18
فيلماً تتسابق على "السعفة الذهب"، أرقى
الجوائز السينمائية، في مهرجان كانّ السابع والستين الذي بدأ أمس
مع "غريس دو موناكو" لأوليفييه داهان. برنامج ينطوي على تجانس بين
تجارب المكرسين وسينمائيين شباب يواصلون تأكيد نجاحات سابقة.
تشكيلة قال عنها المدير التنفيذي تييري فريمو إنها "مشوقة للنقاد،
مقلقة للسينمائيين وخطرة للمبرمجين".
■
"وداعاً
للغة"
لجان لوك غودار:
كعادته منذ سنوات، يُقدم أشهر مخرج على قيد الحياة، "باتشوورك"
سينمائياً بالأبعاد الثلاثة. هل هو مانيفستو جديد أم نزوات ثمانيني
تحول الى اسطورة حية؟ "كل شيء سينتهي في بكاء طفل ونباح كلب"، يقول
لنا ملخص هذا الفيلم الذي ازداد غموضاً مع الكشف عن التيرلر الخاص
به. وعليه، يبدو ان زمن مقولة
JLG
الشهيرة "يكفي ان يكون لدينا مسدس وفتاة لصناعة فيلم"، قد ولى الى
غير رجعة!
■ "مستر ترنر"
لمايك لي:
ربع قرن من حياة التشكيلي البريطاني ج. م. دبليو ترنر بعدسة واحد
من جهابذة السينما الأوروبية. أكبر المتاحف وأشهرها رحّبت بمايك لي
للاستعانة بأعمال ترنر لأغراض التصوير. في حياته التي امتدت من
1775 الى 1851، عاش هذا العبقري الذي تخصص برسم الطبيعة، حياة
صاخبة ولم يشف البتة من موت والده. لي، حائز "السعفة" عن "أسرار
وأكاذيب" (1996) يترك للحظة هموم الطبقة المتوسطة للتحليق عالياً
في سماء الخلق والمعاناة الناتجة منه.
■ "تومبوكتو"
لعبد الرحمن سيساكو:
يروي الفيلم حكاية عائلة كانت تنعم بظروف حياة هادئة في شمال مالي
حتى وصول الجهاديين اليها. مدينة تومبوكتو التي كانت سابقاً رمزاً
للتعايش بين مختلف الجماعات، بدأت تنزف مذ احتلتها الجماعات
الاسلامية المتطرفة التي لم تتوان عن تدمير إرثها الثقافي ونسف
معالمها التاريخية. سيساكو، هذا المخرج المقلّ الذي لم يُقدم أيّ
فيلم روائي طويل منذ ثمانية أعوام، يجد ضالته هنا في حكاية نضال من
أجل استعادة الحرية.
■ "الأسيرة"
لأتوم ايغويان:
ثمانية أعوام بعد اختفاء كاساندرا، تظهر مؤشرات لوجودها على قيد
الحياة. الشرطة، الأهل وكاساندرا نفسها سيحاولون فكّ اللغز المرتبط
باختفائها لفهم ما جرى. مرة جديدة، يغوص ايغويان الغائب عن الشاشات
منذ فترة، في الآثار الجانبية لمصيبة انسانية، كتلك التي تبعد
الأهل عن أولادهم. فيلم يُذَكّر في بعض جوانبه بتحفة ظهرت العام
الماضي، "سجناء"، لكندي آخر هو دوني فيلنوف.
■
"ثبات
شتوي"
لنوري بيلغي جيلان:
في فيلمه السابق، حملنا جيلان الى البوادي ولياليها. لهذا المخرج
الكبير ادراك وفهم خاصان بالزمن السينمائي، ما يقرّبه كثيراً من
المعلّمين الروس مثلاً، ويتحلى ايضاً بدقة النظر وبالعين لأنه يأتي
من التصوير الفوتوغرافي، حيث تؤدي الكيفية التي تلتقط بها المساحات
والكادر وانبعاث الضوء وتحريك الأشياء في الظلال والعتمة، دوراً
مهماً في تشكيل الاطر البصرية لأعماله. فالنصّ عنده يعمل دائماً
على تهذيب التضاريس الدرامية، ليهمس الفيلم كلامه همساً. ثلاث
شخصيات، محور هذا العمل الجديد الذي سيشهد لتمزقات نفسية في
المساحات الشاسعة لأناضول الوسطى. فيلم قد يكون من أهم لحظات هذه
الدورة.
