كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

محمد خان:

أهدي فتاة المصنع لسعاد حسني

حاوره: هوفيك حبشيان

عن محمد خان وفيلمه الجديد «فتاة المصنع»

   
 
 
 
 
 

محمد خان الذي سبق أن أهدى السينما المصرية أفلاماً أساسية، على غرار "زوجة رجل مهم" و"أحلام هند وكاميليا" (1988) شارك أخيراً في مسابقة مهرجان دبي السينمائي العاشر بفيلمه الجديد "فتاة المصنع" الذي أعاده إلى الواجهة بعد ستة أعوام من الانقطاع. كان صاحب الـ23 فيلماً ابتعد عن السينما لأسباب خارجة عن إرادته: صعوبات إنتاجية، وضع سياسي غير مستقر، مشاكل صحية. عودة هذا السينيفيلي الكبير خلف الكاميرا جرى الاحتفاء بها صحافياً وجماهيرياً. في ختام المهرجان، فاز الفيلم بجائزة النقاد الدوليين ("فيبريسي"). وجائزة أفضل ممثلة ذهبت إلى بطلة الفيلم المصرية الفلسطينية ياسمين الرئيس، في أول دور أساسي لها على الشاشة، ما أفرح خان الذي كان وعدها بجائزة منذ أيام التصوير

يلتقط خان في "فتاة المصنع" نبض بيئة مصرية "تحت الضغط" من خلال الصراع الطبقي ووضع المرأة راهناً، في فيلم إخراجه ممسوك ونصّه ديناميكي وإيقاعه ممتاز تحضر فيه روح الراحلة سعاد حسني التي يعتبرها خان "جزءاً من الثورة"، ثورة لم تكتمل بعد فصولها الأخيرة. يتمحور الفيلم حول فتاتين هما هيام وبسمة وما في داخلهما من أحلام وعاطفة وطموحات تتبلور وتصمد في بيئة "معاكسة" ذات قسوة واضحة. بالنسبة لخان هذا فيلم حبّ أولاً وأخيراً، بين فتاة تعيش في العشوائيات وشاب من عائلة مكتفية. ولكن هيام فتاة تكسر القيود الاجتماعية وتتغلب على الإحباطات، أمّا الشاب فلا يستطيع ذلك. في مجتمع على شفير اليأس وفوق بركان مدينة متوترة تعرف هيام كيف تفكفك أغلالها لتصل إلى الحرية المنشودة

·        كيف خرجت فكرة الفيلم؟ يبدو أن إنجازه كان مشواراً طويلاً لا سيما وأنه تزامن مع اندلاع الثورة في مصر...

بدأت فكرة الفيلم كبذرة. كنت أريد إنجاز هذا الفيلم عن فتاة تعمل في مصنع. كانت فكرة صغيرة ثم تطورت. ذهبت كاتبة السيناريو وسام سليمان لتختبر التجربة في مصنع. ذهبت لتعمل في مصنع نحو عشرة أيام من دون أن تكشف هويتها. أرادت لمس الأجواء والغوص في تفاصيل العمل اليومي لمصنع. تطلب الموضوع سنتين قبل أن يكون هناك سيناريو بين أيدينا. حصل هذا كله قبل اندلاع الثورة. خلال تلك الفترة، كنت أحاول تحقيق مشاريع أخرى ولكنها لم تتحقق لأسباب انتاجية. كانت لي مشاريع ثلاثة. ثم تعرضتُ لنوبة قلبية عام 2005 منعتني من مواصلة العمل. كان لي مشروع فيلم أحمله منذ أكثر من 15 سنة اسمه "نسمة في مهب الريح"، مشروع لم يخلُ من المشاكل. بعد نجاح "شقة مصر الجديدة" (فيلمي ما قبل الأخير)، كانت غادة عادل تريد المشاركة فيه، ثم عادت عن قرارها. فتضايقتُ كثيراً، الأمر الذي تسبب لي بنوبة. هذا أيضاً أبذر أشهرعدة من حياتي. في هذه الأثناء، كان السيناريو في طور الكتابة وتلقيتُ دعماً مالياً لأفلمته. تعرفتُ في غضون ذلك على المنتج الشاب محمد سمير، واقترحتُ عليه أن نعمل معاً. في تشرين الثاني 2012 بدأنا التقاط المشاهد، وفي تشرين الثاني من العام التالي، كان الفيلم جاهزاً للعرض. صوّرنا لفترة ستة أسابيع. كان المشوار طويلاً.

·        يطرح الفيلم من جملة ما يطرحه معاناة المرأة في المجتمع المصري. وبما أن السيناريو يحمل توقيع امرأة وأنت محاط بنساء كثيرات في هذا الفيلم، فقل لي كيف كانت تجربة التماهي مع النظرة النسائية الملقاة على واقع ذكوري؟

هذه ليست المرة الأولى التي أروي فيها حكاية من وجهة نظر امرأة. أنا الذي كتبتُ "أحلام هند وكاميليا". ليس لي أيّ مشكلة في هذا الصدد. حتى في "سوبرماركت" الذي ألفه عاصم توفيق أو في "بنات وسط البلد" الذي ألفته وسام سليمان. ربما لأنني أحب البنات (ضحك). في معظم أفلامي البطل رجل. "فارس المدينة"، "الحريف"، "ضربة شمس". ربما هذا تأثير السنّ فيّ، بتّ أحتاج إلى مزيد من الرقة والحنان. هذا احتمال. لم يكن هذا شيئاً مخططاً. أعترف أن الشخصيات هي التي تقودني إلى الحكاية، سواء كانت شخصية رجل أو امرأة. حالياً، أرغب في أن أنجز فيلماَ عن "مخربشة" مثلاً. تعرف ماذا يعني "مخربشة"؟ إنها شبيهة بأمراة في الشارع، تضربك إذا كلمتها. أريد شخصية شرسة كهذه.

·        هل حقيقة أن الفيلم لا يتناول واقع الحال سببت لك مشكلة؟ علماً أنك وجدت حلاً لمشكلة الثورة عبر إدراج مشهد لثوار ومتظاهرين نراهم يمرّون في خلفية الصورة...

لم يكن لي مثل هذا الهمّ أبداً. هذا المشهد وضعته ليصبح الفيلم آنياً. أضفت المشهد لاحقاً خلال التصوير. كنت أريد إضافة مشهد تظاهرة. في البداية، كان لي فكرة أن أدخل أصواتاً مثل صوت الإسعاف والشرطة إلى الشريط الصوتي. أو أن ألتقط تفاصيل أخرى مثل أن نعلم بوجود ثورة من خلال ظهور جريدة أو غرافيتي على الجدار، وكل ما يثبت وجود توتر في مدينة ثائرة. لكن، لم أكن أريد أن أزيح عن خطي الدرامي لأي سبب من الأسباب.

