فقد الوسط الفني في مصر والعالم العربي أمس الفنان الكبير أحمد زكي عن عمر
يناهز 56 عاما، بعد رحلة صراع مرير مع مرض السرطان، استمرت قرابة عام ونصف
العام.
وكان زكي الذي تشيع جنازته اليوم من مسجد عمر مكرم وسط القاهرة أصيب
بالسرطان اللعين في رئتيه في العام الماضي، وتلقى علاجا مكثفا على يد
الخبير الفرنسي المعروف شيفالييه، وتحسنت حالته الصحية إلى حد ما، قبل أن
يعاوده المرض وينتشر بضراوة شديدة في الكبد والكليتين والغدد الليمفاوية
وكل أجزاء الجسم حتى وصل إلى المخ.
وكان الرئيس المصري أصدر قرارا لعلاج النجم الكبير الراحل على نفقة الدولة،
في معهد جوستاف الفرنسي وتحت إشراف الطبيب العالمي شيفالييه خبير علاج
الأورام السرطانية، قبل أن يعود أحمد زكي إلى القاهرة لاستكمال علاجه تحت
إشراف الطبيب المصري الدكتور ياسر عبد القادر أستاذ علاج السرطان في جامعة
القاهرة، وفريق طبي على أعلى مستوى بإشراف الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير
الصحة.
ولأكثر من عام ونصف العام ظل النجم أحمد زكي يقاوم السرطان بروح قتالية،
وإصرار دائم على الحياة، منذ إصابته في فبراير/شباط الماضي بانسكاب بلوري
أدى إلى تكون مياه حول الرئة بلغت نحو 8 لترات، أزيلت في باريس ليعود بعدها
إلى القاهرة ليبدأ استكمال رحلة علاجه التي شملت تلقيه جرعات من العلاج
الكيماوي.
وطيلة فترة مرضه ظل أحمد زكي متمسكا بالأمل في الشفاء، حتى إنه تلقى علاجا
بالإبر الصينية على مدار سبع جلسات متتالية، على يد الخبير الصيني شين زي
جيوا عميد معهد الأورام في الصين وفريق طبي ضم أربعة من كبار الأطباء في
مجال الإبر الصينية في بكين، قبل أن تشهد حالته الصحية تدهورا شديدا في
الفترة الأخيرة، بعد انتشار السرطان في كافة أجزاء الجسم، وإصابته بجلطة في
المخ أدت إلى تدهور تام في الجهاز العصبي. وفي الساعات التي سبقت الوفاة
تدهورت حالة النجم المصري بشكل خطير للغاية، عندما أصيب بغيبوبة تامة
أفقدته الوعي تماما، إثر إصابته بجلطة جديدة في جذع المخ.
ويعد النجم الراحل احمد زكي أحد أكبر عمالقة السينما المصرية خلال الفترة
الأخيرة، إذ قدم على امتداد مشواره الفني الذي استمر قرابة 35 عاما، مجموعة
كبيرة من أهم الأعمال السينمائية التي تعد علامة فارقة في تاريخ السينما
المصرية والمسرح والإذاعة والتلفزيون.
وتمتع زكي بنجومية لافتة منذ إطلالته الأولى على الجمهور من خلال دوره
الصغير في مسرحية “هاللو شلبي”، لكنه سرعان ما دخل القلوب والعقول بدوره
الرائع في مسلسل “الأيام” الذي جسد خلاله شخصية عميد الأدب العربي الدكتور
طه حسين، قبل أن يعيد الجمهور اكتشافه في العديد من الأعمال الفنية الأخرى
مثل “مدرسة المشاغبين” و”حب فوق هضبة الهرم” و”أنا لا أكذب ولكني أتجمل”.
ويعد فيلم “البريء” نقلة نوعية لافتة في حياة النجم الراحل
التي قدم خلالها نوعية مختلفة من الأفلام التي تضم رؤى سياسية وفلسفية
عميقة من نوعية فيلم “الهروب” ثم “الإمبراطور” و”ضد الحكومة” و”البيه
البواب” ثم فيلمه الرائع “ناصر 56” ومن بعده “معالي الوزير” ثم “أيام
السادات” و”أرض الخوف”، وكلها أفلام دفعت الفنان الراحل بأدائه الجميل
السهل والممتع أن يخطف الأضواء ليكون أكثر نجوم جيله شعبية ومصداقية لدى
الجماهير العربية.
لمع اسم أحمد زكي كوجه سينمائي كبير من خلال أدواره المتميزة في أفلام:
“وراء الشمس” و”العمر لحظة” و”أبناء الصمت” و”شفيقة ومتولي” ونال عن هذه
الأفلام جوائز محلية ودولية، وازداد اسمه لمعانا وقوة عندما اختاره المخرج
يحيى العلمي لأداء دور عميد الأدب العربي طه حسين في مسلسل “الأيام”، الذي
كان نقطة تحول كبيرة في حياته، وفتح له هذا المسلسل باب التميز على مصراعيه
لينفذ منه إلى استوديوهات السينما، فقام ببطولة مطلقة لثلاثة أفلام دفعة
واحدة في بداية الثمانينات هي “طائر على الطريق” إخراج محمد خان، “عيون لا
تنام” إخراج رأفت الميهي، “العوامة 70” إخراج خيري بشارة.
قدم الفنان الراحل مجموعة من الأغنيات الدرامية التي تخدم الموقف الدرامي
في مسلسل “هو وهي”، وفيلم “البيه البواب”، وفي مجال المسرح قدم “مدرسة
المشاغبين” و”هاللو شلبي” و”أولادنا في لندن”، ثم “العيال كبرت”.
وفي مجال الإذاعة قدم مسلسل “دموع صاحبة الجلالة”، و”عبد الله النديم”،
وبعض الأعمال الأخرى.
المعاناة كلمة السر في
حياة الفنان العملاق
رحل أحمد زكي بعد حياة حافلة. وقصة كفاح لشاب ريفي استطاع أن يفرض نفسه
بقوة وأن يحقق طموحاته وأحلامه. حياته مزيج من الألم والأمل. تماما كما في
قصص الأساطير. عندما يحقق بطل الحكاية أحلامه، ويقفز فوق معاناته، ويحول
مأساته إلى قوة جبارة تقهر أي صعب. استطاع الفتى الأسمر أحمد زكي أن يغير
مقاييس البطولة في السينما العربية وهذا الحضور، وتلك الموهبة جاءته وليدة
سنوات العذاب والمعاناة. فأحمد زكي عانى في حياته كثيرا، ويبدو تصميمه على
أداء شخصية العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في فيلم سينمائي استجابة لنداء
داخلي، يؤكد فيه أنه لن يمثل في هذا الفيلم الذي انتهى من 90 في المائة من
مشاهده قبل رحيله. وإذا قدر للفيلم أن يرى النور، فسيلمس المشاهد أن أحمد
زكي لم يمثل فيه بل سيؤدي قصة حياته، تلك القصة التي تشبه إلى حد كبير، وفي
تفاصيل كثيرة تكاد تكون متطابقة في بعض فصولها حتى مصادفة توقيت الرحيل
الذي جاء قبل أيام من ذكرى رحيل العندليب. فحتى سنوات المعاناة والحرمان
شاركه فيها وكذلك شعور كليهما بالكبرياء والرغبة القوية الطموحة في تحقيق
الآمال، التي كانت في بداياتها مجرد أحلام يقظة. وحتى معاناة أحمد زكي مع
المرض والعلاج والتفاف الجميع من حوله وتعاطف الكثيرين مع حالته الصحية.
