«ليس
هناك إبداع حقيقي من دون مجازفة أو من دون مقدار من الإرتياب، هي جرعة من
عدم اليقين، فهي رهيبة وضرورية لعمل شيء جدير بالعناء»، هكذا تتمثل المخرجة
السعودية الشابة هناء عبدالله هاجس التدقيق المهني عند تنفيذ فيلمها الأول
(بعيداً
عن الكلام/Beyond
Words)
فيقينها بالمجازفة والإرتياب مكنها من تحقيق فيلم
بلغة
سينمائية لافتة أثارت الإهتمام عند عرضه مؤخراً على شاشة
مهرجان الخليج السينمائي
في دبي 2009.
وعلى رغم أن فيلم هناء تسجيلي ويعتمد على رصد نتائج تجربة حقيقية تحاول
تلمس
إمكان وجود حوار هارموني بين موسيقى التانغو اللاتينية ولون السامري
السعودي بمنطقة
عنيزة، إلا أن عنصر التشويق في الفيلم لعب دوراً أساسياً في جاذبيته الفنية
ومتعة
مشاهدته، وإن كانت اعتمدت على سيناريو تحضيري واحتمالي للتوقعات التي قد
تحدث أثناء
التصوير، وكذلك الإعداد للتعليقات والحوارت الكلامية، ولاسيما الحوارية
الموسيقية
التي رصدتها كاميرات المصورين: طلال الحربي، نجوان رؤوف، ونواف المهنا،
وبمصاحبة
الموسيقى التصويرية للملحن خزام الخزام، عند نقلها لقصيدة الدويتو بين
النغمين
المختلفين، ما نحى بالفيلم جانباً عن رتابة الأفلام الوثائقية المعتادة،
وكرّس
رسالة ضمنية غير مفصح عنها تصل بسلاسة للمشاهد، مفادها: التقارب والتآلف
بين الشعوب
الذي من الممكن أن يتحقق بعيداً عن الكلام، فثمة لغة أخرى أكثر قدرة على
اختراق
الوجدان والتعامل مع رهافة الحس الإنساني، هي لغة الموسيقى.
إذن هو التانغو بأصوله النغمية النازحة من أوروبا الى أميركا من موسيقى
البولكا
والهابانيرا والفلامنغو، المعبرة عن كرنفالات ورقصات الفرح في أعياد
ومهرجانات
الشعوب اللاتينية. في مقابل لون السامري بإيقاعته المتأصلة من رقصات السمر
للمحاربين القدامى بعد غزواتهم أو أفراحهم في ليال أعراسهم وقتما يحلو
السمر. وحدة
الباعث الإنساني عن التعبير بما يخالج المشاعر الإنسانية، تلك اللغة
المشتركة في
التناغم
الموسيقي الذي اختبرت هناء البحث عن إمكان تحققه أو عدم تحققه.
بدأت القصة عند حضور فرقة «التريو» الأرجنتينية الى الرياض، وتفكير المخرجة
الشابة بالتعاون مع المنتج السعودي منصور البكر في جمع أعضائها بفرقة عنيزة
للتراث
الشعبي وتهيئ الميدان الفني للنزال الموسيقي... عازفون لا يتحدثون لغة
الفريق الآخر
ولم يسبق أن زاروا بلدهم، ويجهلون موسيقاهم وثقافتهم بالكامل، لكن أثناء
استماعهم
للموسيقى تمكنوا من التواصل في لقاءين فقط.
انتهى اللقاء الأول بعزف فرقة التانغو الجيتار الى أنغام أغنية «يالاه
ياليلة
لالا» بمصاحبة العود. وفي اللقاء الثاني قرعت فرقة دار عنيزة الدفوف على
أنغام
التانغو، وانتهوا بمشاعر عميقة أكدوا في أحاديثهم أنهم كانوا يتواصلون بشكل
رائع من
خلال آلاتهم، وأن هذه التجربة أثرت فيهم بشكل عميق. فقد رأوا بأعينهم ما
يمكن أن
توصلهم الموسيقى إليه وقد أوصلتهم إلى أعماق ثقافة أخرى.
كان لتولي العمير التعليق على مجريات الفيلم أثر السحر الأنثوي الذي لمسته
المخرجة العراقية ميسون الباجه جي، صاحبة فيلم «عدسات مفتوحة على العراق»
عند
حديثها عن الفيلم بعد عرضه، وأيضاً في المداخلات الناطقة للسفير الأرجنتيني
أنريكي
باريخا وعازف العود عبدالعزيز السليم والباحث الموسيقي أحمد الواصل الكثير
من
المعلومات التي جعلت من الفيلم بحثاً علمياً يضيف له الكثير، لكن الأخطاء
التقنية
الطفيفة في تنفيذ الفيلم والتي تعيها هناء عبدالله، وتجزم بتجنبها وعدم
تكرارها في
أعمالها القادمة، وتؤكد على حرصها الشديد في عدم تقديم ما لا ترتضيه.
وأيضاً ثمة
إضافات كان ينبغي تطعيم الفيلم بها ليزيد من جمالية الصورة والمضمون، فبعد
نجاح
اللقاء الأول انتفت جاذبية الصورة المركزة على وجوه وآلات الموسيقيين وكان
ينبغي
التحرك بالكاميرا الى الخارج، لإضافة لقطات متواترة ذات دلالات إبداعية
تتداخل مع
الثقافة الشعبية السعودية والثقافة الشعبية الأرجنتينية.
الحياة اللندنية في
17/05/2009 |