في العادة تجد المخرج السينمائي الكبير علي بدرخان شديد الهدوء والود
ودماثة الخلق ، ولكن بمجرد الحوار معه حول رأيه في السينما حاليا ، ووضع
المثقف في الوطن العربي يتحول هدوءه إلي ثورة عارمة ، وسيل من السخط علي ما
يحدث بلا حدود ، فهو دائما أبدا مشغول بقضايا وهموم الوطن ، ومحاولة
الإصلاح بقدر الإمكان .
أول درس يعلمه بدرخان لطلبته في معهد السينما بالقاهرة حيث يعمل أستاذا ،
هو القراءة ، فالجهل والتخلف أعداؤه الأساسيون .
ورغم أن المخرج علي بدرخان ابتعد قليلا عن العمل السينمائي لدرجة قد يظن
البعض أنه اعتزل الإخراج السينمائي ، ولكنه في الحقيقة لم يعتزل ، فقط يرفض
المشاركة في المهزلة السينمائية السائدة ، يقول " أخجل من نفسي ومن تاريخي
لو أنني قدمت فيلما يقل عن مستوي أفلامي السابقة " وهذا صحيح فيكفي أن نعرف
ماهي الأفلام التي أخرجها وشارك في إنتاجها وتأليفها علي بدرخان فهي الكرنك
، أهل القمة ، شيلني واشيلك ، ، نزوة ، الرجل الثالث ، الراعي والنساء ،
شفيقة ومتولي ، الحب الذي كان ، الجوع ، الرغبة ، الغول ، كما عمل مساعد
إخراج مع كبار المخرجين المصريين بداية من والده المخرج الكبير أحمد بدرخان
وصلاح أبو سيف ونيازي مصطفي ويوسف شاهين .
وفي هذا الحوار الخاص للسياسي يتحدث المخرج الكبير علي بدرخان عن مشروعه
الثقافي الجديد ، وكذلك رأيه في دراما السير الذاتية التي تقدم علي الشاشة
، وتناولت شخصيته وشخصية والده في مسلسل أسمهان وسعاد حسني ، والاتهام الذي
وجه إليه من أنه تخلي عن زوجته السابقة الفنانة الراحلى سعاد حسني .
·
المخرج الكبير علي بدرخان : لك
تاريخ متميز في تاريخ السينما ، ورغم ذلك تركت الإخراج وأقمت مشروعا لبيع
الكتب ، فلماذا ؟
هذه ثقافة والإخراج أيضا ثقافة ، ويجمع بينهما مجال واحد ، وأصلا عملي نصفه
قراءة ، إن لم يكن ثلاثة أرباعه قراءة ، و أنا لعلاقتي بالطلبة ومهنة
التدريس أستشعر أن هناك حالة من التردي في اللغة العربية واستخدامها ككتابة
أو تعبير ، وهذا نتيجة أن الناس ، لا يقرأون ، ليس الكتب فحسب ، ولكن حتي
الجريدة اليومية ، وأول شيء أقوله لأول دفعة اتسلمها من طلبة معهد السينما
، اقرأوا الجريدة ، والمحاضرة القادمة سوف أسألكم عما قرأتم في الجريدة ،
وأحاول تعويدهم علي القراءة .
·
ولكن ماذا تريد أن تحقق من خلال
هذا المشروع ؟
هذا المكان " يقصد فيلا بدرخان التي أقام بداخلها مكتبة لبيع الكتب ،
وجاليري لعرض الفنون التشكيلية " ليس فقط مجرد مكتبة ، ولكن بجانبها أنشطة
ثقافية ، منها عروض سينما وفن تشكيلي وندوات وورش عمل ، وسوف نستضيف مبدعين
ذوي خبرة وأدباء ، ووجودهم والتقاؤهم في حد ذاته شيء مهم ، لأن الناس لم
تعد تجتمع كما كانت من قبل ، والأهم هو التقاء الشباب بهؤلاء المبدعين وأن
يكون بينهم حوارا متبادلا ، يسفر عن إرجاع هؤلاء الشباب إلي القراءة مرة
أخري ، ويعلمونهم كيف يتذوقون الإبداع ، فليس هناك ثقافة بدون توجيه ،
والمسألة لن تكون بشكل طبقي ، فنحن نريد أن نسمع الشباب لكي نستفيد منهم ،
ويحدث التجدد والتقابل بين أفكارنا وأفكارهم ، أنا شخصيا أستفيد من التعامل
مع الشباب ومعرفة ميولهم وأفكارهم والشطحات التي تملأ خيالهم ، وأعتقد أن
هذا المكان يصلح كبوتقة بين الشباب والكبار ويؤدي في النهاية لخروج جيل
مبدع وجميل .