إنها المشاعر والأحاسيس نفسها التي صادفت حالة عبدالحليم حافظ وان اختلفت
مسميات المرض أو تباينت بعض التفاصيل الصغيرة. واختلف الزمن.
وربما يكون أحمد زكي وضع أمامه نموذج عبدالحليم حافظ واقتدى به ووصل إلى
مبتغاه كما وصل حليم من قبل واستطاع تحقيق ذاته.
ولد أحمد زكي لأسرة متواضعة في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية وهي
المدينة ذاتها التي جاء منها عبدالحليم الذي ولد في إحدى قراها “الحلوات”.
ولم ير أحمد والده، الذي كان يعمل موظفا وكان يعرف وسط أهل البلد بحالته
الميسورة نسبيا، إذ كان عمله يدر عليه وأسرته الصغيرة التي تتكون من أحمد
ووالدته. وعاش بعدها أحمد وحيدا وسط عائلة كبيرة وكان يتعين عليه هو وأمه
أن ينتقلا إلى منزل العائلة بعد وفاة أبيه وعندها وجد الطفل الصغير ذو
الستة أشهر نفسه يتيم الأب وبعد فترة قصيرة لم تتجاوز العامين أجبرت
العائلة أمه على الزواج من آخر لأنها كانت في مقتبل عمرها. ووجد الطفل نفسه
يتيما يتنقل بين بيوت العائلة. تزوجت والدته على أمل أن تعوض ولدها عن فقده
لأبيه في سن مبكرة وأن يجد الرعاية في كنفه غير أنها لم تدرك ساعتها أنها
أضافت إلى وليدها عبئا إضافيا الى يتمه.
وفي الوقت ذاته وجد الطفل أمه- عالمه الوحيد- تنشغل عنه بزوجها الجديد.
الأمر الذي ترك بصماته الشديدة عليه وزاد ذلك مع مرور الوقت حينما رزقت
بمولودها الأول صبري من زوجها الجديد، ووجد الطفل الجميع ينادونها بأم صبري
على الرغم من كونه أحمد هو الأكبر، وترك ذلك في نفسه شرخا كبيرا، ربما
استمر معه حتى وفاته إلا أنه لم يشك ولم يتذمر، فمن في مثل حاله ليس من حقه
حتى الشكوى.
بعد ذلك وكعادة أهل الأحياء الشعبية في مصر توالي وصول إخوة أحمد زكي من
أمه، إذ منى بعد صبري ثم محمد ثم ثلاثة من الأبناء والبنات، الأمر الذي شعر
معه الفتى بأنه صار عبئا ثقيلا على والدته إلى جانب عبء إخوته، إضافة إلى
صعوبة العيش مع الدخل المتواضع للأسرة على الرغم من أن والده عندما توفي
كانت حياته بمقاييس ذلك الزمان ميسورة. زاد تشتت الفتى أحمد خلال تلك
الفترة على الرغم من محاولات والدته المتكررة تعويضه عن الحرمان واليتم إلا
أن كثرة الأطفال وانشغال أفراد عائلة والدته عنه وعنها بمشاكلهم وحياتهم
بعد ذلك حيث لم يكن الحال أفضل من ذي قبل حال دون ذلك. انشغل الجميع عنه
ووجد نفسه وحيدا إلا من مشاعر كما وصفها هو نفسه فيما بعد بأنها كانت
حيادية تماما تجاهه، وكانت أكثر مجاملة منها حقيقية، فجميع من حوله
يقابلونه بمشاعر الود والسؤال ثم ينصرفون عنه بعد قليل لانشغالهم بأمور
دنياهم، مما رسخ لديه شعورا بأنه غير مرغوب فيه، وترك بصماته على شخصيته
فيما بعد، وولد لديه تصميماً على إثبات الذات والخروج من حاله تلك إلى
الحال التي رسمها بمخيلته في ساعات عزلته. كانت أحلاما كبيرة ومشروعة وهي
أن يجبر من حوله على الانشغال به، بعد طول إهمال، وأن يصبح نجما يشار له
بالبنان.
وحدثت واقعة حينما انتشر أمرها فيما بعد تيقن المقربون أن أحمد زكي استطاع
أن يقلب بالفعل أمور حياته وأن يصل إلى مبتغاه. وسيصبح يوما من الأيام
نجما. ففي يوم عرس أخته غير الشقيقة منى صادف وقتها عرض مسرحية “مدرسة
المشاغبين” في التلفزيون وكان أهل العريس يعلمون أن للعروس أخا ممثلا ولكن
لا يعرفون شكله فلم يكن مشهورا بعد. وعندما أشاع أحد الصبية في الحفل أن
أحمد زكي مع عادل إمام وسعيد صالح في التلفزيون انصرف جميع الحاضرين إلى
مشاهدة هذا الممثل شقيق العروس وبقي نفر قليل في حفل العرس فيهم والد
العروس الذي كان يتفاخر بأحمد زكي وسط المعازيم. وتعرض أحمد زكي لكثير من
الهزات النفسية والمرضية فلم تكن طريقه مفروشة بالورود، بل كانت المعاناة
فيها أكبر بكثير من ساعات الصفاء، وزادت حساسيته في التعامل مع تلك الهزات
فلم يكن يقابلها بلامبالاة كغيره، بل كان يتعامل معها بحساسية مفرطة، الأمر
الذي طالما سبب له آلاما نفسية.
وكانت أول صدمة حينما رشح لبطولة فيلم “الكرنك” أمام السندريلا سعاد حسني،
التي كانت في أوج شهرتها، وعمره الفني لم يكن يتجاوز أعواما قليلة، لكن
مكتشف النجوم، المنتج رمسيس نجيب، قال إنه لا يصلح إلا لتمثيل دور الجرسون،
وقابل أحمد زكي هذا الاستهزاء بعبارة لا تزال محفورة في ذاكرته: أنا اليوم
أجري خلفكم. غدا ستجرون أنتم خلفي.
