هل الوزن أثرّ في جوائز الأوسكار؟
يبدو كريستيان بايل في فيلم
The Fighter
نحيلاً وشاحباً وهو يتعاطى المخدرات.
إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي يخسر فيها بايل الكثير من وزنه لأداء
دور ما.
فقد خفّض هذا الممثل (طوله 1.82 متر) وزنه
إلى نحو 55 كيلوغراماً ليشارك في فيلم
The Machinist
عام 2004. فهل للوزن تأثير في جوائز الأوسكار؟ سؤال حاولت الـ{واشنطن
بوست} الإجابة عنه.
لا تقتصر خسارة الوزن على الممثلين الذين يؤدون أدواراً صعبة. إذ يذكر
بعض
التقارير أن الممثلة الصغيرة القد ناتالي بورتمان فقدت 10 كيلوغرامات
تقريباً من
وزنها كي تؤدي دور راقصة الباليه النحيلة في فيلم
Black Swan.
ففازت بجائزة أوسكار
عن دورها هذا.
ينجح الممثلون الذين يمتنعون عن تناول الطعام في استقطاب الاهتمام في
عالم
التمثيل. كذلك، تزداد فرص فوزهم بجائزة الأوسكار. فقد فَقَدَ أدريان برودي
(في فيلم The Pianist)
وميريل ستريب (في فيلم Sophie’s Choice)
الكثير من وزنهما ليؤديا دور
ضحيتين في معسكرات الاعتقال النازية. نتيجة لذلك، فاز كلاهما بجائزة أوسكار.
لكن
إذا تحوّلت خسارة الوزن إلى تقنية ناجحة في عالم التمثيل، فقد ضاهاها
اكتساب الوزن
نجاحاً. ومن الأمثلة على ذلك فوز روبرت دي نيرو الممتلئ الجسم
بجائزة أوسكار عن
دوره في فيلم Raging Bull،
وفوز تشارليز ثيرون بهذه الجائزة عن دورها في فيلم Monster،
وترشّح رينيه زيلويغر لها عن دورها في فيلم
Bridget Jones’s Diary.
يبدو أن التغييرات الجسدية القاسية تشدّد على مدى جدية الممثل. كذلك،
تساهم
الأخبار عن التهام الممثل كميات كبيرة من الطعام أو معاناته الجوع لأداء
الدور
المطلوب في الترويج للفيلم. ففيما كانت بورتمان تقوم بجولة لتسويق فيلمها
Black Swan، ركّزت المقابلات على صعوبة خسارتها هذا القدر
الكبير من وزنها وممارستها
التمارين الرياضية الصارمة. تخبر بورتمان مجلة Sunday Telegraph
الأسترالية: {تمتنع
عن شرب الكحول والخروج برفقة الأصدقاء. تتناول حصصاً صغيرة جداً من الطعام.
تعرّض
جسمك لألم مبرح متواصل، ما يجعلك تفهم العذاب الذي تفرضه راقصة
الباليه على
نفسها}.
لكن هل لخسارة الوزن أو اكتسابه أي قيمة فنية؟ وهل يُشكّلان جزءاً من
الأداء
الجيد؟
يندّد بعض المراقبين بهذه الظاهرة ويعتبر أن اهتمام أكاديمية فنون
وعلوم الصور
المتحركة بمظهر الممثل، حوّل تبديل الشكل الخارجي إلى جزء من أداء النجم
الفني.
توضح جانين باسينجر، مؤرخة سينمائية
وبروفسورة في جامعة ويسلاين: {تُقدَّم جوائز
الأوسكار غالباً إلى ممثلين يغيّرون مظهرهم. لكن خسارة الوزن
أو اكتسابه لا دخل
لهما بالتمثيل. وأظن أن الإقدام على خطوة مماثلة جنون مطبق}.
وتوافقها الرأي الكاتبة والناقدة السينمائية مولي هاسكل. توضح هذه
الأخيرة: {نُلاحظ
أن الأكاديمية طالما أولت أهمية كبرى لهذا التحوّل في المظهر، إذ يصبح معه
الممثل شخصاً مختلفاً تماماً تعجز حتى عن التعرف إليه. من المفترض أن يقوم
التمثيل
على استخدام المخيلة، على ابتكار شخصية بالاستعانة بمخيلتك.
