|
تقول الترنيمة الكنسية: (إنها منة عظيمة، ما أحلى الصوت، الذي أنقذ بائسا
مثلي، أدركت للحظة اني ضللت الطريق، لكني الآن وجدت نفسي، كنت أعمى ولكني
الآن أبصر).. وفلم منة عظيمة يدور حول ويلبر فورس الذي أنقذه صوت ضميره حين
عرف الطريق إلى حرية الذات وأدرك أنه يجب أن يحارب العبودية.. فالفلم الذي
أنتج عام 2006م من أفلام الشخصيات ويتناول أحداثاً مرت بشخصية حقيقية عاشت
في بريطانيا في نهايات القرن الثامن عشر.. ويلبر فورس (عضو مجلس العموم
البريطاني).. وإذا كان كاتب الفلم(ستيفن نايت) ومخرجه (مايكل أبتد) رسما
تمهيدا يقدم لنا سيكولوجية ويلبر فورس، قام بتمثيل الشخصية(ايوان جروفود)
من خلال مشهد نراه فيه يجتاز بعربته رجلين يضربان بشدة حصاناً كبا وسط
الوحول فيمنعهما متجاوزاً اعتراضات رفيقه هنري الذي يذكره بصحته الرديئة..
اللقطات السريعة لضرب الحصان واعتراض ويلبر وتمازج الأزرق والرمادي، أوضحت
إنسانيته ومواجهته ظروفاً قاسية.. لقد عرفنا الشخصية لكننا بحاجة إلى أن
نعرف هدفها وما هو الفعل الرئيسي؟.. لقد ظهر ويلبر خلال حلمه بصالة فخمة
تضج بالأرستقراطيين الغارقين في ضحك ساخر وخلف منضدة كبيرة يجلس أربعة منهم
مع أربع نساء في ـ ميزانسين ـ متناظر يوحي بالاستقرار والثبات، وإضاءة
حمراء ماجنة، يدخل ويلبر فيحطم الكؤوس والقناني.. تستمر الإضاءة الحمراء
حتى بعد انتهاء حلم ويلبر.. وحين يصحو يتغير اللون من الأحمر إلى الأزرق مع
تأكيد الإيحاء الليلي.. يغلب على الفلم إجمالاً استخدام المفتاح الواطئ
للإضاءة.
من المعتاد أن نعرف ثيمة الفلم خلال الربع الأول من زمن عرضه ويكون آنذاك
قد استكمل التمهيد.. يقول ويلبر حين يقدم له هنري شراب اللودنوم المخدر
ليجمل أحلامه: انه يعيد شريط حياتي ليهزأ بي ويريني أمورا كان يجب أن
أفعلها لكني لم أفعل.. إلا إن تواصل الأحداث يقود إلى نتيجة لا تقترب من
هذه الجملة التي تثبت القصة بأنها ليست الثيمة برغم أنها قدمت بطريقة توحي
بأنها كذلك.. يقول هنري: البرلمان لا يستحقك.. وهذه إشارة إلى قضية ويلبر
ومحور صراعه.. فهنري يقدمه كشخصية ايجابية تعاني نتائج صراعها مع البرلمان
الذي لابد من أن يكون العنصر المقابل للشخصية الأساسية.. لقد وضع الفلم
مجموعة من الشخصيات الساندة ومنها هنري وزوجته ماريان ثورنتون (سلفسترا لي
توزيل).. اللذان يحاولان منح ويلبر شيئاً من التفاؤل عبر شحنة عاطفية
يعملان على أن تصل ويلبر بالفاتنة باربرا سبونر(رومولا جاراي).. الحب هو
الحياة.. هذا ما يؤمنان به.. ويدبران مؤامرة لطيفة لجمعهما لكنهما يرفضان
الأمر وهذه فبركة تشويقية فالمؤشرات تدل على أن علاقة ستربطهما معا وهذا ما
يحدث في النهاية، هناك اصرار غريب من المخرج على أن يجعل كل شيء رماديا،
ليس الجو فحسب الذي اكتسب هذا اللون تحت ذريعة المطر والضباب.. لكن المشاعر
بدت رمادية كذلك، ربما لأن الفلم ناقش قضية العبودية ـ هاجس ويلبر الوحيد..