الأمر نفسه جرى مع أحمد زكي عندما أسندت إليه الفنانة ماجدة دورا في فيلم
“العمر لحظة” الذي أنتجته عن حرب أكتوبر/ تشرين الأول، فقد نسي القائمون
على الفيلم أمر أحمد زكي ولم يكتبوا اسمه على أفيشاته مما دعاه إلى الذهاب
إلى منزلها في ساعة متأخرة للشكوى. ويقول أحمد زكي عن نفسه في تلك الفترة
أنه كان يشعر أنه لا أحد يهتم بأمره فالمشاعر التي يلاقيها ممن حوله كانت
مشاعر حيادية تماما لا أحد يفرح له عندما ينجح في دراسته ولا أحد يحاسبه
إذا تعثر، وكان لزاما عليه أن يواجه تلك المواقف ويتكيف معها بل ويصطنع
مشاعر ليرضي بها ذاته حيث تقول زوجة خاله شعبان الذي عاش فترة من حياته في
كنفه إنها كانت تدخل غرفته أحيانا فتجده غارقا في دموعه وعندما تسأله عن
السبب كان يتهرب من إجابتها ويقول إنه يمثل.
موهبة تساوي جيلاً
كاملاً
اعتبر نقاد سينمائيون النجم السينمائي المصري أحمد من أبرز الفنانين الذين
خرجوا من “أحراش المجتمع” ليمنحوا فن التمثيل أهمية ترجع إلى طبيعة
الشخصيات التي اختار تمثيلها فضلا عن إبداعه الشخصي في طريقة الأداء. وقال
الناقد السينمائي كمال رمزي إن أداء زكي يعد إضافة لفن التمثيل مشيرا إلى
أن تفوقه على معظم ا لممثلين المصريين يرجع إلى قدرته على الإبداع الشخصي
والجدية في الإلمام بتفاصيل الشخصية قبل أن يؤديها “بطريقة رفيعة المستوى
تنتمي إليه وحده ، فعندما قدم شخصية الدكتور طه حسين شعرنا أن جسد زكي كأنه
تحول إلى آذان وكانت ملامح وجهه تجسيدا للعزيمة والعناد معا”.
وأضاف أن زكي قدم في أفلامه بانوراما لشخصيات تعطي تفاصيل واضحة لخارطة
المجتمع المصري خلال ربع القرن الأخير “من الأحراش إلى القمة كانت أدواره
معرضا شديد الثراء والصدق بفضل عينيه اللتين تجيدان تجسيد وتلخيص اللحظة
المركبة كما في المشهد الأخير من فيلم “ ناصر 56” وهو خطبة ناصر في الأزهر.
نظرة عيني زكي وهما تكادان تدمعان تعبران عن الخوف والتصميم والشعور بغموض
المستقبل وقوة الإرادة أيضا”.
وقال المخرج المصري عادل أديب الذي أخرج لزكي قبل سنوات فيلم “هستيريا” إن
زكي صور معظم مشاهد دوره في فيلم “حليم” وأهمها مشهدا البداية والنهاية
وهما أغنيتا “رسالة من تحت الماء” و “قارئة الفنجان”. وأضاف أديب المشرف
على إنتاج فيلم “حليم” إن المتبقي من الفيلم مشاهد قليلة جدا عبارة عن
خلفيات لأغاني عبد الحليم في شوارع بيروت وباريس والمغرب.
وقال محمود سعد رئيس تحرير مجلة “الكواكب” المصرية إن زكي “كان ممثلا
فريدا وموهبة فريدة للغاية لا تتكرر إلا مرة واحدة كل مائة أو 200 أو حتى
300 عام”.
وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في
كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه “الوحيد الذي
تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن
يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور. “وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير
موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو
مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس
إلى تصديقه بلا أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا”.
وأشارت إلى أن مواطنين مصريين عاديين حاولوا بوعي فطري في التعبير عن حبهم
له الإمساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء “كتبوا في
سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي
شيء.. من المال إلى الأعضاء كي يواصل حياته”.
وقال الناقد طارق الشناوي إن زكي “ممثل شاعري يتجاوز حدود أي نص أو
سيناريو”، إلا أنه اعتبر أن تجسيد زكي لشخصيتي كل من الرئيسين الراحلين
أنور السادات في “أيام السادات” وجمال عبد الناصر في “ناصر 56” لم يمكنا
زكي من إظهار كل طاقته مضيفا “أعتقد أن زكي يظهر أفضل امكاناته عندما تتاح
له حرية تحديد سمات الشخصية. و في الفيلمين كان مقيدا بشخصية الرئيسين
الراحلين إلا أنه جسدهما بشكل رائع”.
أسرار خاصة من
الكواليس
حقنة ب 500 دولار
وسماعة داخلية سر التعايش مع "العندليب"
لأول مرة يجد المخرج شريف عرفة نفسه في امتحان صعب، رغم خبرته الطويلة، وكم
الأفلام المتميزة العديدة التي قدمها، إلا أنه وجد نفسه وكأنه يخوض تجربة
جديدة لأول مرة من خلال فيلم “حليم”، وحتى يتسنى للمخرج شريف عرفة اجتياز
الامتحان الصعب والتعامل مع نجم في حجم أحمد زكي له ظروف صحية خاصة، وضع
تعليماته الصارمة لجميع العاملين داخل الاستوديو، وقرر أن يخليه إلا من
مدير التصوير والمصور واثنين من العاملين حتى يتسنى للنجم أحمد زكي أن يحقق
مزيدا من التركيز والهدوء وكان شريف عرفة موجودا قبل بدء التصوير على غير
عادته بساعتين حتى يعد كل شيء مع مساعديه نظرا لحساسية الظروف التي يمر بها
أحمد زكي.
كان النجم الأسمر أحمد زكي معتادا أن يأتي إلى الاستوديو متقمصا الشخصية
التي يلعبها من حيث الملبس والماكياج وكل شيء، وهذا ما فعله مع فيلمي “ناصر
56” و”أيام السادات”، لكن مع العندليب الأمر يختلف تماما فقد كان يصل إلى
استوديو جلال بصحبة ابنه هيثم قبيل التصوير بنصف ساعة، ولم يكن في الحالة
التي اعتاد عليها، وكان يتجه مباشرة إلى حجرته، وكان اللبيس هو أول شخص
يتعامل مع أحمد زكي داخل حجرته ثم وقد اعتاد أحمد زكي قراءة المشاهد الخاصة
به التي يصورها أثناء عمل الماكيير حتى تزداد درجة تركيزه، أما عن الشخصيات
الأخرى التي تتعامل مع العندليب فكانوا لا يتقابلون مع أحمد زكي إلا أمام
الكاميرا وهذا ما حدث مع الممثل جمال سليمان وسلاف فواخرجي وعزت بدران.
