سكورسيزي ودي كابريو يتميزان في لقائهما السينمائي
الخامس
"ذئب وول ستريت" . . جرأة تخطت الحدود فصار "للكبار
فقط"
مارلين سلوم
كلما اجتمع هذا الثنائي كان النجاح ثالثهما . وكلما قدما فيلماً،
شدّتك الرغبة في الذهاب إلى الصالة لمشاهدة "إبداع" متميز يعرف كيف
يصدّره لك المخرج بإبهار فكري، ويعرف كيف يجسده لك الممثل بأداء لا
يقل إبداعاً عن الإخراج . إنهما مارتن سكورسيزي وليوناردو دي
كابريو في لقائهما السينمائي الخامس "ذئب وول ستريت"
.
هذا الثنائي الذي أثبت قدرته على تقديم مختلف أشكال البناء الدرامي
في السينما، يخوض مغامرة بكل معنى الكلمة مع فيلم ينتمي إلى أفلام
السير الذاتية، وما أكثرها هذا العام، وهنا نتناول أفلام العام
الماضي باعتبار "ذئب وول ستريت" من إنتاج ،2013 لكنه ينتمي أيضاً
إلى الكوميديا السوداء وإلى أفلام "الكبار" لما يتضمنه من مشاهد
فجة وألفاظ بذيئة وقصص دعارة ومخدرات . ولأنه تخطى حدود السير
الذاتية العادية، وحدود عالم المال و"البيزنس"، وضعته بعض الدول
على القائمة السوداء، فمنعت دخوله البلد مثلما فعلت كينيا التي
بررت حكومتها القرار بوصف مستوى الفيلم "بالهابط"، بينما قام البعض
الآخر بقص مشاهد كثيرة، كما حصل في الإمارات، فشاهدنا منه ساعتين
وربع الساعة، بينما مدته الأصلية ثلاث ساعات
.
"البتر"
واضح في النسخة التي شاهدناها في الصالات، بل إنه أعادنا إلى زمن
التقنيات البدائية التي كانت تقطع المشاهد ولا تعرف كيف تخفي آثار
المقص، لتعيد لحم المشاهد بسلاسة وحرفية . ربما يكون الاستعجال في
العرض سبباً في هذا التسرع، وربما يكون الرقيب محقاً فيما اقتطعه
ليتناسب مع طبيعة المجتمع العربي، لكنه ربما لا يدرك أنه ترك أثراً
سلبياً في المشاهد وتسبب في عدم فهم بعض المقاطع وتسلسل المشاهد
.
"ذئب
وول ستريت" هو رجل الأعمال غوردن بلفورت الذي أطلقت عليه مجلة "فوربس"
هذا اللقب فأغضبه في البداية، لكنه أسعده حين تسبب في شهرته وفي
إقبال الشباب على تقديم طلباتهم للعمل لديه . وبات معروفاً أن
الفيلم مأخوذ عن السيرة الذاتية التي كتبها غوردن ويروي فيها
تفاصيل صعوده من قاع الفقر إلى قمة الثراء الفاحش بفضل تلاعبه
بالبورصة، وتحايله على المستثمرين وتسببه في إغراق السوق بخسائر
كبيرة . إنما ما يُدهش المشاهد أنه يجد نفسه أمام إنسان مصاب
بشراهة في كل شيء، في حب المال، في تناول حبوب الهلوسة والمخدرات،
في حياة العربدة بكل أشكالها . والمذهل أن يكون الشخص نفسه هو الذي
يكشف كل تلك العيوب، كأنه في جلسة اعتراف علنية، ليقرأها ويراها
الملايين حول العالم . والمؤكد أن الملايين سيشمئزون من الملياردير
غوردن ، ولن يجدوا له أي عذر يبرر سرقته لأموال الناس والتمتع بها
لسنوات
.
يقول دي كابريو في أحد لقاءاته إنه التقى غوردن شخصياً من أجل
التقرب من الشخصية، وأنه سمع منه حكايات أبشع وأفظع بكثير مما
تضمنه الفيلم والكتاب أيضاً . بل إن ما أخبره به يستحيل أن ينقله
دي كابريو إلى الشاشة، أو أن يصرّح به
.
