الناقد رامي عبد الرازق:
فاتن حمامة قدمت الفتاة اللعوب دون ابتذال
ريم حمادة
قال رامي عبد الرازق، الناقد الفني، إن الفنانة الراحلة فاتن حمامة كانت
ظاهرة سينمائية مكتملة لن تتكرر، موضحا أن الظروف الاجتماعية التي تشكلت
فيها الراحلة تحتاج لدراسة، لأنها دخلت الفن في سن مبكر.
وأكد أن فاتن حمامة مثلت على مر أجيال، ليس بحكم سنها بل بحكم اختياراتها،
مشددا على أنها كانت تختار أن تقف أمام المخرجين حتى لو كانوا في بدايتهم،
وهذا يعود لجرأتها وحسن اختيارها.
ورأى الناقد أن الفنانة الراحلة كانت تتعامل مع الفن بشكل مرحلي، وتفاجئ
الجميع بتجربة مغايرة تماما لنمطها، لأنها تريد التغيير وتحبه، لافتا إلى
أن معظم التجارب المغايرة للنمط السائد في العصر كانت هي وراءها.
وأشار في حواره ببرنامج "إنت حر"، الذي يقدمه الكاتب والسيناريست الدكتور
مدحت العدل، عبر فضائية "سي بي سي تو"، إلى أن الراحلة كان لديها القدرة
على تقمص العمر، مثل دورها كفتاة لعوب، قائلا "كان من الممكن أن تقدمه أي
ممثلة، ولكنها خاضت التجربة أمام محمود يس، وقدمته بمنتهى الدلع ولكن بدون
أي إغراء أو ابتذال، وليس لديها فكر ممثلات أخريات قدمن أدوارا بها قدر من
التنازل".
وشدد عبدالرزاق على أن فاتن حمامة استطاعت أن تقدم أغلب أنماط المرأة في
المجتمع المصري، بدءا من فتاة الطبقة الشعبية والمتوسطة والصعيدية والفلاحة
والبورسعيدية والاسكندرانية، وأجزم أنه لا يوجد ممثلة في جيلها قدمت هذه
الأنماط سواء كجودة أو كمستوى فني عال.
فاتن حمامة..
شكرًا لأيقونة عصر الرومانسية المصرية
إن كانت فاتن حمامة قد رحلت بالجسد فهي باقية في عيون وقلوب الكثيرين
كأيقونة ثقافية لعصر الرومانسية المصرية بقلبها الدافئ وحسنها الذي يستريح
بمجدها وأناقة في غير تبرج
!.
هي صاحبة الوجه البشوش وابتسامة تحمل طعما من ندى يكتم افصاحا خجولا!..وتر
هاجع في الروح.. غمغمة الأحلام.. الشرود يحيط بأسرارها رغم الطمأنينة
الساحرة وخصلات الحنين على وجهها!.. نسمة من أرض الكنانة لم تخش هجوم اليأس
على الثقافة المصرية في لحظات بدا فيها أن قوى الظلام قد تمكنت وأوغلت في
التمكين
!.
ولئن حق وصف فاتن حمامة بأنها كانت "الرومانسية تمشي على قدمين" فواقع
الحال أن الرومانسية المصرية تجلت في أوجه عديدة على مستوى الأدب والفن
وطرحت العديد من الأفكار وعلى سبيل المثال فإن "مدرسة الديوان" في الشعر
التي كان من إعلامها العقاد والمازني وشكري أكدت على ضرورة أن تعبر القصيدة
عن ذات صاحبها بعد أن كانت القصيدة القديمة تبتعد كثيرا عن ذات قائلها.
ومازالت "أفلام الأبيض والأسود" لفاتن حمامة تشكل واحة رومانسية لكل من
يشده الحنين لعصر الرومانسية ويذوب شوقا لمرحلة ذهبية في الفن المصري
امتزجت فيها ملامح الجمال الهاديء لفاتن حمامة بألحان وأوتار وأنغام وأغاني
عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي..هل كان ذلك كله ما وصفته فاتن
حمامة "بزمن الروقان"؟!!.
