لخليج في مهرجان برلين
السينمائي الدولي (1)
سينما سام بكنباه.. حلم
بعالم مفقود
محمد رضا
عرض
مهرجان برلين في دورته الحالية النسخة الكاملة من فيلم سام بكنباه “بات
جاريت وبيلي ذ كيد” في احتفاء خاص (ليس من ناحية عرضه في الختام فقط، بل
أيضاً من ناحية انتخابه للعرض أساساً) يأتي موازياً في الأهمية والتوقيت
لعملية إطلاق مجموعة من أفلام الوسترن التي أخرجها في علبة اسطوانات تحمل
اسم وLegendry Westerns Collection Sam Peckinpa.
كلا
الفعلين يبدو موجّهاً صوب جمهور شاب لا يعرف الكثير لا عن الغرب الأمريكي
ولا عن سام بكنباه ولا عن كل أولئك الممثلين الأفذاذ الذين لعبوا تحت
إدارته. لا شيء عن أسلوب عمله ونظرته إلى الحياة ولا شيء يذكر أساساً عن أي
غرب أمريكي نتحدث عنه ولماذا هو مهم.
إذا كانت
المعلومة الوحيدة الفاعلة حالياً عن ذلك الغرب الأمريكي قادمة من فيلم
“بروكباك ماونتن” فإن الأمر يدعو فعلاً إلى استعادة أفلام غرب أمريكي
حقيقية. أفلام من راوول وولش وهوارد هوكس وبد بوواتيكر وأنطوني مان وجون
فورد وسام بكنباه.
لكن بما
أن كل ذلك ليس متوفراً لدينا، فإن خروج أفلام بكنباه من جديد عليه أن يكفي
كإضاءة للعالم الذي نعرفه ب “الغرب الأمريكي” وبالنوع السينمائي المُسمّى ب
“الوسترن” خصوصاً وأن بعضنا اليوم ربما يخلط بين الإدراك كشرط للثقافة
ومعرفة الآخر وبالتالي الذات، وبين الموقف السياسي الذي يعلو ويهبط ويلتوي
وينحرف يميناً ويساراً في متاهاته المرفوضة.
سام
بكنباه مخرج رائع في تكويناته النفسية لعالم الغرب الأمريكي وهو، مثل
أفلامه، يؤمن بالبعد عن “الحضارة السائدة” لكن من دون التوجه إلى حضارة
بديلة. بل إلى حيث لا حضارة في نوع من التدمير الذاتي، هذا هو الجانب الذي
قد نرفضه، لأنه خارج على تعاليمنا أو لمجرد تمتعنا بمفهوم مناهض ولكون
مفهوم بكنباه يدخل في نطاق تفسير المخرج لنواحي الحياة أو لمفهومه للحياة
نفسها، وهو أمر خاص به الا في الأماكن التي ينعكس فيها هذا المفهوم، أو
المبدأ، في صور سينمائية، وعلينا أن نشير هنا إلى أنها صور خلاّبة في
دمارها للذات وفي عنفها وسينمائية تماماً بحيث لا يمكن تركها وشأنها.
بكنباه
ولد في 21/2/1925 وتوفي في 28/12/1984 وحياته المهنية بدأت في الخمسينات
تلفزيونياً وفي الستينات سينمائياً وانتهت في أواخر السبعينات، ليست فترة
طويلة لكنها حاشدة ترك خلالها بصمة مهمة على صعيد سينما الغرب الأمريكي
الذي لم يكن قد عرف عدّة عمالقة لكن كل باتجاه وبرؤية، واتجاه ورؤية بكنباه
كانا جديدين فعلاً بحيث إن ما حققه كان إضافة وليس تقليداً لأحد. كان يقول:
“طالما
أعجبت بأشرار الغرب الأمريكي... أعتقد أنا واحد منهم”.
وهوليوود
كانت تعتقد إنه واحد منهم فهو طالما أثار المتاعب وناوأ مخرجيها وسعى إلى
تقويض سلطة المنتج ومهاجمة النظام والحديث عن شخصيات تفعل كل ما تستطيع في
ظروف صعبة لأجل التحرر من تبعية المجتمع والانطلاق نحو الحرية، تلك التي لا
يمكن أن توجد في مجتمع “منظّم” مثل أمريكا وعليها أن تبحث عنها في الفردوس
الجنوبي المُسمّى ب “المكسيك”، وبكنباه مات فعلاً في ذلك الملجأ، في
المكسيك.
