت أدواره حتى دوره المميز في فيلم «الكيت كات» المأخوذ عن قصة إبراهيم أصلان «مالك الحزين» من إخراج داود عبد السيد.. حيث الشيخ حسني الضرير الذي «أشوف أحسن منك في النور وفي الظلمة كمان» الذى يركب حصان خياله، ويقود المبصرين، أما في «الساحر» يقوم عبد العزيز بدور منصور بهجة (ابن البلد صانع البهجة برغم أحزانه العميقة، الذي يقيم العالم على جسور الفهلوة والشقاوة. عمله الأخير «رأس الغول»، كان محاولة لفضح الواقع، ربما كان امتدادا لأعمال سابقة له، خلاصة تجمع بين السياسية، الإثارة، وتخلى فيها ـ كما في كلّ أدواره الأخيرة ـ عن وسامته، ليقوم بدور سجين سابق يجد نفسه مطاردا. ربما كانت الشخصية أشبه بشخصية «سعيد مهران» في «اللص والكلاب»، رواية نجيب محفوظ الشهيرة، ولكن على العكس من مهران، يحاول فضل الغول بعد هروبه من السجن متخفيا فى اسم شخص آخر» درويش عبد ربه»، يحاول أن يختفى، لا يفكر في الانتقام ممّن خانوه، يكتفي من بعيد بمتابعة ابنه الذي تركه صغيرا. فجأة يجد (درويش) نفسه مطاردا بتهمة اغتيال وزيرة الصحة... وعلى مدى الحلقات يتكشف لنا ماضيه الغامض وسط مطاردات من رجال اعمال، ومافيات شركات أدوية عالمية، ورجال أمن. وعبر الحوارات نكتشف «كلاب» العصر الجديد. وعلى العكس من سعيد مهران أيضا يبحث الخونة انفسهم عن فضل الغول، ليصبح رأسه مطلوبا منهم. رجل الأعمال (زهير) الذي يتخفى في اسم آخر أمجد الديب، ويستخدم أمواله ورجال قانونه، وضباط فاسدين، وقتلة مستأجرين، ووزراء ومسؤولين للتخديم على أعماله، يستخدمهم للبحث عن (الغول) المطارد أيضا من شركة أدوية عالمية بحثا عن بحث طبي سيحقق شفاء من اللوكيميا، ونجاتهم يعني أن تفقد الشركة أرباحها، ومن شركة أمن خاصة، يرأسها ضابط سابق، وزوج ابنه الوزيرة التى تم اغتيالها.. شخصيات عديدة لا تحمل اسماءها الحقيقة الجميع يختبئون خلف قناع أو اقنعة، الاسم البديل احداها.

في مشهد دال يقوم أحد رجال الأعمال (سمير العصفوري) من ضحايا أمجد الديب بتقديم الحاضرين إحدى الحفلات لدرويش.. يقول مخاطبا (محمود عبد العزيز): «البلد بقت سيرك كبير» يعطيه لمحمة عن شخصيات الحاضرين مجمتع رجال الاعمال وزراء وتجار آثار وأعضاء برلمان... «غيلان» حسب وصفه، «كل غول فيهم يحمي نفسه بطريقته، انت اخترت أن تحارب أقوى غول فيهم، علشان تقوله عينك حمرا لازم تشد القناع من عليها، والقناع لاصق في جلده ما يطلعش إلا بالدم».. بالتأكيد كان لص محفوظ تجسيد لأزمة فكرية عميقة يعيشها المجتمع، لكن في «رأس الغول» ـ برغم الأزمات الأعمق في المجتمع ـ يتحول المسلسل في الحلقات الأخيرة الى مطاردات وأكشن وتخفت قليلا «الأزمة» الفكرية والروحية التي تقف وراء الفكرة كما حاول محفوظ أن يعبر معها. رحل عبد العزيز الذي غنّى يوما ما:

وكل واحد مننا يركب حصان خيالة

درجن درجن درجن درجن

هنهرب من النهاردة ونهرب من المكان

ونطير ونطير ..

نطير مع نسمة شاردة ونروح لأيام زمان

الممثل بعيداً عن أفكاره

ناصر كامل

تتعدد المقاربات التى يمكن من خلالها النظر إلى مسار ومكانة فنان بقامة محمود عبد العزيز في تاريخ السينما العربية، وفي وعي وذائقة جماهيرها؛ فمن حيث أنه من نجوم الصف الأول لأربعة عقود متواصلة، يمكن تبيان خصوصيته على مستوى الأداء والخيارات بين مجايليه من النجوم، ودوره في دفع اتجاهات فنيّة وانحيازات اجتماعية محددة.

بوضع عبد العزيز إزاء كلّ من: عادل إمام، محمود ياسين، نور الشريف، حسين فهمى، أحمد زكي، يحيى الفخراني، نكون أمام تمايزين هامين: أولا، بين من درسوا فن التمثيل أكاديميا ـ الشريف، فهمي، زكى ـ، ومن جاء إلى التمثيل من باب الهواية أثناء دراسته الجامعية أو عقبها مباشرة ـ ياسين (الحقوق)، الفخرانى (الطب)، عبد العزيز وإمام (الزراعة)، وثانيا بين الرباعي: ياسين والشريف وفهمي وإمام الذي سبق الثلاثي فى الدخول إلى عالم الفن ببضع سنوات.

السبعة متقاربو الأعمار؛ فالفرق بين أكبرهم وأصغرهم نحو ست سنوات. مثلوا جميعا في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما. هم نجوم شباك تنازعوا المكانة الأولى من حيث الإيرادات، وشكلوا لفترات ليست قصيرة مكانة الموجة الرئيس للصناعة، والجسر الإجباري للكتّاب والمنتجين والمخرجين الجدد.
في حوزة كلّ منهم أكثر من سجل متفرد؛ فمثلا في مجال الحديث عن الأفلام التي عرضت عن «حرب أكتوبر» (1973) ينال ياسين علامة كاملة بوصفه الأكثر تمثيلا ـ ثلاثة أفلام ـ حتى يمكن اعتباره «ممثل أكتوبر»، وهنا يشكل فيلم «حتى آخر العمر» (1975) مقاربة أولى لعبد العزيز، ففيه ينال أول أدوار البطولة أمام نجوى إبراهيم التي تأتي ثانية برصيد فيلمين خلف نجلاء فتحي «ممثلة أكتوبر» بثلاثة أفلام.
بطولات المخابرات

للسبعة نصيب من «دعائيات» الدولة: أفلامها «الوطنية» وبطولاتها «المخابراتية» التي فارق عبد العزيز فيها الجميع بأجزاء «رأفت الهجان» الثلاثة. مع الهجان شق عبد العزيز مجراه الخاص المميّز فى سباق النجومية «الوطنية» حيث ستظل أضواء الستة خافتة مقارنة بطول التكرار السنوي لموسيقى عمار الشريعي الافتتاحية للهجان التي تجعل من عبد العزيز «ممثل المخابرات». العود السنوي لأفلام «أكتوبر» ومسلسلات المخابرات تصنع وعيا جمعيا أيا كان نوعه، وفيه يتفرد عبد العزيز بحضور في الجناحين: مميز وطاغ.