وهذا الزمن ما زال يشد بالحنين أكثر من جيل من المصريين الآن حتى أن بعضهم
يبحث في أفلام فاتن حمامة عن أشياء شخصية تخصه في مرحلة من عمره و"يختلي
بالذاكرة وقد يحاورها بحميمية" فيما يتوزع مابين المسرات والأسى وهو يستعيد
مشاهد من حياته ويستبطن لحظات كثيفة مترعة بالأفراح والأحزان معا
!.
إنه "زمن فاتن حمامة" الذي ينساب على الشاشة كعطر الأحباب ورائحة باقية
ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة
أقوى من الزمن والنسيان.. وهذه هي "شرعية فاتن حمامة وقوتها في الوجدان
المصري والعربي وهكذا يمكن وصفها بلا مبالغة بأنها "من المقومات الوجدانية
لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط إلى الخليج".
في سديم الصخب والعنف في الظاهر ربما لمدىاة الصمت الموحش في الأعماق في
الباطن هناك من يعود دوما لفاتن حمامة كرمز لعصر وصوت يسيل بعذوبة مصرية مع
رقة اللفتات والهمسات وصدق العينين وهي ذاتها ايقونة ثقافية مصرية برؤيتها
الراقية للحياة وعشقها للوحات كبار الفنانين وحرصها على اقتناء بعض هذه
اللوحات..إنها فاتن حمامة التي منحتها الجامعة الأمريكية في بيروت
الدكتوراه الفخرية في منتصف عام 2013.
وواقع الحال أن "سيدة الشاشة العربية ونسيم الابداع في الفن السابع"
انتهزت-كما لاحظ معلقون ونقاد حينئذ- مناسبة تكريمها من الجامعة الأمريكية
في بيروت لتوجيه رسائل للثقافة والمثقفين المصريين في لحظة فارقة في تاريخ
المجتمع المصري مؤكدة أن الإبداع سينتصر رغم الهجمات التي تتعرض لها
الثقافة والفن والأدب.
وإلى جانب فاتن حمامة كأيقونة ثقافية لعصر الرومانسية المصرية - كان من
الدال أن تمنح الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتوراه الفخرية التكريمية
للمفكر الأمريكي وعالم اللغويات الشهير نعوم تشومسكي وعالم الفضاء شارل عشي
ورجل الأعمال اللبناني الأصل راي عيراني الذي عرف بأنشطته الخيرية.
وكانت فاتن حمامة قد تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية
بالقاهرة عام 1999 كما حصلت عبر مسيرتها الفنية على وسام الأرز من لبنان
ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.
وفاتن حمامة التي التحقت بالمعهد العالي للتمثيل عام 1946 قدمت روائع للفن
السابع المصري مثل "ملاك الرحمة" و"كرسي الاعتراف" و"اليتيمتين" و"ست
البيت" و"لك يوم ياظالم" و"بابا أمين" و"الأستاذة فاطمة" و"صراع في الوادي"
و"المنزل رقم 13" و"لاوقت للحب" و"موعد مع الحياة" و"إمبراطورية ميم"
و"اريد حلا".
وبطلة فيلم "يوم حلو ،يوم مر" قامت ببطولة عدة أفلام تعتمد على روايات من
عيون الأدب المصري والعالمي مثل "دعاء الكروان" عن رواية لعميد الأدب
العربي الدكتور طه حسين و"لا تطفيء الشمس" عن قصة لاحسان عبد القدوس ولا
وقت للحب" و"الحرام" عن إبداعات للدكتور يوسف ادريس وفيلم "نهر الحب" الذي
اعتمد على رواية عملاق الأدب الروسي ليو تولستوي الشهيرة "آنا كارنينا".
وينقل عنها هؤلاء الذين اسعدهم الحظ بمعرفتها أنها كانت ذواقة للأدب
والنكتة الراقية ومن المعجبات بالأديب "النوبلي" المصري نجيب محفوظ
بتعليقاته الساخرة وقدرته الفذة على التقاط المفارقات في شتى المواقف بذكاء
القلب وفطنة الوجدان مثلما نظرت بالتقدير لسيد القصة القصيرة المصرية
الدكتور يوسف ادريس الذي كان كيانا من ذكاء وحماس ملهم للآخرين.