ولد في
الغرب الأمريكي ودخل مدرسة عسكرية في عام 1943 والتحق بالأفواج التي أرسلت
إلى البحار الصينية لكن حين عاد إلى الحياة الاجتماعية أحب الدراما ولجأ
لدراسته وتخرّج بامتياز في جامعة جنوبي كاليفورنيا. واصطدم سريعاً بالنظام
حين طُرد لرفضه ارتداء بذلة خلال عمله كمساعد مدير مسرح في برنامج
تلفزيوني. بكنباه قبل العمل مساعداً للمخرج دون سيجل على خمسة أفلام بينها
فيلم “غزو ناهشو الجسد”
Inavsion of
the Body Snatchers
1956.
من هنا
تحوّل إلى مخرج تلفزيوني لحلقات من برامج وسترن درامية مثل “جنسموك” و”خذ
مسدساً” و”السهم المكسور” و”رجل البندقية” و”الغربي”، وبطل مسلسل “الغربي”
كان برايان كيث وهو اقترحه على هوليوود لتحقيق فيلم “الصحبة المميتة” سنة
،1961 وهذا كان فيلمه الأول. بعد ذلك أخرج ثلاثة عشر فيلما فقط. معظمها في
إطار الغرب الأمريكي وهي: “رايد ذ هاي كنتري” (1962)، “الماجور داندي”
(1965) و”الزمرة المتوحّشة” (1969) و”أنشودة كابل هوج” (1970) و”جونيور
بونر” (1972) و”بات جاريت وبيلي ذ كيد” (1973) و”أحضر لي رأس ألفريدو
جارسيا” (1974)، والأفلام الأخرى كانت كلها “أكشن” تدور في الزمن الحاضر
ولكنه مارس فيها نفس المبادئ والمواقف والمفاهيم التي استخدمها في أفلامه
الوسترن، وهي: “كلاب قش” (1969) و”الهروب” (1972) و”نخبة القتلة” (1975)
و”شارة من حديد” (1976) و”قافلة” (1978) و”اوسترمان ويك-إند” (1983).
“صحبة
مميتة” كان بداية لم يجسّد فيها بكنباه كل ما يستطيع، حيث تلمّس طريقه
السينمائي بحذر لكون الفيلم أريد له أن يكون عذراً للممثلين برايان كيث
ومورين أوهارا التي كانت أكثر راحة في العمل مع بيرت كندي وفكتور ماكلاجلن
الوريثين الرسميين لسينما الغرب القديم من هذا المخرج الذي كان يرى في
الغرب أكثر مما يريانه أو أكثر اختلافاً، وهذا الشيء المخالف برز في فيلمه
الثاني “رايد ذ هاي كنتري”
Ride the
High Country،
وكان من بطولة جوويل ماكراي وراندولف سكوت وكان كل منهما جال كثيراً في
دروب الغرب الأمريكي من قبل، بل إن راندولف سكوت، ومن الثلاثينات، كان أحد
أبرز أبطاله السينمائيين.
في مطلع
الفيلم يصل ستيف (جوويل ماكراي) إلى بلدة ما بالانتقال مع نهايات القرن
التاسع عشر إلى المدنية وتستقبل سيّارتها الأولى. حيث يبحث عن صديقه السابق
جيل (راندولف سكوت) وفي طريقه يتعثّر بأهداب التغييرات التي لا تعنيه بشيء
ويجد صديقه ضحية هذه المتغيّرات. “الزمرة المتوحّشة” هو أشهر وأفضل أفلام
“الوسترن” التي أخرجها (من دون أن يغبط هذا الأفلام الأخرى): عصابة تريد
القيام بآخر سرقة كبيرة ومرة أخرى، نحن مع نهاية قرن وبداية آخر مع انتشار
الحداثة الاقتصادية محل الحياة البرية (او “البدوية الأمريكية” إذا أحببت)
ويقود بايك (ويليام هولدن) العصابة التي تحتوي على دوتش (ارنست بورجناين)،
ليل (وورن أوتس)، المكسيكي آنجل (جايم سانشيز)، تكتور (بن جونسون)، وكلارنس
(بو هوبكنز) وعند وصولها تقع في فخ دّبره شريف البلدة (ألبرت دكر) مستأجراً
قاتلاً محترفاً اسمه ديك (روبرت رايان) وزمرة من حثالة الأشرار (في
المقدّمة ستروذر مارتن ول. كيو جونز ودَب تايولر)، فصل رائع غير مسجّل في
تاريخ السينما من قبل للقتال في البلدة قبل هروب هؤلاء (سقط لهم رجال آخرون
وتخلّف عن اللحاق بهم كلارنس) وفي أثرهم ديك وحثالته، ولكن ديك ذكي ومحترف
وكان يعرف بايك (مرة أخرى: بات وبيلي- ستيف وجيل) ويقدّره ويعلم أنه سيكون
من الصعب الإيقاع به ولكن العصابة الآن خالية الوفاض، حيث لم تنجز السرقة
الموعودة والحل الأخير القبول بعرض الثائر جنرال ماباشي (إميليو فرنانديز
الذي ظهر لاحقاً في “أحضر لي رأس ألفريدو جارسيا” ) بسرقة السلاح من الجيش
المكسيكي مقابل مبلغ كبير من المال وخلال العملية يستاء الجنرال من آنجل (سانشيز)
لأن هذا ثار بسبب سلب الجنرال لفتاته، وبعد وقت يخطفه ويعذّبه وكان في
مقدور العصابة المرهقة بالحياة التي ما عادت تناسبهم وبأعمارهم الكبيرة
وأرواحهم المسلوبة الانصراف تاركاً مصير آنجل المكسيكي وماباشي المكسيكي
إلى كل المكسيك، لكن بايك وداتش وليل وتكتور يقررون المواجهة، حيث يقع فصل
معركة هو الآخر غير مسبوق ويجسد الموت شعراً ورسماً وكنهاية لكل ما هو جميل
وقبيح معاً.
