حفظ فيلم "زمن الرفاق" لمخرجه المغربي الشاب محمد الشريف الطريبق، ماء وجه
السينما العربية في الدورة الـ15 لمهرجان تطوان الدولي للسينما المتوسطية
المنظم من طرف جمعية أصدقاء السينما بين 28 مارس و4 أبريل 2009، بعد فوزه
بجائزة الجمهور، بينما استحوذت السينما الأوروبية على باقي الجوائز البالغ
عددها 10 جوائز في أصناف الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية.
وحاز فيلم "سونيطول" لمخرجه الإيطالي سالفاتور مورو، بالجائزة الكبرى.
وعادت جائزة محمد الركاب للجنة التحكيم، وجائزة عز الدين مدور للعمل الأول،
لشريط "الثلج" للمخرجة البوسنية عايدة بيجيتش، ونال الروماني كوسمين سيلسي
جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "شانج"، فيما حازت الممثلة التركية أيكا
دامغاسي جائزة أحسن دور نسائي عن دورها بفيلم "ماي مارلون وبراندو".
"الثلج".. أوفر حظا
اعتبر شريط "الثلج" أو "سنوو" للمخرجة البوسنية عايدة بيجيتش والبالغ مدة
عرضه ساعة و39 دقيقة، الأوفر حظا خلال هذا المهرجان، وحصد الفيلم الذي تلعب
أدوار البطولة فيه كل من الممثلات: مارجانة فيتش، وجاسنا أورنيلا، وسادزيدا
سيتيك، جائزتي المخرج المغربي المرحوم محمد الركاب الخاصة للجنة التحكيم،
وعز الدين مدور للعمل الأول، البالغة قيمتهما المالية 65 ألف درهم.
ويعتبر هذا الشريط -وهو إنتاج بوسني ألماني إيراني مشترك خلال عام 2008-
ثالث الأعمال السينمائية لبيجيتش ابنة مدينة سراييفو التي تدرس الإخراج
السينمائي، والحاصلة على دبلوم أكاديمية سراييفو للفنون الاستعراضية، بعد
تجارب سابقة لها في مجال إعداد وصلات الفيديو والإشهار؛ إذ سبق لها إنتاج
الفيلم القصير "صار الشمال أحمق"، وفيلم "أول تجربة موت" الحائز على جوائز
عالمية.
ويحكي شريط "الثلج" عن 6 نساء وجدهن و4 طفلات وولد، يعيشون في قرية فقيرة
ومنعزلة اسمها "سلافينو" تعرضت إلى التخريب خلال الحرب الأهلية، الذي لم
يمنع قاطنيها وأهلها من السعي بكل ما أوتوا من وسائل وحيل للعيش وسطها،
والتغلب على مشاق الحياة بها، في ظل واقع الفقر المدقع، والبؤس الشديد
والمتواصل، والافتقاد إلى أبسط ضروريات العيش البسيط والحياة الكريمة.
يحتار أهل سلافينو -القرية المنكوبة- في الاختيار بين الاستمرار في ممارسة
سعيهم للعيش من خلال تجارة الخضر والفواكه، والرضوخ للأمر الواقع والقبول
بإغراءات ثريان يقدمان لهم عرضا مغريا عبارة عن مبالغ مالية مهمة مقابل
إخلائهم منازلهم، وبين مبادرة إنقاذ حياتهم الملغومة وواقع تجرع مرارة
الفقر والبؤس، يتيه أهل القرية الذين يعتبرون الكرامة والشرف فوق كل
الامتيازات.
منافسة شديدة
تنافس 12 فيلما طويلا كلها من إنتاج عام 2008 باستثناء فيلم "الإصلاح"
لليوناني طنوص أناطوبولوس المنتج في سنة 2007، للظفر بـ6 جوائز مبرمجة خلال
المهرجان تبلغ قيمتها المالية الإجمالية 205 آلاف درهم؛ مما صعب من عملية
اختيار الأفلام الفائزة من قبل لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج المغربي
الجيلالي فرحاتي، والمشكلة من 6 أعضاء بينهم الممثل السوري بسام كوسا.
