|
هناك بعض الافلام العالمية التى تجعل الأكل جوهرا لموضوعاتها، أو على الأقل
من النقاط الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم، وهنا لا نقصد تلك الثرثرة
الطويلة التي تجري أثناء الكل كما يحدث فى الأفلام الفرنسية أو الايطالية،
ولكن ان يكون الأكل هو القضية الاساسية، مثلما تكون صناعة الشكولاته هى
اساس فيلم "شكولاته" مثلا.
يمكن أن نذكر من هذه الأفلام "عصر البراءة" لمارتن سكورسيزى، وفيلم المأدبة
الكبرى لفيريرا الايطالي وفيلم طباخ الملك من فرنسا.
رغم ذلك، فإن هذا الفيلم مختلف عن بقية الافلام الاخرى، لأن فكرة الأكل
تمتد لتصبح رمزا من الرموز وعلامة من علامات الخصوصية والهوية، وايضا صراعا
اجتماعيا يقوم على ثنائية الاخفاق والفشل فى رحلة الحياة المضطربة.
عنون أصلي
هذا هو محتوى فيلم "أسرار الكسكسي" لمخرجه عبد اللطيف كشيش انتاج 2007
والذي اتخذ بهذا العنوان مسارا ربما يكون مختلفا، لأن العنوان الاصلي حسب
النسخة الفرنسية يشير الى الحبوب والسمك أي الكسكسي بالسمك بصرف النظر عن
عناوين التوزيع ففي هذا الفيلم يقبل المخرج على تجربة جديدة مختلفة،
ويضيفها الى رصيده السابق في الاخراج. فقد سبق أن قدم فيلم "غلطة فولتير"
عام 2000 وفيلما آخر بعنوان "المراوغة 2003".
كما أن لعبد اللطيف كشيش تجارب في التمثيل، منها الفيلم الفرنسي "عفوا ايها
الناقهون" وكذلك الفيلم المعروف "شاى بالنعناع" وفيلم نوري بوزيد "بزناس"
1994.
والمعروف عن هذا المخرج انه من مواليد عام 1960 بتونس، إلا أنه هاجر مبكرا
الى فرنسا مع عائلته واستقر هناك، ليمثل بذلك الجيل الثاني من المهاجرين،
الذين يعيشون حياتهم في اطار معين، يقع بين الهوية التى تتطلب الظروف
الابقاء عليها بطريقة أو بأخرى، وفي نفس الوقت هناك مشكلة الاندماج في
الوسط الفرنسي و وهو ما يحتاجون إليه ايضا.
يهدي المخرج الفيلم الى أبيه، وكأني به يستمد صورة الشخصية الرئيسية من
تجربة أبيه الحقيقية، فنحن ازاء مهاجر يرجع الى بداية الستينيات يدعى
سليمان يعمل في ميناء "سيت" بالقرب من الحدود الاسبانية، وربما تشابه كل
ذلك مع صورة الاب الحقيقية التي يقول عنها المخرج بأنه نموذج للشخص
المتفاني من أجل أسرته.
مشهد مهم
يبدأ الفيلم بمشهد، قد يظهر وكأنه جانبي، وفيه نجد قاربا يحمل عددا من
السواح، يطوف على حدود المدينة المائية، ويتولى شاب يدعى حميد مهمة المرشد
السياحي للمجموعة، ثم نعرف أن له علاقة بفتاة فرنسية تستدعيه الى أسفل
القارب بمعزل عن الجميع.
لقد أختار المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو أن يبدأ بهذا المشهد، لأنه
أساسي بالنسبة للفيلم، حيث يبنى السيناريو العقد، الدرامية، على هذا اللقاء
ولكن بطريقة عكسية، فحميد ابن سليمان، يهرب في ليلة أفتتاح المطعم المنتظر
من هذه العشيقة لكي لا ينفضح أمره أمام الجميع، وهروبه هذا يسبب مشكلة
كبيرة لكل العائلة، لأنه يهدد مشروع المطعم بالفشل.
