لست هنا بصدد تحليل مضمون لرحلة الفنان عادل إمام الفنية، وتناول بالنقد
أهم ما قدمه فيما قدم من أفلام ـ ما يزيد على المائة فيلم ـ على مدار أكثر
من أربعين عاما، لربما اتهمنى بعدم التخصص واننى لست ناقدا وليس لى علاقة
بالنقد، مثلما يفعل طوال الوقت مع أغلب النقاد، ولكننى فقط كنت أريد أن
أطرح السؤال على نقادنا الكبار: ما الذى قدمه الفنان عادل إمام خلال هذه
الرحلة الطويلة، وكم عملاً من بين أكثر من مائة عمل قدمها، يمكن أن تضاف
إلى رصيده الفنى، التى يمكن أن نطلق عليها اسم فيلم سينمائى بضمير
مستريح؟!
وسبب السؤال السابق هو اندهاشى لما قرأته من أسباب قالها الفنان "الزعيم" ـ
كما يحب أن يلقب نفسه ـ فى عدم قبوله التكريم الذى قرره له المهرجان القومى
للسينما فى دورته هذا العام، غير ان الزعيم رفضه بإصرار، مؤكدا انه لن يقف
على خشبة المسرح مكرما بجوار الناقدة الكبيرة الأستاذة خيرية البشلاوي!!
ودهشتى ليست فقط مما صدر عن الزعيم، بل لأنه خص فقط خيرية البشلاوى، على
الرغم من اننى أعلم أن أغلب نقاد جيله والجيل التالى لهم، كانوا على نفس
موقف الناقدة خيرية البشلاوى، وان كان اغلبهم تحول فيما بعد بأكثر من 180
درجة بقليل، لأسباب يعلمونها هم وهو فقط.
الدهشة الكبرى كانت من كل تلك الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية التى
نشرت تصريحات عادل إمام وأسباب رفضه التى جاءت على لسانه: "رفضت أن يتم
تكريمى فى المهرجان القومى للسينما لأننى لا أريد ان أقف بجوار ناقدة
تشتمنى ليل نهار منذ 40 سنة"!
واندهاشتى جاءت من كل الزملاء الصحفيين الذين نشروا هذه التصريحات وبالنص،
وبين علامتى تنصيص للتأكيد على أن هذا كلامه، بل وفردوا له الصفحات وهو
يحتفل ويكرم تكريم النبلاء، ولم يتخذ أى منهم موقفا مما قاله، بل ولم يتطوع
أى منهم كى يعلق على هذا الكلام أو يوجه له ولو مجرد لوم على هذا التجريح
لناقدة كبيرة لها تاريخها مثل خيرية البشلاوى، كانت تستحق التكريم منذ
سنوات، وليس الآن!
وما زاد الموقف تعقيدا أو كما يقولون "ما زاد الطين بلة" أن كل الزملاء
والأساتذة الكبار من النقاد لم يهتز لأحدهم جفن، ولم يشهر أحدهم قلمه فى
وجه هذه التصريحات ويدافع عن ناقدة بقامة خيرية البشلاوى ـ وليس عن
المهرجان على اعتبار أن للمهرجان ربا يحميه ـ هى بالأساس زميلة لهم وكأن
أحدا منهم لم ير ولم يسمع ما جاء على لسان الأستاذ "الزعيم"!
أيضا لم تصدر أى جمعية من جمعيات النقاد المعروفة والمنتشرة التى لا أعرف
ما مهامها تحديدا؟! إذا لم تدافع عن زميل أو زميلة، بل وعن النقاد جميعهم،
فى موقف كهذا، وللأسف لم تصدر أى جمعية نقاد بيانا تدين فيه ما جاء على
لسان "الزعيم" بتوجيهه هذه الاهانه ـ التى أراها وساما على صدر خيرية
البشلاوى ـ ولم تحرك تصريحاته لهم ساكنا، تماما مثلما حدث خلال الأيام
الماضية عندما راح المخرج والمنتج هانى جرجس فوزى يوجه الاهانات خلال أحد
برامج السينما على قناة "نايل سينما" لكل نقاد مصر مؤكدا أنه ليس فى مصر
نقاد، بل أناس على "رؤوسهم بطحات" ولابد أن يسكتوا حتى يسكت هو أيضا!!