·        أنت تعتبر أيضاً أن الثورة موجودة في شخصية هيام...

هناك روح الثورة في الفيلم، وهيام شخصية ثورية بامتياز. حركتها الأخيرة عندما تنزع الحجاب هي حركة ثورية. سعاد حسني التي أهديتُ إليها الفيلم هي الأخرى ساكنة في وجدان البنت المصرية والعربية. سعاد بالنسبة إلي تمثل حالة شخصية. أنجزتُ معها "موعد على العشاء". نذرتُ أن أهدي اليها هذا الفيلم. هدفي من الإهداء أن يتذكرها مَن نساها وأن يتعرف عليها من يجهلها. يجب القول إن "فتاة المصنع" فيلم عن العدالة الاجتماعية وهي تيمة موجودة في كل أفلام جيلي. كلنا عبرنا التجربة ذاتها، وليس غريباً علينا أن نتكلم عن الثورة الاجتماعية. الفكرة تأتي دائماً من حالة ألتقطها من حولي. لي نظرة اجتماعية. أستطيع القول إنني اشتراكي غصباً عني. من دون فلسفة أو فذلكة. لا أعتقد أن هناك فنان حقيقيا ليس اشتراكياً. ماذا تعني الاشتراكية؟ انها العدالة وقدر أقل من الفقر. عندما كنتُ صغيراً، في كل مرة أعود من المدرسة، كنتُ ارى أمي تفترش الأرض وتتناول الطعام مع الخادمة. تعلمتُ في بيتنا هذا النوع من الاشتراكية. لي في الإسكندرية صورة برفقة والديّ، وهند الشغالة، على أحد الشواطئ. كنا نجلس على البلاج. هذه أشياء لها تأثير باطني في وجداني.

·        ماذا تغير بين الزمن الذي انطلقت فيه واليوم؟

تغير الزمن تغييراً جذرياً. أصبحت اللعبة اليوم في أيدي التجار. في أيامنا، كنا نحن مَن يتحكم باللعبة. اليوم التجار هم الذين يقودون المراكب. هذا تغيير شامل. إن كنت ما زلت أنجز الأفلام إلى اليوم، فالحقيقة أنني أنجزها بالعافية. لا فرق عند التجار بين مخرج وآخر. المشكلة أنه لا مجال للآخرين. الاحتكار الحاصل في دور العرض هو الذي يحدث هذا الخلل

·        الفيلم محلّي جداً، سواء بصميم الحكاية أو بطريقة المعالجة، ما قد يشكل عائقاً امام الجمهور الأجنبي للدخول في أعماقه...

نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن فيلم إيطالي. الإيطاليون يكثرون من الكلام أيضاً. نحن وهم ننتمي إلى الثقافة نفسها. لا أعتقد أن هذا عائق. لا أميل إلى الفولكلور في السينما. أنجز أفلامي لمصر أولاً ثم للعالم العربي ثم للعالم أجمع. اذا تم قبولها في أماكن أخرى، فهذا يسعدني. لا استطيع ان أدعي انني اخاطب الشعب اللبناني أو السوري أو غيرهما من الشعوب. قد نتشارك الكثير من المشاكل، لكن طريقة التعبير عنها يختلف من بلد لآخر

·        هذا فيلم مناخ أيضاً وخصوصاً، ولا يقتصر على الحكايات الميلودرامية المتداخلة التي ترويها...

في البداية، لا أقول حتى نحن في صدد مشاهدة حدوتة أي من الفتيات. هذا شيء كنت قصدته منذ البدء. ثم، تبرز هيام تدريجياً. وما ساعدني أنها وجهٌ غير مألوف. لو كانت نجمة لما كان من الممكن أن نلجأ إلى هذه التقنية. فالكل كان سيعرف أن الفيلم عنها منذ إطلالتها الأولى. هذا ساعدني قليلاً

·        كيف اخترتها؟ هذه ممثلة جيدة جداً

نعم، خضعت لعملية كاستينغ. ياسمين مثلي، خليط هويات. هي فلسطينية على مصرية. ممثلة مجتهدة جداً. أخذت المسألة على محمل الجد. لم تأتِ لتؤدي الدور وتنتهي منه بأسرع ما يمكن. طلبت أن تذهب إلى المصنع مرات عدة وتتعرف على البنات خارج إطار التصوير. لا يفعل ذلك كل الممثلين في مصر. ساهم هذا في أن يكون هناك حوار بينها وبين الشخصية. وأنا أصور الفيلم، قلت لها إنني سأجعلها تنال جائزة. لذلك، كنت سعيداً جدأً حينما نالت الجائزة. شعرتُ أن هذه الجائزة ترفع من شأن الفيلم وتعيد الاعتبار إلى فتاة المصنع

·        الفيلم يظهر أيضاً صعوبة أن يكون المرء فرداً في المجتمع المصري...

نعم، مع التذكير أن هيام هي التي تكسب رزقها وتجلب المال إلى المنزل ما يعطيها بعضاً من الشرعية والبرستيج. أرى هيام فتاة قوية، وكان مهماً بالنسبة لي أن يكون مشهد الرقصة الذي يختم الفيلم مفهوماً. كنت أخشى من النحو الذي سيصل فيه إلى المشاهدين. عبرت ببالي أفكار كثيرة معظمها تكنولوجية. ثم كعادتي، عدت إلى البساطة. ثم جاءتني فكرة أغنية يسرى الهواري. فشعرتُ أن هذا يعطي معنى آخر للفيلم، وكأن هيام تبتسم للعالم. أدركتُ كمّ هذا المشهد مهم

·        ماذا عن صراع المرأة الرجل في المجتمع المصري؟ أنت تأتي بصورة غير إيجابية عن هذا الصراع...

طبعاً، المرأة ضحية الرجل مئة في المئة. لكن الأشياء لا تختصر بالأسود والأبيض في الفيلم. زوج أم هيام "دا جدع بردو". يتضح ذلك عندما يقول لها: "وضعتُ الفلوس تحت المخدة، وسنتحاسب لاحقاً". أردتُ ان أبيّن جدعنة الرجل ونزاهته في آن معاً. هناك توازن. ولكن إذا ما نظرنا بإطار أوسع، سنرى أن المرأة ضحية الرجل مهما علا شأنها. حتى لو صارت عضو برلمان أو رئيسة جمهورية. مَن يسنّ القوانين؟ الرجل. مَن يطبق القوانين؟ الرجل. حتى الأديان ذكورية. الستّ مظلومة، وهذا ما يدفعني إلى الاهتمام بشخصيات نسائية

مصري أخيراً!