وتفوق المخرج الإيطالي سالفاتور مورو وفيلمه "سونيطول" على كل مخرجي البحر
الأبيض المتوسط والأفلام المشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة؛ ليفوز
بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان (70 ألف درهم) أكبر جوائز المهرجان الذي تضمن
فقرات متنوعة، وورشات، وندوات، ولقاءات موضوعاتية حول كتابة السيناريو
والإخراج نشطها نقاد ومهنيون لفائدة تلاميذ المؤسسات التعليمية.
واحتفظت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة التي ضمت 11 فيلما من 7 دول
بينها المغرب البلد العربي الوحيد الممثل فيها، بجائزة الابتكار (10 آلاف
درهم)، فيما عادت جائزة هذه اللجنة (20 ألف درهم) للمخرج الإسباني
فيرنانديز رينيو عن شريطه "حياة أفضل".
وحاز فيلم "أطا" للمخرجين الفرنسيين سلغلا زينسيرسي، وغيوم جيوفانيتي على
الجائزة الكبرى لهذا الصنف (35 ألف درهم).
وموازاة مع المسابقة الرسمية، قدم المهرجان مجموعة مختارة من أفلام طويلة
وقصيرة ووثائقية ذات الجودة العالية، وعروضا سينمائية لقافلة "أسبوعي
المخرجين" المنظمة على هامش مهرجان كان السينمائي الدولي، ليصل مجموع
الأفلام المعروضة في 5 قاعات للعرض إلى أكثر من 120 فيلما من 14 دولة
تتبعها أكثر من 50 ألف متفرج بينهم 200 مدعو أكثر من نصفهم أجانب.
سينما العرب
مثلت السينما العربية في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة بـ4
أعمال فقط بعد تعويض فيلم "أيام الضجر" للسوري عبد اللطيف عبد الحميد، وهي:
"خلطة فوزية" للمصري مجدي أحمد علي، و"الرمان والمر" للفلسطينية نجوى
النجار، و"عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشراوي، وهو إنتاج تونسي هولندي فلسطيني،
و"زمن الرفاق" للمغربي محمد الطريبق الذي خرج غانما بفوزه بجائزة الجمهور.
ويحكي "زمن الرفاق" قصة الطالبة "رحيل" والتي تمثل دورها الممثلة الشابة
فرح الفاسي، التي تلتحق بالجامعة بعد حصولها على شهادة الباكلوريا؛ حيث
تكتشف عوالم جديدة في ظل التأثير المتصاعد للإسلاميين ومجموعة من المناضلين
الطلبة؛ إذ تتيه وسط متاهات رغبتها في دخول هذا العالم الجديد عليها فقط
لإعجابها بسعيد زميلها في الجامعة المتفوق دراسيا وفي عالم النضال.
ولم تخرج السينما العربية خاوية الوفاض من مشاركتها في مسابقة الأفلام
الوثائقية التي عادت جائزتها الكبرى إلى فيلم "حدائق جاد" للمخرج الفرنسي
جيورجو لازاريفسكي؛ إذ حاز الفيلم الجزائري "الصين ما زالت بعيدة" على
جائزة الجمهور في هذا الصنف الذي عرف مشاركة 11 شريطا من 7 دول بينها
فلسطين، ومصر، ولبنان، والجزائر، وتونس، والمغرب.
وتميزت الدورة بعدم عرض شريط "أيام الضجر" لمخرجه السوري عبد اللطيف عبد
الحميد رغم برمجته المسبقة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة؛ بسبب
خلاف مع إدارة المهرجان الذي شهد استقالة رشيد الشيخ رئيس الغرفة المغربية
للتقنيين ومبدعي الأفلام من مسئوليته في المؤسسة المنظمة؛ احتجاجا على
تهميشه وعدم استدعائه لحضور فعاليات هذه الدورة.
تكريم عربي
كرم مهرجان تطوان لهذا العام شخصيتين سينمائيتين عربيتين بعد وفاتهما،
وهما: الممثل المغربي حسن الصقلي، والمخرج المصري يوسف شاهين؛ اعترافا بما
تركاه من بصمات ستظل راسخة في ذاكرة السينما المتوسطية؛ إذ تم بالمناسبة
عرض أفلام لهما، وتنظيم مائدة مستديرة شكلا محورا لها، وسلطت الضوء على
حياتهما ومسارهما وما قدماه إلى السينما العربية والعالمية.
