في الذكري الأولي ليوسف شاهين اعادت أكثر من قناة تليفزيونية بعض احاديثه ولأنه وحشني أن أراه فلقد حرصت علي ان أعيد مشاهدة هذه الحلقات والتي تستطيع أن تلخصها في كلمة واحدة إنه المصري بالانتماء والحب والارادة قبل جواز السفر ومحل الاقامة ومسقط رأسه.. نعم انه كما قالت لطيفة في فيلمه »سكوت ح نصور«.. أكيد المصري؟!

للإنسان وجوه ثلاثة الأول ما خلقه الله عليه الثاني ما يراه الناس الثالث من يتمني هو أن يكونه.. الحالة الثالثة هي بالضبط تعني مشوار الحياة.. إنها الانهار والجبال والبحار والمحيطات والهضاب التي نتخطاها في رحلة الحياة لكي نصل إلي الصورة التي نتمني أن يرانا بها الناس؟!

ذلك أشبه بلوحة زيتية وليست صورة فوتوغرافية.. تلك اللوحة تتداخل فيها أيضاً عوامل داخلية وخارجية سياسية، اقتصادية، اجتماعية، نفسية. أتصور ان البعد النفسي يشكل حجر الزاوية ومن هنا نستطيع قراءة ملامح يوسف شاهين من خلال الصورة التي ناضل من أجل ان يراه الناس عليها. كان يوسف شاهين لديه رغبة عارمة لكي يؤكد للجميع انه ابن بلد اسكندراني صميم كانت تلك هي نقطة ضعفه التي نفذ منها البعض وحاولوا طعنه بخنجر مسموم حتي بعض افلامه التي كان هو نفسه بعد ذلك يقول انها - ملعبكة - هذه الافلام كانوا يقولون عنها انها افلام »خواجات« صنعها مخرج خواجه!

عندما بدأ الحصول علي تمويل من قناة التليفزيون الفرنسية لانتاج فيلم »الوداع بونابرت« قالوا ايضا لانه خواجة »فرانكوفوني« يتحدث فقط الفرنسية.. استمر يوسف شاهين في التوجه الي المهرجانات العالمية وأهمها »كان« وفي كل مرة كانت تلك التهمة تلاحقه وكأنهم يقولون امسك خواجه ولهذا كان لديه إحساس دائم بأن عليه ان يثبت العكس؟!

كان يحرص علي ان يستخدم كل المفردات التي يسمعها علي لسان اولاد البلد في الاحياء الشعبية في عز خناقاتهم حيث لا رقيب ولا حسيب علي الكلمات المنفلتة.. أحيانا يستخدمها في غير موضعها لمجرد التأكيد علي انه ابن بلد!

أعرف يوسف شاهين منذ عام ١٨٩١ حيث كان يدرس لنا في سنة أولي معهد سينما مادة »التكوين الدرامي«.. في المحاضرة تستمع الي كلمات »أبيحة« تخرج من فمه كثيرا وكأنه يقول صباح الخير بنفس بساطة وتلقائية تحية الصباح والمساء الا انه بين كل كلمة وأخري نلمح اسم »دقدق« كل طالب يخطيء في ذكر معلومة هو »دقدق« اما اذا نجح الطالب في تذكر المعلومة فإنه ايضا دقدق.. عندما ينجح الممثل في أداء دوره كان يقول له للتعبيرعن اعجابه بأدائه للشخصية فاكر نفسك »دقدق«!

لقد اعجبته هذه الكلمة فكان يكررها لان »دقدق« هو أحد الأسماء المرتبطة بأبناء البلد وقبل ذلك كانت تعجبه كلمة »قفل«!