هذه صورة أولى لحضور الممثل فى شبابه الأول: الطيّار المصاب في الحرب، وسيم ومقعد تتنازعه الهواجس حول وفاء زوجته واحتمالها. أفلام أكتوبر في مجملها صياغة تمزج الرومانسية المهجورة بالميلودارما الفجة، كما في «حتى آخر العمر»، لكونه يطل ـ وإن بمواربة ـ على نيّة السلطة في أن تكون «حرب أكتوبر آخر الحروب».

مع الهجان كان الممثل في اكتماله، والدولة في ضعفها التام تحاول ترميم صورتها، وكان النجاح أبعد مدى بكثير من المتوقع، حتى الخبير الذكي، إمام، فاتته الفرصة؛ أراد فرض شروطه وتحجج، وربما تملص، وظلّ نادما بعدها على تركه «الهجان» يذهب بعيدا عنه.

الصراع الدرامي

في أفلام أكتوبر نلاحظ أن الصراع بمفهومه الدرامي ليس بين مصر وإسرائيل، الصراع بين مصريين ومصريين وتأتي حرب أكتوبر لكي ينتصر مصريون على مصريين، في هذه الأفلام لا نرى العدو، ولا نعرف عنه شيئا، ولا نعرف أسباب وجذور الحرب، الحرب هنا كأنها عامل مساعد في تفاعلات داخلية أصيلة، والحرب ساذجة للغاية، مجرد ثأر، محو لذكرى سيئة، وهي لذلك لا تشغل إلا مساحة ضيئلة في الفيلم كأنها وقت مستقطع في مباراة يواصل بعده اللاعبون مباراتهم.

في الهجان كانت الإطلالة الوحيدة على «إسرائيل»، مساحة معتبرة من وقائع وشخصبات وأحداث فى سياق مضطرد، وأحدث المسلسل دويا هائلا في الشارع المصري، وربما العربي، ومعه خطى عبد العزيز درجات في سلّم النجومية «الوطنية»، في مجتمع أضحى النصر الوحيد المتاح هو «نصر شاشة التلفاز».
بين «حتى آخر العمر» و «الهجان» كان عبد العزيز قد عزّز مكانته بين نجوم الطبقة الأولى، فهو إذ بدأ في «الحفيد» (1974) في دور صغير على مستوى مساحة الدور ومحوريته وعلى مستوى الأداء في مواجهة نور الشريف. ظهر في «العار» (1982) منافسا بقوة هائلة للشريف ولفهمي معا، وفي بضعة مشاهد جمعتهم معا فاقهما في سلاسة الأداء ودقة التعبير بالصوت والجسد وملامح الوجه والتعبير عن اضطراب وتغير المشاعر الداخلية. كان كل من الشريف وفهمي يرسم ملامح الدور الخارجية في حين كان عبد العزيز يركز على تحولات الشخصية بحساسية ملحوظة ومقدرة بعمق. بعدها بعام يكرر الحالة عينها في مواجهة أحمد زكي وفاروق الفيشاوي في «درب الهوى» وهما كررا منهج الشريف وفهمي.

في الفيلمين، يبدو عبد العزيز وكأنه يغافل الممثلين بأداء خارج عن التوقع؛ دوره فى «درب الهوى» يغري بالنمطية: قوّاد يريد السيطرة ويطمع في إحدى فتياته ويحتار في زبائنه، لكن عبد العزيز يغزل برفق خصوصية الشخصية وتلونها، ويجد معادلاته للصوت والجسد والوجه ونظرات العين وكل مفردات الممثل المتأهب لمنازل مجايليه النجوم.

حدود الشخصية وصفاتها وعمقها الدرامي وتحولاتها النفسية هي المادة الخام التي يشتغل عليها الممثل. من هنا يمكن فهم الفارق الذي صنعه أحمد زكي فى «البريء» (1986) في مواجهة عبد العزيز الذي كان متراجعا مسافة كبيرة عن مستوى مواجهة «درب الهوى». ليست مساحة الدور هي العامل الحاسم في تحديد جودة الأداء، هناك الشخصية ومجمل العلاقات الدرامية وإدارة المخرج، في الغالبية العظمى من مواجهات عبد العزيز أمام مجايليه كان ناجحا في كسب مباراة الأداء، أو على الأقل ندا قويا يرفع بالمجمل مستوى الأداء.

في سجل عبدالعزيز صفحات من أداء مبهر، في ذروته «الشيخ حسني» (الكيت كات) «عبد الملك زرزور» (إبراهيم الأبيض)، «رضا» (الدنيا على جناح يمامة). ما لايقل عن ربع أدواره تحتمل التحليل الموضوعي لتوضع في مصاف ذرى الأداء التمثيلي.

الجماهيرية الكبيرة

تعززت الجماهيرية الواسعة لعبد العزيز بصورة نهائية مع «الشقة من حق الزوجة» (1985)، الفيلم وضعه في مساحة مضمونة نفسيا، بأداء سلس، وثقة مفرطة دفعته لمغامرات لم يكف عن تكرارها، أولها، ثلاثيته مع رأفت الميهي: «السادة الرجال» (1987)، «سمك لبن تمر هندي» (1988)، «سيداتي آنساتي» (1990)، حيث حاول الميهي تفكيك علاقات السلطة بمختلف مستوياتها من خلال إطار وبنية فنتازية، وثانيا، الاستجابة لمشاريع هي الأولى أو الثانية أو الثالثة لمخرجين مهتمين بتقديم أفلام بجماليات وانشغالات فنية واجتماعية غير مطروقة وغير جماهيرية بالتالي، فاستجاب لسيد سعيد، ولرضوان الكاشف ولمحمد كامل القليوبى، ومدحت السباعى، ومنير راضي، لكنه لم يعول كثيرا على تلك المغامرات فبدا كمن يقوم بشيء لا يؤمن تماما بصوابه، يقوم به كمقامر يستمتع بملامسة حدود المخاطر والمتعة بدون اكتراث بالنتيجة، فهو حين يتحدث عن الذين تأثر وتعلم منهم يقدم اسمين: نور الدمرداش الذي قدمه للتلفزيون لأول مرة، وحسام الدين مصطفى، والاثنان فنيّا وجماليا واجتماعيا بعكس تماما هؤلاء الذين غامر معهم عقب جماهيريته الواسعة.

لا يخفي محمود عبد العزيز انحيازه للسياسات المحافظة وحتى اليمينية، جاهر طوال السنوات الخمس الماضية بنقد، وربما عداء لثورة 25 يناير، ووفاء لحسني مبارك، كرره أكثر من مرة في أكثر من محفل فني واجتماعي حتى أيام حياته الأخيرة.

مع محمود عبد العزيز يستحسن أن يتم الفصل بين الممثل ونتاج أعماله الفنية ومساره وبين الشخص وأفكاره وانحيازاته.