بعد حملة واسعة على الأنترنت طالبت بمنح الجنسية المصرية لمحمد خان، يبدو أن الرئاسة المصرية استجابت أخيراً لهذا الطلب. استقبل الخبر بالكثير من الفرح من قبل الأوساط المقربة من المخرج السبعيني الذي أعلن قبل أيام في مقابلة مع الصحافية دعاء سلطان إنه يريد أن يموت مصرياً. في آخر لقاء مع خان، هكذا كان يصف مفهومه للوطن والمواطنة: "لا أعتقد أن الوطن هو الأرض. الوطن هو الناس. إذا شعرتُ أن الناس يرفضونني، أعتبر أن المكان الذي أقيم فيه ليس وطني. لا أعرف ماذا كنتُ لفعلتُ في مثل هذه الحالة، لا أعرف إذا كنتُ بقيتُ أو غادرتُ، لكن بالتأكيد سأكون مدركاً بأن هذا ليس وطنياً. طلبتُ الجنسية لأنني كنتُ أعاني من حالات معنية. كان هناك مهانة: مصر بلدي ومولود فيها وعلى الرغم من ذلك، كان عليّ أن أعلم أولادي كأنهم "خواجات" (أجانب) وأدفع نفقة تعليمهم بالدولار. شيء مهين فعلاً. في زمن والدي، كانت الإقامة مدتها عشر سنوات. ثم صار ينبغي تجديدها مرة كل سنة، ومرة كل ثلاث سنوات إن كنت متزوجاً. وعندما تتجاوز الخامسة والستين، فيصير التجديد مرة كل خمس سنوات. هذه الأشياء كلها حسستني بعدم الامان. كنتُ أشعر بالظلم. حالياً، أولادي لديهم الجنسية المصرية والإنكليزية، وأنا لا أملك إلا الجنسية الإنكليزية. ثم هناك شيء آخر: "لم أذهب يوماً إلى بلد لأقول لأصحابه إنني إنكليزي. أنا مصري والأفلام التي أصنعها مصرية أيضاً".   

السينما في زمن التعصب

يقول محمد خان: "حتى لو حاولوا تهميش أفلامي الماضية، فهي في النهاية أفلام عُرضت والناس شاهدوها. لحسن الحظّ هناك التكنولوجيا التي تحتفظ بذاكرتنا إلى الأبد. في مصر، الرقابة كانت دائماً موجودة، ولكن كنا نعرف كيف نتحايل عليها. وهذه الرقابة جعلت رقيباً صغيراً ينمو داخلي. ولكن الرقابة الدينية أكثر تخلفاً من الرقابة المدنية. نحن في صدد العودة إلى الوراء مئات السنوات! الرقابة الدينية مبنية على غسل الدماغ. وهي تتبنى قاعدة "تولدت كدة وتبقى كدة"، وليس لك الحقّ في أن تفكر. يعني أنا مثلاً، الذي ولدتُ مسلماً، لطالما أردتُ أن يتم حرق جثتي عندما أموت. لكن في الإسلام، هذا ممنوع. "يعني إيه ممنوع؟" هذا جسمي أنا يا أخي. مبدأ العلاقة بينك وبين الربّ شيء خاص جداً. التطرف هذا سبق أن حصل في إسبانيا في العصور الماضية، وفي أوروبا كلها. هذا شيء مخيف. لذا، لا بدّ من القول إنهم يظلمون التيار الاسلامي قليلاً لأنه ليس الحركة الدموية الوحيدة عبر العصور. كل التيارات الدينية حركات دموية. راجع التاريخ وستتأكد من ذلك". 

المدن اللبنانية في

01.01.2014

 

فاز بجائزة النقّاد و جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي

رقصة إنتصار فتاة المصنع

جدة: خالد ربيع 

هناك رقصات شهيرة في بعض الأفلام السينمائية لا يمكن نسيانها، أولها بالطبع رقصة (أنطوني كوين) في فيلم زوربا، ثم رقصة الدون فيتو كورليوني (مارلون براندو) مع ابنته كوني (تاليا شير) في الجزء الأول من الأب الروحي، ثم رقصة التانغو ـ (آل باتشينو) مع (غابريلا أنور) في فيلم عطر امرأة، وأيضا تحضر في الذاكرة رقصة (جون ترافلولتا) و (أوما ثورمان) في فيلم بالب فيكشن، وربما رقصة (كيفن كوستنر) في الرقص مع الذئاب... وأخيراً يمكننا أن نضيف رقصة هيام (ياسمين رئيس) في نهاية فيلم فتاة المصنع للمخرج المصري محمد خان الذي عرضه في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الشهر الماضي.

كل رقصة من تلك الرقصات أتت ضمن سياق درامي عالي التأثير، وإكتسبت بذلك نوعاً من الخلود في ذاكرة الجماهير، غير أن رقصة فتاة المصنع هيام لها وقع خاص على من شاهد الفيلم وعايش شخصية هيام، الفتاة القاهرية الجدعة التي صمدت بكل قوة في مواجهة مجتمع غارق في المفاهيم والممارسات الذكورية. فما أن ينتهي الفيلم على رقصتها حتى يجد المشاهد نفسه مشدوهاً في إستعادة تفاصيل الفيلم أو بالأحرى مأزقها الذي حولته الى إنتصار، حتى لو كان إنتصاراً وجدانياً، هزمت به، معنوياً، الأعراف والمفاهيم الرجعية التي تسيطر على مجتمعها.

اسطورة حي النساء

هيام فتاة عشرينية تعمل خياطة في مصنع للملابس الجاهزة، وتعيش مع والدتها (سلوى خطاب) وأختها غير الشقيقة وزوج والدتها وخالتها (سلوى محمد علي) وابنة خالتها، في حي الأباجية العشوائي المكدس بالفتيات بشرق القاهرة، الحي الذي يعيش فيه عدد محدود من الذكور مع أعداد مضاعفة من النساء، إذ تعزو أم هيام ذلك إلى حدوتة قديمة حكتها لها أمها: أنه في يوم «من زمان قوي»، سكن هذا الحي رجل من الصعيد كان وسيماً، وقعت في غرامه جنية من تحت الأرض، لكن الصعيدي رفض حبها، فلعنته الجنية ودعت عليه ألا يرى في خلفته سوى البنات، ولهذا السبب فاض الحي بالبنات.

