التمييز العمري في هوليوود
انه «التمييز العمري» في هوليوود التي تلفظ نجماتها المتألقات لمجرد بلوغهن
الأربعين أو الخمسين هذه تفتقد الصوت الدافئ، وتلك بدأت حنجرتها في
التراجع، وتانك صار صوتها رجولياً... الى آخر الذرائع. وسلطة الرجال تذهب
الى أبعد على أغنام القطيع من نساء هوليوود «العجائز». اسمعوا القصة.
المقابلة الصحافية التي أجراها مايك برون، قبل أيام، مع النجمة ميتشيل
بفايفر في مجلة «تلغراف» ملحق الصحيفة اللندنية التي تحمل الإسم نفسه،
أثارت تداعيات خاصة لدي بشأن المصير التراجيدي الذي تواجهه ملكات الشاشة
الفضية اللواتي صفق لهن جمهور السينما عبر قارات أرضنا، طولاً وعرضاً،
واستحوذن على مشاعر وأحلام، الشباب والشيوخ، من الجنسين، وفرش لهن السجاد
الأحمر في مهرجانات السينما العالمية وعند افتتاح عروضهن الخاصة، وهن يخطرن
بذلك الجمال الفاتن، المركب، لأنهن نساء أولاً وفنانات ثانياً، وما تضفيه
الشهرة من جمال وسحر ثالثاً، حتى على أولئك الذين لم ينعم عليهم الله بشيء
من الجمال أو الوسامة.
كانت صورتها على غلاف العدد تنم عن حزن واضح تغلفه تجاعيد تنتشر عبر الجبين
وبقية ملامح الوجه، حتى تبلغ ظاهر كفيها وأصابعهما. لكنها، في اللقاء
الصحافي، لم تشبه صورتها على الغلاف، فهي متفائلة، واثقة من نفسها، بل إنها
بدت حكيمة وهي تتأمل التجربة التي تعتز بها، وتعبر عن هذا بقولها: إن شعوري
بأنني موجودة، بعد خبرتي الطويلة في التمثيل، يكفيني سبباً للسعادة. تضيف:
لا أتفق مع بعض زميلاتي اللواتي عبّرن عن تذمرهن من المخرجين والمنتجين
الذين استبعدوهن من لائحة المشاركة في الأفلام، فاستسلمن لمصير النجمة التي
أوشكت على خمسينها.
يقول مارتن سكورسس، المخرج الذي أدارها في فيلمه «عصر البراءة» الذي لعبت
فيه دور الكونتيسة أولنسكا: «إن ميتشيل بفايفر ممثلة من النوع الذي يصور ما
يمور في داخلها من صراع، عبر عينيها ووجهها أكثر من أي ممثلة من فنانات
جيلها. لكن ما عبرت عنه فنانات أخريات عن معاناتهن عند بلوغ الأربعين يختلف
كثيراً عما شعرت به بفايفر، وهنا بعض شهاداتهن:
في اجتماع «الرؤساء»، المنتج والمخرج وكاتب النص، أحياناً، وبقية المشرفين،
يضع أحدهم لائحة المرشحات للبطولة، وهن من ألمع النجمات، لكن سرعان ما
يتعالى صوت أحدهم: إنها تفتقد الصوت الدافئ! أما الثانية فهي لا تمتلك
الكثير من التعبير الصوتي الرقيق، والثالثة بدأت حنجرتها في التراجع عن
التحكم في تلوين مشاعرها صوتياً، والأخرى صار صوتها رجولياً بفعل التدخين.
أما الحقيقة فهي أنهن قد بلغن الأربعين من العمر، الأمر الذي يؤثر على فتوة
الأوتار الصوتية وأداء الحنجرة ومخارج الحروف.
احتجاجات
ماغ رايان ووبي غولدبيرغ وشارون ستون وداريل هانا رفعن أصواتهن محتجات على
«التمييز العمري» بصوت عال مستندات إلى خبرتهن التمثيلية التي ترتبط
بخبرتهن الحياتية التي تكفل لهن أداء أدوار ما بعد الشباب. وهن يتذرعن
بالقول: إن الكثير من النساء اللواتي تتناولهن الروايات والقصص
والسيناريوهات لسن شابات بالضرورة، والأفلام ليست أفلاماً رومانسية فقط،
فهناك أرامل ومطلقات ومنفصلات عن أزواجهن ومربيات أولاد من طراز رفيع،
وهناك نساء يؤدين وظائف ومهمات إنسانية واجتماعية ويواجهن مواقف درامية
مثيرة في حياتهن ولا يمكن للممثلة ابنة التسعة عشر ربيعاً أن تؤديها كما
تؤديها ممثلة في الأربعين أو أكثر.