نحلة «الورديان» العنيدة

جمال الجمل

مثل «البحر»، كان محمود عبد العزيز يجمع بين الوضوح والغموض.. بين المتعة والمأساة؛ ومثل «النحلة» عاش حياته طائراً محلقاً إلى البعيد، للبحث عن رحيق يصنع منه العسل؛ ومثل «حي الورديان» بالاسكندرية كانت مسارات حياته مستقيمة، وشوارع مشواره الفني واسعة ممتدة.. لا تسدّها حواجز أو حيطان. وبرغم كثرة صداقاته والترابط الاجتماعي و «كماشة الأسرة» ظلّ محمود كالحيّ الذي نشأ فيه: يخلو من الزحام والعنف والعشوائية والضجيج.. يمتلئ بالوضوح والشهامة والصراحة والحيوية، صريح اللسان حدّ السلاطة اللاذعة.. أبيض القلب حد النقاء الشفيف.

النحلة
ولد محمود وتربّى في حيّ مخطط متاخم لميناء الاسكندرية في منطقة «بحري» تسكنه عائلات من الطبقة الوسطى، فلم يختلط بأرصفة الميناء وتعقيدات مكاتب الجمارك، ولم ينفصل عن أجواء البحر، حيث كان «الوارد» من عوالم أخرى يثير خياله وتأمّلاته، ويغرس فيه أن عالماً واسعاً يقع خارج الحي الذي اتخذ اسمه من ذلك «الوارد» اللانهائي عبر البحار. من هذه المفارقة بين النقيضين (البحر وما وراء الرصيف) تشكّلت أحلام وخيالات الفتى الذي اعتنق عقيدة الأسرة المتماسكة و «اللمة» والوفاء للصحبة وعلاقات «الجدعان»، كما نبت بداخله حلم اكتشاف العالم خارج الحي الذي ولد وعاش فيه، ولم يعرف حينذاك هل كان يحلم بالسفر عبر البحر، أم بالتحليق في السماء مثل طائرة ورقية كالتي كان يطلقها مع أصحابه من فوق سطوح البيوت المنتظمة التي لا ترتفع عن ثلاثة أدوار، كأن هناك اتفاقاً بينها على عدم مناطحة السماء، وربما بسبب السفر والتحليق، اختار الشاب خريج كلية الزراعة بجامعة الاسكندرية أن يتخصّص في دراسة النحل، وربما لم يدرك حينها سرّ العلاقة القوية بين سلوكياته وسلوكيات النحل، فكلاهما لا يمكنه العيش منعزلاً، لأن حياته وعمله ووجوده ترتبط بالتجمعات والعلاقات المنتظمة والمتماسكة، وبرغم ذلك، لا بدّ أن تقطع النحلة آلاف الأميال لتجمع الرحيق وتصنع لغيرها عسل المتعة.

البحر
كان عاطف الطيب، ابن الجنوب، هو الجسر الذي التقيت عليه بمحمود، ولم يكن انطباعي عنه حميمياً في البداية. كان اسكندرانياً صاخباً ساخراً يُوحي بالتعالي والعناد، وذات ليلة جمعتنا سهرة خارج أجواء التصوير وزحام العمل، بدا خلالها محمود شخصاً آخر: خفيف الدم والروح، متواضعاً وشعبياً و «حبوباً» حتى تكاد تشعر أنه صديق لكلّ الناس.. مَن يعرفهم ومَن لا يعرفهم، وفي تلك الليلة صارحته بملاحظتي عنه فعلّق بكلمة واحدة: البحر.

ما الذي أتى بالبحر إلى القاهرة؟

سألت محمود، فقطب جبينه، وقال بعد لحظة صمت عميق: «تصدّق إني سألت نفسي كتير.. هل البحر مقيم لا يغادر مكانه أم يسافر؟.. الأرض ثابتة، لكن الماء يتحرك ويلف الدنيا.. الأمواج تقول ذلك، ولما كنت أجلس على شاطئ البحر ليلاً كنت أشعر أنه كائن حي، وأمواجه أذرع عملاقة لكائن يريد أن يتشبث باليابسة ليخرج من الماء ويجري في شوارع الورديان، لهذا وبرغم حبي لعائلتي وأصحابي والبحر وتراب اسكندرية، كان هناك شيء بداخلي يحرّضني على السفر، وقد دفعت ثمناً غالياً لسفري هو خصام والدي لي، فالعائلة كانت الماء الذي أسبح فيه مثل السمكة».

العائلة
ظلّ محمود اسكندرانياً حتى صيف 2012 عندما سافر لتشييع والدته، ومشى في الجنازة محاطاً بأصدقائه القدامى، لكنه شعر في لحظة أن الجنازة لم تكن لأمه، بل للاسكندرية نفسها، فقد كان يسافر في كلّ المناسبات، ويمارس الطقوس عينها التي تربّى عليها في طفولته وصباه وشبابه، لكنه فجأة شعر أن الشوارع لم تعد هي الشوارع، والبيوت تحوّلت إلى صناديق بلا روح، والذكريات صارت عبئاً على الأيام الباقية: «خفت، شعرت بالوحدة والخوف.. ليه؟. مش عارف، وتصوّرت أني سأتخلص من هذا الإحساس بعد أيام، لكنه زاد، وتحوّل من خوف مجهول، إلى خوف على أولادي، وخوف من الدنيا نفسها... رحيل الناس اللي بنحبهم حاجة وحشة قوي يا جدع».

العسل
لو لم يقدم محمود سوى شخصية الشيخ حسني الأعمى في فيلم «الكيت كات»، لاحتفظ بمقامه وشهرته ومحبة جماهيره، وعبّر عن موهبته في أروع تجلياتها، لكنه قبل وبعد ذلك قدّم تنويعات هائلة في اختياراته وأدواره، كالنحلة التي تحطّ على ملايين الزهور مختلفة الألوان والرحيق لتصنع شرابها الخاص، وتعرف الطريق إلى خليتها بعد كل ذلك الترحال، وتتعامل بشراسة مع كل من يهدّد بيتها أو عسلها، ولا تتورّع عن ذلك حتى وهي تعرف أن لسعتها الدفاعية فيها موتها وفقدان حياتها، وفي هذه اللحظة الدرامية العميقة يلتقي مجدداًً «حب العائلة» والدفاع عنها بالروح مع الترحال الطويل بحثا عن الرحيق والدفاع عن العسل (حصاد الرحلة)، وهكذا يبدو الموت.. موت النحلة وموت محمود عبد العزيز كأنه اختيار إرادي للتعبير عن عقيدة «الترابط الاجتماعي» التي تتطلّب السكون والإقامة، وحلم التحقق وتصنيع العسل الذي يتطلب الترحال والسفر، بكل ما يقتضيه ذلك من تضحيات تساوي في النهاية.. الحياة ذاتها، لكن النتيجة لا تذهب هباءً، لأن العسل يظل شاهداً خالداً على الفرق بين النحل والذباب.

السفير اللبنانية في

14.11.2016

 
 

محمود عبدالعزيز.. اللاعب على وتر الضحك والحزن

خالد محمود

يبقى الفنان الكبير محمود عبدالعزيز، أحد موهوبى العصر الكبار، الذين أثروا تاريخ التمثيل بأدوار عظيمة وملهمة، وشخصيات متعددة لبشر تتنفس إنسانية وإبداعا وتألقا.

