«مسابقة
أفلام من الإمارات»
تظاهرة سينمائية بطعم الفاكهة وربيع للصورة
جعفر حمزة
''ما
نريد الوصول إليه من خلال المسابقة هو أن نقيم حركة سينمائية في دول
الخليج، لا أكثر ولا أقل''....... مسعود أمرالله آل علي (مدير مسابقة أفلام من الإمارات)
لم يكن
عدد الأفلام المشاركة في جميع الأقسام في ''مسابقة أفلام من الإمارات''
والتي أقيمت في أبوظبي بالإمارات، والتي بلغت 1369 فيلماً، بأمر يستحق
الوقوف والتأمل في هذا العدد ''الضخم'' من الأفلام المشاركة فحسب، بقدر ما
كان ''الشغف'' الموجود لدى الجميع بلا استثناء ''لمشاهدتها'' سواء ما كان
منها داخل المسابقة أو خارجها،
ولا أدل على ذلك من المتابعة التي لا تنقطع منذ الصباح عند الساعة العاشرة وتستمر حتى منتصف
الليل،
ويتخللها فترات راحة لا تتجاوز 45 دقيقة، ليستمر مشوار طويل عبر مئات
الأفلام ومن شتى التوجهات والمواضيع، لتكون بحق في ''بستان'' متنوع الصورة
والرسالة.
ونعتقد
بأن هذه المسابقة شكلت أكثر من مجرد ''تظاهرة
سينمائية'' تحاول أن تُخرج ''المواهب'' و''القدرات'' صورة وشكلاً وفناً، إذ
بدأت هذه المسابقة من خلال دورتها الحالية باستمرار دام لخمس سنوات
متواصلة، لتضم صوراً أخرى من الجوار بعد أن كانت حاضنة للصورة الإماراتية
لأربع سنوات ''سِمان''.
ما شهدناه
من جو يتسم بتلك الجاذبية للصورة، يقدم أكثر من مجرد تجربة شخصية في
الإنتاج السينمائي ''المتواضع'' تقنياً وإنتاجاً، هذه المسابقة هي ''محاولة
فقط لاختراق كتلة البلادة، والجمود التي تحيط بمشروع ثقافي مهم أُهمل - وما
يزال - قصدا، أو بغير. السينما تقهر، وتذل، وتهان في دول العالم كافة،
ولكنها أيضا تربِك، وتعري، وتفضح في الوقت نفسه، وتستمد نارها، وحرقتها من
وقودها الفطري، والأبدي''. ذلك هو الشعور المدروس الذي يطرحه مدير المسابقة
مسعود أمر الـ.. آل علي، فالمسابقة تتعدى كونها ''عادة'' ابتدعها المجمع
الثقافي في أبوظبي، لتكون محلاً للزمان والمكان لعرض التجارب الشبابية في
مختلف توجهات الصورة، ما يشعر به المرء عند حضوره لفعاليات المسابقة هو
مزيج من الفرصة التي ترتسم ملامحها في دولة الإمارات العربية المتحدة،
لتكون ملجأً للصورة الشبابية ، ولا يبدو ذلك مستغرباً بعد احتضان دبي
لمهرجانها السنوي السينمائي، فضلاً عن وجود تحركات مؤسساتية تدعم الحركة
السينمائية لتغدو الإمارات سبيلاً آخر لدعم الحركة السينمائية فضلاً عن
التجربة المصرية على مستوى الوطن العربي
الذي فقد منذ فترة طويلة ''الحاضنة'' للمواهب الشبابية بعيداً عن
''التبرج'' و''التكلف'' في الصورة تجارياً وهو ما شهدته الساحة العربية
لفترة ليست بالقصيرة.
ونعتقد
بأن ما تهدف إليه المسابقة فضلاً عن تطوير وترسيخ الثقافة السينمائية
المحلية والخليجية، ودعم النشاط السينمائي، وتبني المميزين إبداعياً،
ودعمهم وتشجيع طلبة الجامعات والمضي
قدماً في بث روح الإقدام على طرح الصورة.