■ "سان لوران"
لبرتران بونيللو:
عودة المخرج الفرنسي الموهوب برتران بونيللو الى الـ"كروازيت" مع
فيلم يروي سيرة مصمم الأزياء النابغة إيف سان لوران (1936 – 2008)،
وهي السيرة الثانية التي تقدّمها السينما الفرنسية هذه السنة لهذا
الفنان بعد نسخة المخرج جليل لسبر التي عُرضت في مطلع العالم
الحالي. على هذا النحو، يقدم الملف الصحافي الفيلم: لقاء واحد من
أهم المصممين في التاريخ بمرحلة زمنية اتسمت بالحرية. الاثنان
(المصمم والمرحلة) لن يخرجا سالمين.
■ "حكايات برية"
لداميان زيفرون:
الأميركي اللاتيني الوحيد في مسابقة هذه السنة، مع إن هذه المنطقة
من العالم كانت تستحوذ دائماً على اهتمام المبرمجين. انه ثالث فيلم
روائي طويل لمخرج شاب في الثامنة والثلاثين من العمر. يضطلع
ببطولته النجم الأرجنتيني ريكاردو دارين. الشريط من نوع الكوميديا
السوداء على ما يبدو، نجد فيه ستّ حكايات، كلٌّ منها مستقلة عن
الاخرى، مع شخصيات أساسية تبحث عن النجاح في عالمنا المعاصر.
■ "ذا هومزمان"
لطومي لي جونز:
اقتباس رواية لغلندون سوارثاوت، رواية انتقلت من يد الى اخرى (حتى
ان اسم بول نيومان كان مطروحاً في مرحلة من المراحل) الى أن حطت في
يد جونز الذي صوّرها في كل من نيو مكسيكو ونيفادا وجورجيا. جونز هو
أشهر أميركي يتسابق على "السعفة" هذه السنة، ليس لكونه ممثلاً بل
بصفته مخرجاً. فيلمه "ذا هومزمان"، من بطولة هيلاري سوانك وميريل
ستريب وتوزيع شركة لوك بوسون، يروي حكاية ثلاث نساء في اطار "رود
موفي" تجري حوادثه في منتصف القرن التاسع عشر. من أجل تمويل
الفيلم، لجأ جونز (1946) الى بعض معارفه واصدقائه.
■
"الروائع"
لأليتشه رورفاكر:
هذه الايطالية هي ثانية أصغر مخرجة من حيث العمر في المسابقة
الرسمية لهذه السنة، بعد كزافييه دولان. وهذا الفيلم هو العملية
الاخراجية الثانية لها بعد "جسد سموي" الذي عُرض في "اسبوعا
المخرجين" قبل 4 سنوات. تعيش جلسومينا مع أهلها وشقيقاتها الثلاث
في احدى القرى الايطالية، حيث مصدر الرزق الاساسي هو تربية النحل.
يسعى الوالد دائماً الى ابعادهن عن مظاهر الحياة العصرية، وفي
داخله اعتقاد بأن العالم، بالشكل الذي عهدناه، سينتهي قريباً.
■ "مومي"
لكزافييه دولان:
هذا الذي لم يكمل بعد الخامسة والعشرين من العمر، فاجأنا في مهرجان
البندقية الماضي بعمل متكامل العناصر، يصل فيه الى مرتبة عالية من
النضج الفكري والاسلوبي، في اقتباسه مسرحية ميشال مارك بوشار. مع
هذا الفيلم، يدخل المسابقة من بابها العريض، مقتحماً حلبة المنافسة
الى جانب الكبار، بعد ثلاثة أفلام له عُرضت في أقسام موازية. ينطلق
الفيلم من حكاية أرملة تربّي ابنها المضطرب نفسياً، بمساعدة جارتها
الغامضة.
■ "فوكسكاتشر"
لبينيت ميللر:
نتذكر لميللر (1966) فيلم "كابوتي" الذي أتاح للراحل فيليب سايمور
هوفمان أن ينال "أوسكار" أفضل ممثل عن دوره. هذه المرة، يتطرق الى
عالم الرياضة – المصارعة تحديداً - من خلال صراعات يعيشها مارك
ودايف شولتز على هامش الألعاب الأولمبية لعام 1984.