من هذا المدخل الأسطوري الشعبي ندلف الى عالم "هيام" وهو عالم ملتحم بعوالم بالنساء والفتيات اللائي تعيش معهن في البيت والمصنع. . ويحدث أن تقع هيام في حب المهندس "صلاح"، (هاني عادل) المشرف الجديد في مصنع الملابس، فتبدأ في إقتحام حياته، وتذهب لتتعرف على والدته وشقيقته، وفي خلدها حلم كبير بالفوز بصلاح كحبيب و زوج.. تمضي الأحداث وتجد مشرفة المصنع شريط اختبار للحمل في دورة المياه، فيتهم الجميع هيام والمهندس، خصوصاً بعدما راقبوا تقربها منه وملاطفته لها، ولكنها لا تقول شيئاً حيال هذا الإتهام، ولا ترد على الكلام الشائع. حتى أنه تصادف أن تأخرت دورتها الشهرية، فتخبر شقيقتها والدتهما بما تقوله زميلاتها العاملات. هنا يجن جنون الأم وتضربها بشدة وتعنفها أشد تعنيف، خصوصا بعدما وجدت صورة صلاح في حقيبتها. كل ذلك وهي صامتة لا تدافع عن نفسها ولا تتكلم إلا بعينيها وكأنها تنتظر أن يأتيها فارسها وينتشلها من كل ذلك، فهي تأكدت من حبه لها، أو هكذا توهمت، بعدما قبّلها ونظر في عينيها نظرة الحب، ولكن المجتمع المتناقض أخذ يعاملها بكل قسوة، فهي متهمة بالخطيئة أولا وأخيراً. لذلك تدعى جدتها المرض فتذهب لزيارتها هي وعماتها، إلا أن الجدة والعمات يرغمنها بالعنف، وتحلق لها الجدة شعرها الطويل بعد أن تطأ وجهها بقدمها. لقد أخذ الجميع في معاملتها على أنها آثمة، فلا بد من العقاب على الخطأ ولا بد أن تتعظ الأخريات... هنا نتذكر فيلم الحرف القرمزي (سكارليت ليتر) وبطلته ديمي مور (هيستر) التي ألزمتها التقاليد بوضع علامة على صدرها تبين أنها خاطئة، فترضى بذلك لأنها علامه حبها وعقابها في آن واحد. لكن هيام تظل صامتة في قوة وتحدي وفي إنتظار صلاح. غير أن صلاح يخذلها ويقول لها أنها تحلم إذا فكرت بأنه سيرضخ لما تفعله ويتزوجها، بل يوبخها ويتهمها بأن هناك شخصاً آخر ضحك عليها وهى تريد أن تلصق التهمة به. يتدخل زوج الأم وأخوته، فيضربون صلاح ويجبرونه على إصلاح خطاه. ولكنها تحاول الانتحار، رداً على موقف صلاح، وتصاب بكسور وترقد في المستشفى، وبينما هي في المستشفى يكشف الطبيب للجميع أنها عذراء.. ننتقل الى المشهد الأخير حيث حفل الزواج ومفاجأة أن العروس ليست هيام.. تتوسط هيام حلبة الرقص وترقص رقصتها بكل شموخ بينما تعصف في رأس المشاهد ألف فكرة. 

ثقافة ذكورية مستمرة

في كل تفصيلة من هذه القصة يكمن عمق ثقافي إجتماعي متجذر في الحياة المصرية، ليس في صورة تعالي الطبقات البرجوازية الغنية فقط وانما بما تمارسه الطبقات البرولوتارية الكادحة بين بعضها. وهي ممارسات حياتية تتشكل في صور شتى في بيئات خليجية وعربية أخرى، إن لم تكن شبيهة حد التطابق، وأحيان أخرى متفاوتة في حدة امعان تخلفها.. لكن النظرة الى المرأة والتعامل معها سلوك وثقافة وحراك شغل الإنسان في مختلف الحضارات وعبر قرون من التطور الإنساني، خصوصاً فيما يتعلق بالمضمر الجمعى الذكوري ومفاهيمه المتوارثة فيما يتعلق باستغلال المرأة الجسدي والمعنوي. وتفاقم ذلك مع ظهور النظرية الرأسمالية في القرن الثامن عشر بإعتبار أن كل شيء سلعة تباع وتشترى، فأمعنت المجتمعات الصناعية في استغلال عمل المرأة، الذي وجدت فيها أقل أجرة وأدنى تكلفة من استعمال الرجل في ظل طبقية تضمن الولاء الدائم. وحتى تقبض هذه المجتمعات على زمام المصلحة أحاطت المرأة بكثير من القيود التي شملت تحركها وتفاعلها ودورها وتفكيرها وخياراتها المادية والمعنوية والنفسية.. إذن لا زالت المراة في عالمنا العربي من المحيط الى الخليج تعاني من ذلك الفكر والثقافة، ورغم كل دراسات وتوصيات الفكر النسوي بالقضاء على كل أشكال القهر المتصل بالنوع الجنسي ، لا زال الفكر الرجعي قائماً، لدرجة أن ما هو حادث في مجتمعات خليجية يزيد على ما أحدثته الرأسمالية في أوروبا، بإضفاء لباس الدين المغلف بالبراغماتية الكاذبة، إضافة الى فكر البداوة العتيد.

 المخرج "محمد خان" يعي ذلك، لا سيما الآن، في ظل مباديء ثورة تتشكل، ويحاول عن طريق أفلامه تتبع تلك التفاعلات النكوصية وتناولها في أفلامه، لاسيما في فيلميه الأخيرين اللذين كتبت لهما السيناريو زوجته "وسام سليمان" وهما "بنات وسط البلد"و "في شقة مصر الجديدة". بكل تقنياته الفنية في السينما الواقعية واسلوبه الإخراجي الرصين القائم على السرد المتأني في غير رتابة ـ استعرضه العديد من النقاد باسهاب وتفصيل ـ وعمقه الفكري بما يقوّضها ويوّعي الجماهير بخزيها المستمر ومن ثم رفضها وتغييرها. لأجل كل ذلك جعل خان بطلته ترقص في تثوير درامي حميم، لا لتكون الفتاة التي أرادوا لها أن تكون راضخة، وإنما لتعلن تحررها، وتتحدى بارادتها إنتزاع حقها في الحب والحياة العادلة.

عكاظ السعودية في

09.01.2014

 

"فتاة المصنع" في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية

احمد رمضان متولى 

يشارك فيلم فتاة المصنع للمخرج محمد خان في فعاليات الدورة الثانية من مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، والتي من المقرر انعقادها في الفترة من 19 حتى 25 يناير - كانون الثاني، ومن المقرر أن يحضر عرض الفيلم بالمهرجان كل من منتجه محمد سمير ومخرجه محمد خان، مع بطلي الفيلم ياسمين رئيس وهاني عادل، حيث يستضيف مهرجان الأقصر العرض الأول للفيلم في مصر.