فى هذه البداية الكثير من الكلاسيكية، لكن الفيلم ليس كذلك على الاطلاق،
انه فيلم عن اليومي، والواقعي المفرط في الواقعية، اليومي بكل تفاصيله
الصغيرة واحيانا بكل ما يحمله من رتابة. سوف نجد في "أسرار الكسكسي" أجواء
من الواقعية التسجيلية، وأحيانا الواقعية الفوضوية، ولقد ذكرنا بكاميرا
المخرج مايك لي في تعاملها مع الجزئيات اليومية، وذكرنا ايضا بلقاطات
المخرج الياباني ياسر جيراوزو، وخصوصا من حيث الاعتماد على اللقاطات
المقربة جدا، مع الانتقال بطريقة سريعة بين الوجوه، فيما يتحول الحديث الى
مناقشة تلقائية، تعتمد على درجة من درجات الارتجال. وقد حدث ذلك في مشهد
تناول وجبة الكسكسي المطول، حيث تجتمع عائلة سليمان يوم الأحد لتناول
الغداء، المعتمد على وجبة الكسكسي بالحوت، والتى تعدها زوجة سليمان المطلقة
"سعاد" باعتبارها من جيل قديم نسبيا، كانت بدايات تكوينه في شمال
افريقيا،انه جيل يجمع بين القديم والجديد، أو هو يقف على خطين للمتوسط
متقابلين.
طريق مسدود
في التقديم ايضا نجد العامل سليمان، والذي يعمل في صنتاعة واصلاح القوارب
في الميناء. نجده وقد وصل الى طريق مسدود مع صاحب العمل الفرنسي، والذي
يطالبه بأن يكون العمل "نصف يوم" فقط، وكأنه يصرفه عن العمل نهائيا، وفعلا
يتحصل سليمان على حقوق انهاء الخدمة، وينصرف الى شأنه الخاص، بدراجته
النارية، وبعادته التى لا يتركها، وهي أن يحضر كمية من السمك ولاسيما من
النوع الذي يستخدم مع الكسكسي "البوري"، وهي اكلة معروفة في الشمال
الافريقي ولاسيما في تونس.
يحضرها الى بيت طليقته، حيث نجده يزور اولاده بشكل مستمر وتتشكل عائلته من
ثلاث فتيات متزوجات وايضا ولدين الكبير حميد والثاني مجيد بعد المحطة
الأولى، شراء السمك، والمحطة الثانية بيت الزوجة السابقة سعاد يصل سليمان
الى محطة ثالثة وهو الفندق الصغير الذى يعيش فيه وهو ملك لزوجته الثانية
"لطيفة" أو ربما تكون عشيقته، والمهم فعلا هو العلاقة بين سليمان وابنته
لطيفة "ريم"، حيث يتم التعامل معها وكأنها أبنته، وهي التي تقف الى جانبه
وربما وجدت فيه تعويضا عن أبيها.
ان أغلب مشاهد البداية تعتمد على الحوار الصاخب الذي يتضمن الكثير من
النرفزة والتى تصل الى الجمهور بدرجة واضحة، مع اعادة لحوارات مكررة أكثر
من مرة مثلما حدث مع الأم وابنتها الصغيرة، رغم انه كلام من طرف الأم، إلآ
أنه من الحديث اليومي المألوف والذي يدور حول تفاصيل الحياة اليومية
الصغيرة، أو هو نوع من الشكوى المتكررة المزعجة.
يبدأ الفيلم فعليا، بمقترح رأى سليمان أن ينفذهن بعد استبعاد فكرة العودة
الى تونس والاستقرار بها، وهي أن يفتتح مطعما يقدم فيه الكسكسي بالحوت
وباستخدام قارب قديم يستقر في الميناء.
اطراف متعددة
لقد احتاج الأمر الى اجراءات معينة، ثم تجاوزها بمساعدة ريم القادرة على
الاقناع دائما ولاسيما فيما يتعلق بتقديم الضمان للمشروع، وقد بدأ المقترح
وكأنه يخدم الفتاة ريم نفسها، فهي تعمل مع امها في الفندق الصغير وكذلك
المقهى التابع له والواقع أن المشروع المقترح، قد وضع في الاعتبار،
الاعتماد على كل الأطراف فالأم سعاد سوف تقوم بتجهيز الأكل "الكسكسي" ربما
يوميا، وكذلك الأمر بالنسبة للأخوات الثلاث وبالتعاون مع الاخوين الاخرين،
بل تدخل ايضا الاجنبية "الروسية" زوجة حميد في التعاون العائلى، وهكذا سنجد
أن كل الاطراف قد صارت جزءا من هذا المشروع التجارى، من البداية، الى
النهاية ومن اصلاح القارب الى ايصال الطعام وتجهيزه وتقديمه.
