إذا كان طرح سؤال غياب
الصناعة السينمائية المتكاملة في دول الخليج العربي كافة مشروعاً، لارتباط
هذا
الغياب بالبنى الاجتماعية والثقافية والدينية المتحكّمة بأنماط العيش
اليومي؛ فإن
السؤال يزداد إلحاحاً ومشروعية عندما يتعلّق الأمر بدول خليجية عدّة تفتقد
وجود
صالات سينمائية للعروض التجارية والنشاطات الثقافية/ الفنية،
على نقيض دول خليجية
أخرى، تميّزت بإنشائها صالات عرض منذ وقت مبكر من القرن العشرين،
مع ما يُحتّمه
وجود هذه الصالات من استيراد دائم لأفلام أميركية وآسيوية وعربية (مصرية
بالدرجة
الأولى) على الأقلّ. تمتلك الفئة الأولى من تلك الدول، كالكويت والبحرين
وإمارتي
أبو ظبي ودبي، أساساً، صالات حديثة بمواصفات تقنية متطوّرة، من
دون أن يمتدّ هذا
الشكل السينمائي إلى الوعي المعرفي والطقوس المرافقة للعرض، في حين أن
دولاً أخرى،
كالمملكة العربية السعودية، لا تكتفي بتغييب الصالات وطقوسها فقط، لأنها
تمنع إنجاز
الأفلام منعاً مطلقاً، قبل أن يخترق شباب ومخضرمون سعوديون وعرب (أنجز
سوريون
وفلسطينيون أفلاماً سعودية متفرّقة في الآونة الأخيرة) جدار
المنع هذا، بإنجازهم
أفلاماً متنوّعة، روائية ووثائقية، كشف بعضها جوانب عدّة من خصوصية المجتمع
السعودي
وتقلّباته وتحدّيات أبنائه إزاء كل شيء تقريباً؛ واختار بعضها الآخر عناوين
إنسانية
عامّة، في محاولة عادية للتأكيد على انفتاح السينما على الآخر.
في هذا الإطار،
وصف الممثل السعودي عبد المحسن النمر (مثّل، مؤخّراً، في الفيلم الروائي
الطويل
الأول للمخرج الإماراتي الشاب نواف الجناحي «الدائرة») الحالة المذكورة
بأنها
غريبة، قائلاً إن المملكة العربية السعودية «تخلو من دور السينما، بينما
الأعمال
السينمائية السعودية تتفوّق في الكمّ والنوع»، مضيفاً أن هذه الصورة «دلالة
على أن
صنّاع السينما السعوديين عاقدو العزم على إثبات الذات، وإيجاد متنفّس لهم
في بلدهم،
وهم بهذا الواقع سيفرضون أنفسهم ويؤكّدونها بتعاطيهم المنطقي
مع السينما». وعلى
الرغم من أن الكمّ السعودي لم يُنتج، لغاية اليوم، نوعية جيّدة (باستثناء
عدد قليل
للغاية تضمّن احتمالاً احترافياً ما)، فإن المشهد السعودي محتاج إلى ما هو
أبعد من
قرار رسمي يتيح تشييد الصالات ويسمح بإنجاز الأفلام.
لكن، هل هناك ارتباط وثيق
بين وجود الصالات السينمائية وإنتاج صناعة سينمائية؟ أليست
البحرين مثلاً، عريقة في
إنشاء دور العرض السينمائي، بدليل تأسيس أول صالة في المنامة في العام 1922
(ذكر
منصور محمد
سرحان، في كتابه «تاريخ السينما في البحرين»، أن التجربة الأنجح في هذا
المضمار كانت في العام 1937)، من دون أن تبلغ مرحلة النضج
الإبداعي، المتمثّلة
بقيام صناعة سينمائية متكاملة؟ غالب الظنّ، أن مسألة كهذه محتاجة إلى بحث
ميداني
أعمق؛ غير أن الملاحظة الأولى تشي بأن عدم وجود صالات يُفترض به ألاّ يؤدّي
إلى
غياب السينما، لأن هذا الغياب مرتبط، أساساً، بالأنظمة
المجتمعية والثقافية
والدينية الحاكمة، المحتاجة إلى تغيير جذري.
السفير اللبنانية في
30/04/2009 |