لكن الممثل صار يعجز
اليوم عن تقديم شخصية متكاملة لأنه يتوقف عند المظهر الخارجي. طبعاً، ليس
بالأمر
السهل أن تحوّل ممثلة جميلة نفسها إلى امرأة قبيحة. إلا أن ذلك يشكّل فكرة
مبتذلة
عن ماهية التمثيل}.
تعتبر هاسكل تأرجح وزن بايل (بعد
The Machinist
اكتسب نحو 45 كيلوغراماً
للمشاركة في
Batman Begins)
مجازفة. تذكر: {لا بد من أنه يعشق ذلك. أحببت دوره في The Fighter.
صحيح أن أداءه كان مبالغاً فيه، غير أنه مثير للاهتمام. لكني لا أعتقد
أنه كان بحاجة الى خسارة الوزن للقيام بهذا الدور}.
لا شك في أن خسارة الوزن لأداء دور الملاكم السابق المدمن على
المخدرات، ديكي
إكلوند، بدت سهلة بالنسبة إلى بايل. غير أن مظهره الشديد النحول في
The Machinist
لفت كثيرين. فقد أثنت عليه صحيفة
Los Angeles Times، متحدثة عن {تأثيره المزعج}.
واللافت أنه فاجأ تماماً براد أندرسون، مخرج فيلم التشويق هذا الذي يركّز
على
الجانب المظلم من شخصية الإنسان ويتناول قصة عامل في مصنع يتملّكه الشعور
بالذنب.
يصف السيناريو الشخصية الرئيسة بأنها {هيكل عظمي متنقل}. غير أن أندرسون
يؤكّد في
مقابلة أخيرة أجريت معه أنه صُدم حين شاهد بايل النحيل يدخل موقع التصوير،
حتى أن
مظهره أذهل طاقم العمل وسائر الممثلين.
يخبر أندرسون: {ما كنت لأتجرأ على الطلب منه أن يخسر نحو 30
كيلوغراماً. ولكن
عندما رأيته على هذه الحال، سارعت إلى القول: لنعدّ فيلماً مميزاً تقديراً
للمجهود
الذي بذله. فيجب ألا تضيع معاناته هباء}.
نتيجة لذلك، خصّص أندرسون مشاهد لبايل وهو عارٍ فاقت ما كان مخططاً
له، خصوصاً
أن هذا الممثل بدا ميتاً أكثر منه حياً، ما قدّم دليلاً واضحاً على الجنون
المعتمل
في داخله. حتى أن أفراد طاقم العمل حرصوا على عدم تناول الطعام أمامه، مع
أن بايل
عاش في نوع من العزلة ليحافظ على طاقته. (صُوّر الفيلم في
برشلونة، حيث تقدّم
المطاعم أطباقاً صغيرة من المقبلات، وفق أندرسون). لكن أحد مشاهد هذا
الفيلم أثار
حقاً قلق المخرج. صُوّر هذا المشهد في مصارف المدينة الصحية تحت الأرض.
يخبر
أندرسون: {كنا في منتصف شهر أغسطس (آب) تقريباً وكان بايل يشعر
بالإرهاق بسبب
امتناعه عن تناول الطعام. فضلاً عن ذلك، اضطر إلى دخول تلك البيئة المليئة
بالسموم
والركض عبر الأنفاق. أُرغمنا على التوقف عن التصوير مرات عدة لنسمح له
بالصعود إلى
السطح وتنشّق الهواء النقي، لأنه بدا وكأنه على وشك أن يُغمى عليه}.
يؤكد أندرسون أن هذا الحرمان الجسدي {أتاح لبايل سبر أغوار الشخصية...
قد يقول
البعض إنه كان بإمكانه الاكتفاء بالتمثيل. إلا أن بايل أحد الممثلين الذين
يحبون أن
يعيشوا الدور بكامل تفاصيله وأوجهه}.