الأهم من هذا كله ـ وان كان ما فات لا يقل أهمية ـ هو موقف المهرجان القومى
للسينما وتقبله لهذه الإهانة، وسكوت الناقد الكبير الأستاذ على أبو شادى
على هذه الإهانة، وهو بالأساس ناقد، وأكرر "ناقد" قبل أن يكون رئيسا
للمهرجان، بل وما قاله عادل إمام فى "وصلة الصراحة" أثناء تكريمه فى
المهرجان الكاثوليكى، من أنه أفصح عن نيته هذه للناقد على أبو شادى فى
مكالمة هاتفية بينهما قبل المهرجان وأثناءه، مؤكدا رفضه الحضور إذا تم
تكريم الناقدة التى "تشتمه من 40 سنة" معه، لأنه لن يقف بجوارها على خشبة
المسرح!!
والكارثة أن الأستاذ على أبو شادى سمع منه هذا الكلام ولم يرد عليه، بل ولم
يدافع عن زميلة ناقدة لها شأنها وتاريخها، بل وراح أيضا فى حفل الختام يؤكد
أنهم فى انتظار وصول الفنان عادل إمام، الذى لم يخف دهشته من تصرف الاستاذ
على بالرغم مما صرح به له.
أعتقد أنه كان من الأجدر أن يعلن الناقد على أبو على أبو شادى على الملأ
وأمام الجمهور والحضور فى حفل ختام المهرجان ما قاله الزعيم، وإهانته
للناقدة الكبيرة، وإهانته للمهرجان ورئيس المهرجان بل ووزير الثقافة نفسه،
وان أبسط ما يرد به المهرجان هو سحب هذا التكريم من فنان لم يحترم نقاد
بلده، ولم يحترم المهرجان القومى لبلده، وإن كان لم يفت "الزعيم" وهو يتلقى
تكريما بديلا من المركز الكاثوليكى أن يقول ساخرا ومتسائلاً "هو كان فيه
مهرجان أصلا" بعد أن ارتقى خشبة مسرح المركز الكاثوليكى وراح يصب جام غضبه
وسخطه على المهرجان القومى لقيامه بهذه "الفعلة النكراء" بتكريم الناقدة
خيرية البشلاوى، لمجرد أنها تنتقده منذ أربعين عاما وتوجه إليه ـ على حد
تعبيره ـ الشتائم فى كل المناسبات مؤكدا أن هذا مبرر قوى لكى لا تجمعه بها
مناسبة واحدة أو يقف إلى جوارها ليتلقى التكريم، غير أنه لم يكتف بانتقاد
خيرية البشلاوى، بل تجاهل المهرجان القومى وأقدم على إهانته وإحراج وزير
الثقافة بل انتقد اللجنة، مؤكداً أن هناك عضواً فى اللجنة اقسم على عدم منح
عادل إمام جائزة فى المهرجان إلا على "جثته"، ولم يذكر من هذا العضو أو من
أين جاء بهذا الكلام، وكعادته ـ التنظير فى كل شيء من سياسة واقتصاد وفن
دون أن يجد من يصده ـ راح الزعيم ينظر حول رؤيته للنقد والنقاد قائلا: إن
النقد لا يتعلق من قريب أو بعيد بالفنان، لان الناقد عليه أن يخاطب الجمهور
ويوجه رسالته إليه!!
وإن كان البعض يرجع السبب الحقيقى لما فعله الزعيم هو وجود "غصة فى حلقه"
بسبب حصول النجم الفنان أحمد حلمى على جائزة أفضل ممثل متفوقا عليه بدوره
فى فيلم "آسف على الإزعاج" بينما كان الزعيم يخوض المنافسة بدوره فى فيلم
"حسن ومرقص"!!.
كل هذا ولم نجد من يعلق ولو مجرد تعليق على ما قاله "الأخ الزعيم" سواء
بتوجيه إهانة لواحدة من أهم النقاد على مستوى الوطن العربى، بل والإهانة
لكل النقاد المصريين بشكل عام، فضلا عن الإهانة التى وجهها للمهرجان القومى
للسينما المصرية، ورئيسه ووزير الثقافة، وللسينما المصرية كلها التى
صنعته!!
العربي المصرية في
19/05/2009 |