·
هل معني ذلك أنك اعتزلت الإخراج
السينمائي ؟
هذه هي مهنتي ولا أستطيع اعتزالها أو الابتعاد عنها ، ولكن ما الذي يمنع أن
أكون مخرجا ولي اهتمامات أخري ، خاصة العمل الجماعي ، ومن قبل أقمت جمعية
النسور الصغيرة للأطفال من خمس إلي ثمانية عشر عاما ، واشتغلت فترة ، ولكن
نظام الدراسة في مصر دمرها تماما ، والحقيقة أن نظام التعليم مدمر لأي نشاط
خارج المدرسة ، وكان عندنا نشاطات هامة ومختلفة ، وشاركنا في معسكرات خارج
مصر في أوروبا وأفريقيا ، وأنا من وجهة نظري أن نظام التعليم هدفه في
النهاية أن الأولاد لا يفكرون ، وأن يظلوا مشغولين أربعة وعشرين ساعة ، من
يصدق أن ما يحدث في مصر من الممكن أن يطلق عليه تعليم ، الثابت أن التعليم
في مصر يتراجع ، وأنا أعلم هذا جيدا من خلال مستوي الطلبة الذين أقوم
بالتدريس لهم ، تخيلي أن عندي طلبة تخرجوا ولا يعرفون يكتبوا أسماءوهم
بالعربي ، ويرون أن هذا ميزة أنهم لا يعرفون اللغة العربية ، ومن جهة أخري
فنتكلم عن الهوية ، فنجد معظم الإعلانات في الشارع مكتوبة بالإنجليزي
والنصف الآخر عربي بأسماء أجنبية ، ويعتبر هذا نوع من الوجاهة ، أو المنظرة
، وأنا أعتبره " خيبة تقيلة " وجهل .
·
أنت مناضل ، ولكنك تركت النضال
في مجالك ، وقررت النضال في مجال آخر فلماذا ؟
لم أترك مجالي ، ولا نضالي في السينما ، ولابد أن تعرفي الصناعة التي أعمل
بها كيف تسير ، كانت الدولة ترعي السينما ، ثم رفعت يدها وتركت صناعة
السينما فريسة للقطاع الخاص ، فأصبح مجال عملي مع القطاع الخاص ، وهذا
القطاع كل الذي يهمه أن يملأ شرائط السينما بأي شيء حتي لو كان تافا
ومبتذلا والسلام ، وأنا لا يصلح بعد كل هذا التاريخ ، ولا بوضعي كأستاذ
ومدرس لطلبة وأشكل تكوين جيل بأكمله أن انساق وراء ابتذال القطاع الخاص ،
أو أسرق أفلام أجنبية وادعي أنها تأليفي وأني مبدع ، كما يحدث حاليا ، لست
أنا من يرتكب هذه الجريمة ، وللأسف الناس " النقاد والصحفيين والمؤرخين "
الذين يرون وينقدون ويقيمون الأعمال السينمائية الآن عاملين مش واخدين
بالهم ، وبتعبير آخر " مستعبطين " أو هم لا يعرفون حقيقة ما يحدث ، وفي هذه
الحالة تكون المصيبة أكبر ، ما يحدث نوع من الفهلوة والأونطة لا تليق بصناع
إبداع ، وأنا مازال يعرض علي سيناريوهات أفلام كثيرة ولكني لا أقبل ، أو لا
أستطيع أن أقبل " ما ينفعش " أخجل من أولادي وتلاميذي إن أنا قبلت
المشاركة في هذه المهزلة التي تحدث تحت سمع وبصر الجميع ، كما أني لا
أستطيع أن أنتج لنفسي ، صحيح أني قد أنتجت قبل ذلك ، ولكن الآن المسألة
صعبة جدا فمن أين لي بتكلفة الفيلم والتي أصبحت تتعدي الخمسة عشر مليونا
علي أقل تقدير ، وأنا لا أملك منهم أي شيء .