■ "خرائط الى النجوم"
لديفيد كروننبرغ:
المخرج الكندي الكبير، المكلل بجائزة في كانّ عن فيلمه "صدمة"،
يقدم دراما ساخرة عن بعض الشخصيات النافذة في المشهد الهوليوودي.
كتب كروننبرغ سيناريو الفيلم مع بروس فاغنر، الذي عاد وحوّل
السيناريو الى رواية بعدما كانت فشلت في المرة الاولى عملية أفلمة
السيناريو. هنا يستعين صاحب "الذبابة" ببعض الوجوه الهوليوودية
المعروفة من مثل جوليان مور وجون كوزاك وروبرت باتيسون الذي يتعامل
معه للمرة الثانية بعد "كوزموبوليس".
■ "ردهة جيمي"
لكنّ لوتش:
لوتش أعلن ان هذا الفيلم سيكون الأخير له باعتبار أنه سيكرس نفسه
بعدها الى الأفلام الوثائقية. الفيلم سيرة جيمس غرالتون )1886 ــ
1945)، احد القادة الشيوعيين الايرلنديين. هل ثمة مكان للمخرج
البالغ الثامنة والسبعين من العمر في لائحة جوائز هذه السنة؟
■ "سيلز ماريا"
لأوليفييه أساياس:
المخرج الذي أحدثت آخر مشاركة له مع "كارلوس" (2010) جدلاً واسعاً،
لكونه أنجز في الأساس للشاشة الصغيرة وتناول شخصية اشكالية لا تزال
على قيد الحياة، يأتينا بفيلم جديد مع جولييت بينوش عن ممثلة عرفت
نجاحاً ساحقاً على خشبة المسرح عندما كانت في الثامنة عشرة من
العمر، ما دفع بمعلمتها ايلينا الى الانتحار. بعد عقدين من الزمن،
يُطلب منها ان تطل في المسرحية عينها ولكن في دور ايلينا.
■ "البحث"
لميشال هازانافيسيوس:
فيلم عن حرب الشيشان الثانية عام 1999 مع بيرينيس بيجو (الحائزة
جائزة أفضل ممثلة العام الماضي)، يأخذنا من خلاله مخرج "الفنان"
الى اقاصي الجحيم. يقال ان "البحث" هو ريمايك للفيلم الذي أنجزه
المخرج الأميركي الكبير فريد زينمان بالعنوان نفسه عام 1948. أربعة
أقدار ستتقاطع في هذه الملحمة التي صوّرها هازانافيسيوس بثلاث
لغات: انكليزي، فرنسي وروسي.
■ "يومان، ليلة"
للوك وجان بيار داردين:
الأخوان البلجيكيان الحائزان ستّ جوائز من كانّ (بينها "سعفتان")
ارادا جديدهما مع ماريون كوتيار. الفيلم "وسترن على نسق أفلام فريد
زينمان"، كما قال تييري فريمو، المدير الفني للمهرجان. ساندرا
(كوتيار) تملك اسبوعاً واحداً لتقنع زملاءها في العمل بأن يتنازلوا
عن البونوس الذي سيتقاضونه كي تستطيع المحافظة على عملها. الصراع
من أجل البقاء والصمود في أوروبا المعاصرة، تيمة الأخوين الأبدية،
تجسدها هذه المرة واحدة من أهم ممثلات جيلها.
■ "ليفياتان"
لأندره زفياغينتسيف:
هذا مخرج آخر قد يسيل فيلمه الجديد الكثير من الحبر: الروسي
زفياغينتسيف (1964) الذي سنشاهد فيلمه في نهاية المهرجان. آخر
مشاركة له في المهرجان كانت مع "الاستبعاد"، عام 2007. هنا يأتينا
بحكاية كوليا، ميكانيكي يعيش حياة هادئة برفقة عائلته في قرية
واقعة في شمال روسيا. بيد ان عمدة المدينة يريد شراء الارض التي
يمتلكها كوليا، وأمام رفض الأخير، يزداد عدوانه شراسة.