قد يصف نفسه أحيانا بأنه »قفل« قالها مثلا لأم كلثوم عندما طلبت منه ان يخرج أغنيتها الوطنية التي كتبها »عبدالفتاح مصطفي« ولحنها رياض السنباطي »طوف في جنة ربنا في بلادنا واتفرج وشوف ضفتين بيقولوا اهلا« استطاع يوسف شاهين، ان يكسر الحاجز الوهمي بينه وبين ام كلثوم، فلقد بدا اللقاء بالطبع بمبادرة منها وعندما ذهب إلي فيللتها بالزمالك في شارع »شجرة الدر« اتجه مباشرة الي الصالون، لم تأت »أم كلثوم« ولكن جاء السفرجي وطلب قهوة ثم قهوة وفي الفنجان الثالث سأل »اين الست« أنا لم آت هنا لكي أشرب قهوة وجاءت »أم كلثوم« وعندما طلبت منها ان يصور لها الأغنية قال لها انا مش قفل اجابته نعم ولكن انت مجنون؟! عرف يوسف شاهين، مفاتيح أم كلثوم، وعرفت هي مفاتيحه وبدأت كاميرا »يوسف شاهين« من بعد هزيمة ٧٦ وهي تصاحب ام كلثوم، في حفلاتها لتسجيل مقاطع منها والمعروف ان »أم كلثوم« تكره التصوير التليفزيوني بسبب اصابتها بالغدة الدرقية مما اثر علي عينيها فاصبحتا اكثر جحوظا ولهذا لو راجعت كل تسجيلات التليفزيون لحفلاتها ستتأكد ان الكاميرا لا تقترب منها »كلوز اب« اي لقطة قريبة بينما الكاميرا في مكانها.. سألت يوسف شاهين هل وضعت »أم كلثوم« امامك شرطا في التصوير أو الأضاءة أجابني كانت أم كلثوم، متأكده انني لا أريد سوي تقديمها في أحسن صورة ولهذا لم تضع اي شروط امامي واتفقت معه علي تصوير فيلم يروي مشوار حياتها.. اما لماذا لم يكتمل المشروع حتي بعد رحيلها فانه بسبب خلاف بين كاتب السيناريو »سعد وهبة« و »يوسف شاهين«.. كعادته لا يرضي يوسف سوي بالسينما التي تعبر عن قناعته والتي تبدأ بالسيناريو الذي كان له بالتأكيد رؤية مغايرة لسعد وهبة ولكن »سعد وهبة« لا يرضي الا بالالتزام بالسيناريو الذي كتبه كما تعود مع المخرجين الذين تعاملوا معه مثل »حسين كامل« حسن الأمام، فطين عبدالوهاب« وانتهت حكاية الفيلم الذي لم ولن يري النور ولكن بقيت كلمات »يوسف شاهين«.. ابن البلد الذي لا يتوقف عن التأكيد علي ذلك.. هل ابن البلد تستطيع ان تعرفه باستخدام الكلمات ام بمشاعره وسلوكه.. المؤكد انها الثانية وهي ما تتوفر تماما في يوسف شاهين، ولكن »يوسف شاهين« بحكم النشأة من اب له جذور لبنانية من مدينة »زحلة« وأم يونانية ثم التحاقه فبكتوريا كولدج ثم ذهابه لأمريكا وارتباطه بفرنسا من خلال تمويلها لأفلامه قبل اكثر من ربع قرن ومشاركته الدائمة في مهرجان »كان ٢١ مرة - اكثر مخرجي العالم تواجدا في كان - هذه الحصيلة ساهمت بأن تصبح لغته العربية هي الثالثة..

ربما ليست الفروق كبيرة بين الثالثة الفرنسية، الانجليزية ، العربية لكن العربية تظل ايضا الثلاثة!!
ابن البلد يوسف شاهين شاهدناه وعرفناه اكثر في الاحاسيس التي يقدمها عبر افلامه اكثر مما لاحظناها في طبق الكشري ابو دقة الذي يصر علي ان يعزمك عليه في مكتبه علي شرط أن يحضره الواد »دقدق«!!

انه ابن البلد »يوسف شاهين«.. ولهذا فانه أكيد المصري!!

أخبار النجوم المصرية في

30/07/2009