·
ولكن لماذا لم تتضامن أنت وجيلك
لإنتاج أفلام تليق بأسمائكم وتاريخكم ؟
ماذا نستطيع أن نفعل ، أن ما تقولينه محض خيال ، ماذا نصنع مع شركات
الاحتكار الكبيرة التي أصبحت مسيطرة ومهيمنة علي السوق السينمائي ، وعلي
فرض أني استطعت إنتاج فيلم ، فأين سأعرضه ؟ إذا كان جهاز السينما الذي يتبع
الدولة يتسول دور العرض من القطاع الخاص عندما ينتج فيلما يتبع الدولة ،
ونحن قلنا ذلك من قبل ، من أن ترك صناعة السينما في أيدي القطاع الخاص فإن
ذلك يبشر بالخراب ، وهو ما حدث بالفعل ، فلم يعد هناك سينما تناقش مشاكل
المواطن المصري ، وكل ما يحدث أنهم ينقلون من الأفلام الأجنبية نقل مسطرة
ودون ذكر للمصدر المقتبس منه ، وهذا هو قمة النجاح ، صحيح أنها تحقق
إيرادات وبتشغل الناس ، ماشي ، ولكن هذا ليس هو الفن المصري ، ولا الثقافة
المصرية ، هذه الأفلام محاكاة ممسوخة لثقافة وفكر أمريكي ، ومنقولة بسذاجة
، أنا لست ضد الاقتباس ، فكبار الكتاب وكبار المخرجين اقتبسوا في كل العالم
، الاقتباس فن وله قواعد وأصول ، وأنا من قبل اقتبست نصا لتينسي وليامز "
عربة اسمها الرغبة ، ولكني كتبت وصرحت أنه اقتباس عن تينسي وليامز ،
والاقتباس هو إعادة خلق عمل جديد بفنية ، ولكن ما يحدث الآن سرقة مكشوفة
وهذا عيب .
·
هل مايحدث الآن في السينما
المصرية وفي المجتمع ككل هو مؤامرة ؟
لا مايحدث بالضبط أن هناك بعض التجار " الشاطرين " لديهم أموال ينتجون بها
أفلاما وبالطبع يكسبون ، ناس بتشتغل ، في المقابل لدينا جميع مؤسسات الدولة
بداية من غرفة صناعة السينما ، والمجلس الأعلي للثقافة ، والأوبرا والرقابة
، والأنظمة ماذا تفعل ، فهي كيانات ليس لها أية أهمية أو فاعلية ، أو تأثير
علي الساحة الثقافية ، لماذا ، لا أعرف ، ربما لا يعلمون ماهي الثقافة ،
فمثلا ، ما هي الايديولوجية الثقافية التي يعملون من خلالها ، وهم لا
يملكون رؤية واضحة لمفهوم الثقافة .
·
البعض يرجع فشل المؤسسات
الثقافية بسبب سيطرة المد الديني علي عقول المصريين فما رأيك ؟
هذه حجة العجزة ، الذين لا يريدون العمل وتعليق أخطائهم علي شماعة الآخرين
، فمثلا إسرائيل قائمة علي الفكر الديني والعنصري ، ورغم ذلك فهم يعملون
طوال الوقت لتحقيق دولتهم المزعومة ، وأنا لا أدين الفكر الديني ، ولكني
أدين العجز عن مواجهته ، هذا الفكر المدعو بالديني يرفض ما هو موجود ،
فلماذا لا تتحاور الدولة معه ، وأصحاب الفكر الديني هم من يسدون عجز الدولة
في الخدمات ، فهم من يقيمون المستوصفات الطبية ، ومراكز الدروس الخصوصية
قليلة التكلفة ، وأحيانا المجانية ، ويقدمون الخدمات للناس ، صحيح أنهم
يأخذون منا كل يوم أرضية في الشارع ، ولكن إذا كانت الدولة تري أنهم يمثلون
خطورة ويعملون وفق أيديولوجية ، فما هي خطط الدولة ، وما هي الإيديولوجية
التي تريد أن تحكم من خلالها في مصر ؟ وإلي متي سنغمض أعيننا ، ونعتقد أن
الأونطة تصلح في صناعة مجتمع .