الذي صار يرى العبيد مجسدين بأصفادهم في غرفته.. إنه يدعو للتمييز بين
القوة والعدالة، ويرى أن ثمة ثورة قادمة فالثورة كالزهري ينتقل من شخص إلى
آخر.. إلا أن أعضاء مجلس العموم لا يصغون لتحذيراته.. ويزداد تعاطفه مع
قضية العبيد حين يحدثه الكاتب الزنجي الذي كان عبدا ذات يوم أكويانو(يوسو
ندور) عن كيّ أجساد الزنوج لوضع علامات تشير إلى أنهم تابعون للإنسان بعد
أن كانوا تابعين للرب.. لقد تعمد سيناريو الفلم إلى نثر مسببات اعتناق
ويلبر لقضية العبودية ولم يقدمها دفعة واحدة وكأن الرب كما يقول، الراهب ـ
جون نيوتون (البرت فينيي) يتم مشيئته أحيانا بالرذاذ الخفيف وليس
بالعواصف.. ينجح ويلبر في دفع بعض الناس إلى مقاطعة السكر المصنوع على يد
العبيد.. قصة الفلم تتقدم إلى أمام.. لكنه تقدم بطيء يفتقد الإثارة
فالموضوع يعتمد الجدل أكثر من اعتماده الأفعال الجسدية.. وهذا يفسر بالطبع
طغيان خط الصوت في الفلم بعناصره من حوار وموسيقى تصويرية ومؤثرات صوتية..
لقد تناغمت موسيقى (دافيد أرنولد) مع الأفعال البسيطة حتى إن كانت محض
حوارات كما في حديث باربرا لويلبر عن تأثرها به حين كانت في الرابعة عشرة
وقرارها بترك السكر لأنها آمنت بأن كل قطعة سكر فيها دم عبد.. توقًع ارتفاع
حدة الصراع بات أكيداً.. فأحد النواب يقترح بأن يلغى الرق شرط أن يمضي بعض
الوقت في وقت يعلن فيه صديق ويلبر توماس كلاركسون(روفوس سويل) بأن الثورة
متجهة إلى فرنسا، إلا إن اعتراض ويلبر على استخدام كلمة ثورة يعود بالأفعال
إلى بداياتها.. بل أنه يتعرض لارتدادات أخرى حين يتعرض ويلبر لنكسة صحية
وبتحذير وليام بت لويلبر من رفاقه كلاركسون الذي أشيع بأنه جاسوس للجمهورية
الفرنسية التي تنوي اعلان الحرب على بريطانيا، والزنجي أكويانو الذي لم
يولد في أفريقيا بل في كارولينا.. والرئيس الأمريكي جيفرسون أرسل رسالة إلى
ويلبير حول الغاء الرق.. وهي اشاعات انبعثت من النواب المناوئين لنوايا
ويلبر لتحجيمه في خطوة لمواجهة اندفاعه.. وتنجح في التأثير عليه، يبدو ذلك
عبر ارتباط مجموعة من اللقطات تبدأ بلقطة ينظر فيها ويلبر إلى كأس الدواء
المخدر.. ثم لقطة كبيرة للكأس ثم ويلبر وتوحي اللقطات بأن الضغط عليه بلغ
أقصاه فالتجأ أخيرا إلى الدواء المخدر الذي كان يتجنبه قبلذاك.. ويلبر
يعاني انحداراً في طريق تحقيق هدفه، فصوته الذي عرض به قضية العبيد في مجلس
العموم غطته الصيحات.. ومشروعه أطيح به ورفاقه أكويانو مات طريح الفراش..
وتوماس كلاركسون التجأ إلى كوخ ناء.. وتشارلز فوكس يراقب وينتظر.. وتوشك
أحداث الفلم الذي يبدو أنه كتب لتضميد جراح الأفارقة أن تميل إلى التسليم
بواقع العبودية لكننا نستقبل شحنة جديدة تدعم اتجاه ويلبر.. فجون
نيوتن(ألبرت فيني) الراهب فقد بصره وانشغل بكتابة مذكراته، متحدثا عن كل
شيء.. السفن، الأشخاص، العشرين ألفا من العبيد الذين ماتوا على يديه.. يقول
أنه لم يستطع البكاء حتى كتب هذه المذكرات.. كان في السابق أعمى وهو الآن
بصير.. يعود جيمس ستيفنس من جزر الهند ليخبر ويلبر ورفاقه بأن العبيد
يثورون في الجزر ومنها هاييتي، ويقترح استراتيجية تضمن لهم الفوز في تحقيق
هدفهم.. ويحصل على موافقة على قرار يحضر مرور السفن ناقلة العبيد.. وهذا
نصر كبير لمعركته ضد العبودية..ثم يقرر مجلس العموم آخر الأمر إلغاء
العبودية وسط احتفاء مهيب بويلبر.. الفلم اجمالا بطيء الإيقاع مشحون بأجواء
بيئة بريطانيا الرمادية المقبضة.. يميل للشاعرية.. وقد طبع الفلم بطابع
إيمان شخوصه بقضاياهم.. واختفى التوقع تقريباً وهذا بديهي فالفلم تسجيل
منتقى لأحداث مرت بها شخصية واقعية.. واقتضت فترة الأحداث(1797م) أن يبذل
مصمم المكياج والشعر (جيني شيركور) جهودا جبارة لنقلنا إلى أجواء تلك
الفترة.. وتناغمت الموسيقى مع مونتاج (ريك شاين) المنطقي بلقطاته التي تميل
إلى الطول معتمدا على تكوينات مدير التصوير (ريمي أدفاريسن) الرائعة.. انه
فلم نجح في أن يجعلنا نعيش المعطيات البصرية لتلك الفترة بذكاء.
