انتهى الصحافي
والمخرج أسامة الماجد من توثيق ذكرى والده الأديب الراحل محمد الماجد إحياء
له
وتخليدا لسيرته الحافلة بالأعمال الأدبية الكبيرة على الرغم من سني عمره
التي لم
تكن طويلة، وذلك بواسطة فيلم وثائقي بعنوان "محمد الماجد والبحث عن الزمن
الضائع"... والفيلم من تأليف وإخراج ابنه أسامة الماجد. ويقوم
بدور الراحل في مرحلة
طفولته حفيده الصغير محمد أسامة الماجد الذي يشبهه إلى حد كبير، وفي مرحلة
الشباب
وصولا لعمر الـ (45سنة) -تاريخ وفاة الراحل- ابنه أسامة إلى
جانب الفنانة الشابة
زهرة. وضع موسيقى الفيلم التصويرية الفنان خليفة زيمان والتصوير والمونتاج
لعبدالله رشدان، والتعليق ليوسف الحمدان. وكان الماكييران ياسر سيف وجعفر
غلوم قد
اختارا الماكياج للممثلين بما يتناسب وشخصية الأديب.
ويتضمن الفيلم
شهادات من معاصري الأديب الماجد ورفقاء دربه وأصدقائه؛ ومنهم الشاعر قاسم
حداد
والشاعر علي الشرقاوي والصحافي علي صالح، إضافة إلى شقيقيه
يعقوب وعبد العزيز
اللذين يصفان هذا الماجد بأنه شخصية متفردة وبارزة بل كانت نادرة في ستينات
القرن
المنصرم، وأنها لن تتكرر على صعيد البحرين عموماً، والخليج خصوصا، مضيفَين
أنه كان
عصامياً ولم يدخل الى المدارس قط بل علم نفسه بنفسه.
كما راعى الفيلم
اختيار أماكن شبيهة بتلك التي ترعرع فيها الماجد وهي عبارة عن بيوت وأزقة
قديمة،
تذكر بمراحل ما قبل السبعينات، ويتخلل الفيلم صورا نادرة
للماجد بدءا من طفولته
ومرحلة شبابه وصولا لمرحلة الدراسة (منفرداً)، والانكباب على الثقافة
والأدب والعمل
الصحافي والروائي.
يذكر ان هذه
التجربة هي الثانية للمخرج والصحافي أسامة الماجد، الذي قام سابقا بإخراج
فيلم قصير
بعنوان "أمنية" وهو من تمثيل ابنته الصغيرة الفنانة المعجزة فجر أسامة
الماجد.
وكانت فجر قد شاركت في أعمال درامية
ومسرحية عدة منها مسلسل "ظل الياسمين" و"الفجر
المستحيل" و"الساكنات في قلوبنا" ومسرحية "فلة المسحورة". وهناك العديد من
الأعمال
المقبلة في انتظار الموهبة الصاعدة.
من هو محمد الماجد:
ولد
يوم 21 مارس 1942
بمنطقة الحورة بالبحرين، وتربى في حي التلغراف، احد الأحياء الشعبية التي
كانت
بيوته مبنية آنذاك من سعف النخيل.
عاش
طفولة فقيرة،
وعلى الرغم من قوله عنها إنها طفولة سعيدة، فهي في واقع الأمر لم تكن كذلك،
فحين
كان جنينا في بطن أمه انفصل أبوه عنها، وقام خاله على رعايته، ولكن خاله
توفي بعد
سنوات قليلة، مما اضطر محمد إلى ترك المدرسة بعد الصف الأول
الابتدائي، ليعمل فراشا
ثم عامل بناء، ولينتقل إلى مهن كثيرة...
تعلم القراءة
والكتابة فيما بعد بمجهوده الذاتي، ونتيجة موقف مؤثر حدث له مع فتاة متعلمة
كانت
تقرأ في كتاب ما... وحينما همَّ للتعرف على ما في يدها سخرت
منه قائلة "هذا الذي لا
يمكن أن تعرفه طوال حياتك" وكان جوابها وراء انكبابه على العلم والتثقّف بل
كتابها
كان أول كتاب يقرأه بعد تعلمه القراءة، إنه الكتاب الذي فجر لديه الإصرار
على
التعلم، وبطلة الفيلم الوثائقي ستظهر حاملة بيدها نفس الكتاب
الذي حول الماجد من
فقير بجهله إلى غني مترف بعلمه وثقافته الواسعة. وأتاحت له فرصة القراءة
والكتابة
الحصول على وظيفة قارئ عدادات في دائرة الكهرباء التي عمل فيها كفراش في
بداية
الأمر.