■ "لا تزال المياه"
لناومي كاوازيه:
تجري حوادث هذا الفيلم للمخرجة الفرنكو يابانية ذات العوالم الخاصة
جداً، في جزيرة أمامي حيث سكانها يعيشون بتناغم تام مع الطبيعة
معتقدين ان الله يقطن في كل شجرة من الأشجار. في إحدى الليالي، يجد
كايتو جثة رجل تعوم على سطح المياه، فيحاول مع صديقه كيوكو معرفة
سره!
hauvick.habechian@annahar.com.lb
60
سنة تفصل أكبر المشاركين
وأصغرهم!
هـ. ح.
التظاهرة السينمائية الأشهر في العالم، التي تجري حالياً في
المدينة الساحلية الفرنسية (دورة 67)، هي آخر طبعة يترأسها جيل
جاكوب قبل أن يسلّم الدفة الى بيار ليسكور. كلّ الأنظار تتجه منذ
أمس، الى التشكيلة الرسمية التي تتضمن أكثر من 50 فيلماً طويلاً من
نحو 30 بلداً، تعبّر عن الاتجاهات الحديثة في عالم السينماتوغراف،
من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب. هناك 15 مخرجة من بين
المشاركين، لعل المشاركة النسائية القوية تقطع الطريق أمام
الانتقادات التي طالت المهرجان العام الماضي حول غياب العنصر
النسائي. هذه السنة، ليس للمخرجات مكان خاص في متن المهرجان فحسب،
بل ان المخرجة النيوزيلاندية جاين كامبيون (رئيسة لجنة التحكيم) هي
التي ستسلم "السعفة الذهب" في الرابع والعشرين من أيار، وكان سبق
لها أن فازت بها عام 1993 يوم قدمت فيلمها "البيانو".
1800
فيلم أرسلت الى المهرجان، لم يقع خيار اللجنة المنسقة الا على نحو
3 في المئة منها، وهذا لا يعني ان البقية أفلام سيئة، بل لا تتماشى
مع السياسة العامة للمهرجان. هناك ايضاً افلام لم تستطع أن تشق
طريقها الى كانّ لأنها لم تنته في الفترة المطلوبة، وهذه معضلة
يواجهها المهرجان منذ زمن بعيد، ويبدو ان الاشتغال بالديجيتال لم
يعجل من عملية انجاز الأفلام، بل على عكس من ذلك.
كالعادة، هناك مكرّسون وجدد. ثلاثة من المشاركين في المسابقة
الرسمية (تضم 18 فيلماً) سبق لهم أن فازوا بـ"السعفة": لوك وجان
بيار داردين، كنّ لوتش ومايك لي. 4 أفلام فرنسية في المسابقة
الرسمية: "سيلز ماريا" لأوليفييه أساياس، "سان لوران" لبرتران
بونيللو، "البحث" لميشال هازانافيسيوس. أما الفيلم الفرنسي الرابع،
فهو من توقيع واحد من آخر العمالقة الأحياء: السويسري الفرنسي جان
لوك غودار. "وداعاً للغة"، "فيلم عظيم طوله ساعة وعشر دقائق"، قال
عنه فريمو. حكاية زوجين لا يبقى عندهما أيّ لغة مشتركة، يبدأ الكلب
الذي يرافقهما في النزهة اليومية بالنطق فجأة ليكون وسيطاً بينهما.
في مقابلة، قال غودار إنه لا يعرف كيف يقارب هذه الحكاية، لكنه اذا
عرف الكيفية فستصبح البقية سهلة. في آخر مشاركة له في كانّ عام
2010 مع "فيلم اشتراكية"، لم يحضر المخرج الفرنكو سويسري المهرجان
وبعث برسالة قائلاً انه يعتذر عن عدم المجيء "لأسباب يونانية".
"هذه المرة وعدنا بأنه سيأتي"، قال فريمو في المؤتمر الصحافي الذي
عُقد الشهر الماضي لاعلان البرنامج، مضيفاً ان هذا لا يؤكد
بالضرورة حضوره!
ثلاثة كنديين يجتاحون مسابقة كانّ هذه السنة، أحدهم هو المشارك
الأصغر سناً: ديفيد كروننبرغ يأتي مع "خرائط الى النجوم" وأتوم
ايغويان يقدم "أسيرة" وكزافييه دولان يكشف تفاصيل "مومي". الأخير
يبلغ أقل من ثلث ما يبلغه غودار من عمر. 60 سنة تفصل أكبر
المشاركين وأصغرهم!
