«لوبستر»
الثورة ضد المؤسسة السياسية المهيمنة
!
عبدالستار ناجي
يمثل فيلم «لوبستر» احدى المفاجآت الاساسية في الدورة الثامنة
والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي لذهابه الى قضية مواجهة
الفكر السلطوي والعمل على خلق ثورة لمواجهة الهيمنة . الفيلم من
توقيع المخرج اليوناني يورغوس لانثموس والذي يأخذنا الى عالم ومكان
متخيل عن احد الفنادق الذي يختار زبائنه لتبدأ عملية أدلجتهم
ومنحهم الفرصة لخوض جملة من التجارب أولها من خلال فرض السيطرة على
الزبون وصولا الى كم من الممارسات اليومية التي تنتهي بالزبون الى
أمرين لا ثالث لهما فاما الدخول في أتون المهمة وفهم مستلزمات هذا
الفندق المؤسساتي السياسي او الانتقال الى الغابة المحيطة بالفندق
والتحول الى هدف لبقية العناصر وهنا لا مجال من الفرار من الموت
.
وتأتي الاحداث من خلال دايفيد كولن فارل الى يتم استدعاؤه لدخول
ذلك العالم المليء بالغموض والذي تنشا بينه وبين احدى الفتيات
«راسيل وايز» العاملات في الفندق علاقة تتطور الى الحب وهو ما يشكل
حافزا عند دايفيد لمواجهة ذلك النظام الصارم في الفندق والذي يعلم
نهايته اما الموت او السقوط في اتون الهيمنة والتحول الى مسخ
.
كل المشهديات عبارة عن كم من الدلالات التي تدعو المشاهد الى
التأمل تارة والتحليل تارات وفك الرموز والاشارات في فيلم «لوبستر»
نحن دائما امام الاشارات والدلالات
.
وقد يتساءل القارىء عن مفردة «لوبستر» وهي تأتي من خلال طلب الفندق
من كل زبون نوعية الحيوان الذي يريده صديقا له عندها يختار دايفيد
اللوبستر ليكون صديقة ضمن اعتبارات اولها ان اللوبستر هو حيوان
معمر وثانيا يمتلك دوما أزرق وهي دلالالة عند انتمائه الطبقي
ورغبته ان يكون في المرتبة العليا ولكنه لاحقا يكتشف بانه لا يريد
ذلك على حساب الآخرين او حتى على حساب السياسة وامتطاء ظهور من
يحيطون به لذا يبدأ بتشكيل خلايا ثورته عبر عدد من العناصر ومن
بينهم صديقته العمياء
.
في فيلم «لوبستر» لا شيء حقيقيا فكل شيء افتراضي وكل شيء متخيل
وجميع الشخصيات ذاهبة الى المسخ والسقوط في الهيمنهةوالخضوع
للسيطرة
.
وهنا أتذكر شيئا من ملامح وفكرة الفيلم السعودي الروائي الاول
«ظلال الصمت» الذي اخرجه المخرج السعودي عبدالله المحيسن وعرض في
العديد من المهرجان ويتناول ذات الفكرة عبر معهد يقوم بمسخ افكار
روداه وتحويلهم الى شيء مسخ وتحرك حسب التعلميات الصادرة من ادارة
المعهد .
ولكننا هنا نحن امام فندق الداخل اليه مذلول مهان ممسوخ حتى لحطات
السقوط المجلجل في هاوية السيطرة والتحول الى اداة ولا شيء غير ذلك
ومن هنا خطورة الفيلم وأهميته فمع تطور الاحداث يأتي من يصرخ ويرفض
ويحاول القيام بثورته وبشرارته الرافضة لذلك الفعل السلطوي. الذي
يمسخ الآخر والذي يحوله الى حيوان مطيع ولا شيء غير ذلك
.
كتب الفيلم وأخرجه يورغوس لانثيموس وهو من قدم للسينما اليونانية
والاوروبية ثلاثة أفلام من ذي قبل كما انه يذهب في هذا الفيلم الى
اعتماد اللغة الانكليزية لانها كما يقوم صناع السينما لغة السينما
ولغة السوق ولغة الانتشار عالميا
.
في الفيلم عدد بارز من نجوم السينما الاوروبية بينهم كولن فارل
وراشيل وايز وجيسيكا باردين واوليفيا كولمان واشلي جينسون وغيرهم
وهم خليط من النجوم البريطانيين والفرنسيين واليونانيين.
فيلم «لوبستر» احدى المفاجأت البارزة في عروض المسابقة الرسمية
لمهرجان كان السينمائي الدولي 2015.