خلال التصوير جهزت الحجرة الخاصة بالنجم أحمد زكي بحيث لا يتعرض لأي مشكلات
طبية وضبطت درجة حرارة الحجرة تحسبا لأي نزلات شعبية أو ما شابه ذلك، وتم
إخلاء الحجرة من أي شيء سوى سرير ومقعد ومرآة حتى لا تصطدم قدماه بأي شيء
ويتسبب في إسالة دمه نظرا للسيولة التي عانى منها، وكان الطبيب المعالج
لأحمد زكي يقيس درجة حرارته وضغطه كل نصف ساعة، وبعد انتهاء الماكيير
الفرنسي دومينيك من تجهيز النجم أحمد زكي كان لا بد أن يتركه الجميع بمفرده
لمدة ربع ساعة حتى يخرج عليهم شكلا ومضمونا عبد الحليم حافظ، وهذا بشهادة
كل من تعامل معه، إذ كان يتقمص شخصية عبد الحليم ويعيش دقائق من التوحد بكل
تفاصيل الشخصية، وكانت الدهشة ترتسم على الماكيير الفرنسي دومينيك عندما
يشاهد أحمد زكي خارجا من الحجرة ولا يتحدث مع أحد حيث يجد نفسه أمام عبد
الحليم حافظ الذي سمع وقرأ عنه من أصدقائه المصريين.
وكان لا بد من أن يضع الطبيب المعالج في اعتباراته المفاجآت والأشياء
الصغيرة التي من الممكن أن يتعرض لها أحمد زكي، ولذلك كان لا بد أن يعطيه
حقنة يصل ثمنها إلى 500 دولار كل يومين لمواجهة حالة الهزال الذي كان يعاني
منه بسبب الجرعات الكيماوية السابقة التي تناولها بكثافة وكان يأخذ الحقنة
كل يومين وليس أثناء التصوير لأنه كان يحتاج إلى 8 ساعات حتى يظهر تأثير
هذه الحقنة.
وبذكائه عرف المخرج شريف عرفة كيف يتعامل بذكاء شديد مع حالة أحمد النفسية،
إذ كان يضع سماعات داخلية يبث خلالها أغاني عبد الحليم حافظ، وكانت هذه
السماعات الداخلية بمثابة استرجاع دائم للحالة التي فرضها أحمد زكي على
نفسه داخل بلاتوهات التصوير وسط دهشة جميع العاملين داخل البلاتوه.
الأسطى جلال، هو عامل الإضاءة الذي عمل تقريبا في معظم أفلام عبد الحليم
حافظ أثناء تصويرها باستوديوهات “جلال” و”النحاس” و”مصر” وكان شاهد عيان
على كل التفاصيل التي كان يفعلها عبد الحليم حافظ قبيل التصوير، والغريب
أنه كانت تربطه صداقة بالنجم أحمد زكي لأنه عاصر أفلام أحمد زكي الأولى مثل
“المدمن” وتنبأ له بأن يصبح نجم السينما المصرية حتى رحيله، ولهذا طلب أحمد
زكي أن يتقابل مع الأسطى جلال أثناء تصوير فيلم “حليم” حتى يتأكد من أنه
استطاع أن يتقن شخصية عبد الحليم حافظ خاصة المشية المميزة، فكان الأسطى
جلال خير معين وقريب لأحمد زكي لتأكيد الحالة التي عليها أحمد.
وكان أحمد زكي عندما يحل التعب والإجهاد به يتجه إلى استوديو عمار في الدقي
ليستمع إلى مئات من التسجيلات الغنائية لعبد الحليم حافظ والتي اشترتها
الشركة المنتجة للفيلم، وتضم خليطا كبيرا لأشرطة صوت وتسجيلات تلفزيونية
نادرة للعندليب الأسمر. وكان أحمد زكي دائما ما يطلب إعادة الأشرطة الخاصة
برحلة عبد الحليم حافظ إلى لندن أثناء علاجه في الفترة الأخيرة وكان يتألم
كثيرا من أحاديث عبد الحليم حافظ في هذه الفترة، فيشعر وكأن عبد الحليم
حافظ يسترجع الحالة النفسية التي يعيشها هو. وأثناء تصوير أحد المشاهد
التي جمعت بين الممثل عزت بدران الذي يقوم بدور الملحن كمال الطويل والنجم
أحمد زكي عرض كمال الطويل لحن أغنية “في يوم في شهر في سنة” على النجم أحمد
زكي فرددها من دون أن يكون هذا موجودا في السيناريو واندمج أحمد وبدأ يذرف
الدموع وأعطى المخرج شريف عرفة أوامره باستمرار التصوير من دون توقف وما إن
انتهى أحمد زكي من ترديد مقطع من الأغنية حتى سمع صرخة من المخرج شريف عرفة
من حجرة الكنترول “هايل يا حليم” وسط تصفيق حاد من الحضور.
ومن أصعب المشاهد التي واجهها النجم أحمد زكي عندما تحدث عبر الهاتف بعد
نكسة 5 يونيو/حزيران 1967 وسمع عبر التلفزيون خطاب التنحي الذي ألقاه
الزعيم جمال عبد الناصر على جموع الشعب حتى بدأ أحمد زكي، أو عبد الحليم،
في البكاء من القلب وهو من أصدق المشاهد التي صورها أحمد زكي حسبما أكده
الحضور داخل البلاتوه، وكان حوار أحمد زكي، أو عبد الحليم حافظ، مع الزعيم
جمال عبد الناصر -عبر الهاتف- حوارا تاريخيا ومؤثرا حاول فيه المطري ثني
الزعيم عن قرار التنحي متوسلا إليه بأن جموع الشعب في أمسّ الحاجة إلى
ناصر، وقد صفق الحضور بشدة وظل أحمد زكي 5 دقائق منفردا مع نفسه بعد تصوير
هذا المشهد وتأثر كثيرا من صوت جمال عبد الناصر عبر الهاتف والحوار المؤثر
الذي كتبه المؤلف محفوظ عبد الرحمن، ثم كان لأحمد زكي مشهد آخر ومؤثر عندما
طلب من الزعيم جمال عبد الناصر عدم حذف اسم مصطفى أمين من تتر فيلم “معبودة
الجماهير”.