منذ خطوته السينمائية الأولى بفيلمه «الحفيد» عام ١٩٧٤، ومرورا بـ«العار»، و«الكيت كات» و«جرى الوحوش» و«السادة الرجال» و«الشقة من حق الزوجة» و«الكيف»، حتى أواخر أعماله، «إبراهيم الأبيض»، وهو يجسد شخصياته بمزاج العاشق لنفسه وللبشر الذين يلتحم معهم أمام الكاميرا، وبداخله تحدٍ كبير، وإلهام، يحدد ملامح موهبته الكبيرة التى فاجأت الجمهور والمخرجين ايضا، عبر تنقله من مرحلة الجان إلى مرحلة التعمق النفسى وفلسفة الشخصيات برموزها الاجتماعية والسياسية، والتى تقبلها الجمهور العاشق له. أدرك أن بداخله شحنة عالية تجعله يجسد تفاصيل نماذج من البشر قد تشبهه أو لا تشبه، وكأنها سفر إلى الداخل.

مشوار محمود عبدالعزيز مع الفن مر بأربع مراحل، الأولى فى السبعينيات، حيث قدم مجموعة من الأدوار والبطولات الرومانسية والبسيطة إلى حد كبير، دون أن يحصل على فرصة كافية للتعبير عن قدراته التمثيلية الكبيرة، والثانية مرحلة الثمانينيات، وهنا أطلق المخرجون العنان لمحمود عبدالعزيز، ليقدم العديد من الأفلام الناجحة، أبرزها ثلاثية «العار ــ الكيف ــ جرى الوحوش» مع محمود أبوزيد مؤلفا، وعلى عبدالخالق مخرجا..

العار:
شارك محمود عبدالعزيز فى تقديم دراما اجتماعية وإنسانية لها خصوصيتها، عبر شخصية الدكتور عادل، التى كشف فيها نجمنا هن موهبته الكبيرة فى اللون الساخر لينتزع ضحك الجماهير وآهاتهم أيضا فبعد أن تعيش مع إحدى الأسر، التى لاقى رب أسرتها المر فى تربية أبنائه ليخرج الطبيب ورئيس النيابة والجامعية وسند ضهره ابنه الاكبر التاجر نور الشريف من عصبه تقع الطامة الكبرى عندما تكتشف مع موت رب الأسرة أنه تاجر مخدرات وأن أبناءه نمت أجسادهم من الحرام، يعرض الفيلم لفكرة «يخلق من ضهر الفاسد عالم» ليتحول الفيلم إلى مأساة تعيش فيها محاولا إيجاد حل للأخوة الأشقاء، الذين يجتمعون تلك المرة على كيفية تسلم شحنة المخدرات، التى وضع والدهم فيها تحويشة العمر وكيفية تصريفها فتظهر الشخصيات الحقيقة لهؤلاء الأخوة والكامنة داخل نفوس هشة لم يجمعها فى يوم من الايام إلا المال الذى انتهى عهده بموت الأب ليبدأ الجميع التكاتف مرة أخرى لجلبه عن طريق بيع شحنة المخدرات لينسى كل منهم قيمه ومبادئه العظيمة التى يرى نفسه فيها سابقا.

جرى الوحوش:

نموذج آخر من الكاراكترات التى ملأ بها الشاشة، وهى شخصية عبدالقوى التى تكاد تسقط من مقعدك ضحكا من خفة ظله فى هذا الفيلم الرائع ببساطة يدور حول المثل الشعبى «اجرى يا إنسان جرى الوحوش، غير رزقك لن تحوش». الفيلم يبرز علاقة رائعة بين الله والإنسان من حيث تقسيم الأرزاق ووجوب قناعة الإنسان بما منحه الله له.

الكيف:
يبدو أكثر ذكاء باختياره شخصية جمال مزاجانجى فى فيلم محمود أبوزيد وعلى عبدالخالق، وهى الشخصية، التى كشفت بعدا كوميديا كبيرا ولاذعا فى موهبة محمود عبدالعزيز فى العمل الذى تناول فيه بحرفية عالية العلاقة بين الغناء الهابط والمخدرات اللذان يغيبان العقل، ويؤديان إلى نفس النهاية. بعد أن فشل جمال (محمود عبدالعزيز) فى دراسة الحقوق، وجد ضالته فى الغناء بالأفراح الشعبية التى قادته إلى قاع الوسط الفنى، حيث يوجد متسع للمدعين ومدمنى المخدرات، فيسقط فى ذلك المستنقع مستدرجا معه أخيه الكيميائى صلاح (يحيى الفخرانى)، الذى حاول إنقاذ أخيه من براثن الإدمان بعدما صنع له خلطة شبيهة بالحشيش، ولكنها دون مخدر ليثبت وهمية الكيف

فى تلك الفترة قدم أيضا «إعدام ميت»، و«عفوا أيها القانون» و«الطوفان»، و«البرىء» لعاطف الطيب، الذى قدم معه عام 1987 فيلم «أبناء وقتلة»، وجاءت معظم أفلام تلك المرحلة مهمة فى مشواره ومشوار صانعيها من ممثلين ومؤلفين ومخرجين.

مرحلة جديدة

فى التسعينيات تراجع الكم كثيرا، سواء بسبب ظروف السينما المصرية بعد حرب الخليج، وكذلك تدقيق عبدالعزيز فى اختياراته بعد دخوله مرحلة جديدة، علما بأنه فى النصف الأول من تلك الحقبة كان يجنى ثمار النجاح الهائل والأسطورى لمسلسل «رأفت الهجان» الذى وصل تأثيره إلى حد تقليد الشباب لتسريحة شعر الجاسوس المصرى، غير أن الأبرز سينمائيا فى هذه المرحلة فيلم «الكيت كات» الذى أجمع النقاد على أنه العمل الأهم والأفضل فى مشوار محمود عبدالعزيز، ودخلت شخصية «الشيخ حسنى» الكفيف مدعى الإبصار تاريخ السينما المصرية من أوسع الأبواب. ففى حى الكيت كات، تبدو شخصية الشيخ حسنى الكفيف كراصد ليوميات أبناء الحى ونبض لهمومه الحقيقية التى يتسامر عليها رغم فقدانه البصر وزوجته وعمله. الفيلم يقدم رسالة حقيقة، ويشير إلى أن العمى ليس عمى البصر، ولكن عمى البصيرة.

وخلال مشاهدتنا الفيلم ذلك الانغماس الكبير فى ذلك العالم الخاص جدا والافتتان بشخوصه ومفرداته. تلك النكهة المصرية التى لا يمكن أن تخطئها عين أو اذن..ذلك الافتتان الباقى بشخصية الشيخ (حسنى)، والتى تبقى فى ذهنك كثيرا بعد انتهاء الفيلم، تلك المتعة البصرية والذهنية والعقلية الخالصة التى تستحوذ عليك تماما وتدفعك لتعيد النظر فى أمور كثيرة ظننت إنها من ثوابت الحياة.

