كمال الشناوى ..
الرسام الذى أصبح
"
دنحوان" السينما
الفنان كمال الشناوى الذى غيبه الموت صباح اليوم الاثنين الموافق 22
أغسطس عام 2011تربع
على عرش النجومية في السينما المصرية منذ أواخر الأربعينات واستمر بطلها
المتميز في الخمسينات، وأستاذها في الستينات لكثرة أعماله وتنوعها وخصب
أدائه وتجدد
عطائه وثراء شخصياته، وحكيمها في السبعينات من دون أن يتخلى عن
حيوية الفتى الأول،
وليواصل عمله الذي جند نفسه له في معترك التمثيل بالقدر نفسه من الإبداع
والتلقائية
والجدية.
الفنان كمال الشناوي التحق بكلية الفنون الجميلة وتخرج فيها ليعمل
مدرساً يعلم الصغار فن الرسم فأحبه الصغار والكبار وأصبح فنانا تشكيليا..
ولم يكتف
كمال الشناوي بحب الصغار فانتقل إلى الشاشة ليعلم الكبار فن
الحب والحياة فأحبه
الصغار والكبار، هو أحد النجوم الذين عاصروا السينما المصرية في ازدهارها
وانحدارها
ظل لفترة طويلة معبود الفتيات، يختفي فجأة لفترة يعود بعدها أكثر نضجاً
ليخرج من
إطار «الولد الحليوة» إلى رحاب الفنان الذي يترك بصمة في كل
عمل فني.
قدم ما
يزيد على 272 فيلماً سينمائياً من عام 1947 حتى عام 2008، بما فيها أربعة
أفلام من
إنتاج خارجي، منها فيلم إنتاج لبناني هو «البدوية العاشقة» عام 1963، وفيلم
إنتاج
مشترك هو «على ضفاف النيل» مع اليابان عام 1962، وفيلم إنتاج
سوري بعنوان «الرجل
المناسب» عام 1969، وفيلم إنتاج مشترك مع تركيا عام 1970 هو «لصوص على
موعد».
تعامل كمال الشناوي مع ما يقرب من أربعين ممثلة سينمائية، كانت
الفنانة
المعتزلة شادية صاحبة أكبر رصيد من الأفلام التي شاركته البطولة فيها، وبلغ
عددها 32
فيلماً، أولها «حمامة السلام» عام 1947،
وآخرها فيلم «الهارب» عام 1975.
وفي
استفتاء أحسن مائة فيلم مصري الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996
بمناسبة
مئوية السينما المصرية، حصل كمال الشناوي على المركز الثالث بعد رشدي أباظة
بفارق
أربعة أفلام، وشكري سرحان بفارق فيلمين فقط، وبرصيد ستة أفلام
اختيرت ضمن المائة
فيلم هي: اللص والكلاب، المستحيل، أمير الانتقام، المذنبون، الرجل الذي فقد
ظله،
والكرنك.
شارع خيرت
وهذه هي خريطة وجود كمال الشناوي.. في جغرافية الحياة
والفن معاً!.. زمان كان لشارع خيرت أهمية، فشارع خيرت، هو أحد الطرق
الرئيسية، في
منطقة تقع بين حي الوزارات، الذي يحمل اسم الوزير التركي:
«لاظوغلي»، والسيدة زينب،
وهي منطقة شهدت عزاً ومجداً، قبل أن تنزح عنها عائلات أصيلة عديدة، في زحف
يواكب
توسع العاصمة، إلى جاردن سيتي والزمالك.
في شارع خيرت، بيت مازال موجوداً حتى
الآن، يحمل رقم 27، والبيت مكون من ثلاثة طوابق: اثنان منها
مكتملان، والثالث لا
يضم أكثر من غرفتين، اعتبر نوعاً من المضيفة المعدة لاستقبال الزوار،
وأحياناً
لمبيت البعض منهم، لليال معدودة.. في هذا الطابق (الثالث) رأى محمد كمال
محمد علي
الشناوي النور، في السادس والعشرين من شهر ديسمبر عام 1918.
