المسابقة الدولية في الدورة
الـ32
مهرجان
القاهرة السينمائي.. أفلام بخلفيات بلدانها
سعيد أبو معلا
الأفلام
مرآة
الشعوب
غالبا ما
يكون مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما في دورته الـ32، بمثابة كرنفال
حقيقي، بما يتضمن من أفلام تحضر من دول شتى، وبالتالي تكون الفرصة دوما
مواتية للنظر والتدقيق في أفلام قادمة من البعيد الذي نجهله ولا نعرفه، هذا
البعيد الذي يبقى فيه الأخر كشيء مجهول لا معروف، وكنقطة غامضة، وبالتالي
تكون هناك متعة مضاعفة في مشاهدة الأفلام القادمة منه، سواء توافقنا مع
مضامينها وأفكارها أم لم نتوافق، وتحديدا في كونها تنطلق من خلفيات منتجيها
ومخرجيها الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.
فهي أفلام
تقترب من واقع بلادها، حتى تلك التي تبدو لنا كمشاهدين مملة أو بعيدة عن
قضايانا، وبالتالي يضاف لمتعة السينما متعة مضاعفة حقيقية، وهي متعة
الاكتشاف عبرها. لكونها أفلام دوما ما تحتفظ بتميزها، وطزاجتها وقدرتها على
إثارة أسئلة فينا عنا وعنها، وعن البيئة التي جاءت منها، وارتبط بها صناعها
ونجومها، وبدوري احرص على متابعتها ورصدها.
جامعة
لقطات
ومن هذه
الأفلام المميزة والمختلفة في هذه الدورة فيلم "الهاوية"/ أو "جامعة
اللقطات" للمخرجة اللتوانية "كريستيان بروزيت"، وهو عمل سينمائي مختلف عن
معظم أفلام الأيام الخمسة الأولى في فئة المسابقة الدولية، فالفيلم وان
تناول موضوعا أو تيمة تم تناولها في كثير من الأفلام السينمائية سابقا إلى
أنه قدم معالجته جديدة لها ودون أن ينحاز لشيء، بل انحاز للمشاهدين بحيث
طمح أن يجعلهم أكثر تفاعلا معه عبر دفعهم للتفكير في بطلة العمل "جيل".
الفيلم
يحكي قصة "جيل" طبيبة متخصصة في علاج مشكلات التخاطب والكلام، والتي تنقلب
حياتها من تلك المرأة الوديعة والناجحة والقادرة على تجاوز جميع مشاكل
حياتها وتحديدا تلك المرتبطة بطفولتها وذلك بعد تعرضها لتجربة أليمة ممثلة
بانتحار والدها الذي يدمن شرب الكحول ولعب القمار بعد أن اكتشف أنه يعاني
من مرض السرطان أنها لم تعد كسابق عهدها، فأثناء تحضيرها لمادة علمية مسجلة
على شريط فيديو ليتم عرضها في مؤتمر علمي عن دروس العلاج التي تنفذها بحق
أطفال ترى نفسها على الشاشة لتصاب بالدهشة وكأنها اكتشفت نفسها وأثر
تربيتها الصعبة ووفاة والدها منتحرا على الكثير من المشاعر والأحاسيس
المنكوبة التي اعتقدت إنها اختفت منذ زمن لكنها تكتشف عبر مشاهد الشريط
التدريبي أنها تعاني من مشاكل جمة منها تلبد المشاعر والعدوانية.
ذلك
الاكتشاف يدفعها إلى أن تقوم بتجربة عملية بمساعد شاب مصور لتسجيل عدد من
المواقف المفتعلة وردود الأفعال الناجمة عن هذه المواقف، وخلال هذه التجربة
لم تستطيع أن تدرك قيمة المشاعر الطبيعية أو حتى فكرة أن يوقع أحد في
غرامها، فتصور المشاهد التي تقوم بتنفيذها بنفسها (مضحكة ومبكية) وتحصل على
الشريط الذي تبدأ بعرضه على نفسها لتصاب بحالات معينة من الضحك تارة
والبكاء والحزن تارة أخرى، دون أن تصل لنهاية في هذا العمل الذي تمارسه
وتتهم بسببه بأشد العبارات سوءا.