اشياء كثيرة ساهمت كثيرا فى خلود هذا العمل منها الحكاية البسيطة الشعبية التى تحمل نكهة فلسفية عميقة صاغها بعبقرية (داوود عبدالسيد) استنادا على رواية للمبدع (إبراهيم أصلان). حكاية بسيطة ولكنها ككل أفلام (داوود).. فهو يتحدث عن العجز.. الحلم.. الحياة والموت.. إرادة التغيير.. إرادة الحياة.

ثم يأتى الشيخ حسنى. رجل حالم فقد نعمة البصر منذ طفولته، يحمل فى داخله خليط عجيب من الفيلسوف والفنان المتشبث بالحياة. ما زال غير قادر على الاعتراف بما فقده. يخفى فى داخله أطنان من الحزن ولكنه يأبى الاعتراف بهذا. يحاول الهروب من واقعه المظلم بالعزف على العود الذى ورثه عن أبيه. يريد أن يتحرر من جسده العاجز وينطلق بعيدا.. (نفسى أطير.. أطير).. ذلك المزيج الساحر والذى أداه محمود عبدالعزيز بعبقرية فى أروع أدواره على الإطلاق والذى ربما يكون هو أحد الأسباب الرئيسية فى خلود الفيلم، وقد سمح لنا المشهد الأخير بالشعور بالانتصار للشيخ (حسنى) على الموتوسيكل. للشيخ الضرير وهو يقود الموتوسيكل بسرعة وسط الحارة المزدحمة. وإظهار الجوانب المتناقضة للشيخ (حسنى) بين أقصى الحزن وأقصى العبث، ليسلك مسلكا مختلفا أقرب للتأمل، وكأن ليس المطلوب فقط أن نضحك مع الشيخ (حسنى)، ولكن أن نشعر شعوره، فهو قد حقق حلمه بالطيران على الرغم من كل شىء.

خلال الفترة نفسها قدم أفلاما لم تخل من الكوميديا أبدا لكن بعضها حمل رسائل مهمة للجمهور، مثل «زيارة السيد الرئيس»، و«ثلاثة على الطريق» و«القبطان» و«البحر بيضحك ليه»، ومع بداية القرن الجديد قدم عبدالعزيز فيلم «سوق المتعة» و«الساحر» آخر أفلام رضوان الكاشف.

فى (مصر القديمة)، شاهدنا الساحر منصور بهجت مع ابنته (نور) (منة شلبى)، التى تحب (حمودة) حتى تقتحم حياته سيدة مطلقة تدعى شوقية (سلوى خطاب)، جاءت مع ابنها لتسكن فى المنزل بعد زواج زوجها السابق من أخرى، ويخاف على ابنته منها فى البداية، ويصطدم (منصور) بها عدة مرات، حتى يشعر بها قلبه الساكن منذ وفاة زوجته، فيقع فى هواها، ويقرر مساعدتها، ومساعدة ابنها المصاب بورم فى المخ.

فى «الساحر» عدة مشاهد رائعة وملهمة وعميقة، تلهمنا المشكلات الحقيقة والواقعية والأقرب إلينا، خاصة تلك المشكلات التى نمر بها إلى العديد من الأفكار نستطيع من خلالها أن نفجر الكوميديا الحقيقية القادرة على ادخال البهجة والسعادة إلى قلوب الناس وإضحاكهم. هذا ما فعله أيضا عبدالعزيز مع المخرج رأفت الميهى، عندما قدم بشجاعة بالغة فيلم السادة الرجال من خلال معالجة فانتازية وفهم لواقع اجتماعى حقيقى عن فكرة تحول المرأة إلى رجل، طارحا فكرة المساواة التى تسعى إليها المراة، ورغبتها الدائمة فى القيام بكل المهام، التى يقوم بها الرجل لتثبت أنها لا تقل عنه شيئا.

هو حقا «الساحر» بتنقله بين عدة مراحل وأعمال ومدارس وموجات على الشاشة بدت، وكأنها حياة لوجوه من لحم ودم، وهى أيضا حياة نجم بصماتها تطاردك فى كل مشهد، وتحيى بداخلك مشاعر وتغازل مكنون الضحك بداخلك، والحزن أيضا.

بالفيديو.. المخابرات العامة تنعي محمود عبد العزيز: جسد بصدق بطولات أبناء الوطن

نور رشوان

عرضت فضائية «سي بي سي إكسترا»، مساء الاثنين، مقطع فيديو تضمن نعي جهاز المخابرات العامة المصرية، للفنان محمود عبد العزيز، الذي تُوفي، أمس الأول السبت.

وجاء نص النعي كالتالي: «بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، المخابرات العامة المصرية تنعي بمزيد من الحزن والأسى الفنان الكبير محمود عبد العزيز، الذي أثرى بإبداعه الفن العربي، والذي جسد بصدق بطولات أبناء الوطن، عبر إخلاصه وقدرته العظيمة، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وللأسرة خالص العزاء».

كما نشرت المخابرات نعيًا للراحل في جريدة الأهرام صباح اليوم الاثنين.

وكان الفنان محمود عبد العزيز قد وافته المنية، أمس الأول السبت، عن عمر ناهز الـ70 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.

وتعرض الفنان الراحل لهبوط حاد فى الدورة الدموية وضيق فى التنفس، ونُقل إلى مستشفى الصفا فى المهندسين، وفى وقت لاحق تم الكشف عن غموض حالته التى تمثلت فى تورم شديد فى الأنسجة المحيطة بالفك، وقام باستئصال هذا الورم بفرنسا، ورغم أنه كان ورما حميدًا إلا أن حالته الصحية تدهورت سريعًا.

وشُيعت جنازته بعد ظهر أمس الأحد، بمسجد الشرطة بمدينة الـ6 من أكتوبر، وسط حضور عدد كبير من الفنانين، وتم نقل الجثمان إلى مثواه الأخير بمدافن الأسرة بمحافظة الإسكندرية، مسقط رأسه.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=1&v=oBir1nvQQ74

الشروق المصرية في

14.11.2016

 
 

محمود عبدالعزيز.. وداعاً «قبطان السينما»

كتب: ريهام جودةناصر الشرقاوي

في بداياته بمسلسل «الدوامة» مع نيللى ومحمود يس، أو فيلم «الحفيد» عام 1974 مع نور الشريف وميرفت أمين، و«المتوحشة» مع سعاد حسنى، و«البنات عايزة إيه» مع سهير رمزى، قد يظنه البعض أنه سيبقى نموذجا للفتى الوسيم الذي ظهر لينافس مجموعة من ممثلى الصف الأول وقتها عزت العلايلى، محمود يس، حسين فهمى، لكن محمود عبدالعزيز بموهبته المتميزة وطاقاته التمثيلية الكبيرة سلك مسلكاً مختلفاً يبتعد عن الاعتماد على ملامحه الجذابة إلى أدوار متنوعة وأكثر جاذبية وتميزا في السينما والدراما، ليصبح أحد أهم نجوم الشاشة العربية.

