الاعمال الايرانية المشاركة في مهرجان فيلم
الواقع في مركز جورج بومبيدو بباريس قدمت صورة نابضة من قلب المجتمع
الايراني،
بينما ينكب الاهتمام بايران هذه الايام في فرنسا من خلال كتب وافلام
وثائقية على
الذكرى الثلاثين للثورة مع التركيز على صورة هذا البلد سياسيا
وتلك التي يعكسها في
الخارج.
وتعكس هذه الصورة قلق وتعب هذا الشعب وكذلك تصميمه وايمانه ولجوءه الى
السخرية السوداء لتجاوز صعوباته اليومية كما تصور التفاعلات والتناقضات
القائمة
داخل ذلك المجتمع، كما في فيلم 'شعب في الظل' للايرانية بني
خوشنادي (90
دقيقة).
وشارك هذا الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان افلام الواقع في دورته
الحادية والثلاثين وقدم نبذة عن حياة ناس طهران اليوم في ظل
نظام ينحو اكثر الى
التشدد وحيث يسيطر شبح التهديدات الاميركية والغربية.
ويظهر الشريط الذي تعيش
مخرجته في الولايات المتحدة اقرب الى عملية المسح الضوئي للمكان وهو طهران
في
حياتها اليومية ونبض شارعها وامكنتها ومحالها التجارية وصولا الى اماكن
اكثر
حميمية.
تعمل بني خوشنودي التي هجر اهلها ايران بعد الثورة وهي في الثانية من
العمر بكاميرا حساسة ومتأنية محاولة حل لغزها الشخصي وماضيها. فتلتقط هذا
البورتريه
الجماعي الحامل للذاكرة الايرانية الحديثة.
وتقول 'احتجت الى تسع سنوات لاتمكن
من صنع هذا الفيلم. كان علي ان اشفى اولا من الحنين وان ابرأ من الالم الذي
ولده
المنفى في داخلي. والفيلم يحتوي على جزء كبير من قصتي الشخصية حتى وان كان
ذلك غير
ظاهر'.
وتضيف 'اخترت ان اصور في الحي الذي كبرت فيه جدتي الذي كان في وسط طهران
وبات اليوم في الجنوب نظرا لتوسع العاصمة. استغرق التصوير شهرا
ونصف الشهر لعدة
ساعات في اليوم لكن عملية المونتاج استغرقت عاما كاملا'.
والفيلم بورتريه لناس
طهران البالغ عددهم 14 مليونا الذين يشكل الشباب دون الثلاثين '70 منهم.
ويظهرهم
قلقين من المستقبل لكنهم منغمسين في العيش على حافة الممنوع.
البعض لا يتوانى عن
التعبير عن سخطه ورفضه للتناقضات التي يقع ضحيتها. ويقول احد الشباب فيه
'انظروا
الينا ونحن اقرب الى المشردين فيما حكومتنا تصنع القنبلة
النووية'.
تعبر
الكاميرا من ذكريات الحرب مع العراق لبائع في دكان الى معمل لخياطة الحقائب
الجلدية
يكاد يقفل لانه يتعرض للمنافسة الصينية وتنقل في كل مكان قنوات التلفزيون
التي تعرض
اعمالا درامية او خطبا سياسية ودينية.
وتجول كاميرا المخرجة التي خلا فيلمها من
اي تعليق وصورت عملها بنفسها مدفوعة بارادة اللقاء بالمكان ومحكومة بنظرة
فاحصة على
عاصمة بلد لا تغيب عنه ذكريات الحرب الايرانية العراقية الاليمة.
ويشير اكثر من
شخص في الفيلم الى ان آلام تلك الحرب باتت تشكل حافزا للصمود امام اي خطر
اميركي او
خارجي يتهدد البلد.
وتنجح الكاميرا فضلا عن نقل حركة الحياة والعمران وتوسع
المدينة في الانتقال الى امكنة اكثر حميمية وسرية فتسجل حفلا موسيقيا
ممنوعا بحضور
مجموعة محصورة من الاشخاص او تدخل مقهى يجتمع فيه حبيبان على مفترق طرق في
حياتهما
حيث يكون على الشاب ان يؤدي خدمته العسكرية.