لعل عودة المخرج التركي الكبير نوري بيلغي جيلان هي إحدى اللحظات
القوية في هذا المهرجان. شاعر السينما الذي اكتفى قبل ثلاثة اعوام
بـ"الجائزة الكبرى" عن تحفته "ذات زمن في الأناضول"، يشعل شغف
السينيفيليين المهووسين بأعماله مع "سبات شتوي" الذي يستغرق ثلاث
ساعات و16 دقيقة، حاملاً ايانا الى العمق التركي. هناك ايضاً
"تومبوكتو"، الفيلم الذي يعيد المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو
الى السينما، بعد ثماني سنوات غياباً، وهو الوحيد في المسابقة من
القارة السمراء.
لا طغيان أميركياً في مسابقة هذه السنة. نحو من نصف الأفلام
المشاركة فيها تحمل الجنسية الأوروبية الخالصة. في قسم "نظرة ما"
(19 فيلماً)، نجد أفلاماً لكل من رولف دو هرّ، باسكال فيرّان،
فيليب لاكوت. فيه ايضاً آخر الأفلام الوثائقية للمخرج الألماني
الكبير فيم فاندرز، ناقلاً سيرة المصور البرازيلي سيباستياو
سالغادو، وله ايضاً ضمن عروض كانّ "باريس تكساس" الذي يُعرَض
مجدداً بعد 30 سنة على نيله "السعفة". ثلاثة ممثلين من الذين مروا
خلف الكاميرا نجدهم ايضاً في هذا القسم (آسيا أرجنتو، راين
غوزلينغ، ماتيو أمالريك)، على أن يُفتتح بفيلم أول، "فتاة الحفل"،
لماري اماشوكيلي وكلير برغر وسامويل تاييس.
خارج المسابقة، وفي قسم "عروض خاصة"، يقدم المخرج السوري اسامة
محمد، المقيم في فرنسا، فيلماً طويلاً اسمه "ماء الفضة" من وحي
الأحداث السورية. سينمائيون كثيرون اشيع انهم سيكونون في كانّ،
وتبين انهم لن يكونوا، لأسباب مختلفة. من هؤلاء: الأسوجي روي
أندرسون، الأميركي تيرينس ماليك، المكسيكي اليخاندرو غونزاليث
ايناريتو، الصربي أمير كوستوريتسا.
مهرجان - أميرة في موناكو، ربّة منزل في كانّ!
كانّ - هوفيك حبشيان
صمت مطبق وصيحات استهجان. هذا ما فاز به فيلم "غريس موناكو" في
عرضه الصباحي المخصص للصحافة الدولية. السيرة المصوّرة للممثلة
غريس كيلي (1929 - 1982)، أميرة موناكو، التي تفتتح الدورة الـ67
لمهرجان كانّ السينمائي (14 - 25 أيار)، سقط في أهم امتحان يمكن أن
يواجهه أيّ فيلم: نيل رضا جمهور كانّ وبركته. هذا جمهور متطلب لا
يتوانى عن قذف الفيلم بأحط النعوت. ولم يكن المؤتمر الصحافي الذي
أعقب العرض أفضل حالاً: أسئلة مملة تعيد تدوير نفسها، مصدرها صحافة
بدت عاجزة عن إثارة "فتنة" سينمائية بين مخرج الفيلم، الفرنسي
أوليفييه داهان، وعائلة غريمالدي التي لم تخفِ انزعاجها الشديد من
فيلم لم تشاهده بعد، لكنها وصفته بـ"النكتة". انزعاج يتفهمه مدير
كانّ التنفيذي تييري فريمو الذي قال لصحيفة "لو باريزيان" ان ورثة
إمارة موناكو وعائلة الأميرة الراحلة لم يمارسا أيّ ضغوط على
المهرجان، على الرغم من امتعاضهم. ودعا الى أن يشاهدوا الفيلم
بهدوء، ويمنحوا مقاربة داهان فرصةً لا تختلف، وفق ما قاله، عن
مقاربة ميلوش فورمان لموزار في فيلمه الشهير "أماديوس".