ويأتي هذا بعد شهر من العرض العالمي الأول لـفتاة المصنع في الدورة العاشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وحصوله على جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسكي) للأفلام العربية الروائية الطويلة، بالإضافة إلى فوز بطلة الفيلم ياسمين رئيس بـجائزة أفضل ممثلة ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة.

فيلم فتاة المصنع هو الفيلم الذي عاد به المخرج الكبير محمد خان إلى شاشة السينما بعد 7 سنوات من الغياب منذ أن قدم آخر أفلامه، وهو ثمرة التعاون مع المنتج محمد سمير من خلال شركته داي دريم للإنتاج الفني، وبدعم من 7 مؤسسات دولية.

فتاة المصنع هو أول إنتاج روائي طويل للمنتج محمد سمير من خلال شركته داي دريم للإنتاج الفني، ويُعد الفيلم من أنجح قصص التعاون في السينما المستقلة بالعالم العربي، حيث حاز الفيلم على دعم عدد كبير من المؤسسات السينمائية حول العالم، وصل عددها إلى سبع مؤسسات، ومنها: صندوق إنجاز التابع لـمهرجان دبي السينمائي الدولي، صندوق سند التابع لـمهرجان أبوظبي السينمائي، مؤسسة GIZ، مؤسسة Global Film Initiative، مؤسسة Women in Filmوصندوق دعم السينما التابع لـوزارة الثقافة المصرية.

أيضاً عمل محمد سمير على شراكة من نوع جديد في فتاة المصنع، حيث ساهمت في إنتاج الفيلم شركتا ويكا (منتجة فيلم هرج ومرج)، وأفلام ميدل وست (منتجة فيلمي: البحث عن النفط والرمال، فيلا 69).

قام ببطولة الفيلم: ياسمين رئيس، هاني عادل، سلوى خطاب وسلوى محمد علي، مع مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة.

وتدور أحداث فتاة المصنع حول هيام، وهي فتاة في الواحد والعشرين ربيعاً، تعمل كغيرها من بنات حيها الفقير في مصنع ملابس، تتفتح روحها ومشاعرها بانجذابها لتجربة حب تعيشها كرحلة ومغامرة بدون أن تدري أنها تقف وحيدة أمام مجتمع يخاف من الحب ويخبئ رأسه في رمال تقاليده البالية والقاسية.

الفجر المصرية في

13.01.2014

 

محمد خان يبكى السندريلا فى مهرجان الأقصر ويهديها «فتاة المصنع»

إسلام مكى 

يختتم مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية وقائع دورته الثانية مساء اليوم «السبت» بمعبد الكرنك الفرعونى وسط حراسة أمنية مشددة. ومن جانبه حرص اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر على تفقد مكان الاحتفالية، ومعه محمد القليوبى رئيس مؤسسة «نون» الثقافية المنظمة للمهرجان، حيث طالب المحافظ بزيادة عدد أفراد الأمن بعد الانفجارات التى حدثت بمناطق متفرقة من البلاد أمس الجمعة، وأشار المحافظ إلى أن مدينة الأقصر مدينة ذات طابع خاص تجمع بين الأصالة والتاريخ بما يؤهلها لتكون ملتقى الثقافات ومدينة الفنون، والمهرجان يأتى فى إطار تنشيط سياحة المهرجانات بالمدينة، ولرفع مستوى الوعى الفنى والسياحى، بجانب الدعاية للمدينة فى الداخل والخارج. وقد شهد يوم الخميس عرض فيلم «فتاة المصنع» الأول بمصر ضمن وقائع المهرجان بحضور مخرجه محمد خان وبطليه ياسمين رئيس، وهانى عادل، ومنتجه محمد سمير، وقد بكى خان فى الندوة التى أعقبت الفيلم، تأثرا حيث أهداه لروح السندريلا سعاد حسنى، كذلك عرض المهرجان يوم الأربعاء 14 فيلما فى ثلاث قاعات هى الأقصر للمؤتمرات، وقصر ثقافة الأقصر، وقاعة العروض المفتوحة فى نادى التجديف الدولى. ومن أبرز وقائع اليوم أيضا عرض فيلم «ناجى العلى» لنور الشريف باعتباره من أبرز المكرمين هذه الدورة، وحضر العرض محافظ الأقصر، واللواء علاء الهراس، سكرتير عام المحافظة، واللواء على الجزار، رئيس مدينة أرمنت، وعدد من عمد ومشايخ القرى وأهالى الأقصر، بالإضافة إلى نور الشريف الذى حضر بصحبة ابنتيه مى وسارة، كذلك كان هناك معرض لصور أبرز أعمال الشريف ومجموعة لأفيشات الأفلام، وخلال الأمسية حرص محافظ الأقصر على تهنئة الحضور بالدستور الجديد، مؤكدا أهمية إقامة مهرجان الأقصر للسينما المصرية الأوروبية فى هذا الوقت حرصا على خلق أداة للتواصل الثقافى والفنى وتبادل الخبرة بين مصر وأوروبا، وحرص المحافظ أيضا على حضور الندوة التكريمية لنور الشريف وندوة المخرج الروسى فلاديمير برنشوف رئيس لجنة التحكيم بالمهرجان، حيث عبر نور الشريف فى بدايتها عن سعادته بهذا التكريم وبإقامة المهرجان، رغم الظروف التى تمر بها البلاد فى الوقت الحالى، مؤكدا أن كل التجارب التى مر بها الشعب خلال السنوات الماضية توضح مدى عظمته ومدى قدرته على صنع المعجزات، وتابع: «أود أن أوجه رسالة حب وسلام للعالم من أرض الأقصر، أرض الحضارات والتاريخ، وأنا أثق أن ضيوف المهرجان سيوصلون للعالم أن مصر أرض الفن والسلام والأمان وستظل كذلك»، وأشار إلى ضرورة استمرار هذا التداخل خصوصا فى هذا التوقيت، لافتا إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر عندما قاطعت أوروبا مصر فى الستينيات طلب هو تكثيف عرض السينما الأوروبية فى مصر، خصوصا الفرنسية والإيطالية، أما المخرج الروسى فلاديمير بريشوف رئيس لجنة التحكيم فقال «سمعت كثيرا من قراءتى للصحف أن مصر تمر بأوقات عصيبة، ولكن أنا ولليوم الثالث فى الأقصر لم أشعر بذلك، لأن المسؤولين فى مصر لم يهتموا بهذه الدعاوى، وأقاموا المهرجان فى موعده، ليوجهوا رسالة للعالم أن مصر وصعيدها بلد الأمان، وشعرت بارتياح، لأننى سأقضى استراحة ينعم بها العقل، وستكون غذاء للروح بفنون السينما المصرية والأوروبية».

