واحد هندى = واحد أهبل، مخدوع = فيل مربوط ع الباب، فيلم هندى = فيلم خايب،
بتحب الهندى = مش مثقف، مصدق الكلام ده = أنت عبيط.!!
تعتبر السينما الهندية من العوالم الخاصة على الشاشة ورغم محليتها
وامتلائها بالتراجيديات التى تمثل المحور الرئيسى لأعمالها إلا أن أجواء
الميلودراما جعلت لها شعبية فى أنحاء العالم بل إنها اخترقت أوروبا وأمريكا
وأصبح لديها أسماء لامعة ينتظر الكثيرون أعمالها بدءا من اميتاب باتشان
وليس انتهاء بشارو خان، ولكن رغم النجاح التجارى العالمى إلا أن الهند لم
تقترب من النجاح النقدى ولم تحصل على اعتراف بكونها سينما ذات مستوى فنى
عدا بعض المحاولات القديمة على يد (ساتيا جيت راي) ثم اتجه الاهتمام
للسينما التجارية حتى أصبح لفظ فيلم هندى لا يقابله سوى تفسير واحد وهو انه
فيلم ميلودرامى ضعيف المستوى وعلى الجانب الآخر كانت صورة الهند فى السينما
العالمية لا تتعدى المسافة بين عنصرية (ستيفن سبيلبيرج) فى فيلم "أنديانا
جونز ومعبد الموت" وعنصرية (ديفيد لين) فى فيلم "الطريق إلى الهند" ورغم
ترشيح الهند لجائزة أفضل فيلم أجنبى مرتين إلا أنها لم تحصل عليها وظلت
السينما الهندية تكتفى بالفخر بجوائز فيلمى "غاندي" 1983 وفيلم "الحاسة
السادسة" الذى كتبه وأخرجه الأمريكى الهندى شيالامان حتى جاء موعدهم مع
الأوسكار وفيلم (كلب العشوائيات المليونير).
الفيلم يدور حول مراهق هندى (جمال) من طبقة فقيرة يعمل كصبى يقدم الشاى فى
أحد مراكز الاتصال يستغل المشاركة ببرنامج "من سيربح المليون" بنسخته
الهندية من اجل الوصول إلى الفتاة التى يحبها وينجح فى المشاركة فى
البرنامج ولرغبته فى الاستمرار على الشاشة لأطول وقت ممكن يتسبب فى تحقيق
نتائج غير متوقعة تحدث ارتباكا لدى صناع البرنامج مما يدفعهم لاستدعاء
الشرطة والتحقيق معه واتهامه بالغش وأثناء التحقيق يتعرض لشتى ألوان
التعذيب حتى يعترف بأنه كان يغش وفى النهاية بعد فشل الشرطة فى الحصول على
اعتراف يقومون باستجوابه حول مصدر الإجابات، ليسترجع (جمال) خلال إجاباته
قصة حياته ومعاناته هو وأخيه (سالم) وسط مدينة تمثل بقوة النموذج المثالى
لعواصم دول العالم الثالث.
حصد الفيلم جوائز الأوسكار التقنية بالكامل تقريبا، جائزة أفضل فيلم، أفضل
مخرج (دانى بويل) أفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبي(سايمون بيوفوي) أفضل
تصوير، أفضل ميكساج، أفضل موسيقى تصويرية (إيه.آر.رحمن) أفضل أغنية (جاى
هو) (إيه.آر.رحمن وغولزار) وأفضل مونتاج.
وتلك الجوائز وسط إنتاج هوليود الضخم تجعلنا نتوقف ونتأمل ونشاهد ونقيم ولا
نأخذ منهج الهجوم العنصرى من باب أننا (نفهم أحسن من الهنود) ولا من باب
نظرية المؤامرة، فمن المؤكد أن هناك ما يميزه فما هو لعلنا نستفيد؟!.
فى البداية نحن أمام سيناريو مأخوذ عن نص أدبى وهو الرواية الرائعة "كيو
آند إيه" (سؤال و جواب) التى كتبها الدبلوماسى الهندى (فيكاس سواروب)
وأعدها للسينما السيناريست البريطانى سايمون بيوفوى، ونال عنها إلى جوار
الأوسكار جائزة رابطة الكتاب الأمريكيين لأفضل سيناريو مأخوذ عن رواية
وصاحب جزءى (ابيسودا) وقد تحمس المنتج البريطانى المالك لحقوق برنامج من
"سيربح المليون" فى أنحاء العالم للرواية ووافق على إنتاجها بميزانية
منخفضة جدا (15 مليون دولار) وتعاون السيناريو مع النص الأدبى فى ملء
الفيلم بجحافل من المشردين وأكوام القاذورات والعصابات التى تستغل الأطفال
وتجارة الجنس والمخدرات، والنشل والجريمة العشوائية والتعذيب وانتهاك آدمية
الإنسان فى أقسام الشرطة والفساد والغش والعلاقات المشبوهة وموجات العنف
والطائفية، إنها (مومباي) تلك المدينة المكتظة ـ بحوالى 19 مليون نسمة ـ
والمليئة بالمتناقضات بدءا بالقصور والعشش، انتهاء باكلى الفضلات وسكن نجوم
السينما. والفيلم يمزج بين الثقافة الهندية الشعبية بروحها المتفائلة
والموجودة فى أفلامها والواقع الصعب التى تعيشه تلك المجتمعات وصراعها
للبقاء وهو ما يمكن التقاطه بشكل تسجيلى.
