أحداث عدة دعتنا الى التوجه للقاء مدير دار السينما «خانه سينما» في طهران،
ولعل دعوة الدار وفداً سينمائياً هوليوودياً للقدوم إلى طهران لم تكن
أهمها، بل الأهم كان إصدار مجموعة «ثلاثون عاماً من السينما» التي تمثل أهم
إنجازات السينما الإيرانية على مدى ثلاثين عاماً من عمر الثورة.
فكرة الإصدار جاءت من المدير السابق للدار المخرج رضا مير كريمي وبمعاونة
القسم الاجتماعي في وزارة الداخلية، كما أخبرنا محمد مهدي عسكر بور المدير
الجديد: «إنها أفضل الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية التي
أنجزت منذ بداية الثورة. ثلاثون فيلماً من كل نوع، نقاط قوة في تاريخ
السينما الإيرانية، وأرشيف لها كان ضرورياً لا سيما خارج إيران».
خمسة مجلدات تضمنت أعمال متميزة لمخرجين متنوعين مثل: مخملباف «كان يا ما
كان السينما» وبيضائي «المسافرون»، وتقوايي «كابتن خورشيد»، وجعفر بناهي
«البالون الأبيض»، ورخشان بني اعتماد «الخمار الأزرق»، وبالطبع عباس
كياروستامي وفيلمه «تحت أشجار الزيتون». بعض هذه المختارات نال جوائز
عالمية لكن عسكر بور ينفي أن تكون «الجوائز» هي المعيار الأساس في
الانتقاء، فثمة أعمال من بينها لم تنل جوائز. أما الهدف من المشروع فهو «أن
تعبر هذه المجموعة عن مختلف مراحل السينما الإيرانية، لتكون نوعاً من
الاستعادة الكاملة لها». اختارت الأعمال عدة لجان مثلت أقسام دار السينما
كافة واختير عمل واحد فقط لكل مخرج وروعي عدم تكرار المواضيع.
إصدار كهذا أثار بلا ريب انتقادات وتساؤلات من نوع: لم هذا العمل وليس آخر؟
هل تمت استشارة المخرجين المعنيين؟ يوضح لنا عسكر بور: «كانت هناك بالطبع
تحفظات واحتجاجات إنما محدودة. إنها قضية ثقافية بالدرجة الأولى. فمن خلال
تجربتي الشخصية، لاحظت أن السينمائيين الإيرانيين وعلى الدوام تحدوهم
الرغبة في المشاركة في المسابقة الوطنية للأفلام، لكنهم يشتكون ويحتجون
دائماً على الجوائز! لقد سألنا مخرجين عن خياراتهم ولم نستطع تلبيتها
أحياناً، إما لأن نسخة الفيلم المقترح كانت سيئة، أو لأن الفيلم كان لجهة
إنتاجية لم ترد منحه، أو لأن اختيار المخرج وقع على عمل سبق واختير موضوع
مشابه له لمخرج آخر، كموضوع الأطفال مثلاً».
دار السينما
دار السينما التي أصدرت المجموعة، هي تجمّع لكل العاملين في الفن السينمائي
بمختلف أقسامه التي يصل عددها إلى تسعة وعشرين قسماً. وتأسست الدار منذ ما
يربو على السبع عشرة سنة وكان عمر السينما الإيرانية حينها قد تجاوز المئة
عام. والدار تنظيم يعنى بأهل السينما وتحسين شروط العمل ورفع قيمته. ويصل
عدد أعضائها إلى أربعة آلاف وخمسمئة، يعمل أكثر من نصفهم بانتظام. وتعمل
الدار على تحسين أوضاع جميع هؤلاء وحل كل الخلافات التي قد تنشأ بين فرقاء
العمل.
ومن أبرز نشاطاتها تنظيم «عيد السينما» في أيلول (سبتمبر) وبالتحديد في
أوله الذي يسمى «اليوم الوطني للسينما» وهو يوم دخول السينما إيران. يهدف
الاحتفال لاختيار أفضل الأفلام الإيرانية التي ظهرت خلال العام من لجان
تحكيم مكونة من أكثر من مئة عضو.
وعلى رغم ما تقدمه السينما الإيرانية من منافع للبلد وكونها سفيرته الى
الخارج كما يصفها عسكر بور، فإن الإدارة ما زالت «غير قادرة على تقديم حلول
لكل مشاكل العمل السينمائي ومنها بالطبع مشاكل الإنتاج».
ويعدد عسكر بور وهو أيضاً مخرج سينمائي وتلفزيوني المشاكل التي تعاني منها
السينما الإيرانية: «لا نظام ثابتاً لدعم لفيلم. فمؤسسة الفارابي قد تدعم
إنتاج فيلم ما هذا العام وقد لا تستطيع هذا العام الذي يليه». لذلك يحضّر
القائمون على دار السينما مشروع قانون سيساهم في تحسين وضع السينما لعرضه
على المجلس التشريعي لإقراره.