عرف الجميع أن النجم أحمد زكي يعيش حالة عشق مع السمك والجمبري ولكن لم
يجرؤ أي منهم بتناول أي وجبة سمك في استراحة الغداء لمعرفتهم بأن السمك
أصبح من الوجبات الممنوع عليه تناولها، غير أنه شعر بذلك ففاجأ كل فريق
العمل في إحدى المرات بإحضار أكلة سمك وجمبري أعدت خصيصا لهم، وفضل أحمد
زكي الجلوس معهم وتناول ملعقة أرز وملعقة سلطة، وظل أحمد يداعب الجميع حتى
قام آخر عامل من أمام المائدة كي لا يشعر أحدا بأي حرج إنساني. وكان هذا
لافتا للنظر إذ عرف الجميع أن أحمد ممنوع عنه أنواع معينة من الأطعمة، ورغم
هذا أصر على أن يدعو الجميع على بعض الأطعمة التي يعشقها، وكان هيثم ابنه
هو الذي يصطحبه أثناء عودته بعد انتهاء التصوير وأحيانا الطبيب المعالج له.
"مفيش
بكره"
عاش النجم أحمد زكي أيامه الأخيرة بالغرفة 1229 في مستشفى دار الفؤاد في
مدينة 6 أكتوبر، وتضمنت اللقطات الأخيرة في مرحلة تمتعه بالوعي طلبه من
المقربين منه الاستفسار عن صحة الفنان عبد الله محمود الذي أصيب مؤخراً
بورم في المخ وقال: كنت أتمنى زيارته لأنه ابني وأرسل له بعض النقود
لتساعده في محنته على قدر استطاعتي.
كما التقى بالفنانة نبيلة عبيد لمدة نصف ساعة وقالت له أنا مضطرة أن أتركك
الآن لأن عندي موعداً مع بعض الأهل في منزلي ونكمل الكلام “بكرة” يا أحمد،
فضحك قائلا: “مفيش بكرة يا بلبل يا النهارده يا بلاش”، وبالفعل جلست نبيلة
عبيد معه ودار حديث ذكريات طويل حول أيام تصوير فيلم “شادر السمك”.
الفنانة وفاء سالم التي شاركته بطولة فيلم “النمر الأسود” كانت دائمة
الزيارة له والجلوس معه وتبادل الذكريات الطويلة عن الفيلم، والفنانة
المعتزلة شهيرة كانت تلازمه في غرفته في المستشفى بصفة مستمرة وتتلو له
القرآن.
وفي الأيام الأخيرة لمرضه رفض لقاء زملائه من الفنانين وأصدقائه وعشاق فنه
رغبة منه في ألا يراه أحد منهم وهو يتألم.
وزاره عدد كبير من الفنانين خلال الأزمة الصحية الأخيرة له منهم هدى سلطان
ومديحة يسري ويوسف شعبان ومحمود ياسين وحسين فهمي وخالد النبوي ونبيلة عبيد
ويسرا ورغدة التي كانت تلازمه باستمرار وعزت العلايلي وسميرة أحمد وليلى
علوي وصفاء أبو السعود وجيهان السادات والمطربة ماجدة الرومي التي حضرت
خصيصا من لبنان للاطمئنان عليه. كما تلقى آلاف المكالمات التلفونية من مصر
والعالم العربي والجاليات العربية في الدول الأوروبية للاطمئنان عليه.
كان خليطاً من الألم
والدموع والحرمان
"الشرقاوي
اليتيم" حطم
كل المقاييس وحقق المستحيل
القاهرة - "الخليج": اسمه بالكامل “أحمد زكي عبد الرحمن”، من مواليد 18
نوفمبر/تشرين الثاني في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية في دلتا مصر عام
1949. بعد وفاة والده وزواج والدته تربى في رعاية جده ودخل مدرسة الصنايع،
وفيها شجعه ناظر المدرسة على التمثيل من خلال مسرح المدرسة، وبعد حصوله على
دبلوم المدارس الصناعية التحق بمعهد الفنون المسرحية، وأثناء دراسته في
المعهد شارك في مسرحية “هالو شلبي”، ثم تخرج عام 1973 وكان الأول على
دفعته، بداياته الفنية الحقيقية كانت مع المسرح الذي قدم له أكثر من عمل
ناجح مثل “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”.. ثم أصبح من ابرز نجوم السينما
المصرية، لما له من تاريخ طويل حافل قدم خلاله عشرات الأفلام المتميزة على
مدى 30 عاما بداية من “بدور” عام 1974 وحتى “حليم” 2005. وكما لمع اسمه في
المسرح والسينما تألق أيضا الفنان الأسمر في التلفزيون فكان له ثلاثة
مسلسلات هي “الأيام” و”هو وهي” و”الرجل الذي فقد ظله”، حصل أحمد زكي على
العديد من الجوائز على مدار مشواره الطويل.
تزوج الفنان أحمد زكي مرة واحدة فقط في حياته من الممثلة الراحلة “هالة
فؤاد” وله منها ابنه الوحيد هيثم.
يستحق النجم الأسمر أحمد زكي بجدارة لقب نجم حاضر ومستقبل السينما المصرية
أيضاً إذ كان فناناً مجتهداً إلى أبعد حد، واهتم في أعماله بالكيف على حساب
الكم، وكان يلفت الأنظار مع كل دور جديد يقدمه، وأعماله تشهد له بذلك، منذ
أول بطولة له في فيلم “شفيقة ومتولي” وحققت أفلامه نجاحات كبيرة على مستوى
الجماهير والنقاد على السواء.
طريق صعب، ومليء بالإحباطات والنجاحات، قطعه أحمد زكي حتى وصل إلى ما وصل
إليه من شهرة واحترام جماهيري منقطع النظير، جعله يتربع على قمة النجومية
في وقت كانت فيه مقاييس النجومية في السينما المصرية لا تنطبق عليه، كسر
المقاييس وغيّر المفاهيم، وانتزع أدوار البطولة، وحصد العديد من الجوائز
المحلية والدولية، واحتكر جوائز أفضل ممثل مصري لعدة أعوام متلاحقة.
عرف عن أحمد زكي أنه شرقاوي “نسبة الى المحافظة التي ولد فيها” يذوب رقة
وخجلاً، يحدث المرأة فلا يتطلع لعينيها أو لوجهها، ويحدث الرجال الكبار
باحترام شديد، ويعامل أقرانه بمودة متناهية، ويكفي أن تلقاه مرة واحدة حتى
ترفض كل دعاوى الغرور التي تلتصق به، وترد السهام التي يطلقونها عليه إلى
صدور مطلقيها، وتصيح بأن أحمد زكي فتى نقي بريء.
مات والده وهو في عامه الأول، وتزوجت والدته بعد رحيل الوالد مباشرة،
فتعلقت بأهدابه كلمة يتيم، وتغلغلت في كل تفاصيل عينيه، فعاش في سكون
مستمر، يتفرج على ما يدور حوله من دون أن يشارك فيه، ولهذا أصبح التأمل
مغروساً في وجدانه بعمق، حتى أصبح خاصية تلازمه في كل أطوار حياته.
