لا تزال مقطوعة فيلم الهروب للفنان أحمد زكي، الذي تمر
ذكرى وفاته الـ14 اليوم الأربعاء ، تجذب الجمهور حتى الآن، فالمقطوعة من
تأليف صعيدي مجهول من القرن التاسع عشر، وقد جمعها رحالة فرنسي في إحدى
رحلاته للصعيد وعرفت باسم "صياد الصقور"، وقام الباحث الروماني " تبريو" في
ستينيات القرن الماضي في مشروع لجمع الفولكلور المصري بوضعها.
وفي ذكري رحيل الفنان، تنشر بوابة "الأهرام" أهم ما طرحه
الشعراء والباحثون في الصعيد عن فنون العديد والحداء والنميم، وهي الفنون
الصعيدية المندثرة، وهي الفنون التي تظهر من أي جنس تنتمي المقطوعة التي
سميت باسم "صياد الصقور"، الذي ليس له تراث غنائي في الصعيد، وليس له أيضاً
إرث تاريخي ووثائق تتحدث عن عوالم صيادي الصقور وفنونهم، مثلما دون الرحالة
الأجانب في جمعهم للمقطوعة.
واستبعد الشاعر عادل صابر، أحد أهم شعراء فن الواو في الصعيد، أن تكون
المقطوعة لتتر فيلم الهروب، وأن تنتمي لفن العديد البكائيات لأسباب تختص في
البنية الشعرية للكلمات وللبحور الشعرية التي ينتمي لها "العديد"، حيث
"العديد" وهو فن جماعي خاص بالنساء وحدهن دون الرجال من بحر المجتث، مؤكدًا
أن الأقرب للمقطوعة انتماؤها لفن الحداء الذي ينتمي لبحر البسيط.
تقول المقطوعة للفيلم، الذي أخرجه الراحل عاطف الطيب
وموسيقي مودي الأمام: "يا بكرتي "البكرة هي الجمل الصغير" الديار، يا أم
الجرس رنانة، اتخاضي البحور ولا حيرانة".. في الصعيد يضع الجمال علي جمله
دائمًا سلبة بها جرس من الفضة، وهو الجرس الذي يصدر صوتًا في مشية الجمل،
وبعضهم يضع الجرس جنب تميمة تحمي الجمل من الحسد، كما تؤمن بذلك المعتقدات
الشعبية .
وتضيف مقاطع الأغنية: "خشيت البلد لاقيت الطَرَات (جمع طيور
) اللي رنا (اللي سمعني )، فرحت أنا لمان ريت العِهَان ورانا (فرحت أنا لما
رأيت الصوف ورانا) ..جييييه جيييييه (أداة للنداء وهي تختص أن الجمال يعامل
جمله كأنسان مثله فيناديه مثلما ينادي الآخرين من جنسه)، شديت للقعود (سحبت
الجمل للجلوس مثلي ) شديتله في بيتنا..
..والله لجيب أنا الشيخ الركيب الضهرية (الشيخ الذي يمتطهي
ضهر الجمل) السُكنة (إقامة الشيخ في سكناه في المراعي ) به تُبقى هنية
جييييه جيييييه)، يا شمس غيبي ويا سفاين حَلِّي (سفاين هي سفن ويقصد بها
الجمل مثل السفينة وحلي بمعنى اتركي ) بلدي بعيدة وخاطري في محلي أنا بامدح
المليحِ (النبي) وأمدح قبة خضرا (قبة المسجد النبوي) والمسايك (جمع مسك)
ريحي جييييه جيييييه.