الفيلم
والذي تطغي عليه الألوان القاتمة من الأسود والأزرق الغامق والكادرات
الضيقة واللقطات الطويلة نسبيا يحاول ان يقترب من عوالم جيل وذلك ما بين
سلوكها وممارساتها التي توصف على انها شاذة وغير سوية والتي تبكيها تارة
وتضحكها تارة في نوع من التمرين على الشعور مع الأخرين تصل حالات تصوير
ذاتها وهي تقتل قطة مثلا عبر إغلاق الباب عليها، ومرة في عملية إفشال
احتفال عرس بين زوجين...الخ من المواقف.
وهي طوال
فترة الفيلم لا تتنازل عن اناقتها ورسميتها وحتى على برستيجها كما لا تحاول
الشخصية أن تبرر للمصور الذي يحاول أن يظهر لها حبه لها السلوكيات التي
يرفضها ولا يفهمها وهو الذي تتطور علاقته معها من الإطار المادي إلى الإطار
العاطفي حيث يقع في حبها ويضطر على مساعدتها فيما تريد.
لا يقدم
الفيلم رسالة واضحة وكذا لا يجنح إلى تقديم نصح أو درس في سيكولوجيا النفس
البشرية، وقد تكون رسالة الفيلم الثانية من ذات الفيلم أو القصة، فبمقدار
ما تحاول ان تمنح المشاهد فرصة أكبر للتفاعل مع الأبطال نرى في استخدام
الكاميرا الديجيتال الرخيصة وسيلة أخذت تحتل مساحات أكبر في حياتنا
وللتعبير عن ذواتنا بشكل اكبر.
الراقصون
فيلم
المخرجة الدنمركية "بيرنيل فيشر كريستينسن" حمل عنوان "الراقصون" يحاول أن
يتناول قصة حب تنشأ بين معلمة رقص وبين مصلح كهربائي غامض، حيث يرينا الحب
بين اللذة والغموض والخوف من تبعاته.
فالمدرسة
"انيكا" امرأة جميلة تدير مدرسة للرقص مع والدتها والتي أسسها جدها خلال
الحرب العالمية الثانية، تتعرف في أحد الأيام على "لاسى" الكهربائي وهو رجل
غامض و قليل الكلام، وعلى الرغم من تحفظه الشديد إلا إنه صرح لها بعد تردد
بأنه حكم عليه بالسجن في جريمة اغتصاب، ومع ذلك تقع بشدة في غرامه بطريقة
تتنافي مع موقف أمها وتوقعاتها منه وحتى توقعات المحيط الاجتماعي في بلد
دنماركية حيث النظرة المزدرية لمن يمارس فعل الاغتصاب.
وعلى
الرغم من المكالمات الهاتفية التي كانت تصلها من زوج الفتاة التي تعرضت
للاغتصاب ووعلى الرغم أيضاً من نوبات غضبه الشديدة وحالة تجهمه إلا إنها
تكون في أسعد لحظات حياتها عندما تكون بجواره، ومع ذلك دوما تنتباها حالات
شكوك كبيرة بأن هناك شيئاً غامضاً في حياته الماضية يخفيه عنها، وعندما
تتأكد من أنه فعلا قام بفعل الاغتصاب في اعترافه أمامها تقرر تركه وهو
الأمر الذي لا تقدر عليه أمام قوة الحب.
فتغامر في
سبيل البقاء معه بحياتها مع والدتها وعلى سمعة مدرستها التي ستتدمر لو علمت
أسر الأطفال الذين يتدربون الرقص بحقيقة حبيبها، لكنها في النهاية تقرر
البقاء معه رغم ماضية السيء.
