|
يعتبر فيلم واحد صفر من الحالات القليلة التي استطاعت أن تعبر عما يدور في
عالم النساء في المجتمع المصري وما يحدث لهن من مشكلات ناقشها الفيلم بدقة
متناهية, وأخذ المشاهد الجالس علي كرسيه في صالة العرض إلي داخل
الأحداث, وجعله يشعر بأنه أحد أبطال العمل, لسبب بسيط وهو أن جميع
القضايا التي طرحها الفيلم يجدها المشاهد في الحياة العادية وقد يتعرض لبعض
منها أثناء يومه.
الفيلم يرصد حال خمسة نماذج نسائية من المجتمع يتم التركيز عليهن في24
ساعة فقط تنتهي بانتهاء مباراة كرة القدم في نهائي كأس الأمم الإفريقية,
والتي فازت بها مصر بنتيجة واحد صفر وكيف تناسي الجميع همومهم في هذه
اللحظة, وخرجوا للشوارع ليعبروا عن الفرحة المكبوتة داخلهم ويتعانق
الجميع برغم عدم وجود معرفة سابقة بينهم, وقد استطاعت المؤلفة مريم ناعوم-
كونها أنثي- أن تخوض في عالم النساء وترصد ما يدور في كواليس حياتهن وما
يتعرضن له من صعوبات برغم التماسك الخارجي, عبرت عنه بحرفية المخرجة
كاملة أبوذكري في رابع تجاربها السينمائية واستطاعت أن تمتلك ذهن المشاهد
الجالس أمام الشاشة طوال مدة الفيلم, لدرجة أنه شعر بمشاركة فاعلة في
الأحداث نتيجة لإدارتها الجيدة لكل عناصر العمل بما فيها الممثلون
واختيارها زوايا وكادرات تصوير ممتازة, وقد عبرت كاميرا نانسي عبد
الفتاح- مدير التصوير- عن حالات التوتر والرومانسية والشجن الموجودة في
الفيلم وأظهرتها بشكل جيد علي الشاشة استحوذت به علي عين المشاهد الذي تابع
باستمتاع تتابع اللقطات, بالإضافة لمونتاج مني ربيع الذي يتطور من فيلم
لآخر, لكن الظاهرة الملفتة للنظر هي أن كل صناع العمل من النساء, كما
يناقش الفيلم قضايا المرأة بشكل واضح, ويتبادر إلي الذهن سؤال مهم: هل
النساء هن الأقدر علي التعبير عن عالمهن في الدراما السينمائية؟ أم أن
المصادفة وحدها هي التي لعبت دورا في تجميع كل هؤلاء في عمل فني واحد ؟
الأهرام العربي التقت صناع العمل وسألتهم عن هذه الظاهرة وكيف جاءت فكرة
الفيلم ومن صاحبها.
في البداية تحدثت المؤلفة مريم ناعوم وقالت: بدأت معرفتي بالمخرجة كاملة
أبو ذكري عن طريق المخرج أسامة فوزي ثم تعددت اللقاءات بعدها حيث كانت لدي
فكرة لكنها لم تكن واضحة بالكامل, فبحثنا عما يجتمع حوله الشعب المصري
بكل أطيافه فلم نجد سوي مباريات كرة القدم, من هنا بدأت تتبلور الفكرة
وسرنا علي هذا النهج وقد استغرقت الكتابة والتحضير أكثر من عامين, وأثناء
ذلك كانت تقام مباريات الدورة الإفريقية في القاهرة عام2006, وكيف التفت
الجماهير حول الفريق القومي المصري برغم خوف المسئولين من عدم الإقبال قبل
البطولة, لكن ما حدث كان يفوق التوقعات فبرغم الأحداث الصعبة التي حدثت
أثناء البطولة مثل حادث غرق العبارة, فإن الشعب كان بحاجة لأن يفرح وينسي
همومه ولو للحظات, لذلك فبعد انتهاء المباراة النهائية وفوز مصر بالبطولة
خرج إلي الشوارع بكل فئاته من الأطفال إلي السيدات والشباب وحتي الأمهات,
فأردت أن أستثمر الفكرة في سياق الفيلم, لذلك اخترت خمس قضايا موجودة في
المجتمع تعاني من صعوبة الحياة وفي الوقت نفسه ينظر لها المجتمع علي أنها
الجاني وليست الضحية, وجمعت هؤلاء في بوتقة واحدة كانت أصعبها شخصية'
نيفين' السيدة المسيحية التي عاشت مع زوج لا تحبه ست سنوات ثم هجرها ثلاث
سنوات وبعدها انتظرت أربع سنوات لتحصل علي الطلاق, لكن في الوقت نفسه لم
تحصل علي تصريح بالزواج وقد تخطت الأربعين من عمرها وتريد أن تنجب فكيف تحل
هذه المشكلة؟ والمتابع لأخبار المحاكم يجد أن مثل هذه الحالات موجودة وتعدي
عددها العشرين ألف حالة, فما المشكلة من أن نطرحها ونناقشها كي نجد لها
حلا ؟ علي الخط الموازي نجد أن الأختين اللتين تسكنان في منطقة شعبية تخرج
الأخت الصغري إلي عالم الموديل, ثم تتحول إلي الغناء عن طريق مخرج يستطيع
أن يستثمر موهبتها القليلة في الغناء, وتعيش معه منتظرة أن تدخل عالم
النجومية في سبيل أن شقيقتها المحجبة التي تعمل بالتمريض تتشاجر معها وتريد
التبرؤ منها, برغم أنها تشتري الملابس التي تعجبها ولا تتناسب مع حجابها
وعلي النقيض نجد السيدة التي تعمل' حفافة' تتعرض لكسر إرادتها من
الزبائن أصحاب المستوي المادي العالي, وعندما شرعت في الكتابة لم يكن في
ذهني أن يكون الفيلم نسائيا, لكن أردت التعبير عن جيل متفاوت الأعمار من
النساء مع اقتناعي التام بأن المرأة هي أقدر إنسان علي التعبير عن قضايا
بنات جنسها سواء في الكتابة أم في الإخراج, لكن في الوقت نفسه نجد أن
الشخصيات الرجالي في العمل لها مساحات كبيرة ومهمة مثل شخصية المذيع التي
جسدها خالد أبو النجا, وشخصية الكوافير التي لعبها أحمد الفيشاوي وكذلك
السايس مدمن المخدرات لطفي لبيب.
