لقد حلم المخرج الأسطورة ستانلي كوبريك بإخراج فيلم عن المحرقة اليهودية «الهولوكوست»
لكن المخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ قد سبقه في ذلك وهاهو معرض جديد لهذا
الفيلم يرينا ما افتقدناه لدى المخرج ستانلي كوبريك. ربما لم يسمع أحد
بممثلة تدعى جوانا تير ستيج على الرغم من أن المخرج الأسطورة ستانلي كوبريك
قد دعاها كأفضل ممثلة يعرفها. ولدت تير ستيج عام 1961 وكانت لديها موهبة
ناجحة إلى حد معقول في ذلك الوقت وقد ظهرت في أفلام للمخرج جورج سالزر مثل
«الاختفاء عام 1988» والمخرج ستيفان زابو في فيلم «ايما الجميلة» و»الغالي»
عام 1992 وفيلم للمخرج بروس بريس فورد «طريق الجنة» عام 1997 لكنها بقيت
برغم ذلك اسما بالكاد يكون معروفا حتى في موطنها الأصلي هولندا.
تتذكر الممثلة ذلك وهي تضحك قائلة لقد كانت الظروف مختلفة جدا في بداية
التسعينيات حين استدعيت إلى مدينة سانت البانس لمقابلة كوبريك لقد أرادها
المخرج الشهير أن تقوم بدور البطولة في فيلم يتحدث عن «المحرقة» من تقارير
الصحف الآرية في رواية لويس بيغلس «أكاذيب زمن الحرب» ولو كان الفيلم قد تم
إخراجه لأصبحت هذه الممثلة من النجوم الكبار في عالم السينما.
وكان كوبريك مقتنعا بأنه قد وجد ممثلة ذات أداء سيطلقها إلى طليعة نجوم
السينما ويعطي لهذا الفيلم الحزين والجاد التألق المطلوب.
يقول المنتج جان هارلان والذي هو نسيب كوبريك عن تير ستيج أنه لمن المدمر
بالنسبة لهذه الممثلة أن ذلك الفيلم لم يصنع، انه يشبه ذلك الموسيقي الشاب
الذي تتاح له الفرصة لأول مرة أن يقدم قطعة موسيقية في أكبر الصالات
وأشهرها ثم يخبرونه بعد ذلك أن عرضه قد تم إلغاؤه ,انه لأمر فظيع بعد أن
كان ذلك الموسيقي قد تدرب وهيأ نفسه منذ عدة أشهر لهذا العرض.
وهذا ما حصل، فقد تم تأجيل وإلغاء ذلك الفيلم فيما بعد لكن ستتاح
للمشاهدين أخيرا الفرصة لرؤية شبح ذلك السيناريو الشهر المقبل في احتفالية
عرض تحتفي بالمخرج الراحل ستانلي كوبريك في مدينة ساوث بانك في لندن حيث
قامت الأختان جين ولويز ويلسون المرشحتان لجائزة تيرنر للفن بتكوين تركيب
جديد لمقاطع ذلك الفيلم الملغي من خلال البحث في أرشيف كوبريك حيث حصلتا
على لقطات ومعلومات حول الفيلم المذكور.
يقول جان هارلان: إن كوبريك قد حاول وضع قصة المحرقة في نص مسرحي خلال
فترة امتدت لعشرين عاماً، لقد كان الأمر تحديا كبيرا بالنسبة له، فكيف يمكن
أن تكثف قصة أحد أكثر الحوادث الشنيعة في القرن العشرين في ساعتين من
العرض المسرحي؟
لم يكن لدى كوبريك شوق لصنع فيلم وثائقي من جهة، ومن جهة أخرى انه لم يعثر
على النص أو السيناريو الذي يقنعه، وقد أرسل كوبريك هارلان للروائي ايزاك
باشفز سنجر طلبا بكتابة نص سينمائي عن المحرقة في عام 1980 رد ذلك الروائي
بأنه « لا يعرف اول شيء عنها « وكان استنتاج ذلك الروائي أن الحديث من
خارج الحدث لا يفي المحرقة حقها من العدالة.
لقد كان هذا الموضوع يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لصانعي الأفلام وحتى بالنسبة
لموهبة متألقة مثل ستانلي كوبريك لذلك استمر كوبريك في معالجة هذا الموضوع
من خلال إجراء عملية بحث ضخمة في مختلف المصادر التي تناولت قضية المحرقة
حتى صدور رواية بيغلي عام 1991 والتي وجدت فيها كتابا موثوقا وعميقا حول
هذا الموضوع.
عادت الممثلة تير ستيج إلى هولندا بعد مقابلتها كوبريك حيث تم اختبارها
للدور وكانت تنتظر موعد بدء تصوير الفيلم وقد تم إخبارها أن الفيلم سيبدأ
إنتاجه خلال ثلاثة أو أربعة أشهر لكن لم يحدث شيء من هذا حيث اتصل بها
هارلان قائلا أن تصوير الفيلم قد تأجل لكن عليها أن لا تقلق بسبب ذلك،
وبقيت هذه الممثلة تنتظر سبعة أشهر من دون عمل إلى أن تم الاتصال بها مجددا
ليخبروها أن كوبريك قد قرر عدم القيام بتصوير هذا الفيلم بسبب أخبار تسربت
داخل الوسط أن ستيفن سبيلبيرغ بدأ تصوير فيلمه عن الموضوع نفسه وهم يخشون
أن الجمهور لا يحتمل فيلمين عن المحرقة في وقت واحد.
وكان رد فعل الممثلة على تلك الأخبار السيئة أنها بقيت ليومين في الفراش
مغطية رأسها بالوسائد ولم تتحدث عن هذا الموضوع لعدة سنوات ولم تفتح
النقاش حوله إلى أن قامت الأختان ولسون بعرضهما هذه المقاطع المجتزأة حول
ذلك الفيلم الذي لم ينجز حيث تحدثت عن الملابسات التي رافقت ذلك الفيلم.
لقد بقيت تلك الممثلة على اتصال مع هارلان وعائلة ستانلي كوبريك حتى بعد
وفاته وقد دعيت مرة هي وزوجها وابنتها لحفلة عيد الفصح في بيت ستانلي
كوبريك بعد وفاته حيث تقول: أتذكر أن ابنتي كانت تبحث عن بيضة الشوكولا في
عيد الفصح قرب قبر ستانلي لأنه كان مدفونا في حديقة بيته.
تضيف الممثلة عن تجربتها مع ستانلي كوبريك قائلة: ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا
لم أكن آسفة لما حدث ومازلت اشعر بأن كلمات واختيار كوبريك لي هما تقدير
كبير، لقد كانت تجربة رائعة لكن نهايتها مؤلمة وكنت أحس بأن مستقبلاً
كبيراً أمامي لكنه كان مثل منطاد ضخم يتمثل إمامك ثم فجأة يحدث فيه ثقب
فيتلاشى وكان يجب علي أن استمر بعد ذلك وهي ليست المرة الأولى في حياتي
التي أدرك فيها أن السعادة الشخصية ليست لها علاقة بالنجاح.
المدى العراقية في
17/03/2009 |