"الحور العين"
السطحية وصدمة المشاهد
أحمد المصري**
لم يشهد مسلسل جدلا من قبل مثل الجدل الذي شهده مسلسل الحور العين؛
فالمسلسل تعرض لهجوم شديد قبل عرض أولى حلقاته بسبب عنوانه، كما شهد موجة
ثانية من الهجوم بسبب الصدمة التي سببها للمشاهد، مقارنة بالهالة التي
رسمتها وسائل الإعلام المختلفة حوله، وكذلك نتيجة استغراقه في تفاصيل لا
تمت لجوهر قضية الإرهاب بصلة.
المسلسل يرصد الحياة الاجتماعية لضحايا التفجيرات التي طالت مجمعا سكنيا
بالرياض عام 2003، وغالبية سكان هذا المجمع من الجاليات العربية والمسلمة
الذين كانوا يحلمون من خلال وجودهم للعمل في المملكة بتطوير أحلامهم لكن
الإرهاب استهدف هؤلاء الأبرياء وقضى على كل أحلامهم وطموحاتهم.
ثلاثة خطوط للمسلسل
تناول نجدت أنزور مخرج المسلسل هذه القصة عبر ثلاثة خطوط رئيسية، هي:
الخط الاجتماعي: الذي يرصد حال العائلات الاجتماعية وحياتهم اليومية، وتولت
كتابة السيناريو له الدكتورة هالة أنيس دياب.
خط التحقيق: الذي يتوغل داخل الجماعات الإرهابية، وأشرف على كتابته الفنان
جميل عواد.
الخط الديني: الذي يقرأ الواقع والمقولة الدينية والتطرف، وأشرف عليه عبد
الله بجاد العتيبي، وهو أحد أبرز الكتاب السعوديين الذين تميزوا بنقد ساخن
للتوجهات الأصولية، وكان أحد الأسباب الرئيسية لشن هجوم على المسلسل.
يبدأ المسلسل في حلقته الأولى مع "فرح" إحدى الشخصيات الناجية من الاعتداء،
بعدما أصيبت بشلل وتشوهات في وجهها، وهي فتاة سورية تزف لعريس سوري يعمل في
السعودية لتتعرض لتفجير في أحد المجمعات السكنية في الرياض، وهي التي تروي
تلك الأحداث الجميلة والحزينة والمخيفة والممتعة في آن معا، فتعود عبر
تقنية "الفلاش باك" إلى سرد حكايتها للمذيعة التلفزيونية شادن.
وخلال عرضها لحكايتها نتعرف على العلاقات الناشئة بين عدد من العائلات
السورية واللبنانية، والأردنية والمصرية، والمغربية، التي كانت تقيم معها
في نفس المجمع.
تمطيط الخط الاجتماعي
استأثر الخط الاجتماعي بنصيب الأسد داخل المسلسل، ووفقا لتصريحات أنزور فإن
90٪ من أحداث المسلسل يسلط الضوء اجتماعيا على أجزاء من حياة تلك الأسر
اليومية قبل حدوث العمليات الإرهابية.
وفي تعليقه على احتلال الخط الاجتماعي هذا الحجم من المسلسل يقول الناقد
الفني "رجا المطيري" في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت": إنه محاولة من
أنزور كي يجعل لضحايا التفجيرات بعدا إنسانيا ووجودا حقيقيا في ذهن المشاهد
قد يقوده بالتالي إلى التعاطف المطلوب والمنتظر منه تجاه التفجيرات الآثمة
وضحاياها الأبرياء.. فنحن نتعامل مع هؤلاء الضحايا بلغة الأرقام فقط، ثم
نعود إلى حياتنا الطبيعية بلا أي تعاطف حقيقي وأصيل.. وهذا التعاطف لن يكون
إلا حين نلمّ بكثير من تفاصيل حياة هؤلاء، أي أن نعيش معهم، وأن نعرفهم
وندرك همومهم، حتى لو كانت هموما حياتية تافهة.. إذن ومن هذا المنطلق رأينا
"أنزور" يبحر في فلك العلاقات الإنسانية البسيطة التي تربط سكان المجمع.
والهدف من هذا كله أن يتم الارتباط الوجداني بيننا كمشاهدين وبين الضحايا..
وطريقة التناول هذه التي انتهجها أنزور هي ممتازة من حيث المبدأ، لكنها
سيئة من جهة التنفيذ، وذلك لأنه وقع في فخ المط والتطويل حتى بلغ حد
الإملال، وبشكل أرغم كثيرا من المشاهدين على التوقف عن متابعة المسلسل.