"غريس
موناكو" (يُعرض بدءاً من اليوم في الصالات اللبنانية) ينتمي الى
نوع سينمائي هجين ينطوي على معطيات واقعية أدخلت اليها عناصر
خيالية. لكن حكاية غريس كيلي (نيكول كيدمان) التي تزوجت من الأمير
رينييه الثالث عام 1956، شهيرة الى درجة يصعب أن نقتنع بسهولة ان
هذه فعلاً شذرات من الحياة الاسطورية لتلك الممثلة التي كان يعبدها
ألفرد هيتشكوك عبادة كاملة. أما الخزعبلات الأخرى التي اقحمت في
النصّ - كزيارة معلم التشويق لموناكو لإقناع ممثلته المفضلة بأن
تقبل بدور في "مارني" أو مشاركة شارل ديغول (الرئيس الفرنسي آنذاك)
في حفل – فلا تشارك الا في شحن الفيلم بالمزيد من سوء التقدير
واشباعه بالمزيد من الكاريكاتورية. نحن أمام فيلم يميل الى الخفة
والتسطيح، على الرغم من ان مخرجه أراد فيلماً أوروبياً في رسمه
لأطر العلاقات بين الشخصيات. بيد ان الأمر انتهى به الى منتَج يلهث
خلف جمهور السينما التجارية المهووسة بالاستيتيك الدعائي، علماً
بأن هناك محاولات جادة من مدير التصوير اريك غوتييه لإعطاء الفيلم
طابع الخمسينات، الفترة التي سادت فيها صورة الـ"تكنيكالر".
يأخذ الفيلم من عام 1961 نقطة انطلاق، للغوص في مرحلة من حياة غريس
كيلي لا تتعدى بضع سنوات قليلة. فبعد انقضاء فترة قصيرة على زواجها
من رينييه، تبدو حياة الأميرة مسطحة أكثر من أيّ وقت مضى. حياة
جامدة بعيدة من الـ"غلامور" الذي أضحى سمة بداية تعارفها بتوأم
قلبها في مدينة كانّ الفرنسية. وها انها تتوق مجدداً إلى الشاشة
التي صنعت مجدها وجعلتها واحدة من أشهر الشقراوات وأكثرهن أنوثة
وسخونة في قالب يوحي البرودة والجمود. منذ الدقائق الاولى، يهيأ
النصّ للأرض التي يريد أن يشيّد عليها الفيلم، مراهناً على اسطورة
الأميرة التي "تملك كلّ شيء سوى السعادة".
موناكو لم تكن قد تحولت مرتعاً للمرابع الليلية والكازينوات أو
الفردوس الضريبي الذي صارت إليه مع مرّ الزمن. لكن أميرتنا تائهة
بين التزامها العائلي وحبها لرينييه من جهة وتلبية رغباتها كفنانة
من جهة. المرأة، وإن كانت أميرة، هي التي تدفع الثمن في مثل هذه
الحالات. هذا الصراع الذي تعيشه، ينقله السيناريو بوضوح ومباشرة،
ولكن كان يمكن التنقيب فيه تنقيباً أعمق للخروج بفيلم أكثر حميمية
من هذا الذي شاهدناه، لولا انشغال داهان بالمسائل السياسية للإمارة
وجعل الفيلم "سلة" فيها القليل من أشياء عدة.
تشعر غريس كيلي بأنها ليست في بيئتها الطبيعية، لكنها متربطة بها
من ناحية القلب. هذه أميركية من كاليفورنيا، شديدة العاطفية ملزمة
مسايرة نزلاء القصر من رجال أثرياء يعلكون السيكار على مدار اليوم.
في لحظة من اللحظات، يُفهمها زوجها بأنها أميركية أكثر من اللزوم.
"يبدو أنني مخطئة في كلّ ما أفعله أو أقوله"، تقول شاكيةً لإحداهن.
تحاول أن تعطي حياتها معنى ما عبر الاهتمام بالأعمال الخيرية، لكن
الخطر الذي يحدق بالإمارة اللعينة يدفعها الى أن تشمّر عن ساعديها
وتنشغل في ما لا شأن لها فيه. "السياسة لا تذهب في عطلة"، تقول لها
شقيقة زوجها. فعلاً، تنقضّ السياسة على الفيلم وتلتهمه بالمعنى
الحرفي للكلمة، مطيّرةً الجانب المتعلق بالحياة الشخصية والأسرية
والزوجية للأميرة الشقراء. ثمة مَن يريد إقناعها بأن هذا أهم دور
لها في مسيرتها، لكن عينها تبقى على السينما التي ستغادرها يوماً
من دون أن تعود اليها أبداً. غريس كيلي في فيلم داهان، سيدة متعبة،
أسيرة كادر المخرج لمئة دقيقة. نظراتها تبحث عن مَخرج لا تجده في
مظاهر الرخاء، دمعتها سخية وقلبها دافئ. ليس من لحظة تغيب فيها
كيدمان عن الفيلم، ويمكن القول انها تحمل العمل برمته على كتفيها
النحيلتين.
