اتفق أعضاء غرفة صناعة السينما( منتجون ـ موزعون ـ أصحاب دور عرض), مع
المجلس الأعلي للثقافة برئاسة الناقد علي أبو شادي( المسئول السينمائي
الأول في مصر), علي زيادة نسخ الفيلم الأجنبي أو الأمريكي بالتحديد(
لأن السوق المصري لا يتلقي الا الأفلام الأمريكية), من خمسة نسخ الي
ثمانية نسخ, لأن صالات العرض أصبحت تعاني من عدم وجود أفلام بعد تراجع
انتاج الفيلم المصري!!.
وقد نشر خبر هذا القرار في كل الصحف دون تعليق, بل بطريقة توحي بالترحيب
بهذا القرار علي أساس أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد طالت صناعة السينما
في مصر, وهذا القرار سوف يحمي أصحاب دور العرض في الافلاس, واغلاق
الصالات التي لاتجد أفلاما للعرض بها, وأنا شخصيا لست ضد هذا القرار,
لأنه ببساطة ليس جديدا, ففي واقع الأمر تعرض الأفلام الأمريكية الضخمة
الانتاج والتي تضم اسماء نجوم هوليوود بـ8 نسخ فعلا منذ أكثر من خمس
سنوات, عن طريق تقديم طلب لوزير الثقافة لاستثناء هذه الأفلام, أي أن
الاستثناء أصبح قرارا.. فما هي المشكلة؟!
المشكلة تكمن في توقيت القرار من ناحية, وهذه الرغبة المحمومة من أعضاء
غرفة صناعة السينما لضرب الانتاج السينمائي في مصر من خلال البيانات
المغلوطة التي نشرت مع خبر القرار, والاجتماعات الصاخبة التي تعقد منذ
شهرين بالغرفة لمطالبة كل العاملين في السينما بتخفيض أجورهم والا...!
دعونا نتحدث بصراحة...
هل طالت الأزمة الاقتصادية العالمية صناعة السينما في مصر؟.. وكيف حدث
هذا رغم ان استثمارات الانتاج السينمائي في مصر ليس لها أي علاقة بالبورصة
أو البنوك أو الأسواق العالمية؟.
تقوم صناعة السينما في الدنيا كلها علي ثلاثة أشياء أساسية تتمثل في:
الاستوديوهات والمعامل ـ دور العرض ـ انتاج الأفلام.. ولم نسمع أي أحد
حتي الان يحذر من توقف الاستديوهات والمعامل عن العمل.. فهل قررت الأزمة
العالمية اعفاءها من الضرر الاقتصادي؟
الحقيقة لا, ولكن ما حدث أن الأعمال التليفزيونية( الدرامية) تشغل
هذه الاستديوهات نتيجة التزايد الكبير في انتاج المسلسلات, وبالتالي ليست
هناك مشكلة في هذا المجال.
نأتي إلي العنصر الثاني دور العرض, والتي جاء القرار الذي أشرنا اليه
لانقاذها من الكساد, فهل فعلا قل عدد الأفلام المصرية, وأصبحت صالات
العرض لاتجد أفلاما؟.. وقع الأمر يجيب بالنفي, فحتي كتابة هذه الكلمات
يكون عام2009 قد شهد عرض12 فيلما مصريا, وهو نفس الرقم الذي عرض
العام الماضي( الذي لم يكن به كسادا؟), وسوف أوفر جهد الغرفة في
التحقيق من صحة المعلومة بذكر أسماء الأفلام( أعز اصحاب ـ بدون رقابة ـ
خلطة فوزية ـ مقلب حرامية ـ ميكانو ـ أزمة شرف ـ أيام صعبة ــ1/ صفر ـ
د.سيليكون ـ علقة موت ـ صياد اليمام, وحفل زفاف)... وبحصر الافلام
التي انتهي تصويرها أو التي مازالت تحت التصوير, أو التي سوف يبدأ
تصويرها, استطيع ان اجزم ـ والأيام بيني وبين أعضاء غرفة صناعة السينما ـ
أن الأفلام المصرية التي سوف تعرض هذا العام لن تقل عن العام الماضي(47
فيلما)... اذن فان ما قيل من دوافع اصدار القرار بزيادة نسخ الأفلام
الأمريكية ليس صحيحا؟.