جوهر القضية.. مفقود
ويرى المطيري أن مسلسل الحور العين يدّعي معالجة الإرهاب أو محاولة تقديم
معالجة له على الأقل من الناحية الفلسفية، لكن ما يظهر هو الاستغراق في
المشاكل الاجتماعية التي قد لا تشفي غليل المشاهد الذي تم توجيهه أصلا
لقضية الإرهاب بشكلها الحركي المعروف حيث التفجير والمطاردة والإثارة
الناجمة عن ذلك؛ فمن خلال إعلان قناة
mbc الذي بثته قبل شهر رمضان تم التركيز على لقطات التفجير والعويل، ومثل
هذا التوجيه المركز كان سببا لحالة الملل التي أصابت المشاهدين الذين
توقعوا شيئا من الإثارة؛ فعلى الأقل كانوا يتمنون مساحة أكبر للجدل الفكري
الناشئ؛ وببساطة هم يريدون رؤية الإرهاب الذي يعرفونه جيدا، ولا شأن لهم
بهموم اجتماعية سبق أن رأوها في مسلسلات سابقة.
ولا يمكن تبرير هذا التطويل وهذه المساحة الكبيرة الممنوحة لهذه الخطوط
الاجتماعية التي كانت أكبر من اللازم، خاصة إذا أدركنا أنها خطوط فرعية
ساندة، أو على الأقل ليست بأهمية الخط الذي يمثله الإرهابيون وهو الخط
المستفز فعلا والذي لم يلق مساحته الكبيرة المتوقعة.
أي إن المسلسل يعزف على ذات الأوتار بلا رغبة في الارتقاء، وهذه الحالة
يمكن تقريبها بمثال "السُلّم" ذي الدرجات الكثيرة، والمسلسل -أي مسلسل- كي
يكون جيدا لا بد أن يصعد هذا السلم إلى الأعلى إلى الذروة، درجة درجة،
بطريقة موزونة وبإيقاع متسارع يضمن الإثارة وجذب المشاهد.
لكن الذي يحدث في "الحور العين" أنه استمر في الرقص على الدرجة الثانية،
يلوك ذات الموضوعات، دون رغبة في الصعود إلى الأعلى.
غياب العمق
ويرى المطيري أنه بالنسبة للخط المهم في العمل وهو خط الإرهاب الذي يأتي
بلمحات سريعة خاطفة، فإنه ومما عرض فيه يمكننا استشفاف حسنة وحيدة وهي
تحييده لدور المسجد وتبرئته من تهمة الإرهاب، حيث نلحظ أن "مشعل المطيري"
الحريص دوما على حضور الدروس العلمية في المسجد، لا يجد التحريض على القتال
والإرهاب إلا بواسطة شخص متدين يأتي خلسة من خلف صفوف المصلين، وليس من على
المنبر الواضح الصريح الذي اعتلاه الشيخ "عبد الكريم القواسمي" والذي اتسم
طرحه بالعقلانية والهدوء والاتزان.
إلا أن المطيري يرى أنه رغم هذه النفحة من الموضوعية، فإن أنزور لا يتناول
القضية بالشكل العميق المتوقع؛ إذ نراه يحصر مشكلة الإرهابي الصغير (مشعل)
في عدم حصوله على الوظيفة، والبطالة ليست سببا موضوعيا مقنعا لتفسير
الإرهاب.
إذن فحصر هموم "مشعل" في عدم حصوله على وظيفة يبدو لوكا في قضية تم حسمها
سلفا.. لكن هناك تفسيرات أخرى يوردها الدكتور المصري (يؤدي دوره الممثل حسن
عبد الحميد) الذي يردد دائما فكرة "الحرية" والشعور بالاضطهاد والاختناق من
تكالب الأمم وحالة التيه التي يمر بها الشباب وكيف أنها تؤثر وتضغط عليهم
بشكل قد يحيلهم إلى قنابل توشك على الانفجار وإرهاب العالم.. وهي تفسيرات
قد تكون الأقرب للصواب، ويبدو أن كلا من هذين الخطين يسبح في فلك مستقل،
ولا تقاطع بينه وبين الآخر.
ويستطرد المطيري: إن مسلسل "طاش ما طاش" قد تناول هذا الموضوع بالذات،
السنة الماضية، وفي حلقة لم تجتز حاجز النصف ساعة بعنوان "وستبقى الحياة"
وقد احتوت على ذات الخطوط التي في "الحور العين"، وظهرت كاملة مستوفية شروط
العمل الفني، دونما حاجة إلى ثلاثين حلقة طويلة.
نأتي الآن لشخصية الشيخ الموجّه والقائد الذي يسعى إلى جر "مشعل" إلى ساحة
الإرهاب. هذا الشيخ ذو الملابس البيضاء النقية، يبدو غريبا محاطا بهالة من
القداسة المؤثرة، وكأنما هو مقاربة ذهنية لأفكار الشباب حول قداسة القضية
التي يحاربون من أجلها، وصفاء المبدأ ونقاء الغاية، وهو صورة -ربما-
تقريبية لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن.
إن الحديث بين "مشعل" وشيخه الغامض يتسم بنكهة تقريرية مباشرة، وبلغة أشبه
ما تكون بالخطابية، وهو وإن كان حديثا منطقيا في ظاهره فإن المشكلة الوحيدة
هي في أن الدافع الحقيقي لـ"مشعل" والذي أوصله إلى هذا المستوى من النقاش
والجدل هو أنه فقط لم يحصل على "وظيفة".. وهذا ليس بالدافع الصحيح ولا
بالكافي.. وهو تبرير سهل يستخدمه فقط من لا يريد معالجة قضية الإرهاب أو
النظر فيها نظرة جادة عميقة متفحصة.. و"أنزور" لا يبدو جادا في تناوله لهذه
القضية ولا عميقا كما يدّعي؛ فهو سار خلف الأفكار السهلة والواضحة.