وتتجاذب المخرجة كاملة أبو ذكري طرف الحديث قائلة: الفيلم يعبر عن حالة
مجتمع بالكامل في24 ساعة بما فيه من رجال ونساء فنحن لم نقصد شخصية
بعينها إنما عبرنا عن كل شريحة برمز مفرد, فمثلا شخصية صبي الكوافير الذي
يريد أن يصبح كوافيرا لم نقصد به شخصا واحدا ولا فئة الكوافيرات فقط إنما
هي تعبير عن شريحة الشباب الذي يريد أن يقفز إلي الصدارة, وهذا طموح
مشروع لو تم في إطاره الصحيح لكن الظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع
تجعله يسلك طريقا ملتويا, نفس الشيء ينطبق علي شخصية نيفين التي أثارت
ضجة كبيرة, لأن الفيلم استطاع أن يناقش هذه القضية بوضوح ودون مواربة نحن
أردنا أن نلفت نظر المجتمع إلي أن هناك من يعاني من مشكلات قد يراها البعض
بسيطة أو سهلة لأنه بعيد عنها, لكن لو حدثت له أو لأي شخص من عائلته
بالتأكيد سوف يغير رأيه فلماذا لا نوجد لها حلولا من الآن قبل أن تستشري
وتكبر, ليس معني ذلك أننا نتدخل في الأديان لكننا نمنع جريمة قد تحول
السيدة المحترمة إلي ضحية وتصنع لها شرخا نفسيا كبيرا يؤثر علي علاقتها
بالآخرين, وهنا يكمن الفارق بين أن تعبر المرأة عن معاناة جنسها وبين أن
يكتب الرجل عن قضايا المرأة فمثلا إحساس المرأة بالطلاق لا يستطيع أي رجل
مهما كان أن يعبر عنه بالكتابة كما تشعر به المرأة, وأعود للفيلم
وأقول: إنه برغم مناقشته لعدد من القضايا النسائية فإنه ليس فيلما نسائيا
كما يظن البعض لأنه في الوقت نفسه يناقش قضايا أخري تهم الرجل فنحن نناقش
قضايا اجتماعية لم نفرق فيها بين فئة وأخري, لأنه من غير المعقول أن يكون
الجمهور الذي يذهب لمشاهدة الفيلم من النساء كما لعبت المصادفة دورا في
تجميع المؤلفة والمخرجة ومدير التصوير والمونتير من النساء برغم أنه العمل
الأول الذي يجمعني بهن لكنهن متميزات كل في مجاله, مما جعل هناك فكرا
متقاربا بيننا وجعل البعض يطلق عليه فيلما نسائيا, أما علي مستوي التكنيك
فقد استخدمت أسلوبا جديدا في السينما وهو التصوير بكاميرا محمولة' شولدر'
ساعد ذلك علي خروج الصورة بشكل أقرب إلي الحقيقة وأحدث نقلات سريعة في
اللقطات التي تتم فيها مواجهة بين شخصيتين مثلما حدث بين خالد أبو النجا
وإلهام شاهين وأيضا بين انتصار وابنها أحمد الفيشاوي, أحس معها المشاهد
بحالة من التوتر كانت مقصودة.
وعلي نفس الطريق تقول مدير التصوير نانسي عبدالفتاح: واحد صفر من الأفلام
التي استمتعت بها أثناء التصوير نظرا لحالة التفاهم والانسجام الموجودة بين
فريق العمل ككل, والعمل مع كاملة أبو ذكري له مذاق خاص لأنها تمتلك رؤية
إخراجية تمكنها من إقناع كل من حولها بوجهة نظرها, وعن رأيي أعتقد أن
وجود هذه الحالة النسائية في الفيلم أضافت له مصداقية في التعبير انعكست
علي الشاشة وكانت سببا مباشرا في وصول الرسالة بسهولة للمشاهد*
الأهرام العربي في
14/03/2009 |
