بطل «اللص والكلاب» و«سكر هانم» و«الكرنك»
رحيل كمال الشناوي دون جوان السينما
المصرية بعد 60 عاما من العطاء
القاهرة: محمد عجم
ودعت الأوساط الفنية، في مصر والعالم العربي، أحد أعلام الفن السابع
الذين تركوا بصمة حية ومتميزة في الوجدان العام.. فعن عمر يناهز التسعين
عاما، وبعد رحلة خصبة حافلة بالعطاء أثرى خلالها شاشتي السينما والتلفزيون
بالمئات من الأفلام والمسلسلات المهمة، طوى الفنان القدير كمال الشناوي
صفحته مع الفن والحياة.
وشيع حشد من الفنانين والجماهير جنازة الفنان المحبوب، أمس، إلى مثواه
الأخير، عقب جنازته بعد صلاة الظهر من مسجد مصطفى محمود بحي المهندسين
بالجيزة، ليسدل الستار على المشهد الأخير في حياته التي قضى آخر أعوامه
فيها مستسلما لكرسي متحرك بعد أن داهمته أمراض الشيخوخة.
وبوفاة كمال الشناوي يفقد الوسط الفني حبة أخرى من حبات العقد الفريد
خلال شهر رمضان، بعد أن ودع، منذ أيام، إحدى رفقاء دربه الفنانة القديرة
هند رستم، الملقبة بـ«مارلين مونرو الشرق»، الفنانة الأميركية الشهيرة.
يعتبر الفنان كمال الشناوي أحد نجوم الزمن الجميل، وفتى الشاشة في
فترة الخمسينات، مما جعل من حوله يلقبونه بـ«دون جوان» تلك الفترة، كونه
الفتى الوسيم الذي تقع في غرامه الفتيات.
ولد الفنان الراحل في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1922، في مدينة
المنصورة، عاصمة محافظة الدقهلية (180 كيلومترا شمال شرقي القاهرة)، وعاش
في بداية حياته في حي السيدة زينب بالقاهرة.
كانت بداية ظهور موهبته الفنية عندما حصل على عضوية فرقة المنصورة
المسرحية؛ حيث اكتشفت موهبته في فن الإلقاء والخطابة. ويرجع الفنان الراحل
بداية وضعه على أول الطريق إلى مدرس اللغة العربية الذي جعله يحب التمثيل
من خلال إسناد بطولة عمل مسرحي على مسرح المدرسة له، وعلى الرغم من ذلك كان
الشناوي عاشقا للفن التشكيلي والتصوير إلى جانب الغناء.
مع قدومه إلى القاهرة والالتحاق بجامعة حلون، حيث انضم إلى كلية
التربية الفنية، أتيح له التردد على الأماكن التي يتجمع فيها الفنانون، وفي
مقدمة هذه الأماكن كان محل «الجمال» بشارع عدلي بوسط القاهرة، الذي كان
أشهر الأماكن التي يتردد عليها نجوم الفن، كما كان يحرص على دخول دور العرض
بصفة منتظمة ومتابعة الأفلام الجديدة. وكان شعور بالسعادة يراوده حين يقف
أمام أبواب المسارح ويشاهد نجوم المسرح الكبار أمثال يوسف وهبي وسليمان بك
نجيب وعبد الوارث عسر وفاخر فاخر وحسين صدقي وآخرين.
أما أولى تجاربه الحقيقية كممثل فكانت في الكلية، حينما حضر الفنان
الكبير زكي طليمات ليخرج إحدى المسرحيات، وحدثت المفاجأة باختياره له من
بين زملائه الطلاب ليقوم ببطولة إحدى المسرحيات ضمن أنشطة الكلية، وبعد
العرض ربت طليمات على كتفه وقال له جملة لم ينسها الشناوي طوال عمره وهي:
«أنت موهوب ومميز وينتظرك مستقبل جيد بشرط أن تركز في التمثيل»، وكان لهذه
الجملة أثر بالغ على الشناوي، بل إنها غيرت اتجاهاته الفنية وجعلته يركز
أحلامه في التمثيل.
ومع تخرج الشناوي في كلية التربية الفنية التحق بمعهد الموسيقى
العربية، ثم عمل مدرسا للتربية الفنية لمدة عامين، وفي عام 1948 كان أول
أفلامه «غني حرب» من إخراج نيازي مصطفى، أمام بشارة واكيم وإلهام حسين
وليلى فوزي وماري منيب. وبعد هذا الفيلم قدم فيلمين في العام نفسه هما:
«حمامة السلام» من إخراج حلمي رفلة، و«عدالة السماء» من إخراج أحمد كامل
مرسي، وقد شاركته الفنانة شادية بطولة الفيلمين، لتبدأ بينهما رحلة فنية
بعد أن شكلا «دويتو» أعجب به الجمهور طوال أحداث 32 فيلما جمعتهما سويا.