وعندما أراد أحمد زكي أن يهرب من وحدته بأية طريقة، بل أراد أن يهرب من حزن
عينيه حين كره كلمة يتيم، كان يهرب إلى بيوت الأصدقاء ليحاول أن يضحك،
وكانت قدماه تتآكلان وهما تأكلان أرصفة الشوارع، حتى ظن الطفل الطري العود
أنه كبر قبل الأوان، والذي ساهم في ذلك بشكل أكبر هذا الصدام المتواصل بينه
وبين العالم الخارجي، لم يضحك بما فيه الكفاية، ولكنه بكى بما فيه الكفاية،
وصمت بما فيه الكفاية، وحين أراد أن يهرب إلى الكلام، وجد في المسرح
متنفسه، فالتحق بعالمه عندما التحق بدراسته الثانوية، فصار في فترة وجيزة
هاوياً للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس.
اكتشف أحمد زكي الفن في أعماقه مبكراً، فكان رئيس فريق التمثيل في مدرسته
الابتدائية، ومدرسته الإعدادية، ثم مدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية،
وهكذا تحدد طريقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج فيه عام
1973 من قسم التمثيل بتقدير ممتاز، وهو التقدير نفسه الذي حصل عليه في كل
سنوات الدراسة.
لمس أحمد زكي قلوب الناس وسط عاصفة من الضحك، كان هذا خلال المسرحية الأولى
التي واجه الجمهور بها، من خلال مشهد صغير قدمه أمام القدير عبد المنعم
مدبولي في “هالو شلبي”، وكان ذلك هو السبب الرئيسي الذي من أجله اصطحبه
مدبولي معه إلى مسرحية “مدرسة المشاغبين” التي كان يقدم فيها دور الناظر في
بداية عرض المسرحية قبل أن يكملها الفنان حسن مصطفى، فوجد من حوله ملوك
الضحك: عادل إمام، وسعيد صالح، ويونس شلبي، وعبد الله فرغلي.. وهو التلميذ
الغلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة، فكتب عنه النقاد أنه كان الدمعة في
جنة الضحك في هذه المسرحية.
بعد ذلك تنقل من المسرح إلى التلفزيون إلى السينما، وكانت له جولات وصولات
في الساحات الثلاث، ولفت الأنظار إليه بكل دور يقوم به، وترجمت هذه الأعمال
المتفوقة إلى جوائز، وهنا بدأت الحرب عليه، وذلك للحد من خطورته، ومصدر
الخطر فيه تحدد في ثلاثة مواقف سينمائية وتلفزيونية: الموقف الأول حين قام
بدور البطولة في مسلسل “الأيام”، وأدى شخصية الدكتور طه حسين، وعندما أجرى
النقاد مقارنة بينه وبين محمود ياسين، الذي قام بالدور نفسه في السينما،
وحين تجري المقارنة بين من مثل مائة فيلم، وبين من مثل خمسة أفلام
ومسلسلاً، فمعنى هذا أن أحمد زكي قفز إلى مكانة لم يسبقه إليها أحد!
والموقف الثاني برز حين قام بدور البطولة في فيلم “شفيقة ومتولي”، أمام
سعاد حسني، ولا يهم ما قيل في الفيلم أو في سعاد حسني، إنما المهم إصرارها
على أن يكون أحمد زكي بطل الفيلم.
الموقف الثالث كان في دور ثانوي، هو دوره في فيلم “الباطنية”، بين عملاقين
سينمائيين هما فريد شوقي ومحمود ياسين، ورغم ذلك فإن الجوائز انهالت على
أحمد زكي وحده، وكانت شهادة من لجان محايدة على أنه، ورغم وجود العملاقين،
ترك بصماته في نفوس أعضاء لجان التحكيم.
بعدها جاء فيلم “طائر على الطريق”، وجاءت معه الجائزة الأولى، وهكذا وجد
أحمد زكي لنفسه مكاناً في الصف الأول، أو بمعنى أصح حفر لنفسه بأظافره
طريقاً إلى الصف الأول وكان عام ،1982 هو الانطلاقة الحقيقية لهذا الفنان
الأسمر. أما عام ،1983 وخلافاً لكل التوقعات، فقد انسحب أحمد زكي بعيداً عن
الأضواء والسينما بنسبة ملحوظة، ليعود عام 1984 أكثر حيوية ونشاطاً.
ومن العجيب أن هذا الشاب الريفي، البعيد عن الوسامة المتعارف عليها في
مقاييس السينما، جاء إلى عاصمة السينما العربية، مفتوناً برشدي أباظة،
المعروف بوسامته، فكسر كل الحواجز وحطم كل المقاييس، وحقق المستحيل.
كبار النجوم يبكون
"النمر
الأسود"
القاهرة - “الخليج”: في جو يكسوه الحزن والأسى لرحيل “الفتى الأسمر” النجم
احمد زكي الذي أمتع ملايين المشاهدين في جميع البلدان العربية بفنه الراقي
وأعماله السينمائية المتميزة التي تعد علامة في تاريخ السينما العربية يودع
جموع الفنانين صديقهم المحبوب احمد زكي رحمه الله، بعد ان فشلت الحالة
الصحية الحرجة التي كان يعاني منها قبل ما يزيد على ثلاثة أسابيع في
التخفيف من حدة الصدمة التي ضربت زملاءه وتلاميذه أمس بعد إعلان
وفاته.وتحول مستشفى “دار الفؤاد” إلى ما يشبه سرادق للعزاء بعد اقل من ساعة
من إعلان خبر الوفاة، وتوافد عشرات الفنانين والمئات من جمهور الفنان
الراحل على مكتب الاستقبال الرئيسي، وكان الفنان محمد الدفراوي أول من تلقى
الخبر المفجع بينما كان يمني نفسه بلقاء قصير مع النجم الراحل، ومن بعده
حضر فاروق الفيشاوي ومحمود عبد العزيز وشهيرة ومحمد هنيدي وشيرين ومنى عبد
الغني واشرف زكي.
وحاولت “الخليج” انتزاع بعض الشهادات حول النجم الراحل بصعوبة شديدة حيث
كان الوجوم يسيطر على الجميع، ويقول محمود عبد العزيز: وهو يغالب دموعه
ستظل الساحة شاغرة بعد رحيله.
ويضيف عبد العزيز: أضاف احمد زكي للسينما الكثير في فترة ارتفعت فيها أصوات
المحرمين للفنون، فمن ينسى “البريء، وضد الحكومة، وزوجة رجل مهم، وناصر 56”
وغيرها، كلها أفلام ناهضت كافة أنواع القمع التي تمارس ضد الفرد، ويختتم
محمود شهادته قائلا: ليس هناك من يستطيع أن يملأ هذا الفراغ.