هناك شخصية واحدة تقف بعيدا عن هذا المشروع، وهى لطيفة.. الزوجة الثانية
والتى تتفهم عجز سليمان عندما يصل اليها مليئا بالمخاوف ولحظات الفشل. بعد
تجربة في العمل تتجاوز 35 عاما، لم ينل منها إلا القليل من الحصاد. ويمتد
عجز سليمان من عدم القدرة على دفع النفقة الى العجز الجنسي، الى العجز عن
مواجهة متطلبات الحياة.
يبدو المخرج هادئا وهو يتعامل مع الموضوع المطروح، يأخذ من الوقت ما يناسبه
لرسم ابعاد الشخصيات، وفي الحقيقة لا تتواجد إلا شخصية واحدة رئيسية وهي
شخصية سليمان، ثم الشخصية الأخرى المتممة وهي ريم.
اما الباقي فهي اخافات مهمة لرسم خلفية للمشهد العام، ومن هنا لا نجد ذلك
القفز على الأحداث الذي يصاحب بعض الأفلام: فكل مشهد له تمهيد مناسب.
- مشهد الحفل النهائي له تمهيد سابق وهو المشهد العائلي الذي يجمع الكل على
مائدة الكسكسي في بيت الزوجة القديمة.
- مشهد الحفل النهائي له تمهيد في مشهد حوار مطول مع بعض أصدقاء سليمان
القدامى من العازفين والمغنيين.
- مشهد الحفل النهائي له تمهيد بمشهد تجهيز القارب ليكون مطعما مناسبا.
- مشهد الحفل النهائي له تمهيد بمشهدين خاصين بالحصول على الترخيص للمطعم
وهكذا... يتسلل الفيلم في هدواء مستخدما بعض الاغاني في أغلب الاحيان وهي
اغان شرقية عموما وليست تونسية، كما في اغنية قل للمليحة بالخمار السود
وبعض الأنغام المعزوفة في الحفل النهائي.
حفل افتتاح
في حفل الافتتاح، وعندما يجتمع المدعوين من الواضع أن الجميع تقريبا من
الفرنسيين، باعتبار أن الأكلة "الكسكسي" موجهة اليهم باللدرجة الأولى، و
الموسيقى تعزف الحان شرقية مكملة لنوعية الأكلة، في هذا الحفل، لا يصل
الكسكسي المنتظر، لقد وصلت الاواني التي حملت كل مرفقاته، لكنه هو ، الأكلة
الرئيسية لم يصل في موعده.
يبرز الابن الكبير حميد باعتباره الشخصية التى لها قابلية الخروج عن
المجموعة انه يتولى مع أخيه ايصال الاوانى الكبيرة للعشاء المنتظر بالسيارة
الى المطعم الجديد، ولكن يغفل الابن مجيد عن اناء الكسكسي ثم تغفل الابنة
الصغيرة، وكان يمكن معالجة الموقف عند هذا الحد، لكن حميد، وعندما يجد
عشيقته من ضمن المدعوين، ويخشى أن تحاول الاقتراب منه، كما بدا فى مشهد
الفيلم الأول، يترك الحفل مستخدما السيارة نحو مكان غير معروف، مع صعوبة
الاتصال به، هو إذن حامل الكسكسي أو سارق النار أو الخارج عن الجماعة، وليس
هناك من سبب إلا هذه العشيقة الفرنسية.
يرتفع "الكسكسي" هنا من مستوى الحقيقة الفعلية الى مستوى الرمز، ونحن لو
وضعناه فى اطاره المعتاد، لقلنا بأن المشروع الأخير لسليمان قد فشل وربما
اضيف الى باقي وقائع الفشل السابقة. هذا بالمعنى الواقعي.
مستوى الرمز
لكن الكسكسي يرتفع الى مستوى الرمز، ولو بصورة "محددة" رغم أن الموضوع يمكن
أن يكون واقعيا يدور حول الاحباطات المتتالية، الطرد من العمل، العجز
الجنسي، العجز عن حل مشكلات الاسرة "الابن وزوجته الاجنبية" والعجز في
النهاية من تحقيق الحلم النهائي، حلم الانقاذ الذاتي.