أول أجر
السؤال
الذي يطرح نفسه، ونحن نستعرض بعضاً من حياة النجم كمال الشناوي الفنية هو:
كيف بدأ
حياته الفنية وسط جيل من العمالقة؟!.
وكيف انتشر اسمه في عالم السينما خلال
سنتين من اشتغاله فيها؟.
انتهت المرحلة الأولى في حياة كمال الشناوي، عندما
انتهى من دراسته الثانوية، ودخل كلية الفنون التطبيقية، وبعد تخرجه اشتغل
فترة
بالتدريس، وان كانت أكثر المواقف المحفورة في ذاكرته هي العمل بالسينما،
فقد كان من
هواة التمثيل طوال مرحلة الدراسة، وكان لديه شعور غامض بأنه
سوف يصبح ممثلاً
سينمائياً ذات يوم.
والغريب أن هذا الشعور لم يكن شعوره وحده بل كان شعور كل من
هم حوله، أساتذته وزملاؤه وأهله.
من هنا كانت ثقته كبيرة بأنه سيصبح يوماً ما
ممثلاً مشهوراً، غير أنه كان يخشى أن يجذبه هذا الحب وتشده
الرغبة للتمثيل عن
متابعة دراسته، فقد اختار بإرادته مهنة التدريس ومازال بداخله حب كبير
للمدرس الذي
تنبأ له بمستقبل فني على الرغم من هذه السنوات الطويلة.
وجاءت فرصته في التمثيل
مع تعرفه إلى المخرج نيازي مصطفى، الذي كان واحداً من
المخرجين الكبار في ذلك
الوقت، وتم التعارف عن طريق شقيقه وكان يعمل قاضياً، وفي أول لقاء بينهما
قال له: «أنت محظوظ».. أنا داخل بعد شهر فيلم جديد،
ولك فيه دور يعتبر دور البطولة
المطلقة.
وانتهى اللقاء بأن تسلم المخرج نيازي مصطفى عنوان كمال الشناوي ورقم
تلفون المدرسة التي كان يعمل فيها، ولكن مر شهر ولم يتصل به المخرج نيازي
مصطفى،
فطلب أحد زملاء كمال الشناوي أن يعاود الاتصال به لكنه رفض،
وقال في قرارة نفسه
ربما يكون قد غير رأيه، وإذا اتصلت به فإنني أصبح كالمتطفل وهو يكره أن
يكون كذلك،
فإذا كان يريده فما على نيازي مصطفى إلا أن يتصل به كما اتفقا.
وفجأة قال أحد
الزملاء للفنان كمال الشناوي: أليس من الجائز أن يكون قد أضاع العنوان ورقم
التليفون.. ولكن كمال الشناوي تجاهل حديث زميله وصمم على موقفه.. وتمر
الأيام من
جديد ويفاجأ كمال الشناوي في أثناء جلوسه في مقر اتحاد أساتذة
الرسم في شارع عماد
الدين حيث كان يعمل مدرساً، بمكالمة هاتفية من نيازي مصطفى، ودهش كمال
الشناوي جداً
لأنه كان قد أعطاه رقم تليفون المدرسة، فسأله: «أنت عرفت إزاي اني هنا؟»،
فأجابه
نيازي مصطفى قائلاً: «واحد صاحبك لسه مكلمني وقال لي فيه واحد
قابلته اسمه كمال
الشناوي وخدت نمرة تليفونه بعد أن وعدته بالتمثيل وفات شهر ولم يحدث ذلك».
فقال
كمال الشناوي للمخرج نيازي مصطفى: «يعني صديقي هو اللي طلبك». فقاطعه نيازي
مصطفى
قائلاً: «بلاش كلام كتير.. خد تاكسي وتعال إلي حالاً». وذهب كمال الشناوي
إليه..
وعندما التقيا قال له نيازي مصطفى: «كويس إن زميلك ده اتصل بي، علشان
عنوانك ورقم
تليفونك ضاعا مني»..
وبالفعل ذهب به نيازي مصطفى إلى المنتج رشاد الشوا – عمدة
غزة – لتوقيع العقد على بطولة فيلم «غني حرب».