ويعتبر عسكر بور أن هذا «سيكون أهم إنجاز للسنة المقبلة لدار السينما، فهو
سيوجد الظروف الطبيعية للعمل السينمائي من خلال تحديد أفضل لمسؤولية
العاملين في السينما، وجذب رؤوس الأموال وخلق نظام لتحسين شروط الإنتاج
والعرض والارتقاء بوضع السينما».
ويورد مدير الدار مشكلة أخرى تعاني منها السينما تتمثل في عدم التمكن من
عرض كل الأفلام، والسبب ليس رقابياً فقط كما قد يتبادر إلى الذهن بل لعدم
وجود دور ترضى بعرض أي فيلم «حين لا يستطيعون تحديد نوعية جمهور الفيلم
ينصرفون عنه». ويذكر أن عدد دور العرض يصل إلى 350 داراً منها حوالى 110 في
طهران وحدها. ومن بينها خمسون تتمتع بدور «المقرر» في عرض الفيلم من عدمه.
وفد الأوسكار
لدار السينما نشاطات أخرى، منها تنظيم المحاضرات والعروض وورشات العمل،
وضمن هذا الإطار وصل إلى طهران وفد من أعضاء أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية «الأوسكار». أثار قدومه انتقادات ليست بالقليلة هذه المرة.
ويشرح عسكر بور ظروف هذه الزيارة: «العام الفائت أبدى مدير مهرجان السينما
المستقلة فرانك بيرسون، الذي كان رئيس أكاديمية الأوسكار لأربع سنوات،
رغبته في القيام برحلات نحو بلدان لديها، أو هي في طور الحصول على سينما
جيدة. ونقل الاقتراح إلينا واتفقنا على التاريخ والفترة - بعد الأوسكار
وقبل عيد النوروز - وجاء ثمانية منهم المدير العام للأكاديمية للقيام
بلقاءات ومحاضرات في التمثيل والإخراج والإنتاج والوثائقي والتسويق. كانوا
يسردون على الحضور تجاربهم ويقدم كل منهم أحد أفلامه الذي شارك سواء في
أنتاجه أو إخراجه أو تمثيله... كما جرت اجتماعات رسمية مع مسؤولي دار
السينما». ولكن لم توقع اتفاقات، فلم يكن هذا الهدف من زيارتهم كما صرح
مدير دار السينما بل كان الأمر مجرد «تبادل خبرات ووجهات نظر» وتقرر أن
يقوم وفد إيراني العام المقبل بزيارة مماثلة إلى لوس أنجليس.
انتقادات
وأشار عسكر بور إلى أن السينما الأميركية موجودة في إيران من خلال مهرجان
فجر ودور العرض. ولكن في شكل عام، فإن عدد الأفلام الأجنبية، ومهما كانت
جنسيتها، لا يتجاوز أصابع اليد. وثمة دور متخصصة في عرضها في الساعات
الأخيرة من اليوم ولكن لا جمهور كبيراً لها. وذكر أن المنتجين الإيرانيين
لا يفضلون عرض الفيلم الأجنبي. أما في الولايات المتحدة، فإن عدد الأفلام
الإيرانية التي تعرض سنوياً لا يصل إلى خمسة. وأحياناً يشتري بعض الموزعين
حقوق فيلم إيراني كما حصل مع شريط مجيد مجيدي «لون الله».
حرب «هادئة» على إيران
نظمت هيئة دار السينما في طهران وبحضور وفد من أكاديمية الأوسكار مطلع
الشهر الجاري دورة للسينمائيين الإيرانيين حول التسويق، الإنتاج،
الوثائقي... كما عقدت جلسات عمل ونقاش مشتركة مع أعضاء مجلس الإدارة. هذا
التعاون السينمائي يعتبر الأول من نوعه بين سينمائيين إيرانيين ووفد من
هوليوود.
حضور هذا الوفد الفني «الهوليوودي» أثار انتقادات في إيران. مستشار الرئيس
الإيراني للشؤون السينمائية انتقد مسؤولي وزارة الثقافة «لدعوتهم هذا الوفد
الأميركي للقدوم إلى إيران». كما صرح أنه لم يكن مستعداً للالتقاء بهؤلاء
طالما «لم يقدموا اعتذاراتهم للشعب الإيراني عن كل ما وجهته السينما
الهوليوودية في السنوات الثلاثين الأخيرة (عمر الثورة الإيرانية) من «إهانات»
ضد الثقافة الإيرانية والإسلامية».
وقد تم على وجه الخصوص التنديد بحضور «أميركيين صانعي أفلام ضد إيران وضد
ما هو إسلامي». ونشرت جريدة «كيهان» المتشددة أنه يمكن تصنيف تلك الزيارة
تحت عنوان «حرب هادئة» على إيران.
الحياة اللندنية في
27/03/2009 |