بداية الستينيات هي أيضاً النهاية التي رست عليها حرب الجزائر،
وتدهور العلاقة بين الدولة الفرنسية والإمارة الصغيرة. أزمة وصلت
الى ذروتها عام 1962 ونتجت منها مناكفة ديبلوماسية بين رينييه
وديغول. الفيلم يقدم كيلي باعتبارها "منقذة" هذا الوضع الذي بلغ
حداً بات يهدد أمن الامارة وسيادتها. "سأعيدكم الى القرون الوسطى"،
يصرخ ديغول في مكالمة هاتفية مع رينييه، قبل أن يقفل الخطّ في
وجهه. الصورة الكاريكاتورية التي يرسمها داهان للجنرال الفرنسي
تزداد سوءاً مع قدومه الى الحفل الذي تنظمه كيلي في موناكو في
رعاية "الصليب الأحمر". هذه الصورة البليدة هي الأكثر إثارة
للاستهجان في فيلم لا يقيم أيّ وزن لحقيقة أننا أمام قامات كبرى
(كيلي، هيتشكوك، ديغول)، لا تزال حيّة في المخيلة الجمعية، صورةً
وصوتاً، ولا يمكن التعامل معها بتلك الخفة. كلّ هذا الجانب المتعلق
بالحبكة السياسية، يجعل الفيلم رهينة مبالغات مدوّية، فينتهي مجمل
المشروع في حضن نظرة أكاديمية إلى السينما، ليس فيها أيّ غواية.
يبدي داهان براعة أكبر في مشاهد الحركة ذات الوتيرة المرتفعة
والايقاع السريع، لكنه أقلّ تماسكاً عندما يتعلق الأمر بوضع مشهد
تمثيلي طويل. يستخدم الفيلم أيضاً الكثير من الحوارات المباشرة:
كلّ الأفكار التي تفشل في الوصول الى الجمهور نتيجة حشرها المتعمد
بين السطور، يُزَجّ بها في متتاليات حوارية خرقاء. نجهل اذا كان
علينا أن نضحك أو نبكي، عندما نسمع الأميرة تقول لزوجها: "يمكننا
اذا ساءت الأمور في وجهنا، أن نشتري مزرعة في مونبولييه".
في المؤتمر الصحافي، تحدثت كيدمان عن دورها قائلة إنها أمضت خمسة
أشهر تحضيراً بهدف الدخول في جلد الشخصية، مذكِّرةً بأنها سبق أن
تقمصت أدوار أناس حقيقيين، ولكن لم يكن هناك عنهم هذا القدر من
المواد المصورة، موزعةً في كل مكان. الممثلة الأربعينية التي شاركت
العام الماضي في لجنة تحكيم كانّ، عبّرت عن شعورها بالأسى لموقف
عائلة غريمالدي الرافض للفيلم، قائلة إن "غريس موناكو" لا يسيء الى
أحد وإنه تم صون العمل بالكثير من الحبّ. ولما سُئلت عمّا اذا كانت
تتشارك بعض الأمور مع غريس كيلي، كان جوابها "نعم"، قبل أن تكمل:
"ولكنني لستُ متزوجة من أمير". ثم تداركت زلتها وأضافت إنها متزوجة
بالأحرى من أمير قروي. أمّا عن القضية التي أثيرت في الصحافة قبل
عرض الفيلم عن الصراع الحاصل بين داهان ومنتج الفيلم الأميركي
هارفي واينستين، فقال داهان إنه تم التوافق على ان لا تكون هناك
نسخة أخرى للفيلم، واذا كان المطلوب اجراء بعض التعديلات على
النسخة التي ستُعرض في الصالات الأميركية، فسيجريها بلا مشكلة.
hauvick.habechian@annahar.com.lb |