ويقول الفنان فاروق الفيشاوي: كان أحمد زكي أجمل حلقة في “عقد” السينما
المصرية لذا فإن أعماله ستبقى طويلا، فقد جاء في فترة كانت السينما فيها
أسيرة لقوانين صارمة بشأن مواصفات نجم السينما ثم جاء ليحدث انقلابا كبيرا،
لذا فإن الآخرين يدينون له بالفضل وذلك لأنه فتح الطريق أمام من جاؤوا بعده
كي يحتلوا موضع قدم.
ويقول محمد هنيدي: تعلمت من أحمد زكي الكثير حينما عملت معه في فيلمي
“الهارب” و”البطل” فقد كانت نصائحه مؤثرة للغاية خلف الكاميرا، وكان ينصحني
دائما عند اختيار أي عمل، وألا اضعف أمام التنازلات، ويختتم هنيدي: كنت
أحلم بأن ألتقي معه في أعمال أخرى غير أن القدر قال كلمته الأخيرة مبكرا.
ويرجع الفنان أحمد السقا بشريط الذكريات ليلة أن اتصل به النجم الراحل قبل
أسابيع من بدء تصوير فيلم “السادات”.
ويقول السقا فوجئت به يقول لي: هل توافق على أن تظهر معي في مشهد، فعبرت له
عن فرحتي وقلت له إن مجرد الوجود معه أمام الكاميرا أو حتى خلفها يعد
إنجازا، وكنت أسعد جدا عندما كان يناديني أو يسأل عني قائلا: “فين الولد
أحمد”، وبالفعل قدمت الدور ذا المشهد معه، وحصلت عنه على تكريم من رئاسة
الجمهورية.
ويشير السقا إلى أن احمد زكي كان شديد الود مع جيله من الشباب مثلما كان
شديد الحرص على عدم لوم النجوم الجدد، بل إنه حينما كان يلتقي بأي منهم كان
يلفت نظره للخطأ الذي يقع فيه في تواضع شديد.
ويقول سعيد صالح: كان رحمه الله يؤدي الدور وكأنه توأم الشخصية، حيث كان من
الصعب عليه كفنان أن يهرب منها فيما بعد بسهولة، كما كان يلازم المشاهد
لفترات بعد العرض.
أما نبيلة عبيد فكانت من آخر الفنانين الذين شاهدوا النجم الراحل قبل
الغيبوبة بأيام حيث قال لها “أريد أن تشاركيني مستقبلا في فيلم جديد”،
وتقول نبيلة: لا أستطيع أن أنسى دوري معه والذكريات التي تعيش بداخلي عن
فيلم “شادر السمك” الذي قدمناه سويا، أو في “الراقصة والسياسي”، وتعترف
نبيلة بأنه كان من أهم النجوم الذين ظهروا في مصر على مدار نصف القرن
الماضي وتعد أفلامه الأهم بين ما قدمته السينما.
المخرج محمد خان الذي التقى الراحل في عدة أفلام منها “زوجة رجل مهم”،
“أحلام هند وكاميليا”، “مستر كاراتيه” و”السادات” يقول: بوسعي أن أؤكد أن
أحمد من أهم النجوم الموهوبين الذين عملت معهم على الإطلاق، فلقد كان
“غولا” أمام الكاميرا ونجح في أن يعايش كل الشخصيات من دون أن تكون هناك أي
مشكلة تواجهه فقد كان بديعا في تناوله للشخصية وماهرا في السطو على قلوب
المشاهدين.
الفنانة رغدة التي كانت اقرب الفنانات إلى قلب احمد زكي تعاني من ذهول
شديد، وقالت باقتضاب شديد: ماذا يمكن أن أقول، لقد فقدت ابني وأبي واقرب
الناس إليّ، لا أريد الكلام عنه كفنان فجميعنا يعرف قدره، وقد كنت أتمنى أن
يعيش بيننا حتى لو حرم من الوقوف أمام الكاميرا.
وتبكي الهام شاهين بشدة والكلام يخرج منها غير مفهوم وهي تقول: لا حول ولا
قوة إلا بالله “مين فينا ماحبش احمد زكي مين فينا ينسى أعماله الجميلة التي
صحت فينا حب الوطن والصديق والمعاني الجميلة التي افتقدناها؟!”، لن أنسى ما
حييت ذكرياتنا ونحن نصور فيلم “البريء”.
وتبكي الفنانة الشابة منى زكي بشكل شبه منهارة وتقول: اليوم اشعر بأني فقدت
اعز وأغلى الأصدقاء، الأستاذ احمد زكي كان معلما وموجها لي أمام الكاميرا
وإنسانا بلا حدود خلف الكاميرا.
ويقول الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة: احمد زكي نموذج فريد طغت
إبداعاته على جميع أعماله، لدرجة أننا شعرنا بقدراته الفذة في تجسيد رموز
مصر، واخص بالذكر الزعيم جمال عبد الناصر.
وقال المخرج محمد فاضل: لن ينسى لك التاريخ تجسيدك لشخصية عبد الناصر،
وداعا أيها الصديق العزيز لقد عشنا رحلة فنية أثناء تصوير فيلم (ناصر 56)
تحملت على عاتقي مسؤولية هذا العمل وكنت أشفق عليك لأنك كنت لا تنام أثناء
تحضيرك لهذا العمل الفذ، فجاءت مشاهدك صادقة ومعبرة .
ليلى علوي: لا يمكن أودعك يا احمد لأنك معنا بحبك ورجولتك: لن أقدر على
وداع احمد لأنه سيظل يعيش في قلوبنا.
ويقول الفنان حسن يوسف: فقدت السينما العربية واحدا من أهم الفنانين الذين
وقفوا أمام الكاميرا في تاريخها السينمائي، فقد كان يتمتع بتلقائية وموهبة
خصه الله بهما عن غيره، لقد دفع حياته ثمنا لحبه الشديد لفنه، فأنا اعرفه
جيدا وكان لا يهدا.
المخرج السوري مأمون البني يقول: رحم الله الفنان العبقري احمد زكي فقد كنا
نتحدث منذ عامين وعرضت عليه أن نعمل سويا وان يقدم المتنبي شاعرا، ورحب
احمد بالعمل وبالفعل بدأت الإعداد في المشروع، لكن القدر لم يمنحنا الفرصة،
حقا لن يجود الزمن بأحمد زكي آخر فقد كان فخرا للعرب جميعا وللمبدعين. رحم
الله الفقيد وعزائي للشعب العربي العزيز ولجميع الفنانين المصريين.