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان،
حيث تركهما المخرج نيازي مصطفى معاً وذهب لقضاء بعض أعماله،
وأخرج المنتج رشاد
الشوا العقد ليوقعه كمال الشناوي.. وهنا اعتقد كمال الشناوي أنه نجم وأنه
يجب أن
يتقاضى أجراً كبيراً فطلب 500 جنيه، فثارت ثائرة المنتج وأخرج لكمال
الشناوي عقوداً
لكبار النجوم وقال له بالحرف الواحد: أنظر.. بشارة واكيم كم أجره ؟ مائة
جنيه..
ليلى فوزي كم أجرها؟ وأحس كمال الشناوي بالحرج، ووقتها كانت الخمسمائة جنيه
ثروة.
اتصل المنتج رشاد الشوا بالمخرج نيازي مصطفى وعاتبه على هذا الفتى
المغرور
الذي قدمه إليه.
المهم كان نيازي مصطفى يتسم بالهدوء.. فأصلح الموقف.. وخرج كمال
الشناوي بأجر مائة جنيه.
وجاء أول يوم تصوير في استديو مصر، وهو يوم لن ينسى،
لأنه ذكره بذلك اليوم الذي أرسل فيه خطاباً
الىاستديو مصر يخبرهم فيه برغبته كمشرف
للنشاط الاجتماعي والثقافي في مدرسة قصر الدوبارة الثانوية باصطحاب
التلاميذ في
زيارة للاستديو، للتعرف فيها إلى أوجه نشاط العمل السينمائي.
وبالفعل تحدد لهم
موعد للزياره، وقبل مغادرة الاستديو، طلب كمال الشناوي من المرافق اتاحة
الفرصة له
لزيارة غرف الممثلين، فاندهش لهذا الطلب الغريب ولكنه حقق له رغبته، لكنه
فوجىء
بالغرف صغيرة كأنها غرف للإيواء الشعبي.. لا جمال فيها ولا
تنسيق لقطع الموبيليا
المتهالكة، ومن جديد عاد يقول للمرافق: هل هذه هي غرف الممثلين ؟!. وأين
يقيم
النجوم امثال أم كلثوم ويوسف وهبي وليلى مراد.
فقال له: «هناك غرفة كبيرة لإقامة
هؤلاء النجوم».. ومرة أخرى طلب رؤيتها فاكتشف التمييز الواضح بين النجم
الكبير
والممثل الصغير، فالحجرة واسعة وجميلة الأثاث.. واتجه إلى شباك
الغرفة ودعا الى
الله أن تصبح هذه الغرفة حجرته عندما يصبح ممثلاً، والا يحشر في الحجرات
الحقيرة
التي رآها من قبل.
لقد تذكر كمال الشناوي هذا الموقف في أول يوم تصوير باستديو
مصر حين أعطوه الحجرة التي خاف منها في أثناء رحلة المدرسة، وتشاء الظروف
أن تنشأ
علاقة صداقة بينه وبين الفنانة إلهام حسين بطلة الفيلم، فطلب
منها أن تسمح له
بالاقامة في حجرتها الكبيرة، وقبل أن تتهمه بالجنون، سرد عليها قصته
بالكامل، وكانت
المفاجأة أن أمرت بنقل ملابسها وأدواتها الخاصة إلى حجرته الصغيرة وانتقل
كمال
الشناوي إلى الحجرة الكبيرة، واتجه على الفور إلى الشباك الذي
دعا فيه الله من قبل،
وشكره لأنه حقق أمنيته. وفي الوقت الذي كان كمال الشناوي طلب فيه هذا لم
يكن يعلم
بالضجة التي حدثت بسبب هذا الموقف، فقد تساءل الجميع في الاستديو عن سر هذا
الممثل
الجديد الذي تركت له البطلة إلهام حسين غرفتها، ويومها ظن
البعض أن هناك علاقة حب
وتبادل عواطف قد نشأت بينهما، ولكنهم اكتشفوا الحقيقة كاملة حين روى لهم
أصل
الحكاية.
وهكذا عاد كمال الشناوي في صباح اليوم التالي الى حجرته السابقة..
وتمر
الأعوام.. وتصبح حجرة النجوم هي مكانه الطبيعي بعد أن أصبح نجماً.
|