يلعب الفيلم على تناقضات المجتمع
المصري
في قاعة الاستقبال في أحد أقسام الشرطة تلتئم الخيوط الدرامية لفيلم "واحد-
صفر"، فعلى أريكة خشبية جانبية تتراص الشخصيات الرئيسية في الفيلم منتظرة
فروغ المنتخب المصري من أداء واجبه الوطني في معركته النهائية في بطولة
الأمم الإفريقية ضد الكاميرون، لتتلهى المجموعة قليلا عن متاعبها وأوجاعها
التي أوصلتها للمثول بين يدي حضرة الضابط النوبتشي ممثل النظام الملهي عنهم
أو قل معهم بمتابعة المباراة.. من موضع الالتقاء هذا تسنح لنا الفرصة لعرض
الخيوط الدرامية المكونة لحبكة الفيلم..
الأول
أما الخط الأول فهو يمس مقدم برامج شهير شاب يلعب دوره الممثل خالد أبو
النجا ليقدم شخصية ذلك الذي بلا نفسه بهوس معاقرة الخمر وتعاطي المخدرات
للحد الذي أربك حياته الشخصية والمهنية معا، ففي الأولى هو عشيق لسيدة تلعب
دورها الممثلة إلهام شاهين، وهي سيدة أخفقت تجربتها الزوجية فطالبت بالطلاق
وهو الأمر المجرم أو المستهجن كنسيا على أرق تقدير، أصرت تلك السيدة على
الطلاق فكانت حسب معتقد مسيحي رائج (فرقت بين من جمعهما الرب) وهو ما لا
يجوز لإنسان.. فإن نعم طليقها بالحق في الزواج مرة ثانية بكونه لم يكن هو
المطالب بالطلاق ظلت هي تعاني رفض الكنيسة السماح لها بالأمر نفسه.. لم يبق
لها -وفقا لنصيحة محاميها- إلا رفع قضية على الكنيسة أو الدخول في الإسلام،
وهما حلان مرفوضان بشكل نهائي بالنسبة لها؛ في أولهما التحدي المطلق
للكنيسة وفي ثانيهما المخاتلة والاحتيال.
يتفجر التوتر بين طرفي العلاقة -أعني بينها وبين عشيقها- مع معرفة السيدة
بأنها حامل، وفرحها بهذا الحمل وإصرارها على الاحتفاظ به، بينما يرتبك
عشيقها -المخدر دوما- حين يعلم بالخبر ويعلن أنه غير مهيأ لأبوة أو حتى
لزواج في مثل تلك الظروف أو في مثل هذا التوقيت.
على الوجه الآخر يحظى هو في عمله بارتباك لا يقل عن ذلك الذي تحفل به حياته
الشخصية.. حيث يشار إليه عدة مرات من طرف مجموعة العمل في البرنامج الذي
يقدمه وعلى رأسهم المخرج بكونه قد صار خارج السيطرة.. توج هذا الارتباك
بموقف يعرضه الفيلم عيانا وليس سردا، حين يستضيف هو في برنامجه مطربة
كليبات "الممثلة زينة" أعدت فيديو كليب للمنتخب في حالة فوزه.. وكادت حلقة
البرنامج تمر بالسلام المعتاد، بين جمهور مؤجر للتفاعل مع النجمة المعدومة
الموهبة والثقافة، وبين تواطؤ الجميع لتوافق مصالح صناع البرنامج والنجمة
والجمهور على الذود من مستنقع الابتذال الفني الذي نعرفه جميعا أوثق
معرفة.. كادت الأمور تمر بسلام لولا اتصال ملحن لبناني، أعلن عن رأيه
الصريح في قيمة ما تقدمه النجمة الشابة من فن، في سخرية أكثر من لاذعة.
ولم يملك مذيعنا الشاب حيالها إلا الاستجابة والضحك على ضيفته.. لترد هي
بشراسة الجريح بكونه أحد المتربحين مما تقدمه من أعمال باستضافته لها
ولأمثالها، ومن ثم المحافظة على نسبة المشاهدة لبرنامجه.. تبعات السخرية
أنذرت بعواقب وخيمة ستمس المذيع لكون النجمة عشيقة أحد أصحاب الحيثية في
الحقل الإعلامي.. وبين الارتباك المهني والشخصي يندفع المذيع المخدر
بسيارته فيصدم أحد الصغار وينقله إلى المستشفى ومنه إلى القسم حيث تركناه
في بداية التحليل.