التحرير المصرية في

25.01.2014

 

(فتاة المصنع)،وعودة إنتاج الروائع

أ.د وليد سيف

يسيطر خان على عالم فيلمه المحدد، بدورة عام كامل فى مرحلة حاسمة وفاصلة من حياة بطلته هيام وهى فتاة يافعة فى طريقها للنضج، والمحدود فى منطقة الأباجية الشعبية الفقيرة كوحدة مكانية تضم غالبية الشخصيات والأحداث، كما يتغلغل فى حياة وعلاقات وسلوكيات فتيات المصنع الفقيرات، فى إهتمام شديد بأدق تفاصيل الملبس و المأكل والحركة والأداء الصوتى. فى فتاة المصنع كل شىء محسوب حتى درجة الفقر، فهو ليس الفقر المدقع المهين، فنحن بصدد شريحة من الفتيات ينعمن بالأمان والعمل المتواضع الثابت الذى يوفر اللقمة البسيطة والستر الذى لا يكتمل إلا بإستكمال نصف الدين، وهى ليست حياة العشوائيين بتحررهم من أى عادات أوتقاليد مشتركة، ولكنها حياة الشعبيين بطقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم الصارمة. إنها حكاية فتيات صغيرات أو زهرات تتفتح على الحياة، لا يكاد ينقصهن شيئا من إحتياجاتهن الأساسية البسيطة سوى الحب والزواج، وربما يتوقف الطموح عادة عند أى شاب أو ظل أى رجل، خاصة فى ظل ندرة الصبية فى المنطقة، ولكن السحر يتشكل عندما تكون هناك صبية لديها قدر من الجمال والإعتزاز بالذات والأمل فى حياة أرقى وفى رجل ليس كأى رجل. كل شىء محسوب وعندما تلتقى هذه الأحلام الهلامية مع لحظة سحرية، يقتنصها خان ويعبر عنها بلقطات فى غاية الرشاقة والرقة تلتقى فيها العيون وتتفجر فيها أحاسيس الفتاة لتتوقف أنفاسها للحظات تتحول خلالها من حال إلى حال لتعود لتستنشق هواء جديدا يملأه عبير الحب لهذا المهندس الشاب الوسيم.