لكن الممثلين في الماضي ما كانوا يستطيعون تجسيد الشخصية بهذه
الطريقة. أتُيح
للممثلين اليوم خيار خسارة كمية كبيرة من وزنهم، لأن المحظوظين منهم قادرون
على
انتقاء الأفلام التي يودون المشاركة فيها. لكن في الماضي، كان نظام العمل
في
هوليوود مختلفاً تماماً. فما كان بإمكان الممثل تمضية أشهر في
التهام الحلوى لأداء
دور واحد، لأن النجوم اعتادوا توقيع عقود لسنوات عدة. وكان عليهم القبول
بالأفلام
التي تفرضها عليهم الاستوديوهات. لذلك، اضطروا إلى الاعتماد على مواهبهم في
عالم
التمثيل لبث الحياة في الشخصية.
تذكر هاسكل، مؤلفة كتاب
Frankly, My Dear: 'Gone With the Wind' Revisited: {أعتقد
أن الممثل الذي يتحلّى بمواهب حقيقية يمكنه تقديم أداء مذهل يمس المشاهد.
فيمكن، مثلاً، لممثلة جميلة أن تؤدي دور امرأة عادية، وهذا ما قامت به
بالفعل
أوليفيا دي هافيلاند مرات عدة}. وتشير هاسكل في هذا الصدد إلى دور دي
هافيلاند
المقنع في فيلم
The Heiress، التي فازت عنه هذه الممثلة الرائعة الجمال
بجائزة
أوسكار. كذلك، تؤكد هاسكل أن العكس صحيح أيضاً، فتقول: {أوحت بيتي ديفيس
للمشاهدين
بأنها جميلة، مع أنها في الواقع ليست كذلك}.
تحظى الممثلات باهتمام خاص إن بذلنا مجهوداً جباراً مماثلاً لأداء دور
سينمائي،
خصوصاً إذا اكتسبن الوزن، كما حدث مع الممثلتين ثيرون وزيلويغر. فتعتبر
ثقافتنا
المهووسة بالحمية أن هذا السلوك أفظع من أن تتقاضى الممثلة المال لتخسر
الوزن. لكن
بعض الأدوار يتحدى أي نوع من إعادة تشكيل الجسم، مهما كان
صارماً. يستطيع الممثل،
الذي يتناول مختلف خلطات البروتين ويتمرن بكد في صالة الرياضة، أن يحصل على
جسم
يليق بملاكم (مثل دي نيرو، سيلفستر ستالون في أفلام روكي ومارك والبيرغ في
The Fighter).
ولكن ما من ممثلة يمكنها أن تتحوّل إلى راقصة باليه مهما خسرت من وزن،
لأن هذا الدور يتطلب سنوات من التدريب المتواصل. وقد شكّل هذا الواقع إحدى
سلبيات
أداء بورتمان، مع أن نحولها الشديد شغل المشاهدين عن ذلك.
تضيف هاسكل، موضحة: {يمكن وصف هذا التصرف، خصوصاً في حالة الممثلات،
بأنه شجاع}.
فيهدف إلى جعل الممثلة بشعة باعتماد تغيير جسدي جذري، مثل النحول الشديد أو
السمنة
المفرطة أو تبديل الملامح بواسطة الماكياج (مثل أنف نيكول كيدمان في فيلم
The Hours، الذي أثار الكثير من الجدل، مع أنها فازت
بأوسكار عن دورها هذا).
لكن، بذل هذا المجهود الجبار بدّل مفاهيمنا عما نعتبره أداء جميلاً
ومميزاً،
ماذا عن الممثلات اللواتي يظهرن على طبيعتهن، خصوصاً إن كن في متوسط عمرهن،
يضعن
نظارات، ويعانين التجاعيد، مثل آنيت بينينغ في
The Kids Are All Right؟
تقول هاسكل
في هذا الصدد: {أعتقد أن آنيت بينينغ أعربت عن شجاعة كبيرة بظهورها بهذا
القدر
الضئيل من الماكياج. فقد بدت طبيعية، ما شكّل جزءاً أساسياً من دورها. غير
أن
الأكاديمية لا تُكافئ هذا النوع من الجرأة والشجاعة}. فلو أدت
بينينغ دور أم سحاقية
سمينة لهزمت بالتأكيد بورتمان في السباق إلى جائزة الأوسكار.
|