كما نمَّت لديه
علومه الأولى للقراءة والكتابة استعداده الأدبي فاندفع يقرأ بنهم، فقرأ
للمنفلوطي
وجبران والمتنبي والمعري، ويقول عن الآخرَين إنهما اضطراه أيام
إلى أن يغلق عليه
باب حجرته، لدى عودته إلى البيت مساء حتى الثالثة صباحا... بعد ذلك اخذ
يتوسع في
قراءاته لتشمل مختلف المدارس الأدبية والفكرية العالمية البارزة، فقرأ
لسارتر
وبيكيت وناتالي ساروت وسيمون دوبوفوار وفرانسواز ساغان ومكسهم
جوركي وديستوفسكي
وهمنغواي، واليوت.. وغيرهم، كما تابع حركات التجديد في الأدب العربي فقرأ
للسياب
وخليل حاوي والبياتي وعبدالصبور ونزار قباني.. إضافة إلى الآداب الأجنبية
القديمة
اليونانية والفارسية والهندية.
بعدها التحق بنادي "شعلة
الشباب"، حيث قام بنشاط أدبي وفني بارز ومن خلال هذا النشاط دخل دائرة
الأضواء ، فالتحق بجريدة الأضواء ثم تولى إدارة التحرير فيها
وحينها تعرض لأزمة
نفسية حادة كادت تنهي حياته، عاد بعدها للعمل في جريدة "أخبار الخليج"،
حيث نشر
فيها روايته الأخيرة "كتابات عاشق على رمال الشواطئ".
كان الماجد في
بداية حياته الأدبية طموحا متحمسا لإيجاد حركة أدبية جديدة، وبتعرفه على
مجموعة من
الأدباء الشباب في منتصف الستينات والتحاور معهم حول الهموم الثقافية أخذت
فكرة
تكوين رابطة تراود ذهنه، ولاقت الفكرة قبولا كبيرا؛ فطرح
الفكرة على صفحات الأضواء
والدعوة إلى تجسيدها في الواقع. وقد تحققت بتأسيس (أسرة الأدباء والكتاب)
في
سبتمبر/أيلول عام 1969، وكان هو احد الأعضاء المؤسسين لها، وشارك في العديد
من
أنشطتها الأدبية.
كما مثلها في
اول مؤتمر عربي تحضره الأسرة حين رأس وفدها عام 1970 الى مؤتمر الأدباء
العرب
الثامن في دمشق وألقى كلمة البحرين في هذا المؤتمر.
أعماله:
كتب أول قصة له عام 1959، ونشر قصصا عدة في مجلة
"هنا
البحرين" التي كانت تصدرها دائرة الإعلام آنذاك وفازت إحدى
قصصه المعنونة "
لمن يغني القمر" بالجائزة الثانية للمجلة عام 1967 كما فازت قصته "ثلاث
أغنيات على
فم التاريخ" بالجائزة الأولى عام 1969 في مسابقة تالية للمجلة. كما نشر في
الأضواء
قصصا عدة.
واصدر مجموعته الأولى "مقاطع من سيمفونية حزينة" عام 1970 و"الرحيل
إلى مدن الفرح" عام 1977 و"الرقص على أجفان الظلام" عام 1984.
توالى على الماجد
كثير من المآسي والنكبات، كان أشدها موت زميله خميس القلاف، في حادث سيارة
ليلة
زفافه من المشادة حمدة خميس، ومن يومها دخل مأساته الخاصة التي أخذت تزداد
بوقوعه
فريسة لأمراض كادت تشله عن الحركة نتيجة إهماله لصحته الجسدية
والنفسية، حتى إنه
صار ينتقل من مستشفى إلى آخر داخل البحرين وخارجها بحثا عن العلاج.. وجاء
صباح
الخميس الحادي عشر من سبتمبر عام 1986 ليسلم الروح إثر نوبة قلبية مفاجئة.
وترك
وراءه ثلاثة أولاد وهم: وليد، والزميل الصحافي أسامة، وزياد.
من أقواله:
-
قلت للعالم.. دع كل جيل يعيش حياته من دون قيود
الآباء والأجداد..
-
وقال بأسى...
كونوا مزيفين دائما لكي تربحوا الحياة..
ففي شرقنا المريض لا يربح إلا
المزيفون!
-
أنا أكتب
بمرارة، لأنني مواطن عادي.أعيش هموم مئات الفقراء
والمعوزين.
موقع "شريط" في
26/04/2009 |