الفيلم
يبدو محاولا قدر الامكان وضعنا أمام تناقضات الشخصيات ورغباتها وخوفها من
بعضها البعض بطريقة لا تخلو من رغبة دفينة في الفيلم في محاولة خلق حالة من
التعاطف والأنسنة للمغتصب الذي نال عقابه من فعل لم يمارسه سابقا ويندم
عليه أشد الندم في ظل محيط اجتماعي يجرمه دوما ويحاصره طوال الوقت بالنظرات
والاحتقار.
عشب
سويسري
وأما فيلم
المخرجة السويسرية "تامارا ستود" "حيث يكون العشب أكثر اخضرارا" وهو فيلم
يستحق مشاهدة وقراءة مختلفة في عمل ينتصر لقيمة العائلة والأسرة تارة
والعودة للطبيعة والحياة البعيدة عن ضوضاء المدن والعمل بعيدا تارة أخرى.
والفيلم
يحكي قصة "دانيال" السويسري وصاحب الأبقار وصانع الجبنة السويسرية
التقليدية مع الألمانية "إيفا" التي تجبرها الظروف الإقتصادية الصعبة إلى
أن تترك مدينة "براندينبرج" وتقطع علاقتها مع صديقها للسفر إلى جبال الألب
السويسرية لتعمل في رعاية الأبقار بحيث أصبحت مضطرة إلى العمل والتعامل مع
مجموعة من الأشخاص لهم طباع وثقافات مختلفة.
فـ"دانيال" المزارع العنيداً في جبال الألب حيث تركته زوجته نظرا لصعوبة
العمل في مكان نائي كهذا حيث يعاني من عدم توفر الكهرباء والخدمات
الأساسية. نرى الصراع بين دانيال وايفا القادمة من المدينة والراغبة في
العمل مهما كانت الظروف في سبيل تحولها لمنتجة، وبعد الصراع الحاد بينهما
وكم الشجارات يكتشفان أنهما يقعان في حب بعضهما البعض.
في ذان
المكان نرى شخصية المسلم الكوسوفي "محمد" والذي يعجب "بإيفا" ويحبها بدوره
لكنها تؤكد له أنه لن تتزوجه لانها لا تحبه، ولا تريد تكوين عائلة وإنجاب
أطفال كما يريد، ومن خلال محمد وعدم اتساقه في مواقفه نتعرف على مشاكل
المهاجرين غير الشرعيين، كما يمس بشفافية قضية الاندماج والتي ظهرت في
الفيلم ضمن الفهوم الغربي لها وهي أن يتقبل المسلم الثقافة الغربية ويتنازل
عن جزء من ثقافته وما يرتبط بدينه وسلوكه.
بعد
اكتشاف طبيعة ما يكن "ايفا" لت"دانيال" نكتشف أن "ايفا" التي كانت ترفض
الزواج وانجاب الأطفال تقرر ذلك وكذلك دانيال الذي يقرر أن يخرج من كوخه في
الجبل في ظروفه الصعبة التي كان قد اعتادها إلى القرية اسفل الجبل ليؤسس
أسرة ومنزلا ومزرعة كبيرة وحديثة.
أنه فيلم
يضعنا كيف تؤثر مصائر البشر ببعضها البعض وكيف تتغير القناعات بناء على
التجارب والأحداث والخبرات الجديدة.
عباد
الشمس الأعمى
الفيلم
الاسباني "عباد الشمس الأعمى" ومن إخراج "خوسيه لويس كويردا" يعود للحرب
الأهلية الاسبانية بعد عام 1940 من خلال ثالوث الحب والدين والسياسية في
عودة للوراء للخروج بعبرة عن الاخوة الذين يقتلون بعضهم فتباد النفوس في ظل
أفئدة لا تعرف إلا القسوة وعقول لا تقود للتصالح بل إلى الالغاء والنفي
والقتل والتعذيب.
الفيلم
يتوقف عند الحرب الأهلية الإسبانية من خلال رواية الروائي الاسباني "البرتو
مينديث"، حيث يتناول فترة انقسام اسبانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتولي
الجنرال فرانكو اليميني المتطرف الحكم حيث يمارس بطشا وقتلا بحق المعارضين
السياسيين الذين ينتمون لليسار.