«الجليد
والسماء» فيلم وثائقي في اختتام «كان» السينمائي
عبدالستار ناجي
لعلها المرة الاولى في تاريخ مهرجان كان السينمائي وعبر مسيرته
التي بلغت الثامنة والستون عاما التي يتم بها اختيار فيلم وثائقي
لاختتام هذا المهرجان الاهم عالميا، حيث اختتم المهرجان عروضه
بالفيلم الفرنسي «الجليد والسماء» للمخرج الفرنسي لوك جاكو.
منذ اللحظة الاولى يقول لنا المخرج بانه بصدد رحلة الى القطب، حيث
يستدعى قصة العالم والباحث الفرنسى كلود لويوس الذي نذر حياته من
اجل اكتشاف القارة القطبية واكتشاف اسرارها وفك رموزها واسرارها
وذلك فى عام 1957 رحلة الى القارة المتجمدة لقرابة الاشهر است عبر
من من المحطات التي تكشف كل منها تاريخ تلك البقاع المتجمدة اولا
وايضا مستقبل الارض، حيث تعتبر انترتيكا - القارة المتجمدة - هي
مستودع الماء والحياة والاستمراية.
رحلة تجمع بين المغامرة والمتعة البصرية وايضا الالوان التي تدهشنا
والتي تحول الشاشة الى مزيج من الابيض والازرق والاحساس بصيق تلك
الاراضى التي باتت مغطاة بطبقات من الجليد المتراكم على متى سنوات
تتجاوز المليون سنة.
قراءة فى تأثير هذة القارة المتجمدة على كوكب الارض وعملية
الموازنة التي تقوم بها من اجل حماية الارض من كل شىء، اعتبارا من
حركة المد والجزر الى منسوب المياة وصولا الى درجات الحرارة
والتنوع الحيوانى البيئي والمناخي.
ولا ينتهى الامر عند ذلك بل يأخذنا الفيلم الى لحظات من الدهشة عن
العواصف تارة وعن انهيار جبال الجليد وأيضاً الحياة فى القارة
والبحار التي تحيط بها والتي تتمركز فوق الكرة الارضية وكانها
الحارس لهذة الكرة.
رحلة الى قلب العالم المتجمد، تدهشنا بكافة تفاصيلها، وتتجاوز
بجمالها ومضامينها الكثير من الاعمال السينمائية الروائية، فى فيلم
وثلئقى صنع بجودة عالية وتميز شديد التفرد من حيث ضخامة الانتاج
وجودة الصورة وتفاصيل الرحلة والموسيقى التصويرية وايضا الكتابة
التي تأخذنا الى كم من الاسرار في جرعة فنية لا يمتلكها فيلم الا
هكذا نوعية من الافلام الوثائقية التي تطلب انتاجها اكثر من اربعة
أعوام من الاعداد والكتابة والتصوير وبقية العمليات الفنية.
سينما من نوع مختلف. سينما تجعل المشاهد يهمس في كل حين «واو»
«برافو» وهذا ما راح يتكرر في العرض الخاص بالصحافة في قاعة كلود
ديبوسي قبل العرض الختامي للجمهور والذي تم بعد الحفل الختامي
للمهرجان. واعتقد شخصيا بان الفيلم سيذهب الى أبعد من ذلك. سواء
على صعيد العرض في الصاللات أو حتى بلوغ الاوسكار.. لاننا امام
تحفة سينمائية عالية الجودة ولهذا كان افضل اختيار لختام عرس
السينما العالمية في كان 2015.
مهرجان 2015: المرأة والبحث عن الذات
عبدالستار ناجي
تذهب بعيدا افلام الدورة الثامنة والستين لمهرجان «كان» السينمائي
في تقديم مضامين متجددة عن نضال المرأة في البحث عن الذات وتأكيد
الهوية ومواجهة التحديات التي تعترض مسيرتها وكفاحها من أجل
الكينونة. فهي في الفيلم الفرنسي «الرأس العالية» تقدم دور المرأة
القاضية التي تظل تمتلك بعض الافق في علاج الحالة الاجرامية
المستعصية من خلال العمل على البحث عن حلول قضائية تعمل على انقاذ
الشباب الذي يعاني من ظروف اجتماعية صعبة تقوده الى الجريمة وقد
جسدت الدور النجمة القديرة كاترين دينوف. والمرأة في الفيلم
الياباني «اختنا الصغري» للمخرج كوري ايدا هيروكازو تظل تبحث عن
امتدادها الاسري وتتجاوز بعض الاخطاء الاسرية من اجل اعادة لم شمل
العائلة التي فرقتها نزوات الاب والام. وهي في فيلم «اللوبستر»
للمخرج اليوناني يورغيس لانثيموس. تمثل مصدر الثورة التي تشتعل عند
احد الشباب ضد هيمنة السلطة التي تمثلت في الدلالات الرمزية للفندق
الذي يتم خلاله مسخ عقول البشر وتحويلهم الى ادورات لتنفيذ الخطط
والبرامج السياسية.