ولأنها مثقفة بلا إدعاء وعاشقة للحرية كحق أصيل للإنسان المصري فقد اضطرت
لفترة في ستينيات القرن العشرين لمغادرة مصر والإقامة في لبنان في احتجاج
صامت وبليغ معا على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وأجواء ارتفع فيها صراخ
الشعارات ليغطي على ممارسات لا يمكن أن يقبلها كل من يعلي قيمة الحرية.
ولا جدال أن الحرية كالجمال تنقذ الإنسانية من كثير من الآفات وألوان القبح
والأذى والكراهية بقدر ماهي زاد وعتاد في رحلة الباحثين عن الحق والخير
والجمال فيما قد يكون من الأنسب بدلا من الحداد الذي أعلنته وزارة الثقافة
ليومين لرحيل فاتن حمامة أن تتبنى الوزارة مشاريع ثقافية وابداعية تحمل
اسمها كمهرجان فاتن حمامة السينمائي الوليد في المنصورة وإصلاح وترميم دار
السينما التي تحمل اسمها في القاهرة ناهيك عن إقامة متحف لإبداعاتها في
"الفن السابع" كما ذهبت بعض الآراء.
وكانت هذه الفنانة العظيمة قد أعربت عن ألمها غير مرة حيال الانقسامات بين
المصريين عقب ثورة 25 يناير 2011 واعتبرت بطلة "ضمير أبلة حكمت" أن التعليم
سبيل لا غنى عنه لتحسين الأوضاع وخاصة بالنسبة للمرأة كما أكدت على أهمية
"أدب الحوار" حتى في البرامج التليفزيونية مستنكرة "ظاهرة مقاطعة الضيف
باستمرار أو أن يتكلم الجميع في وقت وحد"
!.
وأيقونة الرومانسية المصرية في عصرها الذهبي التي تحب اللون الأبيض وعشقت
اللون الأخضر كانت ترى أن الحياة الشخصية ملك للفنان لا يجوز النبش فيها أو
ممارسة التلفيق بدعوى الاجتهاد.
وفيما حقق مسلسلها التليفزيوني "وجه القمر" عام 2000 واحدة من أعلى نسب
المشاهدة فان فاتن حمامة قامت من قبل ببطولة مسلسل هادف هو "ضمير أبله
حكمت" عام 1991 واشتركت في عضوية العديد من لجان تحكيم المهرجانات
السينمائية في موسكو وكان والبندقية والقاهرة والإسكندرية وطهران وجاكارتا.
ولعل التكريم الحقيقي لفاتن حمامة يتمثل في إنتاج أعمال درامية تليق ببلد
عرف"الفن السابع" قبل أكثر من 100 عام فيما حفرت فاتن حمامة التي ولدت في
السابع والعشرين من شهر مايو عام 1931 علامة بارزة في تاريخ السينما
المصرية التي كانت ومازالت رافدا من أهم روافد تشكيل ثقافة المصريين والعرب
ككل.
وفاتن حمامة التي دخلت عالم الفن السابع منذ أن كانت طفلة في السابعة من
عمرها المديد باتت جزءا من ثقافة رجل الشارع المصري الذي عادة ما يصلي
الفجر في "الحسين" ويعشق صوت الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن وبعد أن يعود
لمنزله من عمله يتابع مباريات كرة القدم ويهوى مشاهدة فيلم من أفلام فاتن
حمامة وهو يشعر بالفقد والحنين لزمنها الجميل.
إنه زمن نجيب محفوظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعباس محمود العقاد وطه
حسين وتوفيق الحكيم ويوسف شاهين ويوسف ادريس ومحمد حسنين هيكل وجمال حمدان
وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسيد مكاوي وعبد الكريم صقر وصالح سليم وعمر
الشريف وصلاح أبو سيف وعشرات الأسماء الأخرى من أصحاب القامات العالية في
المجالات الإبداعية المتعددة التي صنعت عن جدارة "القوة المصرية الناعمة"
وصورة مصر كما يحبها المصريون ويهواها العالم.