والفيلم
يتناول قصة أسرة مكونة من "إيلينا" وزوجها "ريكاردو" المعارض والذي يختبيء
بحجرة داخلية مدخلها دولاب الملابس حيث يقضي فيها فترة سنوات اربع معلنا
موته وأبنته التي تضطر للرحيل مع زوجها الشيوعي هربا الى البرتغال هربا من
حكم فرانكو حيث يموتان في الطريق.
وكذلك
الطفل الصغير ابن ايلينا الذي يدرس في مدرسة حيث يتعرف عليه الشماس
"سلفادور" الذي يكون قد جاء توا من الحرب وتحول إلى مدرس في مدرسة
كاثوليكية، وهناك يرى "سلفادور" "ايلينا" التي يحبها بعد أن يعتقد انها
ارملة حقيقة.
يحاول
المدرس سلفادور أن يمارس الحب مع ايلينا التي ترفض ذلك في ظل وجود زوجها
حيث يقوم سلفادور بالاعتداء عليها في بيتها ليخرج زوجها من عزلته مدافعا
عنها ليكتشف سلفادور أن زوجها الشيوعي مختبيء في المنازل وليس ميتا، لينادي
على الجنود ليعتقلوه فيعاجلهم منتحرا.
الفيلم
مؤلم وقصته تخلط بين الدين والقمع والحب حيث ينتهي الفيلم بهجرة ايلينا
وطفلها من البلدة التي تقمع أهلها وناسها، و"سلفادور" بين يدي القس معترفا
عن ذنبه متطهرا من جرمه الذي تسبب فيه ملقيا الذنب على ريكاردو وايلينا
والشيوعية.
عنوان
الفيلم مأخوذ من التراث الديني حيث كان يطلق لقب "عباد الشمس الأعمى" على
أؤلئك الذين يغرقون بالخطيئة فلا يعرفون مكان الشمس مصدر النور وبالتالي
يصبحون مثل عباد الشمس الذي يتوه ولا يعود يعرف أين هي الشمس ليتجه إليها،
وهو دعوة كبيرة للتصالح وكشف كبير لألم البطش وعدم تقبل الأفكار الأخرى.
اليابان
يعودون للأسطورة
من
اليابان جاء فيلم "حرب الشاى" من إخـراج "وانج يمنج" وهو فيلم يعود إلى
أسطورة يابانية قديمة ترتبط بالشاي وأنواعه والصراع الذي نشب بين العائلات
التي تزرعه وتعرف أسراره.
والفيلم
يحكي قصة"ياجى" صاحب دكان صغير لبيع الشاى فى كيوتو، وهو على دارية كبير
بالشاى وأنواعه حتى إنه يعتقد أن زوجته توفيت نتيجة لعنة قديمة من الشاى
حيث يضطر إلى أغلاق الدكان والانصراف عن الشاي وبيعه محاولا صرف ابنته "ميكيكو"
من معرفة وفك سر الشاي القديم واللعنة التي تسيطرعلى والدها حيث تعمل على
مساعدته في مواجهة ذاته وخوفه وكذلك والدها اليائس فى التغلب على أحزانه
وان يعود إلى سابق عهده ، بحثت كثيرا فى الإنترنت وعلمت بالمسابقة الصينية
القديمة والتى تسمى ب" حرب الشاى" وتعمقت فى بحثها إلا أن إكتشفت ان والدها
يمتلك نوع فريد من أوراق الشاى الذهبى النادر الوجود ، وبعد ما شب نزاع قوى
بينها وبين والدها ، قررت ان نسافر غلى تايوان فى رحلة للبحث عن الحقيقة.
الفيلم
يحاول أن يدخل في دهاليز النفس البشرية بعيدا عن التكنولوجيا مسلط الضوء
على الصراع القائم على الاكتناز والظفر بالنصر وكيف ينتصر الإنسان من
أوهامه تلك في اللحظة التي ينتصر فيها على ذاته، أملا في الخلاص والوصول
إلى الراحة والطمأنينة والحب.
ناقد فني
|