اما في تظاهرة بانوراما السينما
الفرنسية فقد اختار المنظمون شريطا ايرانيا-فرنسيا يتناول رحلة الى فرنسا
لفرقة
تعتبر من آخر فرق المسرح الارتجالي في ايران وتقدم نوعا من 'كوميديا دي
لارتي' على
الطريقة الايرانية اقفل مسرحها في طهران فحلت ضيفة على مسرح
الشمس في
باريس.
والشريط من اخراج مريم خاكيبور وعنوانه 'شادي' اسم المراة الاكثر شبابا
وتمردا بين اعضاء الفرقة التي عرفت المخرجة المسرحية الفرنسية
آريان منوشكين
بوجودها من خلال فيلم سابق للمخرجة بعنوان 'عمال الفرح' انجزته العام 2005
عن
الفرقة نفسها.
وحين علمت منوشكين باقفال مسرح الفرقة في طهران صممت على دعوتها
للعب لفترة في مسرحها امام الجمهور الفرنسي.
بلمسات صغيرة وعبر اجواء لا تخلو من
المرح والمداعبات والدموع كذلك ترسم المخرجة ملامح هذه المرأة ومن خلالها
ملامح بلد
على المرأة ان تخضع فيه للرجل مهما كانت متفوقة عليه. لكن شادي تصنع ثورتها
بنفسها
وتتمرد على الزوج في مسعاها لان تكون سيدة نفسها.
وبغض النظر عن المشكلات التي
تتعرض لها الفرقة وعمليات سوء الفهم الناشئة عن مفاهيم مختلفة للشرق
والغرب، فان
الفيلم الوثائقي يرمي من وراء كل ذلك لمعالجة وضع المرأة في ايران.
واذا كانت
الفرقة نجحت في عرضها الباريسي ما يقودها الى جولة اوروبية تستغرق سنتين،
فان
المسرحية الحقيقية تبدو وكأنها تلعب في الكواليس وتبدأ في
طهران خلال استعدادات
اعضاء الفرقة للسفر فتكشف كليشيهات وتنفتح على ازمات ابرزها ينتج عن مسعى
شادي
للتمرد على كل ما من شأنه ان ينتقص من حقها ككائن بشري قبل ان تكون امرأة.
من
ناحيته شارك المخرج الايراني ماجد نيسي في فئة الفيلم القصير
في المسابقة الرسمية
الدولية مقدما عمله 'قنبلة برتقالية' الذي صور في جنوب لبنان غداة حرب
تموز/يوليو 2006
وهو شريط بسيط لكنه قوي ومعبر نقل تجربة زوجين مقبلين على قطف الليمون من
بستانهما المزروع بالقنابل العنقودية.
ويبرز الفيلم الذي صور خلال يومين شجاعة
الزوجين وحبهما لبعضهما البعض وقدرتهما على استيعاب الوضع ومعالجته حيث
يخصصان فترة
الصباح لنزع القنابل وتعطيلها وفترة بعد الظهر لجني الليمون.
ومع غياب وبطء
عناصر الامم المتحدة والمؤسسات العاملة في نزع القنابل يضطران الى ان
يواجها الامر
من دون ان تغيب الابتسامة وروح الدعابة عنهما وحس المساواة بين المراة
والرجل
كذلك.
وصور الشريط (19 دقيقة) كيف يقوم هذان الزوجان بما في وسعهما لنزع القنابل
تارة بلمها وطورا بتحديد امكنتها واحيانا اخرى باطلاق النار من
بندقية صيد قديمة
عليها.
وقال المخرج خالد نيسي لوكالة فرانس برس انه زار لبنان بعد الحرب وكان
جالسا في مقهى في بيروت حين سمع بقصة الزوجين فقرر تصويرهما.
القدس العربي في
16/03/2009 |