فما هو الصحيح إذن( وارجو أن تصحح لي الغرفة أي معلومة غير صحيحة سوف
أذكرها الان.. واتحدي)؟!
أولا ان الاستثمار في صالات العرض في مصر ليس مصريا خالصا حيث فيه أموال
اجنبية وعربية تقترب من50% منه, وبالتأكيد حدث ضغط علي اعضاء الغرفة
ورئيس المجلس الأعلي للثقافة لاصدار القرار( الذي بالتأكيد ايضا سوف يؤثر
علي استثمارات صناعة السينما في مصر)... ودعونا نفسر سبب ذلك بالارقام,
فقد شهد العام الماضي طفرة في عرض وإيرادات الفيلم الأمريكي حيث ارتفع عدد
الأفلام المعروضة من101 فيلم الي136 فيلما, وارتفعت الايرادات من35
مليون جنيه الي70 مليون جنيه.. أي أن إيرادات الفيلم الأمريكي أصبحت
تمثل في سوق التوزيع الداخلي أكثر من20% مما يدفعه المشاهد المصري, بعد
ان كانت في العام الأسبق أقل من10%.
ولعل أخطر ما في قرار زيادة نسخ الأفلام الأمريكية أمران: الأول ان
القرار يسمح بالاستثناء لزيادة عدد النسخ الي عشرة نسخ!.. والثاني ان
الشركتين الكبيرتين اللتين تحتكران سوق التوزيع والعرض في مصر اتجهتا مؤخرا
لحرق الأفلام المصرية وتجاهل الدعاية لها( بحجة التوفير رغم ان ميزانية
الدعاية جزء أساسي من العملية الانتاجية.. واسألوا الأمريكان).. أما عن
مدي تأثير هذا القرار علي إيرادات الفيلم المصري, فدعونا لانسبق
الأحداث, وسوف نتابع الإيرادات والأرقام من اسبوع لاسبوع في صفحة
السينما.
نأتي الي العنصر الثالث( الانتاج السينمائي), وهي مسألة طويلة ومعقدة
ولا يتسع المجال لتناولها الان.. ولكن ما نستطيع ان نؤكده ان حركة
الانتاج ربما تتأثر بالفعل في الأفلام التي ستعرض عام2010 وليس هذا
العام.. وما يحيرني فعلا ولا أجد له اجابة: لماذا لم تتحرك الغرفة لوضع
تصور وحلول لوقف انخفاض الانتاج؟.. فما تفعله الان من اجتماعات لخفض
الاجور للفنانين والفنيين لايزيد عن كونه جلسات دردشة ولا يمثل خطة أو يضع
حلولا.. فالأزمة الحقيقية التي لا يعرف حجمها أحد حتي الان ولايريد ان
يعترف بها أعضاء الغرفة الموقرين ان معظمهم ليسوا منتجين بالمعني الدقيق
للكلمة ـ انهم اقرب للمنتج المنفذ حيث يحصلون أولا علي تمويل من المحطات
الفضائية الخليجية لانتاج الأفلام, وضمان ربحهم الأكيد من بيعها وتاجيرها
قبل انتاج أي فيلم, وما يخشوه ان تقوم هذه المحطات التي يملكها
المستثمرين العرب الكبار, والذين تأثروا فعلا بالأزمة الاقتصادية,
بتقليل عدد الأفلام التي يقومون بشرائها أو تخفيض ميزانيات الشراء.. ومن
هذه النقطة الأخيرة تسللت الأزمة الاقتصادية للسينما المصرية, صحيح
الدنيا صغيرة!.
إن السينما المصرية تمر بمرحلة دقيقة, فقد حققت أخيرا قفزات انعشتها,
وما هو متوقع من أزمة قادمة لها يتطلب التعامل معه بكثير من المسئولية
والنضح والوعي, وعلي غرفة صناعة السينما أن تنتبه انها قائمة أصلا لأن من
فيها صناع سينما, وليسوا تجارا لحساب محطات فضائية خليجية.
الأهرام اليومي في
18/03/2009 |