وتأتي المرأة الاهم من خلال فيلم «امي» للايطالي ناني موريتي، حيث
الام هنا تمثل اوروبا والظروف التي تعيشها من ازمات اقتصادية خانقة
الى انشغال الابناء وصولا الى الاحفاد الذين لم يعد لديهم ادنى
اهتمام بارثهم واسرتهم ووحدتهم. وهنا الدلالات تبدور واضحة ومن هنا
تأتي اهمية الشخصية وايضا الفيلم الذي يمثل احد اهم النتاجات هذا
العام في «كان». فى فيلم «كارول» لتيد هينس نحن امام قرار قد نختلف
معه ولكنه قرار يؤكد مقدرة المرأة على مواجهة المرأة خصوصا اذا ما
علمنا انه قرار اتخذته كارول في عام 1950 لترك زوجتها وبناء علاقة
مثلية مع فتاة شابة. ولنا انا نتصور موقف المجتمع من ذلك القرار،
ولكنه قرار الارادة حتى وان اختلفنا معه شكلا ومضمونا. اما عند
المخرجة الفرنسية ماوين فان المرأة هنا تظل تدافع عن اسرتها وحماية
زوجها من انفلاته والسعور وراء علاقات عابرة وادمان. صراع طويل
لرعاية اسرتها وزوجها وابنها. حتى وان باء بالفشل في نهاية الامر
الا انه يظل كفاحا لمرأة فرنسية ظلت تجتهد لحماية بيتها من السقوط
لردح من الزمان. وقد جسدت دور المرأة الزوجة في الفيلم الممثلة
والمخرجة الفرنسية ايماونيل بيركوت. ونصل الى محطة فيلم «سيكاريو»
للمخرج دينيس فيلانوف. حيث المرأة هنا ضابطة في الجيش الاميركي يتم
انتدابها من قبل وكالة الاستخبارات الاميركية للقيام بمهمة مع
مجموعة من الضباط من اجل الوصول الى احد اكبر تجار المخدرات في
المكسيك والذي يشكل خطرا على الامن القومي الاميركي. وعبر تلك
الضابطة نكتشف الاصرار على رفض الممارسات العدوانية التي تتجاوز
التقاليد العسكرية. حيث تكتشف انها امام شخصيات جاءت لتثأر لجرائم
سابقة وكأن الامر تصفية حسابات وليس مهمة عسكرية تخضع لضوابط واصول
في واشتباكات والمواجهة. وقد جسدت الدور النجمة ايميلي بلانت. في
الفيلم الصيني «القاتلة» للمخرج التايوني هو هيساو هيسين نحن امام
حكاية مقاتلة تم تدريبها سنوات طويلة من اجل مهمة اساسية هي تصفية
حاكم احدى الممالك السابقة في الصين. وفي لحظة المواجهة وتنفيذ
القرار. ترفض اغتيال الحاكم لانها شاهدته وهو يجلس مع طفله الرضيع.
انها لحظة رحمة لمقاتلة نشاهدها طيلة الفيلم وهي تقتل الكثير ولكنه
في اللحظة الاهم تأتي الرحمة وهنا تؤكد تلك المقاتلة على انه مهما
بلغت الشراسة والقوة والمقدرة القتالية وحالة الثأر فانه امام لحظة
الرحمة الحقيقية يتوقف ويتعطل كل شيئ وعن تلك اللحظة والمقاتلة كتب
التاريخ الصيني الكثير وهي لحظة صنعتها امرأة.
اما في فيلم «ماكبث» المقتبس عن المسرحية التي تحمل ذات الاسم
لوليم شكسبير. يقدم لنا المخرج الاسترالي جستين كيرزيل شخصية
نسائية عدة وانت ظلت المحور عبر شخصية الليدي ماكبث التي جسدتها في
الفيلم النجمة لفرنسية ماريون كوتيار التي اوغلت قلب زوجها من اجل
بلوغ السلطة واغتيال ملك اسكتلندا دانكن والجلوس على عرش اسكتلندا
كي تصبح الملكة. عبر شخصية ثرية بالمضامين والتفاصيل في السعي الى
السلطة والتسلط والحكم بجميع الوسائل. هذة الشخصية وغيرها من
الشخصيات شكلت حالة من الثراء لشخصية المرأة في المسابقة الرسمية
لمهرجان «كان» السينمائي الدولي لعام 2015 المرأة في عروض «كان»
قوية تمتلك القرار وتصنع المستقبل بأسلوبها وطريقتها.