المقطوعة التي جمعها الرحالة الفرنسي في الصعيد في القرن
التاسع عشر، كانت من الرجال وليس من النساء، كما يؤكد الشاعر عادل صابر،
مضيفاً، أن الحداء فن ذكوري لا تتقنه النساء ولا يبرعن فيه، فالحادي الذي
يسير رحالة في الجبال والصحاري يؤنسه الشعر حيث يتحدث عن غربته في قوالب
شعرية، وينوح علي غربته أيضًاَ، مضيفًا أنه فن قديم مارسه العرب الأقدمون
في أسفارهم ورحلاتهم، وهو يمتاز بالرقة المتناهية وهو من الفنون التي
اندثرت في الصعيد في الوقت الحالي ولم تجد من يقوم بجمعها قبل اندثار هذا
الفن.
ويؤكد صابر، أن الحداء يعامل الناقة مثل الناس فيها الأصيل
وفيها غير الأصيل، فالجمل "المولد" وفيٌّ لصاحبه أبدًا، أما الجمل
"البشارى"، فهو غير ويخزن العداوة، ويترك صاحبه في الشدة، لذا تكون تربيته
ومعاملته معاملة خاصة جدًّا فهو يكره العنف، ويبادل العنف بالعنف، بل أن
هناك أنواعًا من الجمال يعرف المختلطون بها أصالتها، وما بها من طبع مثل
الجمل "الزبيدي"، و"الرشيدي" و"العزباوي"، مؤكدًا أن أفضل الجمال هو
"المولد"؛ لأنه يخاف من "العيبة" وما يعملش الخطأ، ولهذا تغنى به الحدائون
القدامى في أشعارهم.
ويضيف شاعر فن الواو ، أن فن العدودة المندرج تحت البكائيات
والخاص بالنساء لا يملك أي سمات للحداء الذي يتحدث عن الغربة الداخلية
للإنسان، ومتاهته في الحياة، وبوحه بما في صدره مثل "من قال عمي زي أبوي
كدابي وـ بويا الحنين وحنته بودادي"، مضيفاً أن العدودة تختص بالحزن
والبكاء فقط، مؤكداً أن الأقرب لمقطوعة موسيقي فيلم الهروب ربما يكون فن
النميم وهو ينتشر في محافظات الجنوب بمصر وبخاصة في محافظتي أسوان والبحر
الأحمر.
والنَّمِيمُ لغة هو "الصَّوْتُ الخفي من حركة شيء أَو وطء
قَدَم".ويقول الباحث أيمن حسن، الذي جمع دراسة مهمة عن هذا الفن من مدينة
أسوان، إن النميم اصطلاحا هو ارتجال لنوع من المربعات الشعرية، يقوم على
المراكمة الفنية المضطردة، لعناصر جمالية أو عددية، يؤديه الشاعر الشعبي
إنشادًا مع الترنم، في مواجهة شاعر شعبي آخر أو أكثر يقوم بنفس المراكمة في
موضوع واحد محدد، وذلك في حضور جمهور يمثل الحكم في اختيار أبرع الشاعرين
في أداء هذا النوع من الشعر الشعبي و أن الجماعة الشعبية تطلق على مربع
النميم "غنوة" وعلى النميم غناء.
وأكد حسن، أن قوة فن النميم تأتي من تلقائيته، حيث يلقي ولا
يكتب ويأتي وليد الصدفة دون ترتيب أو إعداد مسبق من الشاعر، ولكنه يأتي
معبرًا عن روح الجماعة الشعبية، وإن كان إبداعًا فرديًا حيث يبدع الشاعر
بمفرداته متأثرا بما حفظته ووعته الذاكرة من أسلافه شعراء النميم والذي شكل
حصيلة إبداعه الفكري، شريطة اتحاد القافية والوزن.
وأوضح الباحث أيمن حسن في تصريحات لــ"بوابة الأهرام" أن
النميم ليس له موسيقي، مما يجعل المقطوعة الموسيقية في فيلم الهروب لا
تنتمي لهذا الفن، وربما يكون أقرب لها فن الحداء، مؤكدًا أن فن النميم حين
يتم إنشاده يتم توقف الموسيقي فيه، وأن أكثر من مثل فن النميم في مصر هي
أغنية نعناع الجنينة للفنان محمد منير. |