هذه الجلسات التي جمعت الكاتب بالنجم، لاشك انعكست على إتقان دي
كابريو للدور، ليبدو لنا شاباً جميلاً أنيقاً، وذئباً حقيقياً في
حبه لشركته ولجني الأرباح من عرق البسطاء . ميزة يتحلى بها هذا
الممثل منذ زمن، حيث يضع وسامته جانباً، ليجعلك تعيش معه هذا
التناقض بين الشكل الجميل والروح "البشعة" التي يلبسها، والتي ظهر
بها مثلاً عام 2012 في فيلم "ديانجو بلا قيود" . نجم تحرر من قيود
الرومانسية التي انطلق منها والأدوار المثالية، لينجح في شخصيات
صعبة ومركبة، وبأدوار الشر والإجرام
.
مثله يتحرر المخرج مارتن سكورسيزي من شخصيته المعروفة وبصمته
المميزة في الإخراج السينمائي، ليقدم نمطاً مختلفاً في هذا الفيلم،
حيث يعود بنا إلى الذكريات حيناً، ويحكي الواقع حيناً آخر . يمزج
بين سرد الشخصية البطلة لأحداث حياتها كأنه يروي بالصوت للمشاهدين
قصته، وبين حديثه للكاميرا مباشرة فيشعر المشاهد بأنه يرى غوردن
بلفورت يصور نفسه بالفيديو أو أنه جعل أحدهم يصوره في بعض المشاهد،
بينما يتحدث إلى المشاهد مباشرة في مشاهد أخرى
.
قفزات وتنوع مقصود من سكورسيزي، وسرعة في الإيقاع تتناسب مع صخب
حياة غوردن ، رغم أن مدة عرض الفيلم الأصلية 3 ساعات، أي أنها
طويلة بالنسبة للسينما المعاصرة التي تميل إلى الاختصار . ولا شك
في أن لاختيار الأبطال الآخرين الذين شاركوا في العمل جاء موفقاً،
لاسيما جونا هيل الذي لعب دور شريك غوردن "دوني أزوف"، ومارغو روبي
التي أدت دور زوجته ناعومي لاباغليا
.
الفيلم ينتهي كما في الحقيقة بملاحقة هذا الملياردير الشهير الذي
تمكن من جمع 100 مليون دولار، بعدما خسر أمواله في "الاثنين
الأسود" عام ،1987 والمتهم بتزوير وغسل الأموال، والحكم عليه
بالسجن لفترة طويلة . ولمن لا يعرف قصة هذا الرجل، فهو جمع أمواله
من خلال ما يعرف ب"بويلر روم"، أي المكاتب غير المرخصة يقوم فيها
الوسطاء بالاتصال بالعملاء بهدف إقناعهم بالاستثمار في أسهم رخيصة
الثمن، وسبل الإقناع تأتي بأشكال غير شرعية، عبر ما يشبه الضغط
المتكرر على العميل وإيهامه بأنه سيخسر الملايين إذا تردد ولم
يوافق بسرعة، وبأنها فرصة العمر التي لا تأتي إلا نادراً، ولا
تنتهي المكالمة إلا بأخذ الموافقة وسحب المبالغ الضخمة من العميل
بعد بيعه "الوهم"
.
فيلم ينتظر الفوز مع بطله ومخرجه بالأوسكار، لكنه يواجه تحديات
كبيرة، منها الجرأة في القصة نفسها، وتقبل الجمهور والنقاد لكل هذا
"الصخب"، إضافة إلى مواجهة أفلام أخرى قوية، مثل "احتيال أمريكي"
.
أكشن
فرسان العرب الثلاثة إلى "الأوسكار"
مارلين سلوم
لم يعد الأمر حلماً، ولم يعد موعداً مع السراب . اللجان قالت
كلمتها واختارت، و"يا زين ما اختارت" في القائمة النهائية لترشيحات
جوائز الأوسكار لدورتها السادسة والثمانين . اللائحة تضم أسماء
مشاهير العالم، لكن ما يستوقفنا تحديداً، أن للعرب وجوداً قوياً
هذه المرة، من خلال ثلاثة أفلام
.