همسات برلين
* التقت “الخليج” الممثل الألماني أرمين مولر شتول
وكعادة أعضاء لجان التحكيم يتحاشى الحديث الى الصحافة.
لكن
اللقاء كان خلال الافتتاح وفي وقت قل فيه عدد الحضور بعدما توجه نحو باب
الخروج العدد الأكبر منهم.
لم يقل
كثيراً ولم نشأ سؤاله عن رأيه في أفلام لم ير بعد او طرح ذلك السؤال
التقليدي جداً “ما توقعاتك بالنسبة للمهرجان”.
الأجدى
سؤال حول تجربته في هوليوود:
·
كنت في الثمانينات والتسعينات مثّلت في عدد
من الأفلام الأمريكية ثم يبدو أنك انقطعت عنها. لماذا؟
“لم انقطع
عن التمثيل في أفلام ناطقة بالإنجليزية، لكني آثرت الإقلال من قبول العروض
الآتية من هوليوود”.
·
لماذا؟
“لأنني
أحب السينما الأوروبية. أحب السينما الألمانية والنمساوية والإيطالية
والهولندية. كلها. لا أريد أن أتحوّل الى ممثل هوليوودي وليست لدي الحاجة،
في هذا السن (75 سنة) بأن أصبو الى نجاح إضافي”.
·
من بين الأفلام التي مثلها أرمين مولر شتول لحساب شركات هوليوودية بضعة
أعمال معروفة مثل “اللعبة” و”صانع السلام”، “صندوق الموسيقا” و”ملفات إكس”.
·
*
هناك 26 فيلما مشتركا في المسابقة آتية من 12 دولة. الاشتراك الأمريكي
محصور في فيلمين هما “صحبة بيوت ريفية” لروبرت ألتمان و”أحكم عليّ متهماً”
لسيدني لوميت. خارج المسابقة. بضعة أفلام في مقدمتها “العالم الجديد” لترنس
مالك و”كابوتي” لبَنت ميلر من بطولة فيليب سايمور هوفمان.
*
أعلن المخرج المجري اسطفان شابو أن فيلمه المقبل سيكون مستوحى عن حياته.
زابو المعروف بأعماله الناقدة مثل “مفيستو” و”كولونيل ريدل” و”سنشاين” يريد
أن يحقق عملاً يروي فيه ما هو خاص ويعلنه للمرة الأولى، كما يقول أحد
الموزعين الفرنسيين العائدين من زيارة الى المجر: “اسطفان أخبرني أنه حين
كان في التاسعة عشرة من عمره ألقي القبض عليه بتهمة العمل ضد الشيوعية
وخيّر ما بين السجن وبين العمل مع المخابرات كرجل مخابرات”.
*
جماهير حاشدة تحت الثلج المنهمر تصيح “كلوني....” ويلتفت جورج محيياً
الجميع وعلى وجهه تلك الابتسامة التي يتطلّع الناس لتسجيلها في البال. جورج
كلوني وصل لحضور “سيريانا”، المشارك في المسابقة والذي يتناول الوضع
الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال قصة تدخل المخابرات الأمريكية في صياغة
سياسة الدولة الأجنبية بناء على معطيات اقتصادية بحتة.
|