فعل فاضح
وفي القسم بجوار المذيع المستهتر جلس فتى وفتاة تم القبض عليهما بتهمة
القيام بفعل فاضح في الطريق العام.. أما الفتى فلا نكاد نعرف عنه إلا كونه
بائعا للسندوتشات في أحد مطاعم الفول والطعمية.. وهو منجذب للفتاة منذ فترة
وتجرأ في هذا اليوم بالذات فكتب لها على كيس الطعام الورقي عن رغبته في
مقابلتها، متصورا أن خلو الطرقات من المارة –نسبيا- بسبب المباراة سيجعل
فرص اللقاء معها أكثر حميمية حتى لو ضحى بمتابعة مثل تلك المباراة من أجل
الحب.
أما الفتاة والتي تلعب دورها الممثلة نيللي كريم فهي ممرضة منزلية تقوم
بمهمة إعطاء الحقن لقائمة من المرضى تحتفظ بعناوينهم ومواعيدهم في مفكرتها
الصغيرة.. وأما عن التعقيد الذي أصاب يومها بل حياتها فينبع من كونها أخت
نجمة الكليبات –سالفة الذكر- فلم تحصل على تقدير الناس لها كمكافحة تجري
على لقمة عيشها حسب التعبير العامي، وذلك لكونها موصومة في الفضاء
الاجتماعي الذي تحيا فيه بوصمة أختها.. ثم هي لم تحظ كذلك بما حظت به تلك
الأخت من ثروة ورغد كما تتصور هي.. أي أنها حملت الضررين؛ متاعب الفقر
ومكافحته دونما تقدير للسمعة برغم عدم ارتمائها على وسادة الحلول السهلة
مثل أختها.
يضاف لذلك احتقار عاملة في أحد محلات الأزياء المعروفة لها في نفس اليوم
أيضا كان من ضمن ما جعلها تستشعر الحاجة الماسة للتقدير وهو ما منحها بعضا
منه المعجب المتيم.. غير أنه لم يكن هناك لا فعل فاضح ولا غيره.. غاية ما
هنالك أنها صدت محاولات الغزل من أمين شرطة بما جعله يتوعدها بالانتقام،
وهو ما شرع فيه بالفعل إذ رآها جالسة مع الشاب في موعدهما المشئوم.. فلم
يكن من الفتاة إلا أن اتصلت بإحدى السيدات التي تمرضها بحقنة يومية وهي
ذاتها عشيقة المذيع والتي حضرت للقسم لنجدة الفتاة من النجدة ففوجئت
بعشيقها الشاب شبه محتجز هو الآخر حتى نهاية المباراة.
حادث
الخيط الدرامي الثالث الذي يلتئم مع سابقيه في القسم هو خيط الفتى المصدوم
بسيارة المذيع، وهو فتى يكاد يكون من أطفال الشوارع، حيث تقطعت به العلاقات
الأسرية إلا من علاقة إشكالية مع جده المشاكس مثله وقام بدوره لطفي لبيب،
وهو سائس ومتعاط للحشيش ومروج على نحو ما.. تكدر يومه حين فوجئ بسرقة نالت
ماله ومزاجه معا، فظل متنمرا لحفيده اللص الصغير، غير أنه لم يقطع الأمل في
تعويض المال والحشيش بفعل ما سيغدق عليه من إكراميات ستنهال من السادة
أصحاب السيارات إذا ما فاز المنتخب وأراد الجميع الاحتفال.. غير أن خبر
اصطدام سيارة بحفيده ونقله إلى المستشفى كاد أن يذهب بما تبقى من عقله..
لولا أن الحفيد طمأنه بكونه غير مصاب فهو المحتال الصغير الذي ألقى بنفسه
على سيارة المشهور لينال تعويض اتفق هو وجده على نسبة كل منهما منه.. وظل
الجد هو الآخر في القسم بانتظار النصر المزدوج.
الخيط الدرامي الرابع في الفيلم لم يجد له موضع قدم مباشرة في القسم وإن
تشابك بحكم العلاقات الدرامية مع الخيوط السابقة.. وهو يمس علاقة مصفف شعر
شاب قام بدوره أحمد الفيشاوي بأمه وقامت بدورها الممثلة انتصار.. ركز الخط
على علاقة الفتى بأمه من جانب وبحبيبته من جانب آخر تلك الحبيبة هي فتاة
الكليبات.. الشاب يطمح أن يستقل عن الكوافير الذي يعمل فيه ليحقق رفاهية
تسمح له باستعادة حبيبته وابنة "حارته" التي نفرت من الفقر لأحضان الكليبات
وصانعها.. وهو إذ يتلهف على بناء مشروعه يسلب كل ما ومن حوله.. فيكتشف صاحب
الكوافير خيانته فيطرده.. ويحاول هو نهب ما لدى أمه من مال بعد أن طرد
فيفاجأ بكونها قد تعثرت بيوم سيئ في عملها كان تبعاته استرداد الزبون منها
كل ما لديها من مال.. فيتشاجر هو مع أمه.. ويخرج ليسهر في موضع يرى فيه سيد
الكليبات ينتهك حبيبته بكل المعاني.. فيتشاجر معه ليلقي به كشاب متحامق..