لجأ السيناريست إلى مزج عناصر العمل ببراعة فنحن أمام ثلاثة مستويات للحدث،
الأول يمثله البرنامج والثانى يمثله التحقيق والثالث وهو الحدوتة أو قصة
حياة جمال، وقد تعامل السيناريست مع كل من الأطراف الثلاثة بإيقاع خاص ففى
المستوى الأول وهو البرنامج نجد أنفسنا أمام برنامج تليفزيونى بكل المقاييس
وبإيقاع وحوار معد تليفزيونيا يضعنا داخل الإثارة الخاصة بتلك النوعية من
البرامج ثم يتطور فى المستوى الثانى ليقدم نصا مسرحيا بديكور واحد، فنحن
داخل غرفة تحقيق ومعنا محقق وجاويش والمتهم فى مسرحية (تريو دراما) تنتهى
بخروج البطل وتحريره أما المستوى الثالث فينطلق السيناريست ليصول ويجول فى
أنحاء مومباى مقدما ملحمة بصرية تنطلق من مومباى لتضم مئات المدن الكبرى فى
أنحاء العالم الثالث ومعلنا عن نفسه ككاتب سينمائى يسيطر ويمتلك خطوطه بقوة
وقد استفز الفيلم احتجاجات سكان الأحياء الفقيرة بسبب عنوانه إذ أن الترجمة
الحرفية لعنوان الفيلم "Slum
dog Millionaire"هو (كلب العشوائيات المليونير) حتى أن المتظاهرين حملوا بطاقات
مكتوبا عليها "نحن لسنا كلاب" كما تم رفع عريضة دعوى ضد صناع الفيلم وهى
أمور متوقعه مع الوصف الصادق الذى قدمه الفيلم للفقر والحياة فى أحياء
الهند الفقيرة.
المخرج الإنجليزى دانى بويل هو أحد أهم البريطانيين الذين أعادوا إحياء
أفلام الجريمة الكوميدية عندما قدم فيلمه الشهير "Trainspotting"
عام 1996 انتقل بعد ذلك للعمل فى هوليوود وقدم عدداً من الأفلام مثل فيلم "TheBeach"
"A Life Less Ordinary"
التى لم ينجح بها كنجاحه فى السينما البريطانية ثم عاد إلى الأضواء مجدداً
عام 2002 من بريطانيا بفيلم الرعب "28
Days Later"
الذى حقق نجاحاً جيداً فى شباك التذاكر كما لقى ردود فعل نقدية جيدة. و قد
اشتهر باهتمامه بالأقليات حين قدم فيلمين تسجيليين حول الأقليات فى العالم،
أما فيلم (كلب العشوائيات المليونير) فهو العمل الذى سينقل بويل إلى مستوى
مخرجى الصف الأول فى هوليوود وبريطانيا على حد سواء وقد بنى بويل فى الفيلم
جسراً سينمائياً بين السينما الهندية بطابعها الشرقى من جهة والسينما
الإنجليزية بطابعها الغربى من جهة أخرى عبر استعارته لبعض من أهم العلامات
الفارقة فى السينما الهندية وتأكيده لإيقاع السينما البريطانية و يتضح نجاح
بويل بادى ذيبدءا من حفاظه على المستويات الثلاثة للنص و الحفاظ على إيقاع
كل مستوى منها وإن كان هذا إنجاز ومهارة إلا أن الإبداع الحقيقى يكمن فى
اختياره لأبطال العمل وتوجيههم هذا إلى جوار ما أطلقه للكاميرا من حرية
للانطلاق رغم انحسار العمل داخل حدود مدينة واحدة هى بومباى ولكن بويل
استطاع استغلال كل ما بها من تناقضات على المستوى البصرى.
تم تصوير أغلب أجزاء فيلم مليونير العشوائيات بكاميرا رقمية محمولة صغيرة
فى مواقع من منطقة (دارافي) التى يقوم عليها واحد من أضخم الأحياء الفقيرة
القذرة فى (مومباي) ولم يغض المصور الطرف عن أكوام القمامة والبالوعات
القذرة والمجارى، بل إن الفيلم يحوى مشهدا لفضلات بشرية ليقدم الفيلم
مجموعة من التفاصيل البصرية ستظل خالدة فى الذاكرة البصرية لفترات طويلة.
من المهم إدراك أن المؤلف الموسيقى المتميز الهندى (أى أر رحمان) الذى
استطاع بجدارة أن يفوز بجائزتى أوسكار لأفضل موسيقى أصلية وأفضل أغنية
استغرق منه العمل أسبوعين فقط لتأليف الموسيقى ووضع ألحان أغانى الفيلم
ورحمان سبق أن قام قبل ذلك بتأليف موسيقى فيلم (إليزبيث) كما قام بتأليف
موسيقى الفيلم الهندى المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى عام 2001 (حدث ذات
مرة بالهند).
أما أبطال الفيلم فلا يمكن أن تخرج منهم بإبداع خاص سوى الصدق فى الأداء
خاصة دور (جمال) الذى جسد شخصيته الممثل البريطانى الهندى المراهق (ديف
باتيل) الذى يتسم بنظرة تجمع بين القوة والقدرة على التعبير، والذى بدا
حقيقياً صادقا إلى حد كبير، ان الهنود مثل اغلب سكان العالم الثالث يؤمنون
أنهم يعيشون على أرض خالية من الأبطال غير العاديين ويفتقدون الى الحلم لان
ارض الأحلام هناك على الجانب الآخر حيث يمكن لكلب العشوائيات أن يحصد
الأوسكار.
العربي المصرية في
17/03/2009 |