من إخراج المكسيكي مايكل فرانكو وبطولة البريطاني تيم روث
فيلم «المرض العضال» حينما يحتاج المعالج!
عبدالستار ناجي
حينما قدم المخرج المكسيكي الشاب مايكل فرانكو فيلمه الاول دانييل
وانا عام 2008 أعلن عن حضوره الافت وفي عام عام 2012 قدم فيلم بعد
الضوء الذي رسخ ذلك الحضور بلغته السينمائية العالية الجودة وهو
هنا في فيلمه الثالث المرض العضال يذهب بنا الى قضية محورية تتحرك
حول سؤال جوهري هي مدى حاجة الطبيب او المعالج الى المريض سؤال قد
لا يلتفت اليه البعض ولكنه في حقيقة الامر يعني الكثير بالذات عبر
تلك الروية التي اشتغل عليها هذا السينمائي المكسيكي الشاب
.
انها حكاية دايفيد تيم روث الذي يعمل معالجا صحيا ممرضا بالذات بعد
ان توفيت زوجته بمرض الايدز ولاحقا ابنه بمرض عضال لذا نذر حياته
للعمل مع المرضى الكبار في السن والمقعدين عبر علاقة ملئية
بالاحترام والتقدير وتقديم كل الرعاية والتحول الى مرحلة الصداقة
والاحترام المتبادل
.
وهو رغم قوته وارادته ومقدرته على العطاء بالذات مع المرض فانه في
الحين ذاته يبدو ضعيفا في مواجهة واقعه بعد موت زوجته وابنه ورغبته
في الخروج من ذلك العالم المعتم القاتم القاسي والسوداوي الذي يحيط
به والذي يحوله الى كيان مدمر
.
يحاول بكافة امكانياته الى يساعد مرضاه ولكنه في كل مرة هناك مشكلة
بالذات في مدى تحمل المرض العلاج الكيماوي حتى ان احدى السيدات
المتقدمات في العمر تطلب منه مساعدته في قتلها بواسطة ما يسمى
بالقتل الرحيم ولكنه يرفض لانه لا يريد مواجهة الموت جديد حتى لحظة
النهاية التي تبدو مفتوحة على كم من الاحتمالات حيث نشاهد وهو يقوم
بالجري والرياضة اليومية ونسمع صوت ما وكانه حادث ولاننا لا نرى
الحادث الا من اصوات السيارات وكانه ذهب الى عالم آخر لا نعرفه
.
هكذا هو المحور الروائي للعمل ولكن المشهدية السينمائية تاتي عامرة
بالصور على طريقة مايكل فرانكو المليئة بالتأمل
.
الصورة عند مايكل فرانكو هي ليست مجرد ما هو ظاهر بل هي في الحين
ذاته ما هو أعمق وما هو اثري ويحتاج لمساحات اكبر من التحليل
والتأمل والتفكير بالشخصية وظروفها التي يحاول تجازوها عبر منح
الامل للآخرين وهو من لا يمتلك ذلك الامل او القوة لمواجهة ظروفه
الصعبة.
تمضي احداث الفيلم كما هي جميع اعمال فرانكو بطيئة ولكن لكل مشهد
دلالاته التي تمنح الموضع عمق أكبر وثري أشمل خصوصا وهو يعنمد على
نجم بمكانه وقيمة البريطاني يثم روث الذي يعيش الشخصية وعذاباتها
ومحاولته الخروج من سطوة الحزن الى الانشغال في مهمة من أصعب
المهمات تتطلب كثير من التضحية ومحاولة التخفيف من ألم الآخرين
وحزنهم في مواجهة المرض والشيخوخة وقطار العمر الذي اقترب من محطة
الموت
.
جملة احداث ومشاهد الفيلم تأتي بلا موسيقى وذلك لعكس الحالة التي
تعيشها الشخصية الصوت الوحيد هو صوت الحادث ومن بعده اصوات
السيارات وحركة الشارع حيث صوت الحياة اليومية وكاننا امام شخصية
كانت معزولة عن ذلك الضجيج وااصخب الحياتي لانه كان يعيش في دائرة
مغلقة من الحزن يخرج منه الى مرضاه الذين يتفرغ لهم كليا وكانه
يرفض حياته الحزينة الى حياة المرضي الذين يمنحهم العلاج والقوة
والامل وهو لا يمتلك كل ذلك
.
ويبقى ان نقول بان فيلم المرض العضال هو من تلك النوعية التي
تتجاوز ما هو ظاهر الى ما هو اعمق في الحديث عن الحاجة للآخر كي
تمضي الحياة فما أروع ان نهتم بالامر لانه جزء حقيقي من بقائنا
واستمراريتنا ومنح الحياة معنى وقيمة وعمقا اكبر. |