من روح سعاد حسنى وأفلامها التى صبغتها بروحها وأدائها العاطر النفاذ وتحديدا فى أميرة حبى أنا وزوزو تتشكل جوانب من شخصية هيام بجرأتها و إصرارها وصلابتها وروحها العاطفية التواقة للحب، ومن أغنيات سعاد التى تنطلق من راديو المصنع تتشكل أحلام العذارى، كما تتشكل وتتحدد روح الفيلم وأحاسيس بطلته.. يرسم خان أيضا بلقطاته وتكويناته الثرية والعميقة والمتشابكة المتشكلة بموهبته البصرية وبخبرته السينمائية الكبيرة, فتبدو اللقطات أقرب إلى تابلوهات حية معبرة عن حياة الفتيات وروح المكان، وحيث تتخذ الكاميرا دائما موضعا ممميزا ومختلفا ترى فيه الأشياء بأسلوبية أكثر تميزا وبعين أكثر قدرة على التلصص تماما كعين هذا المخرج القادرة على النفاذ إلى عمق الأشياء ونبض القلوب وفوران العواطف التى قد تختفى وراء نظرة محايدة أو حتى باردة. بهجة وقتامة يرسم خان عبر تكويناته لوحة سينمائية متكاملة ونابضة ومتحركة تنطلق من لقطات مرحة وثرية ورحبة ومليئة بالحركة والوجوه والاجساد النسائية اللينة فى أضواء وألوان هادئة ومرحة, ولكن مع تطور الحدث و تأجج الصراع وتحول الدفة تسيطر القتامة وتضيق التكوينات بالبشر ويزداد التصاق وحصار الاخرين للبطلة الذى يصل إلى ذروته فى تلك اللقطة العبقرية التى تقيد فيها هيام وتلقى تحت أقدام جدتها ليضيق الكادر أكثر بلقطة لقدم الجدة وهى تدوس على رأس الفتاة ليقصون شعرها إمعانا فى إذلالها وتحقيرها. فى هذه اللقطة نشهد تكوينا وبناء وتعبيرا لن ينسى من ذاكرة أفلامنا وحيث الفتاة تحت قدم الجدة وهى تعبر بملامحها عن الشعور بالمهانة والعار الذى أريد لها أن تشعر به، ولكن اللوحة السينمائية الكبيرة للفيلم تواصل تحركها الى إنفراجه مفاجئة وملهمة حيث مشهد النهاية الذى تنفرد فيه البطلة بإحتلال مساحات من الكادر حين تنطلق برقصتها الموعودة لحبيبها فى عرسه على أخرى وهى هنا ليست كالطير يرقص مذبوحا، ولكنها ترقص فرحة بقدرتها على تجاوز أزمتها والإنتصار على كل من سعو لقمعها وقهرها والإصرار على الحياة الحرة التى تستحق أن تعيشها وللأمل فى الغد الذى تستحقه، هكذا يكون البناء البصرى والحركى والضوئى العام للفيلم أقرب لخطة مرسومة فى تشكيل سينمائى بارع ومعبر ومؤثر. هكذا يكون الساحر عندما يصل إلى قمة المقدرة فى فنه وحيث يصبح بإمكانه أن يشعرك بوجيب القلب وقلق العقل وتخبط المشاعر، إنها رحلة فى الزمان والمكان والنفس يقطعها خان ويجبرنا على أن نلاحقه فيها وأن نتعقب أبطاله، أو بالتحديد بطلته هيام التى تتشكل ملامحها عبر أداء ياسمين رئيس لتتمكن من التعبير بصدق وحميمية عن الشخصية، لنراها عبر خطواتها ونظراتها وكلماتها وقد تلبست هيام وأصبح كيانها العضوى مجرد حاملا لهذه الروح القوية الجميلة المتمردة الشجاعة المشحونة بالعاطفة التى تلوح لنا من بدايات ظهورها وعبر إحساسها بملمس حبات المطر الرطبة على كفها وهى واقفة فى البلكونة مع والدتها، أو وهى تغسل وجهها بماء بارد وكأنها تبرد غليان رأسها بعد أن تتلقى صفعة ساخنة عبر تصرف مهين من أم الحبيب. رقصة الفرح مع رحيل مهندس المصنع نعايش تطلع الفتيات إلى مهندس جديد وسيم، وبعد إنتظار قصير يتحقق الوعد ويأتى مهندس يلهب أحاسيسهن، ولكن لا تمتلك إحداهن القدرة على البوح بالحلم والسعى إلى تحقيقه إلا هيام العفوية الجريئة، والتى ترصد ردود أفعال المهندس ونظراته الغامضة لها، كما نرصدها نحن، حتى تقرر فى النهاية أن هذا الرجل لابد أن يحبها ويتزوجها وحين تسخر منها البنات تنذر نذرها بأنه إذا لم يحدث هذا سوف ترقص فى فرحة، قد يخبو الأمل حين يعتذر لها عن الخروج معهم فى الرحلة، ولكن الأمل يتجدد حين يلحق بهن. تتاح لها فرصة التودد إليه أكثر حين يرقد فى المستشفى لبضعة أيام، وبعد أن يغادر تداوم على زيارته فى بيته رغم صلافة أمه، وتنجح فى الإنفراد به أثناء غيابها ولكن عودتها المفاجئة تأتى عقب قبلة الحياة التى نالتها منه، تشعر الأم بخطورة العلاقة فتوغل فى تحقيرها للفتاة وتعاملها كخادمة وتمنحها عشرين جنيه، وتتوازى مع أزمة الشعور بالمهانة مصيبة إشاعة حملها منه التى تتفجر بالصدفة وتشعلها النفوس الحاقدة لتصل إلى بيتها، ولتواجه هيام صنوف الرعب والعذاب من الأهل والأقارب، ولكن الأكثر قسوة هو رد فعل الحبيب الذى يتعامل معها بمنتهى الفظاظة والغلظة ويتهمها بالسعى لإجباره على الزواج منها. تسقط هيام من بلكونة بيتها لتتواصل رحلة الألم من الروح إلى الجسد، ولكن النفوس الكبيرة هى الاقدر على مواجهة التحديات، ولأن القدر يخفى الجيد كما يخفى السىء فإن الكشف عليها فى المستشفى يكون برهان براءتها ودليل عذريتها الذى يعيد لها كرامتها ويخرس كل الألسنة، ولكن جرح القلب لن يشفيه الا الرقصة الأخيرة التى ندرتها فى فرح المهندس، وبأداء بسيط وتعبيرى بارع وبكل إصرار وتحدى وجمال تعبر عنه حركة الجسد وثقة الملامح نتأكد أن هيام إستردت كرامتها وإنتصرت على كل خصومها..وفى إعتقادى سوف تظل رقصة هيام من أجمل وأخلد الرقصات فى تاريخ السينما كرقصة زوربا اليونانى، فهى أيضا رقصة للحياة وللأمل وللتصالح ولإجتياز الإنسان وعبوره رحلة من الألم والهزائم التى لم تقض عليه بقدر ما منحته مزيدا من القوة والخبرة فى مواجهة مصائب الحياة. لم تحقق السينما المصرية إنتصارات فنية بهذه الروعة للفقراء فى أفلامها بهذا التعبير البليغ إلا فى حالات نادرة، وربما كانت البداية مع فيلم فاطمة الممرضة التى رفض إبن الأكابر الإعتراف بإبنه منها، ولكن إنتصار فاطمة وأهل حيها من الفقراء لم يأت إلا من خلال تفجرالحنية المفاجىء فى قلب الأب حين رأى إبتسامة طفله التى حركت ضميره ودفعته للإعتراف، أما هيام فقد إنتزعت كرامتها بقوتها وجرأتها وعبر رقصتها، وخاضت حربها وحدها ضد قطيع من الحاقدات و المنسحقين والمستسلمين لوضع مهين والرافضين لأى تطلع نحو أى أمل والذين تعبر قسوتهن على هيام عن قسوتهن على ذواتهن، وفى الحقيقة أن الفارق ليس بين فيلمين ولكنه بين زمنين، فخان يعبر عن روح الزمان والمكان بدقة ومصداقية وبإدراك عميق لأقدار النفوس الكبيرة ومواطن تفجر الحياة الحقيقية. مقادير ومساحات قد تتزايد جرعة المصادفات والاحزان والقهر فتشعر أن الفيلم يميل بدفته نحو الميلودراما ولكن سرعان ما ينطلق السيناريو رشيقا ومندفعا نحو غايته بتتيع الحالة والإحساس والتفاصيل التى تكمل الصورة، وقد تتساءل أحيانا هل أنت أمام فيلم واقعى أم فيلم رومانسى، ولكن لا تشغل بالك كثيرا،فأنت أمام فيلم لمحمد خان الذى يستطيع أن يصنع هذا المزيج النادر من الأنواع. على مستوى البناء والإيقاع ربما ينتابك قدرا من الملل إذا كنت تتعامل مع الفيلم باعتباره حكاية حب قد تتأخر قليلا، ولكن الحقيقة أن الفيلم هو حكاية حياة، وربما لهذا السبب قد يرى البعض أن مساحة دور الأم الذى لعبته سلوى خطاب أو الخاله الذى لعبته سلوى محمد على فى حاجة إلى قدر من الزيادة، ولكن فى حقيقة الأمر أن الحكاية الرئيسية لهيام التى تلعبها ياسمين رئيس هى فى غاية البلاغة والإكتمال والتعبير، وتبقى باقى الخطوط كخلفيات للوحة أو تنويعات تغذى اللحن الرئيسى وتبرزه، فكلها صور لمعاناة المرأة التى تفقد الحب وتتلمسه فى صور مختلفة. والحقيقة أن سلوى محمد على تبدو أكثر تألقا وتعايشا مع الشخصية وإجتهادا فى البحث عن ملامحها ومفاتيحها بينما يغلف الأكليشيه والأداء الخارجى أسلوب سلوى خطاب، أما المفاجأة الثانية بعد ياسمين رئيس فهى الوجه الجديد إبتهال الصريطى التى لعبت دور الصديقة المقربة من هيام والتى إستطاعت أن تعبر بأدائها عن لحظات ثقتها المفرطة فى صديقتها وتحولها إلى الشك فى حملها ثم اليقين من ذلك، وقد إستطاعت أن تبرز بأدائها المميز وسط وجوه فتيات المصنع الكثيرات. أصداء كاميليا ربما تلمح فى فتاة المصنع أصداء من روح هند وكاميليا، وهو يذكرك أيضا فى متانة بنيانه الدرامى بزوجة رجل مهم، ولاشك أن خان عبر مسيرته الفنية الكبيرة إستحق عن جدارة أن تنضم ثلاثة من أفلامه إلى روائع السينما العربية، ولكنى أعتقد أن فتاة المصنع هو ذروة جديدة فى مشوار خان، فهو أكثر أفلامه إكتمالا وتكاملا وإبداعا، حيث يصل فيه إلى أعلى درجات التمكن والسيطرة على مفرداته وتفاصيله، وهو لا يقدم عبر هذا الفيلم فقط تحفة فنية جديدة وخالدة بل يعيد إكتشاف نجمة جديدة هى ياسمين رئيس، يضعها لأول مرة على الطريق الصحيح، ويمنحها فرصة العمر فى شخصية فى غاية العذوبة والصعوبة وعبر ضبط مقادير الأداء والقدرة على شحن الممثلة بالحالة والإحساس. يعود المخرج محمد خان بفيلم فتاة المصنع ليمارس إبداعه الجميل وحرصه الأصيل على التغلغل فى روح الوطن بحس نقدى مميز وبسعى دؤب نحو إستخلاص مواطن الجمال فى حياتنا التى تتمثل فى لحظات قليلة ونادرة من المتعة والشجن والتحدى، هذه هى اللحظات المشرقة والمفعمة بالأمل والحياة التى يقتنصها خان من بين ركام من الألم والقسوة والغضب والكبت وفساد النفوس. وهو يعتمد فى فتاة المصنع لثالث مرة على سيناريو فى غاية الإحكام والصنعة لوسام سليمان , يبث فيه الحركة والروح والحياة ويضفى عليه بصمته السحرية الجميلة ليشكل لقطاته ومشاهده بإتقان وتكامل وليمنحه إيقاعه وإحساسه وليضفى على مختلف عناصره حالة من التكامل والتواصل والإنسجام ليصنع فى النهاية وبالنهاية واحدا من الأفلام التى سوف تظل باقية فى ذاكرة السينما والتى يمكن ضمها بدون أى تردد إلى روائع الفن السابع التى يندر أن يجود بمثلها الزمان.