في أفلامه الكوميدية والاجتماعية مثل «الشقة من حق الزوجة» و«السادة الرجال» و«الدنيا على جناح يمامة» و«جرى الوحوش» و«الكيف» و«العار» قدم محمود عبدالعزيز نموذجا لذلك الرجل الذي يشبه الكثيرين فيما يتعرض له من ظروف تطحنه، لكنه يخرج بأكثر التعبيرات اللفظية والحركية سخرية، يتقبل الأمور بخفة ظل، يضحك، ويسخر حتى من نفسه قبل الآخرين، وصولا ربما لأن يبكى حين يفلت زمام الأمور من يده، حتى لتشعر بأنه فقد صوابه، مقدما أداءً يعتمد على طاقات تمثيلية وانفعالات تعبيرية ونفسية، محتلا لمكانة لدى جمهوره لم ينازعه عليها غيره ولم ينافسه فيها أحد، إضافة إلى اعتماده على طريقة أداء ومظهر مختلف للشخصية السينمائية في عدد من أفلامه، أبرزها «أبوكرتونة».

قدم عبدالعزيز رصيدا هائلا من الأعمال الفنية، بلغ 84 فيلما، ونادرا ما تجد دوراً أو أداءً متشابها، بل إن متابعة أدوار ذلك الفنان المعجون بالموهبة تذهل جمهوره، فأدواره البعيدة عن الكوميديا مثل فيلم «البرىء»، و«تزوير في أوراق رسمية» و«العذراء والشعر الأبيض» تضعك أمام فنان آخر قادر على تقديم التحولات النفسية للشخوص التي يقدمها وتملؤها الصراعات البشرية، حتى في تقديمه للكوميديا، تميز محمود عبدالعزيز بأداء الشخصيات بطريقته التي لاتزال حتى الآن وبعد سنوات طويلة رمزا لأنجح إفيهات الأفلام، وهى الإفيهات البعيدة عن الابتذال أو التكلف الذي نراه في السينما المصرية في عقدها الأخير، لكنها إفيهات كُتبت بعناية، ولم يصلح لأدائها غير محمود عبدالعزيز، مثل «الملاحة الملاحة» في «العار»، و«الإنترلوب» في «جرى الوحوش»، و«الكيمى كيمى كا» في «الكيف»، والتى أصبحت أكبر معبر عن المواقف الاجتماعية وتنتشر خلال السنوات الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعى في كوميكسات، ما يجعل من «عبدالعزيز» رمزا معبرا بين جمهوره لسنوات مقبلة أيضا، حتى وإن رحل صاحبها.

فرط النجاح الجماهيرى الذي حققه محمود عبدالعزيز جعله محاصرا بالألقاب التي منحها له جمهوره أو النقاد بسبب تقديمه لأفلام تحمل أسماء تلك الألقاب، مثل «الساحر» و«الجنتل» و«القبطان»، إلا أن أكثر أسماء الشخصيات التصاقا به وتعبيرا عن نجاحه الجماهيرى والفنى فيها كان شخصية الكفيف «الشيخ حسنى» في فيلم «الكيت كات»، والذى اقترب فيها من المكفوفين لأشهر ليتدرب على الشخصية ويتعرف على أنواع العمى، وكيفية أداء شخص كان مبصرا ثم أصيب بالعمى، والغريب أن «عبدالعزيز» حاول الإفلات من نجاحه المدوى في هذه الشخصية، وعدم حصر موهبته عندها، وكان يرى أن نجاحه لا يجب أن يتوقف على عمل محدد، بل يجب أن يمتد إلى تقديم المزيد من الشخصيات الجديدة.

ابتعد محمود عبدالعزيز عن السينما مع تخبط أحوالها وظهور جيل جديد من الممثلين، ليعود إليها نجما مخضرما، بل غول تمثيل يرتعد أمامه النجوم الشباب، مثل أحمد السقا وعمرو واكد في فيلم «إبراهيم الأبيض»، وصولا إلى استعراض الشارع السياسى العربى بعد حرب العراق في فيلم «ليلة البيبى دول»، وغيرهما من الأفلام التي حافظ فيها «عبدالعزيز» على نجوميته وحضوره المميز. حصد «عبدالعزيز» 25 جائزة دولية ومحلية سينمائياً، إلى جانب حب جمهوره، ووفقًا للقاء تليفزيونى معه في برنامج «البيت بيتك» كانت أقرب شخصياته إليه «الشيخ حسنى» في «الكيت كات»، حيث تمنى أن يكون بقوته وقدرته على تجاوز المواقف المختلفة، إلى جانب عشقه للسينما وعدم دخولها بحثًا عن الثراء أو العلاقات العاطفية، بل حبًا للتمثيل، لدرجة أنه قدم 25 فيلمًا في 6 سنوات.

«هجّان» الدراما الذي أخلى الشوارع

كتب: ريهام جودة

تخلو الشوارع وقت عرض المسلسل، كان ذلك حال الشارع المصرى عند عرض حلقات مسلسل «رأفت الهجان» عن عميل المخابرات المصرية رفعت الجمال، الذى قدم محمود عبدالعزيز، منه 3 أجزاء، للمخرج يحيى العلمى، وبدأ العمل على الجزء الأول منه عام 1987، ذلك العمل الذى خاض فى أجواء الجاسوسية والصراع العربى الإسرائيلى قبل حرب أكتوبر 1973، واستعرض دور رفعت الجمال عميل المخابرات المصرية الذى تم زرعه فى قلب إسرائيل وكان له دوره فى إمداد الجانب المصرى بالمعلومات تمهيدا للحرب.

وحُصر «عبدالعزيز» فى الشخصية لسنوات، بسبب نجاحه فيها، وتردد أن الغيرة الفنية اشتعلت من جانب الفنان عادل إمام الذى قدم دور عميل المخابرات المصرية جمعة الشوان فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة»، لتحدث القطيعة بينهما.

عاد «عبدالعزيز» إلى الدراما التليفزيونية مرة أخرى، وهى العودة التى حملت الكثير من التشوق للجمهور، بعد أن ابتعد عنها من فرط نجاح «رأفت الهجان»، وكانت العودة محمودة ومليئة بالحنين إلى مسقط رأسه الإسكندرية فى مسلسل «محمود المصرى».

مطربًا

ظل محمود عبدالعزيز حتى آخر أيامه عاشقا للغناء، ورغم أنه لم يتمتع بصوت غنائى عريض إلا أنه وبشهادة كثير من الملحنين كان يحظى بحس موسيقى وآذان متذوقة للغناء والموسيقى ومن الملحنين الذين تأثر بهم الساحر الموسيقار الكبير سيد مكاوى الذى استلهم روحه عند تجسيده لشخصية الشيخ حسنى فى فيلم الكيت كات كان محمود مقربا للشيخ سيد وحريص على الجلوس معه طويلا قبل تصوير الفيلم.