دراما متخبطة
ويضيف المطيري: هناك نقطة أخرى توضح إلى أي مدى كانت المعالجة متخبطة،
سطحية، غير مدروسة بشكل كاف ودقيق، تلك التي تتعلق بالإرهابي المرتقب
(مشعل) وبسرعة تحوله من إنسان عادي إلى إرهابي يشارك في التنظيم المسلح،
وربما يقود سيارة مفخخة.
فهذا التحول، أو الانقلاب الفكري الذي يتعرض له، يتم بصورة سريعة، خاطفة،
لا تكاد تكون مقنعة، خاصة ونحن نعلم أن التحولات الفكرية يلزمها سنوات
طويلة، تبدأ من الصدمة، ثم مرحلة الارتباك، ثم نزع الفكرة القديمة وإحلال
أخرى جديدة مكانها، ثم مرحلة تخمير الفكرة الجديدة، إلى أن يصل إلى نقطة
اعتناقها.
فنحن نشاهد "مشعل" وهو لا يزال بعد إنسانا عاديا، كيف أنه يتصفح مجلة "صوت
الجهاد" الإلكترونية ويبدأ بتشرب أفكارها، وهي التي لم تتم سنتها الأولى
عندما حصل تفجير المحيا، أي إن هذا الشاب، حتى وإن قرأ العدد الأول من
المجلة، فلا يزال بينه وبين تفجير المحيا أقل من سنة.. وهذه فترة غير كافية
أبدا لحدوث مثل هذه الانقلابات الفكرية العنيفة.. و"أنزور" يقفز على ذلك
كله ويقدم طريقة سريعة للتحول والانقلاب.
أخطاء إخراجية
ولا يقف التخبط عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تفاصيل دقيقة، وقفت عثرة أمام
كل مشاهد جاد يبغي شيئا عميقا ومدروسا من العمل؛ فالمسلسل يمتلئ بالأخطاء
من مثل تلك اللقطة التي تظهر فيها على شاشة التلفزيون قناة "روتانا زمان"
وهي قناة لم تظهر فعليا إلا قبل شهرين أو ثلاثة، أيضا موديلات الموبايل
الجديدة التي تستخدمها بعض شخصيات العمل، ثم الفصول الدراسية التي تعج بغير
السعوديين، ومشكلة مواقيت العمل والدراسة.
وهذه دلائل، قد تكون بسيطة، لكنها تشرح عدم الإتقان في الصنعة، وتنزع عن
العمل جديته المفروضة، وتقودنا بالتالي إلى عدم توقع الكثير من المسلسل، لا
على صعيد معالجة قضية الإرهاب، ولا حتى على مستوى الحركة والإثارة.
كما تأخر المخرج كثيرا في التلاقي بين الخطوط الرئيسية للمسلسل؛ فلم يرد أي
شيء يشير إلى إمكانية حدوث عملية إرهابية ضد هذا المجمع إلا بعد الحلقة
الثانية عشرة، وذلك بعد إذاعة بيان وزارة الداخلية الذي يحذر من سيارة
مشبوهة محملة بالمتفجرات بالرياض، من هنا بدأ المسلسل منحى آخر بالتركيز
على التداعيات النفسية والاجتماعية الذي يخلفها الإرهاب لأناس آمنين.
دعوة للحوار
كانت أولى المشكلات التي أثارها المسلسل تكمن في عنوانه "الحور العين"، وقد
جاء اختيار اسم هذا المسلسل استلهاما من والد أحد الإرهابيين الذي تم
التغرير به؛ إذ نقل عن ابنه قوله: "جعلوني أرى نفسي في الجنة مع الاثنتين
والسبعين حورية اللواتي سأتزوج بهن"، كما نقلت وكالة أسوشييتد برس للأنباء
عن عبد الله بجاد الذي أشرف على الجزء الديني من المسلسل قوله: "إن أحد
المشاركين في التفجيرات في إحدى الضواحي السكنية في السعودية سمع وهو يعد
الثواني عدا تنازليا في مكالمة أجراها مع مسئوله قائلا: بقي كذا ثانية على
اللقاء بالحور العين".
وفيما يتعلق بالجدل الدائر حول مسلسل "الحور العين" اقترح فضيلة الشيخ
"سلمان بن فهد العودة" على إدارة قناة إم بي سي التي تعرض المسلسل حصريا
على قناتها تنظيم حوارات يديرها العلماء والمختصون حول حلقات هذا المسلسل،
بحيث يتم التطرق لمختلف جوانبه، حتى يتمكن المشاهد من سماع الرأي الآخر حول
هذا البرنامج.
** صحفي
مصري مقيم في السعودية.
|