فضلاً عن
كل ذلك، ما نعتقده شخصياً هو ما ذكره مدير المسابقة في إيجاد حس سينمائي
وحركة للصورة في المنطقة تبتعد عن ''الإسفاف'' المطروح والمقترن بالصورة
الموجودة حالياً،
ولا يكون ذلك الأمر إلا من خلال تهيئة ''انطلاقة'' مميزة تجمع لديها
''محبي'' الصورة من الشباب الخليجي في تظاهرة تكون الصورة بألوانها
المختلفة الشعار المرفوع، والفكرة الموجودة هي
الروح الموجودة المتحركة بينهم.
»هايد
بارك« إماراتي
لم تكن
''مسابقة أفلام من الإمارات'' موسومة بالديباجات المتعددة للون والصوت
والصورة، أو بتلك ''المواد التجميلية'' التي تأخذ بالأبصار نمط الأفلام التي
نشاهدها، بل هي من سمة تلك ''البساطة'' التي تدخل القلوب، وتلك الرسالة
التي تلمسها لا شعورياً، وذلك لسبب بسيط، لأن الفكرة والرسالة هي منك وليست
ببعيدة عنك، قد تكون مشوشة أو بعيدة عن الدقة والجودة إلا أن أقرب ما تكون
للنفس بما تحويه من تجربة شبابية تحكي عن واقع ورسالة تبحث عن ساحة ''هايد
بارك'' لا يحاسب فيها الخطيب بقواعد اللغة، والخطاب المكتوب مسبقاً، وتلك
هي الجاذبية التي تأخذك في عالمها وهو عالمك، لكن ببساطة الروح والبصر التي
تتفاعل معها عفوياً.
الكثير من
المواضيع المطروحة والكثير من الرسائل والكثير من الصور كانت كلها نتاج
''شوق'' للتعبير عن الذات، بالرغم من ''التلكؤ'' في تهجئة ألف باء السينما،
إلا أن كل تجربة عُرضت تشعر بأنها قريبة منك شئت أم أبيت لأنها ترفد
البساطة والعمل الدؤوب الذي قام به مخرج ومصور وكاتب وممثل وممنتج هذا
الفيلم أو ذلك، وما أسهل أن يكون التنظير في مثل هذه الأمور، إلا أن الأسهل منه هو أن تكون ممن عاش فترة
''ولادة'' نتاج فيلم خاص بك قد جهدت في العمل له لكي يظهر للنور ولو بعين
واحدة.
ما لمسناه
من الكثير من المخرجين الشباب سواء كانوا من الإمارات أو الدول الخليجية
الأخرى هو ''هم مشترك'' غياب الاهتمام الجاد بالنتاج الشبابية في
مجال السينما، واشتراك هذا الهم جعل من ''مسابقة أفلام من الإمارات''
''متنفساً'' يعبر فيه الجميع عن همومه ذاتاً ومجتمعاً لتكون المسابقة ''هايد
بارك'' للصورة المفقودة في طيات نفوس الشباب.
وتتعدى
مساحة شاشة العرض في المجمع الثقافي في أبوظبي لتشمل فضلاً عن الإنتاج
الشبابي عوالم أخرى تأخذك من البرازيل إلى ألمانيا ومن أسبانيا إلى
اليابان، وقبل كل ذلك تتسلل الصور إلى روحك قبل عينيك لتدرك معنى آخر
للعالم المحيط بك، وهو العالم الحقيقي بعفويته وحلمه بعيداً عن ''شطحات''
و''بهرجات'' هوليوود ''العتيدة''.