ولعشق محمود للغناء ظهر فى أكثر من عمل وقدم فيها بصوته أغنيات كثيرة فى مقدمتها فيلم المتوحشة الذى شارك السندريلا سعاد حسنى بطولته وغناء واحدة من أشهر أغنياته حبيبى انت يا فيلسوف، وفى فيلم الكيف غنى أكثر من أغنية ناجحة عبر من خلالها عن فساد الذوق العام خلال فترة الثمانينات والتسعينيات منها الكيمى كيمى كا وياافا افا وغيرها وكانت وفى جرى الوحوش عبر عن حال المنجد الذى يسعى إلى المال حتى لو اضطر إلى بيع رجولته من خلال أغنية ترزى البنك وفى فيلم الكيت كات أغنية درجن درجن.

جيران منزل الأسرة في وداع ابن الحتة:

إسكندرانى مجدع

كتب: ناصر الشرقاوي

ما إن تطأ قدماك شارع المعاون بمنطقة الورديان غرب الإسكندرية وتنظر في وجوه الناس إلا وتقرأ في ملامحهم أن حدثاً جللًا قد وقع أو أن خطباً ما أصابهم، أن اليوم يوم الأحد ومعظم المحال قد أغلقت أبوابها، حتى الطقس قرر أن يساهم في هذا المشهد الجنائزى الحزين وانزوت الشمس خلف غيمة السحب ولم يتسلل منها إلا بعض الأشعة التي ظهرت على استحياء، .

هكذا بدا المشهد بالشارع الذي شهد مولد الفنان «الساحر» محمود عبدالعزيز، بكاء بعض الجيران وصمت البعض الآخر، معظم أهالى المنطقة لا يعرفونه شخصياً إلا من خلال أفلامه التي شعروا في معظمها أنه ابن حتتهم بصحيح «إسكندرانى مجدع». وفى أول الشارع يقف منزل الأسرة كعجوز أنهكته الحياة فلا يستطيع الصمود ولا يجد من يتكئ عليه.. جدرانه تبكى رحيل ساكنيه ودرجات سلمه تشكو قلة زائريها. وبالطابق الأول باب منزل أسرة «الساحر» موصد بقفل كبير وكأنه يهتف ممنوع الدخول فقد رحل أهل البيت ورحل صانع البهجة..

باب لن يطرقه إبراهيم الأبيض، أو الشيخ حسنى، أو منصور أبوهيبة، أو محفوظ زلطة، أو فضل الغول، أو رأفت الهجان، أو حتى ليفى كوهين.. كلها شخصيات جمعها الساحر في جرابه وغادر بها إلى مثواه الأخير. وعلى النقيض تماماً وعلى بعد أمتار قليلة من حى الورديان ومنزل «الساحر» بالإسكندرية، كانت الحياة تدب وعمال يتحركون في نشاط لتجهيز قبر عائلة «عبدالعزيز» لاستقبال جثمان «الساحر» ليتوقف قطار الشهرة بآخر محطاته.. وأبى الساحر أن يُدفن بعيداً عن والده ووالدته.

بالدموع.. نجوم الفن يودعون الساحر لمثواه الأخير

كتب: ناصر الشرقاوي

شُيع ظهر الأحد جثمان الفنان الراحل محمود عبدالعزيز ، من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، وسط حالة من الحزن والصدمة سادت بين نجوم الفن وجمهور الفنان الراحل الذين حرصوا على المشاركة في تشييع الفنان الراحل إلى مثواه الأخير. أدى المشيعون صلاة الجنازة على جثمان الساحر، وعقب أداء الصلاة تم نقل جثمان الراحل إلى مقابر الأسرة في «أم مخبيب» بالإسكندرية، حيث مثواه الأخير. شهدت الجنازة حضورا كثيفا من الفنانين والشخصيات العامة والجماهير من عشاق النجم الراحل الذين حرصوا على وداع جثمان النجم الراحل.

ومن أبرز المشاركين في الجنازة: حلمى النمنم وزير الثقافة والكاتب وحيد حامد وعزت العلايلى وجمال سليمان ومحمد هنيدى وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز ووالده المخرج الكبير محمد عبدالعزيز وحسن حسنى وتامر حسنى، وأشرف زكى، نقيب الممثلين، وسامح الصريطى، وإيهاب فهمى، عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية. ونادية الجندى وسهير رمزى، ويسرا، ومحمد حماقى، وهيثم شاكر، وأحمد صلاح السعدنى، والمخرج رامى إمام ومحمد عبدالحافظ ولقاء الخميسى ودينا. وحمل المنتج محمد محمود عبدالعزيز وشقيقة كريم جثمان والديهما عند دخوله وخروجه من المسجد. كان الفنان الراحل قد وافته المنية مساء يوم السبت الماضى عن عمر 70 عاما بعد صراع مع المرض، وحرص عدد كبير من النجوم على التواجد بالمستشفى فور الإعلان عن الوفاة، وظلوا حتى الساعات الأولى من الصباح.

المصري اليوم في

14.11.2016

 
 

من سعاد حسنى للقاء الخميسى.. تعرف على بطلات الساحر محمود عبد العزيز

كتب خالد إبراهيم

44 عاما من الإبداع الفنى، قدم خلالها الساحر محمود عبد العزيز، مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الخالدة، التى ستظل محفورة فى تاريخ الفن المصرى، وقف خلال تلك الأعمال أمام عمالقة الفن المصرى، سواء من الفنانين أو الفنانات.

فى عام 1974 قدم الساحر فيلم "الحفيد"، ورغم أنه لم يكن بطله الأول، إلا أن دوره كان مهما، إذ وقفت أمامه الفنانة منى جبر وميرفت أمين ، وفى عام 1978، قدم محمود عبد العزيز  فيلم شفيقة ومتولى، مع النجمة سعاد حسنى، وشاركهما البطولة أحمد زكى، كذلك قدم أيضا فيلم "المتوحشة" مع السندريلا سعاد حسنى.

فى فيلم العار، شارك محمود عبد العزيز فى بطولة فيلم "العار" مع نور الشريف وحسين فهمى، وشاركهما البطولة النجمتان نورا وإلهام شاهين .

أما فى عام 1982 ، قدم محمود عبد العزيز فيلمه أمام نجمة الجماهير نادية الجندى ، والتى كانت وقتها نجمة مصر الأولى ، وهو قصة للروائى نجيب محفوظ ، وفى عام 1983 قدم الساحر فيلم "درب الهوى" وشاركه يسرا ومديحة كامل، وفي نفس العام قدم فيلم "العذراء والشعر الأبيض" أمام نبيلة عبيد، وبعدها بعام قدم الساحر فيلم "تزوير فى أوراق رسمية" مع ميرفت أمين ، ثم فيلم "إعدام ميت" عن الجاسوسية، وشاركت فى البطولة أمامه بوسى وليلى علوى .

وحينما دخل محمود عبد العزيز مرحلة "الفانتازيا" كانت معالى زايد هى بطلة أفلامه مثل "سمك لبن تمر هندى" و"السادة الرجال" وشاركت فى بطولته أيضا هالة فؤاد .