وهو ما جعل بعض النقاد والسينمائيين يعتبرهما أشهر ثنائي في التاريخ
السينمائي العربي كله.
وبخلاف شادية، شكل كمال الشناوي الكثير من الثنائيات الأخرى الناجحة
أيضا، التي تركت الكثير من الأعمال التي لا تنسى، فقد قدم ثنائيا مع
إسماعيل ياسين وفاتن حمامة، التي قدم معها 7 أفلام أبرزها: «العقاب، خلود،
ظلموني، الأستاذة فاطمة، الملاك الظالم».
قدم كمال الشناوي الكثير من الأدوار على مدار حياته تنوعت من الخير
للشر والدراما والكوميديا في أكثر من 300 فيلم طوال حياته الفنية، وخلال
الأربعينات والخمسينات كان الشناوي فتى الشاشة الأول نظرا لوسامته من
ناحية، كما تمتع بحساسية فنية وبحضور لافت وجذاب على الشاشة، ساندته مقدرة
على التنوع والتقمص، لشتى الأدوار في الدراما والكوميديا، بينما توارى خلف
صدى الشناوي نجم أنور وجدي، فتى الشاشة في السنوات السابقة.
لكن بعدما شعر بتكرار الأدوار التي تحصره في هذه الزاوية، قرر كمال
الشناوي الدخول في ميدان آخر يؤكد فيه قدراته على أداء جميع الأدوار بعيدا
عن التكرار، ومن هنا جاءت النقلة في فيلم «المرأة المجهولة» مع شادية وزهرة
العلا وعماد حمدي؛ حيث قدم شخصية الشرير البلطجي، وهو الدور الذي أحدث
مفاجأة لدى المشاهدين والنقاد على السواء، ثم قدم دورا شريرا جدا في فيلم
«حبي الوحيد» مع نادية لطفي وعمر الشريف.
وخلال هذه السنوات كان أبرز أفلامه «سجى الليل» مع ليلى فوزي ومحمود
المليجي، إخراج هنري بركات، و«السعادة المحرمة» مع أمينة رزق وعفاف شاكر،
إخراج السيد زيادة، و«الروح والجسد» مع محمد فوزي وكاميليا، إخراج حلمي
رفلة، و«سكر هانم» مع سامية جمال وعمر الحريري وعبد المنعم إبراهيم، و«عريس
لأختي» و«أميرة الجزيرة» مع تحية كاريوكا وإسماعيل ياسين، إخراج حسن رمزي،
و«تنابلة السلطان»، وهو الفيلم الوحيد الذي أخرجه عام 1965.
ومن أفلامه أيضا: «الرجل الذي فقد ظله، المستحيل، سر الهاربة، زوجة
ليوم واحد، الشيطان الصغير، طريق الدموع، الليالي الدافئة، اللص والكلاب،
فطومة، غراميات امرأة، زوجة من الشارع، العاشقة، لن أعود، عش الغرام، عاشت
للحب، شمس لا تغيب، المرأة المجهولة، قلوب العذارى، سامحني، لواحظ، غرام
المليونير، مدرسة البنات، الحموات الفاتنات، ساعات الخطر، حلاوة الروح».
أما فيلمه «وداع في الفجر»، الذي قدمه عام 1956 وشاركته البطولة فيه
الفنانة شادية ويحيى شاهين وعبد المنعم إبراهيم، ومن إخراج حسن الأمام، فقد
ظل طوال 30 عاما ممنوعا من العرض، وهي مدة حكم الرئيس المصري السابق محمد
حسني مبارك، وذلك بسبب ظهور الأخير في مشهد تمثيلي في العمل.
وهو الفيلم الذي تحدث عنه الفنان كمال الشناوي لـ«الشرق الأوسط» قبل
وفاته بـ4 أشهر، قائلا: «لا أعلم أن الفيلم منع من العرض من التلفزيون
المصري إلا بالصدفة من خلال تداول الخبر عبر وسائل الإعلام بعد اندلاع ثورة
(25 يناير)، بسبب مشهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك في الفيلم، مما أدى
إلى منع عرض الفيلم طوال هذه الفترة، لكن الفيلم كنت أتابعه عبر القنوات
الخاصة باستثناء مشهد مبارك». أما عن حقيقة هذا المشهد فقال: «كنت أقوم
بالتصوير في مدنيه بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية، وكان يستلزم للمشهد قائد
طيار لقياده الطائرة، ورشح الطيار مبارك لتمثيله، ولم أتحدث معه إلا من
خلال تصوير المشهد، ولا أحد يعلم أنه سيكون رئيسا للجمهورية فيما بعد».
في منتصف السبعينات قدم الفنان الراحل شخصية «خالد صفوان»، رجل الأمن
المستبد في فيلم «الكرنك»، مع سعاد حسني ونور الشريف، وهي الشخصية التي رأى
الشناوي فيها أنها الأقرب إلى ما كان يحدث من فساد قبل ثورة «25 يناير»،
على الرغم من أنها كانت ترمز في وقت عرض الفيلم في عام 1975 إلى فساد رئيس
المخابرات الراحل صلاح نصر.