ما
تلمسناه في المسابقة تعدى كونه اجتماعاً لعرض الأفلام، ليكون مراجعة فهم
الذات عبر الصورة، ولتُفتح آفاقٌ جديدة لسينما كانت المسابقة لها
''العبّارة'' للعالم العربي، ولا أدل على ذلك من عرض فيلم ''دموع بيخال''
الذي يُعتبر أول فيلم كردي يُعرض في دولة عربية، وتأتّى ذلك من خلال
''مسابقة''!
»هايكو
سينما« أفلام الثلاثة سطور!
الصورة
كائن حي ينمو ويتطور وتتكون له هوية خاصة به ليتفاعل مع ذاته والمحيط، وقد باتت صورة ''المسابقة'' تتشكل منذ السنوات الأربع لها،
أي بعد ولادتها مباشرة، لتكون أطرافها أبعد من الإمارات ورسالتها أبعد من
الوطن العربي، وهكذا بدأت ثيمة ''المسابقة'' هذه الدورة لتكون دعوة مفتوحة
للأفلام من كافة أقطار العالم في هذا البرنامج، والمقصود بهذه الثيمة هي
الأفلام التي القصيرة جداً، والتي لا تتجاوز مدة عرضها الخمس دقائق.
ويُشار
إلى أن ''الهايكو'' هو أسلوب كتابة في الشعر الياباني يعتمد على الإختزال
والتكثيف بحيث لا تتعدى الثلاثة سطور.
وكانت
''البدعة الحسنة'' هذه المرة في الدورة الخامسة للمسابقة هي تظاهرة
استعادية تمنح المتابعين فرصة حقيقية للتعرف إلى الفيلم القصير في كل
أشكاله وأساليبه وآفاقه المستقبلية.
وما يلفت
النظر لهذا النوع من الأفلام أنها من القوة والصعوبة في آن واحد بحيث تختزل الفكرة والقصة ليراها المشاهد عابراً
فيها المكان والزمان في أقل من خمس دقائق وبعضها الآخر في أقل من دقيقة،
لتصل الفكرة ولتبقى في اللاشعور تنمو وتكبر، كبذرة صغيرة تعيش في الذاكرة.
والإقدام
على هه الخطوة يعزز ولأكثر من مرة مكانة ''المسابقة'' لتكون أكثر من مجرد
''عرض'' للأفلام وتقييمها والانتهاء من البرنامج تصفيقاً ومدحاً وإطراءً.
ما قدمته
''المسابقة'' هو تلاقي ممتع للصورة بشتى لغاتها المختلفة حركة ولوناً
وصوتاً، لتكون حصيلة التراكم المعرفي المُسهم في رسم ملامح جديدة لتجربة
جديدة لدى الشباب المشارك هي ''الثيمة'' الأصلية لأفلام ''الهايكو سينما''.
ممنوع
التصوير، المكان محظور!
كانت من
أكثر المشاركات من دول الخليج من حيث عدد الأفلام في المسابقة، حيث بلغت الأفلام 17 فيلماً، موزعة بين العام (8) والطلبة (6) والعرض الخاص (2)، وكما ذكرت إحدى الصحف
الإماراتية الأفلام البحرينية المشاركة بوصفها كانت في
أمس الحاجة ''ليخرجوا من حيزهم المحلي إلى الخليجي''، والملاحظ في الأفلام
البحرينية المشاركة بصورة عامة هي غياب اللغة لتكون الصورة ذات النصيب الأكبر في
النطق مع الموسيقى لتحاور المشاهد روحاً وفكراً، حيث تطرح أسئلة عن واقع
اجتماعي وسياسي، وكان الهم المشترك ليس للشباب البحريني
فقط، بل لجميع المشاركين هو غياب الدعم والتشجيع، وما لفت انتباهي عند
حواري مع المخرج والممثل الشاب محمد النعمان، والحاصل على أربع شهادات
تقدير لأفلامه ''لمتى؟''، ''ساعي''، ''العود الأخير''، وفيلم ''سكين''، هو
شكواه ''المزدوجة'' من غياب الدعم من جهة ومشاكل الحصول على مواقع تصوير،
حيث تم استدعاؤه أكثر من مرة لمركز الشرطة لاستجوابه عن ''ماهية'' التصوير الذي يقوم به!