نعم هو حدث بالنسبة لنا، فصحيح أن السينما العربية ذاقت طعم
الأوسكار سابقاً، لكنها هذا العام، تشهد سابقة لم نعرفها من قبل،
لا تتجسد بوجود ثلاثة أفلام على لائحة ترشيحات أكاديمية الفنون
الأمريكية فقط، وإنما تتميز أيضاً بنوعية وهوية هذه الأفلام،
لاسيما أن بينها أول فيلم يمني يشق طريقه إلى العالمية وإلى
الأوسكار
.
"ليس
للكرامة جدران" يُنافس عن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة، كونه
يوثّق لأحداث مظاهرات "جمعة الكرامة" التي حصلت في 18 مارس/آذار
،2011 وتُعتبر محطة مهمة غيّرت مسار "الثورة اليمنية" . وإذا كانت
أحلام المخرجة السعودية هيفاء المنصور لم تكتمل بعدما تم استبعاد
فيلمها "وجدة" من قائمة الأعمال المتبقية للترشيحات، فإن فتاة أخرى
تحمل نفس الحلم وتقف باسم بلدها لأول مرة على منصة عالمية، وهي
اليمنية سارة إسحاق
.
سارة تمكنت بطاقم عمل صغير مؤلف منها ومن الشابين عبد الرحمن حسين
وأمين الغابري من إظهار الجانب الإنساني للأحداث، مبتعدة عن
السياسة والتحيز لأي طرف أو جهة . وبوصولها مع فريقها إلى
الترشيحات النهائية ل "الأوسكار" تكون قد حققت حلمها وحلم كثيرات
وكثيرين من الشباب العربي بإيصال أفكارهم ورؤاهم وإبداعاتهم الفنية
إلى العالم من جهة، كما تكون فرصة جديدة ومهمة لنقل الصوت العربي
من قلب الشارع إلى الشاشات العالمية، وهي أفضل وسيلة في الوقت
الحالي للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الشعوب الغربية، طالما أن
الفضائيات تحجب ما تشاء، وتوجه كاميراتها وفق سياسات معينة،
متجاهلة حقائق كثيرة
.
ومن مصر أيضاً يأتي فيلم "الميدان" ليحكي جزءاً آخر من ثورة عربية،
حيث يرصد يوميات ثورة 25 يناير، ويبدأ بأحداث حقيقية صورتها
المخرجة الشابة جيهان نجيم . الفيلم تم عرضه في الدورة الأخيرة
لمهرجان دبي السينمائي الدولي، وها هو يذهب بقوة إلى الأوسكار،
ليكون للعرب أكثر من صوت هناك، وأكثر من علامة مميزة
.
مثله انتقل فيلم "عمر" من افتتاح مهرجان دبي السينمائي إلى عتبة
"الأوسكار"، ليشكل مع السابقين "الفرسان الثلاثة" للسينما العربية
في أمريكا . ولأن "عمر" ومخرجه هاني أبي أسعد يحملان الكثير من
الجوائز حتى الآن، يمكن التكهن بأن الجائزة لن تكون بعيدة عن
المنال هذه المرة أيضاً . وهو إن لم يحك عن "الثورة" كما زميليه،
إلا أن قضيته الفلسطينية ونضال أبطاله في الفيلم، نوع من الثورة
على الواقع المرير في الحياة الفلسطينية
.
يمكننا القول إن الفوز "العربي" حصل كمرحلة أولى، لمجرد وصول هؤلاء
الفرسان الثلاثة إلى النهائيات، ولأن العرب يقدمون أفلامهم اليوم
بتوقيع أنثوي في أغلبه (مخرجتين مقابل مخرج)، وبأعمال تحكي مرارة
السياسة والواقع كما لا يحب بعض الغرب أن يراه
.
م . س
marlynsalloum@gmail.com |