ويوضح الشناوي: «فترة الثمانينات والتسعينات على الرغم من قلتها فإنني
حرصت فيها على التنوع والتغيير، ومن هذه الأفلام: (المذنبون) و(ضربة معلم)
و(العوامة 70) و(الجبلاوي) و(الوحل) و(يا ناس يا هووه) و(فضيحة العمر)
و(انتحار) و(أي أي) و(صاحب الشقة) و(العقرب) و(العجوز والبلطجي) و(طأطأ
وريكا وكاظم بيه)، و(ملف سامية شعراوي) و(48 ساعة في إسرائيل)». كما شارك
الفنان عادل إمام بطولة فيلمي «الإرهاب والكباب» و«الواد محروس بتاع
الوزير»، اللذين قدم فيهما شخصية وزير بالحكومة المصرية، وكان آخر أفلامه
عام 2006 عندما شارك في بطولة فيلم «ظاظا» مع الفنان هاني رمزي.
وبعيدا عن أعماله السينمائية، خاض الشناوي أكثر من تجربة تلفزيونية
ناجحة بعد أن بدأ مشواره كممثل بالتلفزيون عام 1977، منها: «زينب والعرش»،
و«هند والدكتور نعمان»، و«بيت الأزميرلي»، و«أولاد حضرة الناظر»، و«لدواعي
أمنية»، و«العائلة والناس» و«آخر المشوار».
أما عن حياته الاجتماعية فعلى الرغم ممَّا طاله هو والفنانة شادية من
شائعات فإنهما لم يتزوجا، بل إنه تزوج شقيقتها عفاف شاكر التي مارست الفن
سنوات قليلة ثم اعتزلت، وكانت قد شاركته بطولة فيلم «السعادة المحرمة».
وكثيرا ما تحدث عن هذه الزيجة قائلا إنه انجذب نحوها بسرعة، وكذلك الأمر
بالنسبة لها واتخذا قرار الزواج بسرعة، ولم تكن هناك دراسة كافية أو تفكير
عميق في الموضوع، ولهذا اختلفا سريعا ولم يستمر الزواج طويلا.
تزوج الفنان الراحل من السيدة هاجر حمدي، واستمر زواجه منها نحو عامين
ثم وقع الانفصال بينهما بعد أنجبا نجله محمد، الذي اتجه للإخراج وهو مخرج
معروف باسم محمد الشناوي.
نال كمال الشناوي في حياته الكثير من الجوائز، منها: جائزة شرف من
مهرجان المركز الكاثوليكي عام 1960، وجائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان
جمعية الفيلم عام 1992، وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996
اختار سينمائيون 5 أفلام شارك فيها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ
السينما المصرية، وهي: «أمير الانتقام»، و«اللص والكلاب»، و«المستحيل»،
و«الرجل الذي فقد ظله»، و«الكرنك».
كان الفنان الراحل قد توارى عن الأنظار منذ سنوات بسبب مرضه، لكن ذلك
لم يمنعه من التعليق على قيام ثورة «25 يناير»، التي أطاحت بحكم الرئيس
مبارك؛ حيث أبدى رأيه فيها قبل عدة أشهر لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «سلام على
الشباب الذي قام بثورة ما أحلاها، فهذه الثورة من أعظم الثورات»، مؤكدا أن
الشباب هم الذين قاموا بثورة «25 يناير»، واستطاعوا عمل تغيير بشكل كبير
أكثر من الثورات الماضية. كما عبر عن سعادته بما حققته هذه الثورة، وأشاد
بشبابها، مؤكد أنه تابع لحظة بلحظة كل أحداث الثورة. وأضاف: «البلد سيكون
حاله أفضل مما كان عليه»، أما عن الرئيس الذي يرشحه للرئاسة للفترة المقبلة
فأكد أن «المرشح المناسب الذي يختاره الشعب ويستطيع أن يلبي طلباته، ولن
نقف عند الأسماء».
من جهتها نعت المهن التمثيلية، أمس، الفنان الراحل، وقال عنه نقيب
الممثلين الفنان أشرف عبد الغفور: «كان من الفنانين الذين أثروا الحياة
الفنية على مدى سنوات طويلة بأعمال لا تنسى، وتمكن خلال مسيرة عطائه الفني
من انتقاء الأعمال التي تناسبه لكل مرحلة عمرية سواء الشباب أو الكهولة
وأتقنها وأداها ببراعة»، مشيرا إلى أنه عمل مع الشناوي في فيلم «بيت
الطالبات» من إخراج أحمد ضياء الدين، وكذلك المسلسل التلفزيوني «الشك»،
ولمس حبه وتفانيه في العمل واحتضانه للفنانين المبتدئين.
|