المدى العراقية في
19/05/2009
مخرج «العرَّاب» يعود إلى الواجهة في «تيترو»
ترجمة : عادل العامل
عن/
The
Economist
يقول فرانسيس فورد كوبولا، الذي بلغ السبعين من عمره في الشهر الماضي، إن
فلمه « تيترو
Tetro « يمثّل نوع الأفلام التي انطلق يصنعها وهو شاب، قبل أن تُلهيه
الشهرة والثروة وتصرفه عن وجهته الأساسية. وهذا الفلم، الذي عُرِض في
مهرجان كان الذي افتُتح يوم 13من شهر آيار الحالي، هو الفلم الثاني لكوبولا
بعد عشر سنوات من الصمت، والرابع فقط الذي أنجزه من قصة ابتكرها هو، وأحد
هذه الأفلام «
Dementia
13 «، قطعته الفنية عن جريمة قتل بالفأس أيام الشباب، والذي يُشار إليه في
فلم « تيترو « حين يصل البطل في مناسبة للجوائز وهو يحمل فأساً.
فتيترو (ويمثله فنسنت غالو)، والذي اسمه الحقيقي أنجِلو، ليس من المعجبين
بالشهرة وأبوه، كارلو تيتروسيني، (ويمثله كلوس ماريا براندير)، وحش هرب منه
تيترو إلى بوينس أيرس في إجازة أكاديمية للكتابة، وهنا ولمدة عشر سنوات مضت
ظل يعمل في مسرح من دون أن يستطيع إنهاء تحفته الفنية.
ويستمر تيترو في إبقاء ماضيه سراً حتى على ميراندا (وتمثلها ماريبيل فيردو)،
المرأة التي يُحبها، إلى وقت وصول أخيه الأصغر غير المرحَّب به، بَيني
(ويقوم بتمثيله ألدين أيهرينريتش ذو الـ 18 عاماً)، الذي تُخفي براءة وجهه
الطري كتلة من العناد. فيجلب بَيني معه، وهو عازم على إنقاذ أخيه الأكبر
المعبود، ذلك الماضي، الذي، وكما يشير اسم تيترو الجديد، لم يرحل بعيداً
أبداً في الواقع.
ويذكّرنا فلم «تيترو»، المصوّر بالأسود والأبيض وبحركات قليلة من الكاميرا،
بما يستطيع السيد كوبولا أن يفعل مع الممثلين حين لا يكون ذهنه مشوَّشاً
بالتقنية.
وبصرف النظر عن كارمِن مورا، التي تمثل ناقدة متنفذة أدارت ظهرها لتيترو،
صنيعتها السابق، فإن اللاعبين المساندين هم ممثلون شباب لقيَهم في
الأرجنتين، وهم يجلبون الخفة والفكاهة لقصةٍ عابسة عن أسرار وتنافسات
عائلية استخرجها المخرج من ميثولوجيا عائلته المهيبة.
ويستحضر أحد خطوط الحبكة قصة الدمية الحيّة التي يمزقها إلى قطعٍ كوبيلوس
الساحر في «حكايات هوفمان»، وحين يبدأ بَيني يفهم لماذا أخذه أخوه لمشاهدة
فلم مايكل باول عن «هوفمان» وهو صبي، يتصور مشاهد من قصة تيترو مثل تعاقبات
باليه ملونة مصورة بأسلوب السيد باول، وكما هي حال ماضي تيترو، فإن تألق
السيد كوبولا كصاحب أسلوب بصري لا يمكن أن يظل مخفياً لوقتٍ طويل.. وهكذا
وفي خدمة قصة يرويها أستاذ في فنه، من دون امتيازات أو تسهيلات، يمكن القول
إنه فلم رجلٍ حر يبدأ مرةً أخرى.
المدى العراقية في
19/05/2009 |