وأجمع المتدخلون في الندوة على غنى المسيرة الفنية للمكرمين اللذين وصفوهما
بـ"أسماء أسطورية في تاريخ السينما العربية؛ لما تركاه من أفلام خالدة لم
يأخذ منها الزمن مأخذه"، مركزين على عينة من أفلامهما، والرؤية السينمائية
الفريدة التي تميز كلا منهما خاصة بالنسبة ليوسف شاهين الذي قال الناقد
المغربي خليل الدامون إن ثمة استمرارية تطبع كل أفلامه؛ إذ "لا ينتهي فيلم
إلا ببداية آخر".
واختار الممثل المصري محمود حميدة، في مداخلته العفوية خلال ندوة تكريم
يوسف شاهين بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان، الحديث عن علاقته المتوترة مع
هذا المخرج الراحل التي "لم تكن دائما مبنية على التوافق، بل أحيانا يطبعها
الاختلاف"، مؤكدا أنه لا يحب أعمال شاهين قبل مشاركته فيها؛ إذ يرى أن لغته
"كانت هي نفسها في كل أفلامه رغم اختلاف الممثلين".
وعرف حفل ختام المهرجان الذي حضره فنانون ومخرجون ومنتجون سينمائيون من
بلدان البحر المتوسط عكس الافتتاح، تكريم المخرج السينمائي المغربي لطيف
لحلو مخرج الشريط الطويل "سميرة في الضيعة" الذي أنتج في عام 2007، في
التفاتة تمنى الحاضرون في الدورة أن تتكرر سنويا لإعادة الاعتبار
للسينمائيين العرب قيد حياتهم وليس بعد أن يواروا التراب.
ضيفة شرف
استعاد المهرجان، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى 1985، عقودا من السينما
الإسبانية ضيفة شرف دورة هذا العام، من خلال عرض 9 أفلام جريئة أنتجت بين
عامي 1952 و1999، في محاولة لتبيان القفزة التي عرفتها ومكنتها من فرض
نفسها على مر السنين، وجعلتها تتبوأ مكانها الطبيعي بين السينمات العالمية
الرائدة بفضل مخرجين مشهورين وممثلين من ذوي الموهبة العالية.
وقال أحمد الحسني رئيس المهرجان: إن اختيار السينما الإسبانية ضيفة لهذه
الدورة ليس وليد اللحظة، أو خطوة استنساخ لتجارب مهرجانات مغربية أخرى،
مذكرا بتكريم السينما الأندلسية والإسبانية الكتلانية والباسكية، كالتفاتة
من المهرجان لجوانب معينة من تجارب سينمائية متوسطية على غرار ما تم في
دوراته السابقة التي تم خلالها تكريم السينما المصرية والمغربية.
وركزت الدورة في التفاتتها لسينما إسبانيا على مرحلة معينة خلال الخمسينيات
والستينيات من القرن الماضي اللتين عرفتا نضالا مريرا ضد الدكتاتورية التي
"لعبت السينما دورا فاعلا في مواجهتها وتوعية الإسبان"، و"هذا التكريم هو
التفاتة لسينما فاعلة ولها مكانتها بين السينمات الأوروبية"، بحسب الحسني
الذي يطمح إلى مزيد تطوير المهرجان خاصة بعد تأسيس مؤسسة مهرجان تطوان.
وأكد محمد نبيل بن عبد الله، وزير الاتصال السابق ورئيس مؤسسة مهرجان تطوان،
في كلمته خلال حفل الافتتاح، أن المهرجان "حدث سينمائي سنوي توسعت دائرة
إشعاعه، بعد أن أضحى موعدا لا يخلفه المبدعون بالنظر إلى مكانته في خريطة
المهرجانات"، مؤكدا أن "الارتقاء بالسينما المتوسطية رهين بتبادل التجارب،
واقتسام الخبرات، وتفاعل الأفكار، وتعميق التعارف، ونشر قيم الحوار
والتعايش".
صحفي وناقد فني مغربي.
إسلام أنلاين في
09/04/2009 |