حسين فهمي يقول: حقا فقدت السينما المصرية عبقرية فذة لها أسلوبها الخاص
ولا يستطيع احد أن ينافسه، فهو ينتمي إلى الرعيل الأول أمثال يوسف وهبي
وجورج ابيض وزكي رستم والريحاني، كان خير سفير للسينما العربية وواجهة
مشرفة بأدائه المتغير الذي أدهش المشاهد العربي. رحم الله الأخ والصديق
العزيز الذي يحتاج إلى دراسات من المهتمين بشؤون صناعة السينما حول موهبته
وإمكاناته الفذة.
وتقول سمية الألفي: صعب علينا فراق احمد زكي، ولكنه قضاء الله الذي لا مفر
ولا مهرب منه، ربنا يرحمك ويغفر لك ويسامحك بقدر دعوات المحبين لفنك
والملايين الذين كانوا معك أثناء رحلة مرضك حتى طغت أخبارك على أهم الأحداث
السياسية في العالم العربي، لقد وضعت الممثل العربي في مكانة عالية حقا.
كنت معجزة فنية أذهلت صناع السينما لن نودعك ولن نشيعك لأنك ستظل معنا
بأعمالك التي خلدت بها اسمك، وكرمت بها الفنان العربي.
مشوار حافل
قدم الفنان أحمد زكي على مدى مشواره الفني الذي تخطى 30 عاما ثلاثة مسلسلات
هي: “الأيام”، و”الرجل الذي فقد ظله”، و”هو وهي”، كما شارك في بطولة ثلاث
مسرحيات هي: “هالو شلبي”، و”مدرسة المشاغبين”، و”العيال كبرت”، وقدم أحمد
زكي على مدار مشواره الفني ما يقرب من 55 فيلما سينمائيا هي: “أبناء الصمت”
1974 و”بدور” 1974 و”صانع النجوم” 1977 “شفيقة ومتولي” 1978 و”العمر لحظة”
1978 و”وراء الشمس” 1978 و”إسكندرية ليه” 1979 و”الباطنية” 1980 و”طائر على
الطريق” 1981 و”عيون لا تنام” 1981 و”موعد على العشاء” 1981 و”الأقدار
الدامية” 1982 و”العوامة رقم 70” 1982 و”الاحتياط واجب” 1983 و”درب الهوى”
1983 و”المدمن “1983 و”الليلة الموعودة” 1984 و”الراقصة والطبال” 1984
و”التخشيبة” 1984 و”البرنس” 1984 و”النمر الأسود” 1984 و”سعد اليتيم” 1985
و”شادر السمك” 1986 و”البداية 1986” و”الحب فوق هضبة الهرم” 1986 و”البريء”
1986 و”أربعة في مهمة رسمية” 1987 و”البيه البواب” 1987 و”أحلام هند
وكاميليا” 1988 و”زوجة رجل مهم” 1988 و”الدرجة الثالثة” 1988 و”ولاد الإيه”
1989 و”البيضة والحجر” 1990 و”الإمبراطور”1990 و”كابوريا” 1990 و”امرأة
واحدة لا تكفي” 1990 و”الهروب” 1991 و”الراعي والنساء” 1991 و”المخطوفة”
1992 و”ضد الحكومة” 1992 و”الباشا” 1993 و”مستر كاراتيه” 1993 و”سواق
الهانم” 1994 و”الرجل الثالث” 1995 و”ناصر 56” 1995 و”استاكوزا” 1995
و”نزوة” 1996 و”حسن اللول” 1997 و”البطل” 1997 و”هستيريا” 1998 و”اضحك
الصورة تطلع حلوة” 1999 و”ارض الخوف” 1999 و”أيام السادات”2000 و”معالي
الوزير” 2002 و”حليم 2005”.
تكريم بلا حدود
حصل الفنان أحمد زكي على العديد من الجوائز من المهرجانات المحلية والعربية
والدولية، ونال العديد من التكريمات من الجمعيات الفنية والاجتماعية، وكرمه
بعض الرؤساء العرب، والمعاهد الفنية. ولازمته الجوائز منذ بداية ظهوره وقبل
أن يحصل على أدوار البطولة المطلقة، ومنها:
* شهادة تقدير من وزارة الثقافة عن دوره في فيلم “العمر لحظة”.
* جائزة الممثل المساعد من مهرجان جمعية الفيلم عن دوره في “شفيقة ومتولي”.
* شهادة تقدير من جمعية الفيلم عام 1979 عن فيلم “وراء الشمس”.
* تكريم في قصر ثقافة الزقازيق مسقط رأسه ومنحه درع محافظة الشرقية.
* جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “زوجة رجل مهم” من مهرجان دمشق
السينمائي الدولي.
* جائزة أحسن ممثل عن فيلم “البريء” عام 1987. * جائزة جمعية الفيلم أحسن
ممثل عن دوره في فيلم “زوجة رجل مهم” عام 1988.
* حصل على جائزة أحسن ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عن فيلم
“امرأة واحدة لا تكفي” عام 1989.
* جائزة أحسن ممثل من مهرجان جمعية الفيلم عن فيلم “الإمبراطور” عام 1990.
* جائزة أحسن ممثل عن دوره فيلم “كابوريا” عام 1990.
* جائزة أحسن ممثل من مهرجان المركز الكاثوليكي عن فيلم “البيضة والحجر”
عام 1990.
* جائزة أحسن ممثل من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية عن فيلم
“الهروب”.
* تكريم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1991
* تكريم في معهد العالم العربي في باريس 1991.
* جائزة أحسن ممثل من مهرجان قرطاج السينمائي الدولي ومنحه الرئيس التونسي
زين العابدين بن علي وسام الثقافة والفنون في عام 1992.
* جائزة أحسن ممثل من مهرجان المركز الكاثوليكي عن فيلم “ضد الحكومة”. *
لقب أحسن ممثل في استفتاء إذاعة لندن عام 1992.
* لقب أحسن ممثل في الاستفتاء السنوي الذي أجرته إذاعتا “الشرق الأوسط”، و
“صوت العرب” 1993.
* تكريم من التلفزيون العربي الأمريكي مع الفنانة يسرا لحصولهما على لقب
أحسن نجم ونجمة في الاستفتاء السنوي للتلفزيون العربي الأمريكي بين
الجاليات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993.
* درع نادي “هليوليدو” تقديرا لمشواره الفني وعطائه السينمائي وإثرائه
للحركة الفنية بالأعمال الاجتماعية والإنسانية والوطنية التي شكلت الوجدان
العربي، وكان أحمد زكي هو الفنان الثاني الذي يحصل على هذا الدرع بعد كوكب
الشرق أم كلثوم قبل 40 عاما.
* وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس المصري حسني مبارك عن دور
الرئيس السادات في فيلم “أيام السادات”.
|