·
المخرج الكبير علي بدرخان ما
رأيك في المسلسلات الدرامية التي تتناول السير الذاتية للفنانين ؟
هذه ليست سير ذاتية وأصدق وصف لها أنها " قلة أدب " وهذا نوع من النميمة ،
وهل ما تم عرضه من الممكن تصنيفه كعمل فني ؟ ماهي القيمة التي سوف أقدمها
للناس من خلال قصة حياة هذه الشخصية ، ماهي القيمة التي خرجنا بها من مسلسل
أسمهان مثلا ، المفترض في السير الذاتية أن تعرض القيمة والجهد والكفاح
والمثابرة ، فهل رأي أحد من المشاهدين هذه القيم ، ولوضربنا مثلا بالأفلام
الذي صنعتها السينما الأمريكية عن موتسارت ، أو بيتهوفن ، أما ما يحدث
عندنا نوع من أنواع العبط ، يخلو من أية فن ، والفن ليست مهمته التأريخ ،
ومن نصدق : الأعمال التي جعلت من فاروق ملاكا ، أم الأخري التي جعلت منه
شيطانا .
·
مارأيك في تناول المسلسل لشخصية
والدك المخرج الكبير أحمد بدرخان ؟
هذا ليس أبي الذي أعرفه ، والذي لا يعرفه أحد سواي ، لأني ببساطة ابنه ،
وكل أصدقائه يعرفون أن هذا ليس أحمد بدرخان الذي يعرفونه جيدا ، وعندما
اعترضت قالوا لي إننا نعمل دراما حراقة ، فماذا أقول لناس يتكلمون بهذه
الطريقة ، والمجال أصبح فيه دخلاء كثيرون ، وفي النهاية ماذا سأفعل ، أرفع
دعوي قضائية ثم ماذا ؟ هم بأموالهم يفعلون ما يريدون ، وفي النهاية نحن
الذين ندفع الثمن .
·
وماذا عما جاء في مسلسل سعاد
حسني واتهمك مباشرة بالتخلي عنها ؟
هذا أيضا قلة أدب ، من الذي يعلم الحقيقة ، هذه علاقة خاصة جدا ، لا يعرف
تفاصيلها إلا أنا ، وهي ماتت ، الله يرحمها ، وأنا لم أتحدث في تفاصيل
علاقتنا ، فمن أين جاء المؤلف العبقري بأني تخليت عنها ، والذي حدث بيننا ،
عادي أختلفنا وحدث الطلاق ، مثلما يحدث كل يوم آلاف المرات بين كل البشر ،
وهل تصدقي أنها هي التي طلقتني ، ولست أنا ، وماذا أفعل عندما تطلب مني
زوجتي الطلاق إلا أن أستجيب ، ورغم ذلك فقد ظللنا أصدقاء دائما ، ولم أتخل
عنها زوجة أو صديقة .
·
ما رأيك في الجدل القائم حول
كونها قتلت أو انتحرت ؟
هذا أيضا قلة أدب ، فبدلا من تكريمها والترحم عليها ، يقوم البعض
باستثمارها ، وتشريحها طوال الوقت في الصحف والبرامج التليفزيونية
والمسلسلات ، ولا أعرف القادم الذي يفكر فيه مستثمرو تاريخها ، وأنا أشمئز
من هذا الذي يحدث لأنه عمل حقير بل وشديد الحقارة ، لأن سعاد قيمة كبيرة
جدا ، ليست في مصر فقط ، بل وفي كل العالم العربي ، ومن يقومون بهذا
التشويه لتاريخ هذه الفنانة العظيمة لا يدركون أية جريمة يرتكبون ، وماهي
المكانة التي يحولون تشويهها.
السياسي العراقية في
26/04/2009 |