صفحة "النقد السينمائي" على الفيس بوك في

04.02.2014

 

'فتاة المصنع' في دور السينما المصرية

ميدل ايست أونلاين/ القاهرة 

فيلم المخرج محمد خان يروي حكاية فتاة فقيرة تقع في حب مهندس، وتجد نفسها بهذه المغامرة وحيدة أمام المجتمع.

تستقبل دور العرض المصرية الفيلم الجديد للمخرج محمد خان، إذ تقرّر عرض فيلمه "فتاة المصنع"، في منتصف شهر مارس/ اذار.

الفيلم سيناريو وحوار وسام سليمان، وإخراج محمد خان، وبطولة ياسمين رئيس، وهاني عادل، وسلوى خطاب، وسلوى محمد علي.

وتدور وقائع الفيلم حول هيام فتاة في الحادية والعشرين من عمرها تعمل كغيرها من بنات حيها الفقير في مصنع للملابس لترصد الأحداث تجربة حب تعيشها الفتاة كمغامرة دون أن تدري أنها تقف وحيدة أمام المجتمع.

هيام تعيش مع والدتها (سلوى خطاب) وشقيقتها وزوج الأم في حي فقير تضطر فيه الفتيات للعمل في المصانع لمساعدة العائلة.

وتلتقي عيون هيام بطلة الفيلم بالمهندس الرجل الوحيد الذي قدم للعمل في المصنع، تقع في حبه، تتحدى كل فتيات المصنع اللاتي يضحكن عليها، ويتهامسن يحاولن تثبيط عزيمتها، لكنها تؤكد لهن انها سترقص في فرحه.

هيام فتاة حالمة مثل أي فتاة، تتحدى المنطقة التي تعيش بها، وتصر على أنه لو كان والدها على قيد الحياة لكانت هي الأخرى على قيد الحلم، لكنها فقيرة، مكسورة، غير أنيقة، وغير متعلمة، والدتها لا تستطيع العيش من دون رجل لذا تزوجت.

يبدأ مشوار هيام إلى قلب صلاح المهندس الجديد في المصنع، بعد أن يعارضها في المشاركة برحلة سنوية لمنطقة العين السخنة، وتصبح محل شماتة فتيات المصنع التواقات إلى نظرة من المهندس، لكن المفاجأة التي تقلب كل الموازين تتجسد في لحاق المهندس صلاح حافلة الرحلة وإيقافها والصعود إليها، هنا تتأكد هيام أنه وقع في فخ حبها.

أثناء الرحلة، تتعدد محاولات الفتيات البائسة لجذب المهندس من خلال عرض طعام من صنع أياديهن، فهن من طبقة مازالت تعتقد أن الطريق إلى قلب الحبيب تكمن في كسب معدته، هذه المعدة "النظيفة أوي"، حسب هيام، لم تتحمل دسامة طعام فتيات المصنع، فيصاب صلاح بحالة تسمم تستدعي نقله إلى المستشفى، المكان الذي تقصده هيام بحجة الاطمئنان على زميلها في العمل على الأقل أمام والدته التي شعرت بخطر نمو هذا النوع من الحب الذي سيضع ابنها في طريق لا يتناسب ومكانته الاجتماعية، على الرغم من أنهم يعيشون في منطقة لا تعتبر من المناطق الراقية في مصر.

تتطور علاقة هيام بالمهندس صلاح وتتكرر زياراتها لبيته الذي يعيش فيه مع عائلته، إلى أن تجتمع به وحيدين في المنزل مع غياب الأم وشقيقته، وتبدأ العلاقة التي تكتشفها الأم، فتلحق بالفتاة وتصر على أن تعطيها 20 جنيهاً لقاء خدماتها وتغلق الباب في وجهها، تشعر هيام بالإهانة، وتتحول الأحداث إلى إصرار هيام على إرجاع الـ20 جنيهاً، خصوصاً بعد مرور الكثير من المشاهد التي تنبئ بابتعاد صلاح عنها مع طلبه الانتقال إلى قسم آخر في المصنع.

تتأزم هيام دون النطق بكلمة، وتتصاعد مجريات الأحداث بعد أن تكتشف الرقيبة على الفتيات في المصنع جهاز اختبار للحمل، تتجه أصابع الاتهام كلها إلى هيام، التي لا تدافع حتى عن نفسها، مع اصفرار وجهها الدائم وآلام بطنها تتأكد الشائعة، فتنبذها الفتيات والحي ووالدتها، حتى تقوم جدتها باستدراجها إلى المنزل وتأمر عماتها بالهجوم عليها وقص شعرها، في هذا التوقيت تدخل هيام عالم خالتها التي تعمل خادمة بعد دوامها الرسمي في قسم الاتصالات، وتتعدد علاقتها الجنسية لأنها مطلقة، لكن هيام لا تريد أن تكون مثل خالتها، تريد أن تعيش لأنها ببساطة تستحق.

ميدل إيست أنلاين في

07.02.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)