|
اعترف أنه كان يتملكني الضيق.. كلما اطلعت علي تحقيق صحفي أو بحث أكاديمي
يتهم الدراما سواء السينمائية أو التليفزيونية بأنها تساهم بشكل أو بآخر في
ازدياد العنف في مجتمعنا.. لانني مازلت أري أن غياب "العدالة" وفي منطقتنا
المتدينة بطبيعتها هو السبب الرئيسي للعنف.. من أول جرائم إسرائيل. وحتي
جرائم الرشوة الصغيرة.. وليست الدراما!!
ولكنني وبعد أن شاهدت فيلم "ابراهيم الابيض" للمخرج الشاب مروان حامد. بدأ
يتأكد لي صدق ما يقال.. لأن مايقدمه الفيلم طوال ساعتين متواصلتين عبارة عن
صراخ جنوني بالانتصار لجرح وذبح وسلخ لحم البشر بصورة غير مسبوقة.. لا في
الواقع ولا في الدراما.. لا في الداخل ولا في الخارج.. حتي تقر عنواً أن
ضرب القنابل أهون من عمليات سلخ لحوم البشر بهذا الحد.. هذا بالرغم أن نسبة
الجرائم البشعة زادت في الآونة الأخيرة. وبها من الغرائب ما بها.. ومع ذلك
لم تصل الي هذا الشو الاستعراضي البشع من العنف الزائد والمجاني. وإراقة
الدماء الغزيرة إلي حد التوتر بل والتوجه أثناء المشاهدة والذي وصل الحال
الي صراخ الجمهور في صالات العرض من هذه السلخانة المنصوبة لهم "كشرك
خداعي" تحت أسماء نجوم معروفين أحبوا أن يغيروا جلدهم.. فذبحوا جلودهم..
وحرقوا دمنا إحنا!!
يبدأ الفيلم بذكر بيت شعر مجهول المصدر يقول فيما معناه أن العشاق لايكفيهم
إلا الموت!! ومن هذا المعني أو هذه الجهالة نتعرف علي الشخصيات المحورية
فنجد الابيض "أحمد السقا" في مطاردة بولايسية وهو وصديقه عشري "عمرو واكد"
أتعجب أنها تكاد تكون منقولة بالنص من بداية فيلم "المليونير المتشرد" صاحب
الأوسكارات الثمانية.. مطاردة الشرطة لأطفال في حي عشوائي ضيق.. ولكن مخرج
المتشرد كان يمهلنا بعض اللقطات الثابتة للتأمل.. بينما مخرج الأبيض يلهث
بالكاميرا دون توقف ولمدة أطول. ويحسب له اختيار مواقع تصوير جديدة. ولكن
لايحسب له هذا اللهاث المستمر بلا فرملة مونتاج.. حتي يخوض ابراهيم وحده
معركة أخري وسط العشوائيات بالمطاوي والسنج جرحاً وسلخاً لمدة طويلة أيضا
ضد اتباع وأنصار كبيرهم زرزور "محمود عبدالعزيز" الذي يتدخل لانقاذه
واستقطابه للعمل معه! وهنا يثور السؤال المنطقي وكيف لايعرف أحدهما الآخر
قبل هذه اللحظة وهما سكان منطقة واحدة ولكل منهما ثأر عند الآخر؟. أو كيف
يترك النجم وحده مثل "رامبو" أو "روبين هود" يضرب الدنيا كلها بلا مساندة
صديقه الذي لايفارقه؟!
أما زرزور فرغم كبر سنه فهو الأقوي. يدير مملكة المخدرات والبلطجة
بالإشارة.. الكل يخضع له ويعمل له ألف حساب.. ومع ذلك يضعف أمام حورية "هند
صبري" التي أحبها وهي طفلة وكبرت وكبر عشقه معها. ولكنها تحب ابراهيم
الابيض حتي تخبرها أمها "سوسن بدر" أنه قاتل أبيها. فتتزوج المعلم زرزور
وهي لاتعلم أن رباها نفسه سبق وأن قتل والد ابراهيم أمامه وأمام أمه "حنان
ترك"!!
وهكذا يشعر الأبيض بالضياع. ويسجن في يقظة بوليسية غير مبررة درامياً لعالم
المفترض فيه انه خال من البوليس ومن القانون كما صوره لنا.. حتي يخرج
فتشارك حورية "التي مازالت تعشقه" مع زوجها "الذي تبغضه" مع صديقه عشري
"المخلص له دوما" والذي تحول فجأة لبدران خائن أدهم الشرقاوي. في مؤامرة
لاصطياد ابراهيم وحده وسط الحارة. وأمامت السلخانة عليه جرحاً وذبحاً
ونزفاً ولاميل جيبسون في آلام المسيح. حتي يسقط صريع دمائه وأيضا مع حبيبته
حورية!!
سيناريو عباس أبوالحسن ضعيف متهافت يرتكز علي مواقف العنف فقط والمستمرة من
أول الفيلم لآخره في إسراف سيكوباتي غير مبرر. كما تتناقض بعض الشخصيات.
ولكن يظل التمثيل هو أقوي عناصر الفيلم بدءا من السقا وواكد وهند وحنان
والمعلم محمود عبدالعزيز برغم تكرار تلبيس المظهر الديني علي شخصية تاجر
المخدرات.. ثم محاولات المخرج مروان حامد المتدفقة كحركة وكصورة للتعبير عن
هذا الهوس الفاشستي بالسلاح الابيض. والذي يجعلنا طوعاً أو كرهاً نضرب
تعظيم سلام للحكومة إذا ما استمرت في القضاء علي هذه البلايا!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
04/06/2009 |