وتعود النجمة بالكأس للسيد بعد أن عرفت أنها لا تملك الإرادة لمخالفته..
فيض من المشاعر الإنسانية المتضاربة والتناقضات الحياتية الصارخة تقدمها
دراما الفيلم ليجد المتلقي نفسه مشدودا لها في كثير من مواضع الفيلم حين
تقدم عبر نماذج بشرية جديدة نسبيا على السينما، لكنها غير جديدة على هذا
الواقع..
بقول آخر، الفيلم ينتمي بشكل ما لحزمة الأفلام التي تحاول القبض على
العشوائي في حياتنا وهو كثير.. مع عدم أخذ موقف متعال عليه.. وهي إذ تتخير
واقعة مباراة المنتخب تقبض على جمر التناقضات.. قل ما شئت عن إلهاء الدولة
للشعب بكرة القدم.. قل ما شئت عن وهم الانتصار الذي يخدر العين عن إبصار
الهزائم الحقيقية.. قل ما شئت عن الرغبة في استلهام حشد الناس حول قيمة من
موطن احتشادهم حول نصر كروي.. لا الناس ستنصرف عن الكرة ولا ستحتشد لغيرها
بنفس الروح.. فإن كانت دراما الفيلم سعت للقبض على تلك المتناقضات.. فإن
اللعبة كانت أكثر إحكاما فيما يخص بناء الشخصيات.. لكنها على مستوى الحبكة
كانت أضعف.. فلا قسم البوليس كحقيقة أو كمجاز كان ملتقى الخيوط وبدا أن
الحيل الدرامية نفدت قبل أن تنجح في حشد الكل فيه.. خاصة أن مصادفة جمع
المذيع بعشيقته لم تكن بالإحكام الذي يجنب كاتبة الفيلم مريم نعوم من مزيد
من التجريب.. لكنها كتجربة أولى.. بحق تجربة كتابة تستحق المراهنة عليها.
مزيج
أما فيما يخص تجربة الإخراج فإن كاملة أبو ذكري قدمت شيئا به مزيج من
الخشونة والأصالة معا.. أما الأصالة فأعني بها مذاقا خاصا بصانعه لا
يشاركها فيه غيرها.. أما الخشونة فمبعثها أن الفيلم لا يميل للصقل الفني
على العكس بدا لي أنه يريد حالة أكثر حياتيه من المعتاد في الأفلام..
وبعيدا عن الدخول في دوامة كون الفن ينقل الحياة أو هو مطالب بذلك أو لا..
نعرض لهذا الملمح؛ الرغبة الأصيلة المتعمدة في عدم الصقل، من ذلك في
التمثيل مثلا يبدو منطق الارتجال مباحا لا تخطئه عين مدربة.. بدا ذلك في
مشهد الصراع الشرس بين مصفف الشعر أحمد الفيشاوي وأمه التي قامت بدورها
الممثلة انتصار.. كذلك في الحوار غير السينمائي بين فتاة التمريض والمعجب..
حيث كان حوار بلغة الشخصيات بلا أي بهرجة من التي تسير في ركابها كثير من
المشاهد الرومانسية.. كان حوار شارع بكل تلعثمه وارتباكه وابتعاده عن
الأدبية.. ومن مجافاة التلميع الفني أيضا مشاهد الجموع التي تم المزج فيها
بين لقطات توثيقية للاحتفالات الحقيقية للجماهير بالمباراة وبين لقطات
التمثيل، ليكون المزج أشبه بما يوجد في الأفلام الوثائقية الدرامية.. يعني
كنا بالقرب من فيلم وثائقي يعرض للحياة في تلك المواضع.. قل مثل ذلك في
الماكياج فجد الصبي وقد خلا فمه من الأسنان تقريبا أعطى مصداقية ضاعف منها
الأداء المتمكن للممثل.
أخيرا، بقي أن تجربة التمثيل التي تبارت فيها نيللي كريم مع انتصار وكذا
إلهام شاهين ولطفي لبيب يضاف منها لأرصدتهم الفنية مكسبا، ويبقى للمخرجة
الفضل في توجيه تلك الطاقات معا.. وبعيدا عن الهوس الديني الذي غلف وسيغلف
التعاطي مع الفيلم بلا داع، الفيلم في ذاته يحمل رؤية ويستحق الرؤية.
كاتب وناقد فني.
إسلام أنلاين في
21/03/2009 |