طبعاً خالد يوسف ناصح قوي. ويمكن فتك فتاكة ما كانتش حتي علي أستاذه
الراحل.. وبينافس ولا إيناس الدغيدي في زمانها في أبواق التصريحات "المرعبة
والخطيرة" عن الفيلم.. وكأن الدنيا كلها بتحاربه حتي لا يقلق أمن المجتمع
وسكينته.. وفي النهاية تري الفيلم فتجده عادياً أو أقل.. ولنقل: والله
الواد شاطر وبيعرف يعمل هيصة وزمبليطة عشان البروباجندا. والذي منه!!
فيلم "دكان شحاته" استوحي مؤلفه ناصر عبدالرحمن قصة "أخوة يوسف" الشهيرة.
هؤلاء الذين كادوا لأخيهم لمجرد أن أباهم يحبه ويفضله عليهم.. وذلك بسبب
طيبته ونقاء سريرته وحفاظه علي أخلاق وثقافة ابن البلد الصعيدي الأصيل..
أما الأخوة فهم طبعاً صعايدة مثله. فسرعان ما باعوه في حياة الأب وأكثر بعد
مماته.. فالحياة غيرتهم. والمادة قتلت فيهم المودة والرحمة لأي عزيز أو
غال.. حتي ان الأخ بعدما ذاق الأمرين من اخوته. يخرج من سجنه ليمد لهم يده
بالخير. فمدوا هم له أيديهم بالسلاح وقتلوه!! وأعتقد أن هذه المعاني هي أهم
ما يقوله الفيلم.. وهي معالجة بصرية جيدة لما يحدث للأصالة عندما تلوثها
المطامع.. وتفسدها الشرور!!
ولكن الشريط في مجمله مزدحم بالأحداث وبالشخصيات وبالصخب الدائر في كل
اتجاه. والذي قد يصل أحياناً إلي حد الازعاج.. ويفيض علي حاجته.. لأنه من
الصعب قول كل الأشياء في دراما واحدة.. خاصة إذا كانت حافلة بالموسيقي
والأغاني الحزينة.. بل وبالضرب والعنف والصويت الذي يفرض علينا تلقائياً
استدعاء تنويعة "هي فوضي" و"حين ميسرة" لنفس المخرج وبنفس الآراء.. حتي وإن
اختلف القالب أو ائتلف!!
إن الدراما تظهر الأب "محمود حميدة" مثل القاهريين. فليس من شيمة الصعيدي
الأصيل أن يفضل ابناً "عمرو سعد" علي أبنائه سالم "محمد كريم" وطِلب "صبري
فواز" ونجاح "غادة عبدالرازق" حتي يكتب دكان الفاكهة باسم شحاته وحده!!
وكأنه يوغر صدور الأبناء فعلاً.. ومع ذلك طلعت الحكاية خدعة. فلا مبرر إذن
لكل هذا الكره لشحاته إلي درجة إدخاله السجن للحصول علي باقي ميراث بيع
الدكان. رغم أن شقيقهم الأصغر هذا كان شايلهم وكأنه مرمطون.. بل ويصل الحال
إلي أن يقوم سالم بالزواج من خطيبته بيسة "هيفاء وهبي" وينجب منها. رغم
علمه بتعلقها الجنوني أو المرضي بشقيقه.. وهذه ليست شيمة الصعيدي أيضاً!!
والغريب أنه في عز معمعة هذه الميلودراما التي تشبه الأفلام الهندية. نجد
خالد يوسف يتعمد التركيز علي صورة عبدالناصر ويوجب له التحية. بل ويزيد
فيرمز له بالأب الذي مات. فتفرقت السبل بالأبناء.. وهو قول جميل ولكنه قديم
وعفا عليه الزمن.. وقيل بنفس المعني في أعمال كثيرة. بل وقيل عكسه تماماً..
ثم فيما يشبه المشاهد التسجيلية أو العشوائية تبرز مشكلة رغيف العيش بصورة
مفتعلة وغير ملتحمة مع الدراما. ويبالغ حتي يشير إلي مجاعة قد تصل بالأهالي
لاقتحام قطار بضاعة وسرقة أجولة القمح. ثم نكتشف انهم بلطجية وحرامية.
ومثله مشهد لجوء المرشحين في الانتخابات إلي نفس البلطجية لحمايتهم وقد
تكرر هذا في كل الأفلام.. حتي نأتي لمشهد النهاية وهو قتل الأخوة لأخيهم
وازدحام المشاهد المرتبطة به بمشاهد غير مرتبطة لهجوم المتطرفين علي الناس
بالسنج وكذا البلطجية.. وهي كما نري مراهقة فكرية أو سياسية غير محسوبة
سينمائياً ومفككة.. وقد تشتت المعني لأنها خارجة عن السياق الدرامي!!
أما التمثيل فقد تورط خالد مع هيفاء التي اجتهدت قدر المستطاع. لأنها مغنية
في الأساس. وإذا كان قد أرضي جمهورها بمشهد حب أو اثنين مع خطيبها.. فقد
أظهرها في أبشع صورة بعد الزواج. تُضرب وتهان وتتمرمط. في الاعتقاد الخاطيء
بأن هذا هو التمثيل.. بيمنا هناك صانع ألعاب ماهر اسمه عمرو عبدالجليل.
الذي كان هو الفيلم والفيلم هو.. كما كانت الجرأة الحقيقية في تحميل العبء
الأكبر للأخوة الصعايدة صبري فواز ومحمد كريم وقد نجحا بامتياز.. أما عمرو
سعد فقد أشفقت عليه من تقليد أحمد زكي في بعض المشاهد!!
الفيلم لا يستحق رقابة ولا دياولو.. وإنما كان يحتاج إلي انضباط فني فقط
يلم بعثرته!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
28/05/2009 |