رغم ذلك فإن الكسكسي هو رمز الهوية، والصورة قد تكون مباشرة هناك، وهو رمز
الماضي الذي يريد أن يستمر في المكان الجديد فرنسا. إنه الجزء المتبقى من
الذات القديمة. وهل يمكن لهذا الرمز القديم أن يكون منقذا في الحاضر؟ لاشك
أن هناك محاولات للارتباط بهذا الرمز وعدم التفريط فيه مثل تكرار احضار
السمك الى البيت، وتذعر الزوجة القديمة من ذلك، ثم رفعه الى درجة أعلى، بأن
يكون الذروة والذي يجمع كل افراد الاسرة وهو في نفس الوقت المنقذ المادي،
ان احضار هذا الرمز من الماضي، يعنى أن الماضي موجود.
والواقع أن المسألة تتعلق بالاحتفال بالكسكسي قبل كل شيء، في حفل النهاية
أما أن يستمر باعتباره وجبة عادية، فذلك يمكن ان يتحقق.
هناك حالة تدعو الى فك الارتباط بهذا الرمز. ربما نسميها متطلبات الاندماج
في المجتمع الجديد، هي ليست حالة مضادة، لكنها حالة طاردة، تدفع الى التخلص
من القديم، مهما كان نوعه.
لذلك كله كان الابن حميد هو السبب في انهيار حفل افتتاح المطعم بشكل أو
بآخر ولاسباب واهية. تدفعه نوعية الحياة التي يعيشها بالا يركز على هذه
الاكلة إلا في حدود معينة، لأنه مشغول بأشياء أخرى ومنها علاقاته العاطفية
بين سلب وايجاب.
لم يأت الكسكسي، بطريقة فيها شيء من المصادفة، فقد انتقل في سيارة حميد الى
مكان مجهول، ولا امكانية لتوفير الكمية الكبيرة منه خلال مدة قصيرة لأن
الاعداد له يحتاج الى وقت طويل.
في اطار البحث عن حميد أو الكسكسي المختفى والمنتظر يستخدم سليمان دراجته
النارية ويتوجه الى بيت أبنه، فلا يجده، ويجد الزوجة الروسية مع اخيها
وطفلها الصغير في حالة تدمر وغليان، بسبب علاقات حميد الغرامية المتعددة.
كشف وتصريح
ويستخدم الفيلم أسلوب المونولوج المطول للتصريح بالانفعالات الداخلية
للزوجة الروسية وهو مونولوغ يفضح الكثير من الأشياء التي تبدو على السطح
لامعة، والحقيقة أن سليمان لم يخسر مشروعه كما يبدو ولكنه خسر أشياء كثيرة.
فقد ذهب الكسكسي وذهب معه شرف معين كان يدعيه، لأن زوجة الأبن تفضح العائلة
كلها، فهى تراها موافقة على علاقات الأبن وتتستر عليه، ليس الأم فقط ولكن
الاخوات ايضا، وانا اتعجب من عدم تركيز بعض النقاد على هذا المشهد
الانفعالي الذي يدوم لفترة طويلة وهو عبارة عن خطاب فضائحي في حق عائلة
سليمان.
ان الانهيار هنا فردي وجماعي، ورمز الهوية ايضا صار مطرودا الى الخارج،
وذلك عندما نرى سليمان وهو يجري بحثا عن دراجته النارية المسروقة من قبل
بعض الفتية الذين يتلاعبون بهذا العجوز. انهم ولاشك من نوعية الابن حميد
الذين على وشك التخلص من رموز ماضيهم الايجابية، وكأن الاندماج في المجتمع
الفرنسي يفرض بعض التضحية والتى تكلف الكثير، لكنها تضحية لابد منها.
يترك الفيلم العائلة الأولى "الزوجة الأولى" ويركز على العائلة الثانية
الأم والابنة وفي مشهد حوارى مطول أقرب الى المونولوج ايضا. تقنع ربم أمها
بالذهاب الى حفل افتتاح المطعم، فهي تقف دائما في صف سليمان، ولذلك كانت
عاملا مساعدا في وصول الكسكسي الى الضيوف، ولكن بطريقة أخرى.
تفتعل العائلة بعض التدابير لكى تنقذ الموقف، فهى تقدم للضيوف المشروبات
وتصطنع المبررات لهذا التأخير فى احضار الكسكسي والذي هو في الحقيقة مفقود
ولا وجود لحل منتظر.