وتقول شارون ستون ورفيقاتها الغاضبات: «من منا ينسى الدور الذي تألقت فيه
روزانا أركويت وهي في الرابعة والأربعين من عمرها في فيلم «سوزان المتطلبة
للغاية»؟
أركويت علقت على دورها هذا قائلة: بعد بلوغي الأربعين صرت أكثر ثقة بنفسي
وأحسست بأنني قادرة على العطاء أكثر نظراً إلى الخبرة الكبيرة التي
اكتسبتها من الحياة، لكنني فوجئت، حقاً، برفض «الرؤساء» لي على أنني صرت
عجوزاً. تنظر النجمة إلى وجهها في المرآة كثيراً، أكثر من النساء العاديات،
فتتحسس، أكثر مما ترى فعلاً، علامات السن التي تزحف بشكل مرئي، أو لا مرئي،
على ملامحها، ثم تبدأ بالتحدث إلى نفسها بصوت عال لتختبر قدرتها التعبيرية،
كما يقول «الرؤساء».. فهل تلجأ إلى عمليات التجميل التي لا تغير من نبرة
الصوت؟
ستيفاني جيرا، إحدى النساء العاملات في مجال الإنتاج تقول غاضبة: إنها سلطة
قاسية يقودها رجال متنفذون لا يمكن مناقشتهم أو تفنيد آرائهم. إنهم يمتلكون
سلطة ذكورية ومالية تتحكم في كل شيء.. إنهم يتحكمون باختيار الممثلة وفق
شروط السوق التي تتطلب، كما يعتقدون هم، ممثلات شابات ومغريات يجتذبن أوسع
جمهور من المشاهدين. إنهم يتحدثون كرعاة أغنام، والممثلات هن القطيع الذي
يختارون منه أسمن النعاج التي تغري القصابين. في أكثر الأحيان يتم اختيار
البطلة بسبب شكلها الخارجي وليس في ضوء كفاءتها الفنية.
على أن المفارقة القاسية تكمن في أن اختيار النجوم الذكور لا يخضع للمقياس
العمري نفسه، حيث يتجلى «التمييز العمري» في أبشع صوره. تؤكد جيرا: إنه
الكيل بمكيالين. فالممثل الذكر تزداد شهرته بفضل اختياره من قبلهم كلما
تقدم في السن، إذ كيف يمكن إقناعنا بالجمع بين جاك نيكلسون وهيلين هانت
وبين جوينيث بالترو ومايكل دوغلاس، في افلامهم، بمعدل يفوق فيه عمر البطل
عمر البطلة بعشرين أو ثلاثين عاماً؟
تقول بالترو (31 عاماً): عن عملها مع دوغلاس (59 عاماً) في فيلم «جريمة
متقنة»: رغم أنه صديق قديم للعائلة، لكن الأمر في غاية الرعب، بالنسبة إلي،
عندما أتخيل هذا الرجل زوجاً لي!
دكتاتوريو السينما
إنهم ذكور أنيقون ومعطرون، يعقدون أغلى الأربطة على ياقاتهم ويتعطرون بأجمل
العطور، ولا يمارسون أي سلطة أخرى سوى سلطتهم على أغنام القطيع من نساء
هوليوود «العجائز». معظمهم فاشلون في حياتهم الزوجية أو العاطفية، مخصيون
عوضوا فحولتهم المفقودة في اضطهاد «أضعف خلق الله أركانا» ولا يمتلكون أي
حس إنساني أو معرفة اجتماعية تتيح لهم تصرفاً ينم عن العدالة، لكنهم رجال
سلطة غاشمة.
تقول ميلاني غريفث (36 عاماً): على الممثلة أن تشعر بالقلق عند بلوغها
الثلاثين، وليس الأربعين، فأنا أتذكر سؤالاً وُجّه لي بشأن مخاوفي من
المستقبل القريب الذي سينهي حياتي ممثلةً، فأجبت: إنه سؤال غريب، لم
أتوقعه... أنا فنانة، والفنان لا يتقاعد، فأنا أعمل بشكل رائع، ومستمرة في
العمل، وأتهيأ، حالياً، لثلاثة أفلام. تضيف: لم أتوقع، حينها، فداحة
الخسارة وحجم الإحباط، لكن ذلك حدث فعلاً، كما أكدته نجمة مسلسل «الجنس
والمدينة» كيم كاتريل (47 عاماً) التي كانت قلقة، فعلاً، من أنها لن تعود
صالحة للعمل، أو خارج الصلاحية، بعد الانتهاء من ذلك المسلسل. تقول: ليس
الأمر بمستغرب أن يتم ابلاغك بأنك خارج الصلاحية. ففي هذه العاصمة
الهوليوودية، التي يتحكم بها الدكتاتوريون، وهم هنا، كما يفترض، منتجو فن
ومتعة، يمكن أن يستغنى عن خدماتك في أي لحظة بعد بلوغك الأربعين.
شارون ستون واحدة من أجمل نجمات هوليوود وأكثرهن جرأة، والجمهور العربي
شاهد لها شريط «غريزة أساسية» مع مايكل دوغلاس، تقول: «خياراتي ضاقت جداً،
والأدوار التي تعرض علي قليلة ورديئة». تضيف: السينما، هذه الأيام، تفضل
البطلات الشابات، المراهقات، إن ممثلة مثل أنجلينا جولي ناجحة ومطلوبة
دائماً. لكن سؤال الفن والإبداع يبقى قائماً بشأن الممثلات المتذمرات بسبب
السن. أو ليس ثمة ممثلات تجاوزن حتى الخمسين وحافظن على حضورهن الفني بعد
الخمسين، بل الستين حتى، مثل كاترين هيبورن في «أسد في الشتاء» الذي شاهدته
في دمشق في العام 1984، ومثلها ميريل ستريب التي لم تزل متألقة بعد الستين،
وكذلك جسيكا لانج وسوزان سارندون ومن العربيات سناء جميل وتحية كاريوكا
وسميحة أيوب، ومن العراقيات ناهدة الرماح في آخر مسلسل تلفزيوني «الباشا»؟
تجيب عن هذا السؤال جيرا بقولها: نعم، يمكن للممثلة أن تستمر ربما حتى
السبعين، لكن ليس بما تختاره من أدوار بل ما يُختار لها. إن فرصها قليلة
جداً فممثلة مثل ديان كيتن فازت بالأوسكار كأحسن ممثلة كوميدية وهي في
الثامنة والخمسين.
الأسبوعية العراقية في
17/05/2009 |