وقدم محمود عبد العزيز في عام 1991 فيلم "أبو كرتونة" أمام سماح أنور، وفي العام التالى، شاركت هالة صدقى محمود عبد العزيز فيلم "  فخ الجواسيس" ، أما فى فيلم خلطبيطة فشاركته البطولة إلهام شاهين والتى شاركته أيضا بطولة فيلم "سوق المتعة"، وفى الألفية الجديدة كانت سلوى خطاب بطلة فيلمه "الساحر" مع منى شلبى، كما شاركته سولاف فواخرجى فيلم "ليلة البيبى دول" ، وهند صبرى فى فيلم "إبراهيم الأبيض".

وعلى مستوى الدراما ، وقف أمامه العديد من النجمات من أبرزهن يسرا وتيسير فهمى وسماح أنور وفايزة كمال وإيمان الطوخى، وذلك جميعا فى مسلسل "رأفت الهجان" وفى مسلسل "محمود المصرى" شاركته غادة عبد الرازق وسمية الخشاب ومى عز الدين.

أما في مسلسل "باب الخلق" فشاركته البطولة دينا ومنة فضالى وسوزان نجم الدين ، وفى مسلسل "أبو هيبة في جبل الحلال" شاركته البطولة هبة مجدى ووفاء عامر وسلوى خطاب ومي سليم وريم مصطفى وياسمين صبرى ونرمين الفقى، والتى اكتشفها محمود عبد العزيز، وفى آخر أعماله الفنية "رأس الغول" شاركته لقاء الخميسى وميرفت أمين ودوللى شاهين .

عاصى الحلانى يروى ذكرياته مع الساحر: "غيابك راح يترك فراغ كبير"

كتب محمد مصطفى

نشر المطرب اللبنانى عاصى الحلانى، صورة جمعته مع النجم الراحل محمود عبد العزيز عبر حسابه الشخصى على إنستجرام، ناعيا الساحر الذى رحل عن عالمنا مساء السبت الماضى.

وعلق عاصى الحلانى على صورته: "أجمل الذكريات عندما شرفنا الفنان الكبير محمود عبد العزيز وكانت ليلة من العمر فى المزرعة بعلبك غيابك راح يترك فراغ كبير وغصة فى القلب يا ساحر بالأداء والعطاء لن ننساك يا مبدع من هذا الوطن المعطاء مصر إلى جنان الخلد يا حبيب القلب البقاء لله".

ماذا قال أحمد زكى للساحر محمود عبد العزيز أثناء تصوير "الشقة من حق الزوجة"؟

كتب عمرو صحصاح

ما لا يعرفه الكثيرون، أنه رغم المنافسة الشرسة التى جمعت النجمين الكبيرين الراحلين أحمد زكى ومحمود عبد العزيز على مدار سنوات تألقهما فى عالم السينما، إلا أن هناك علاقة صداقة قوية للغاية جمعتهما، إذ كانا يلتقيان بشكل مستمر، عندما يبدأ أحدهما تصوير أى من أعماله الفنية، وكل منهما كان يأخذ رأى الآخر فى العمل الذى يقدمه.

وأثناء قيام النجم الكبير محمود عبد العزيز بتصوير فيلم "الشقة من حق الزوجة"، للمخرج عمر عبد العزيز، كان فى هذه الأثناء يصور النجم الكبير الراحل أحمد زكى فيلمه "المدمن"، من إخراج يوسف فرنسيس، وكان موقعا التصوير قريبين من بعضهما، فزار أحمد زكى الساحر محمود عبد العزيز فى موقع التصوير، وقال زكى، لعمر عبد العزيز مخرج فيلم "الشقة من حق الزوجة" نصا: "أنا زعلان أوى وغيران من محمود، ليه مجبتنيش فى الفيلم ده، بصراحة قصته عجبانى أوى والقضية اللى بيقدمها هامة ومختلفة"، وكان يبتسم الساحر للغاية من تعليقات أحمد زكى على الفيلم.

وعن هذه القصة أكد المخرج عمر عبد العزيز صحتها جملة وتفصيلا، موجها رسالته للفنان الكبير محمود عبد العزيز عبر "اليوم السابع" قائلا: كنا فى انتظارك يا محمود كلنا، عشان ترجعلنا وترجع لجمهورك، موضحا أن الساحر لم يكن بالنسبة له ممثلا ، فبصرف النظر عن أن الذى جمعهما فيلمين فقط، هما "الشقة من حق الزوجة" و"المجنونة"، إلا أن علاقتهما لم تنقطع على الإطلاق، وكانا من أقرب الأصدقاء لبعضهما، وبدآ رحلة الكفاح سويا، بل ويعتبر الساحر شقيقه، وأن تشابه الأسماء "آل عبد العزيز"، ليس مجرد تشابه فى اسم اللقب، ولكن هما أشقاء بالفعل فى الدم والروح والحب الذى يجمعهما، ولفت المخرج عمر عبد العزيز، إلى أن الساحر ممثل موهوب وإنسان وصديق حقيقى، ولذلك يمثل له حالة خاصة فى كل شىء.

وأضاف "عبد العزيز" أن الفنان الكبير محمود عبد العزيز رغم النجاح الهائل والشهرة الكبيرة التى حققها على مدار تاريخه الفنى، إلا أنه لم يأخذ حقه، فيستحق أكثر مما فيه، مؤكدا أنه من الفنانين القلائل للغاية، الذين تليق عليهم جميع الأدوار، وليس دورا بعينه.

وأكد عبد العزيز، أن فيلم "المجنونة"، والذى جمعه بالساحر، حصل على العديد من الجوائز من مهرجانات كبرى، كما أنه كان التجربة الأولى للفنانة إسعاد يونس فى عالم كتابة السيناريو.

سر إسناد بطولة فيلم "طائر الليل الحزين" لـمحمود عبدالعزيز بدلا من الزعيم

كتب العباس السكرى

فى عام 1977 كان النجم محمود عبد العزيز يسير بخطى واثقة نحو النجومية.. قبل هذا التاريخ كانت له تجارب سينمائية قليلة منها "الحفيد" و"حب على شاطئ ميامى".. واختاره المخرج يحيى العلمى لبطولة فيلم "طائر الليل الحزين" تأليف وحيد حامد، وبطولة محمود مرسى، ونيللى، وشويكار، وعادل أدهم.

قبل تقديم القصة فى فيلم سينمائى، كان سبق وقدمها الزعيم عادل إمام فى مسلسل إذاعى بنفس العنوان، ما دفع الكاتب الكبير وحيد حامد، لاقتراح اسم الزعيم للبطولة وإصراره عليه، لكن منتج الفيلم رفض أن يجسد الزعيم دور البطولة ورشح محمود عبد العزيز وقتها، وقال :"محمود حليوة ودوره فى الفيلم إن شويكار تحبه وهو المطلوب"، وجسد محمود عبد العزيز فى العمل شخصية "عادل" شاب محكوم عليه بالإعدام فى جريمة لم يرتكبها، ويهرب من السجن.

كان النجم محمود عبد العزيز، رحل عن عالمنا أمس السبت، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ 70 عاما، ورثاه كل العاملين فى الوسط السينمائى والغنائى والدرامى.

اليوم السابع المصرية في

14.11.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)