خصوصية الرقص
هنا يطرح الفيلم تدخلا جيدا من قبل الفتاة ريم، التي تعود الى منزلها
سريعا، وتحضر بدله رقص وتقدم وصلة من الرقص الشرقي وعلى انغام شرقية.
لعلي هنا أقول بأنها المرة الأولى التي يستخدم فيها الرقص الشرقي، بيس من
أجل الرقص. إنه حالة من الانتظار والترقب ويعبر عن محاولة للتعمية عما يدور
في الحقيقة. إن الرقص هو تكملة للكسكسي. بل يمكن القول بانهما يشكلان رمزا
واحدا لهذه الخصوصية. وكلاهما يحملان شيئا من الهوية القادمة من شمال
افريقيا الهوية الشرقية.
ومن حسن الحظ بأن الرقص المقدم في وصلته لم يكن تطريبيا استعراضيا أو حسيا
بل رقص له شكل دائري احيانا، فالجسد لم يكن فرحا، بل كان يعاني ويتألم وهو
يضع في الاعتبار بأن هناك جمهور يحب أن يتسلى ينبغي تخديره الى حين وصول
الكسكسي أو تدبير أي حل مهما كان نوعيته. إنه جمهور غربي ينتظر أكلة شرقية
وفي مشهد سريع نجد المرأة الثانية "لطيفة" هي المنقذة، فقد رجعت الى منزلها
واحضرت بعض الكسكي لانقاذ الموقف، واذا اعتبرنا هذه المرأة مجرد عشيقة
لسليمان فقد اكتملت الدائرة، لأن الحل يأتي من الواقع الحياتي المعاش كما
هو في فرنسا بكل ايجابياته وسلبياته، وليس شرطا أن يأتي من زوجة سابقة.
واذا اعتبرناها زوجة فالأمر قد يختلف قليلا.
في آخر الفيلم نجد مشاهد بليغة معبرة عن حالة الاحباط، في دمج بين الرقص
والموسيقى وهرولة سليمان في الطرقات الوعرة بحثا عن حل لم يتمكن من ايجاده
أو الوصول اليه.
ايقاع خاص
في الفيلم تمثيل جيد الى أبعد الحدود، وخصوصا من سليمان "حبيب بوفارس"
بنحافته وصمته ومظاهر الحزن البادية على وجهه، وكأنه انسان كتوم يدفن
اوجاعه داخله الى لحظة الانهيار في النهاية.
والأروع بالطبع الممثلة "حفصية حرزى" في دور ريم، فهي تنطق بالكلمات في
ايقاع معين، حافظت عليه طول الفيلم، وهي منغلقة على نفسها ، لكنها منطلقة
في مشهد الرقص الشرقي، وكأنها جزء من الماضي، سار مع سليمان الى الحاضر
واكمل معه الرحلة الى النهاية. كما انها تملك حجة الاقناع بالكلام والفعل.
لا عجب إذن أن ينال هذا الفيلم العديد من الجوائز.. واشهرها جائزة لجنة
التحكيم الخاصة فى مهرجان فينيسيا 2007 وكذلك نيله لعدد من جوائز سيزا
الفرنسية.
يبقى الفيلم مفتوحا رغم هذه الافتراضات التي تظهر لبعض المشاهدين، ولعل ذلك
من مزاياه، الكثيرة، فهو قابل للقراءة المتعددة، والتي تنغلق وتنفتح بحسب
ابتعادنا واقترابنا من الفيلم، وبحسب موقفنا منه ومن شخصياته التي تتصرف
بكل عفوية، حتى أنها أحيانا تخرج من سلطة المخرج، ولعلها كانت كذلك فعلا!
بعض النقاد رأوا تشابها بين هذا الفيلم وفيلم آخر لفيسكونتى بعنوان "روكو
واخوته لكنه مجرد تشابه شكلى يتمثل في انتقال عائلة ايطالية الى الشمال وما
يحث لها من تغيرات اجتماعية وانتقادية. أما هذا الفيلم فهو يحمل من ضمن ما
يحمله قضية الهوية والاندماج وما ب ينهما من اشتباك وتداخل وتباعد، وفي
جميع الأحوال هو مجرد خيط رفيع.
العرب أنلاين في
15/04/2009 |