في ثنايا الزمن وطبقات المشهد المصري بعمقه الثقافي تتجلى اطياف فاتن حمامة
كظاهرة فنية أثرت بعمق في ثقافة الجماعة الوطنية المصرية وألوان الحياة
بأرض الكنانة وبأفلام كانت دوما تعبر عن الضمير المصري الرافض للظلم والقهر
والتخلف بقدر ماتعبر عن رقي الحرية وارتقاء الطموح.
ولن يغيب مغزى ما قالته فاتن حمامة بشأن تكريمها في الجامعة الأمريكية
ببيروت:"اشعر بسعادة قصوى اليوم أكثر من أي وقت مضى" موضحة أن هذا التكريم
يأتي فيما "يتعرض الفن والثقافة وأي شيء يتعلق بالآدب لهجوم كبير".
وأضافت "ولذا فهذه الشهادة لا تسعدني أنا فقط بل تسعد كل المثقفين
والفنانين في مصر والعالم العربي" منوهة بأن أبرز ما يشعرها بالإنجاز في
مسيرتها الفنية "تلك الأعمال الاجتماعية التي حملت صرخة المرأة في وجه
الرجل المتسلط".
وإذا كان الدكتور بيتر دورمان رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت قد ذكر أن
اسم فاتن حمامة يستحضر عناوين راسخة في البال فان "سيدة الشاشة العربية"
أعربت عن إعجابها بالسينما الجديدة في مصر والشباب الذين ينتجون أعمالا
جيدة رغم قلة المال مؤكدة في الوقت ذاته أن "السينما قادرة دوما على
التغيير".
وحق للكاتب اللبناني المجيد سمير عطاالله أن يقول في جريدة "الشرق الأوسط"
إن فاتن حمامة "سيدة أوضحت ماذا تعني لي الحياة" وسيدة " أدخلت السكينة
والعزاء لأجيال من العرب" معيدا للأذهان أن "الشعراء وضعوا القصائد لتغنيها
أم كلثوم وعبد الوهاب كما وضع الروائيون القصص لتناسب شخصية فاتن حمامة وكل
دور مثلته كانت فيه أسطورة صغيرة من صوت حنين وعينين كعيون المها عند العرب".
وفي عام 1996 وبمناسبة الاحتفال بمئوية السينما المصرية اختيرت فاتن حمامة
ممثلة كما اختير 18 فيلما من أفلامها ضمن أفضل 150 فيلما مصريا بينما
اختارت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة في عام 2007 ثمانية من أفلامها
ضمن قائمة افضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وقال سمير عطاالله:"شكلت فاتن جزءا من مشاعري في طفولتي ويفاعي وكان في
صوتها تعزية لي ولم يخطر لي مرة أنها ممثلة وهذه شاشة بل كنت أشعر أنها
تخرج من الشاشة لتواسي جميع الحضور الدامع لدمعها المتحرق للظلم اللاحق
بعذوبتها المتأهب للدفاع عنها يتيمة أو مهجورة أو زوجة تكابد قهر النهار
وضنك الليل".
وحق له أيضا أن ينوه "بالنموذج الإنساني الطيب الذي زرعته فاتن حمامة في
الأفئدة لأنها كانت صورة عذبة علقت في ذاكرة مئات الآلاف من البشر في جميع
بلاد العرب" مؤكدا على أنها "سيدة الشاشة العربية وهو اللقب الذي لم يعط
إلى سواها من قبل أو من بعد وهي أيضا الفنانة التي تبلسم آلام الناس".
تماما كما حق للجامعة الأمريكية في بيروت أن تصف فاتن حمامة على لسان
رئيسها البروفيسور بيتر دورمان بأنها "رمز وأسطورة فيما استحوذ أداؤها
الطبيعي على الشاشة على قلوب الجماهير لأكثر من 70 عاما".
إن فاتن حمامة التي استهلت مسيرتها على الشاشة الكبيرة بفيلم "يوم سعيد"
عام 1940 كانت وجه السعد على السينما المصرية..نسمة من حنان وحنين..عذبة
المناهل وصاحبة الرسائل للثقافة والمثقفين في مصر والعالم العربي...فاتن
حمامة: شكرا لمن شيدت لنا عالما فاتنا جذابا وعلمتنا الافتتان بكل ماهو
جميل وباق.. شكرا لمن أسهمت بإبداعها في صنع زمن جميل لا يبارح القلب. |