وبالرغم
من المصاعب وقلة الإمكانيات إلا أن المشاركات البحرينية كانت ذات صبغة خاصة
في العرض وفي الظفر بالتقدير والجوائز، حيث فاز فيلم ''الهروب الأخير''
للمخرجة الشابة ''عواطف حبيب المرزوق'' حيث يتناول الفيلم قصة اجتماعية
تتحدث عن واقع الهروب من المدارس بفعل أسباب أسريّة متعدّدة، وأسباب خارجية
تؤدي بالنهاية لنتائج مأساوية.
وحصل
فيلما ''الراية'' للمخرج نزار جواد و''يوم أسود'' للمخرج حسين الحليبي، على
شهادة تقدير لفيلمهما، وما ذاك إلا صورة تنم عن ''عشق'' يحتاج لبيئة ينمو
فيها ويكبر لينتج.
وما يحز
في النفس تلك النبرة التي بدت مشتركة نوعاً ما لدى المشاركة الشبابية
البحرينية التي ''تعتب'' بخصوص التغطية الإعلامية المحلية، ففي حين يقام
سنوياً مهرجان للأفلام القصيرة في البحرين إلا أن ''التغطية الإعلامية''
دون المستوى كماً وكيفاً، في حين كما يقول ''عبدالله البزاز'' الممثل في
كثير من الأفلام القصيرة ومنها ''فيلم ''ساعي'' الحائز على شهادة تقدير من
المسابقة، يقول ''ان مشاركتنا هنا في الإمارات حظيت باهتمام محلي على مستوى
التلفزيون والجرائد المحلية على حد سواء، في حين مشاركتنا في البحرين لا تُذكر إلا بسرد أسماء الأفلام المشاركة فقط،
لا غير''.
»عدوى«
الصورة الخليجية!
بداية
إمارتية ناجحة أخذت في التوسع لتحضن بقية التجارب الخليجية،
وتلك التظاهرة السينمائية الشبابية تنتظر أن تتزود سنوياً من خلال أكثر من
تجربة في المحيط المحلي، لتكون رافداً يدعم بقية الروافد في الخليج، لتنتقل
تجربة إنتاج الصورة من مرحلة ''المكان
الوحيد'' إلى توسع في التجربة واختلاف في الطرح، وما قدمته ''مسابقة أفلام
من الإمارات'' في دورتها الخامسة، كان أكثر من مجرد عرض لنتاجات سينمائية
واعدة، فما قدمته كان ''ألف باء'' سيرة جديدة في إنتاج الصورة وتسليط
الضوء عليها من عدة زوايا.
وما حلم
به الإماراتي ووجده في ''مسابقة أفلام من الإمارات'' يأمل أن يجده البحريني
في البحريني، والكويتي في الكويت، والسعودي في السعودية، والعماني في عمان،
و القطري في قطر. لتكون المهرجانات أو المسابقات المحلية تتماشى مع مقدار ''العشق'' المتدفق والذي تجده في عيون المشاركين قبل أن
تشاهده في
أفلامهم، فهل تخطو الجهات الثقافية والمعنية بالسينما في القطاعين العام
والخاص في
دول الخليج منحى ستكون في
أمس الحاجة إليه، وهي كوادر محلية تفهم لغة الصورة وكيفية الخطاب، وتكون لها الإمكانية على خلق الصورة وبثها من جديد.
فهل تنتقل
''العدوى الحميدة'' إلى بقية دول الخليج، لتكون بمثابة ''نقلة جديدة'' تقدم
خطاباً نحن في أمس الحاجة إليه للحديث مع الذات والآخر.
الوطن البحرينية
في 22 مارس
2006
المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة
لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم
المخرج فيلماً متقناً في
حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي،
ولكن هذا لا
يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.
|