نكهة مغايرة وحميمة يمكن أن تحسها بوضوح في الكلام مع الفنان خالد
صالح. فإلى جانب كونه فنانا صاحب رؤية فنية، يحاول دائما أن يؤكد على أن
الفن قيمته الأساسية في نقل الوعي والجماليات والمتعة إلى الناس، لأنه من
الفنانين القلائل الذين تشكل هموم الناس هما خاصا به، فهو مشغول بإيجاد
الحلول ونقل الأفكار التي تعبر عن هذه الهموم.
لذلك ينتابه دائما شعور دائم بالقلق والخوف من أن يكون قصر في إبراز
الشخصية التي يقوم بتجسيدها، ويتساءل كل ليلة بعد العرض مع من حوله حول
أدائه، وإذا ما كان هناك تقصير وليس رغبة في الحصول على المديح لأنه يبحث
عن رؤية جديدة ومغايرة دائما.
حول هذه الهموم وهذا القلق التقت «الشرق الأوسط» في القاهرة الفنان
خالد صالح في حوار، تحدث فيه عن رؤيته للفن، وعمله فيه، وطموحاته وارتباطه
بالناس وعائلته، ومعاناته الخاصة كونه منذ فقد والديه ولم يتجاوز السابعة
من عمره، وعلاقته بشقيقاته الخمس وشقيقيه اللذين توليا أمور حياته فكان له
- على قوله- خمس أمهات ووالدان.. وهذا نص الحوار:
> رغم أنك معروف بوصفك ممثلا مسرحيا، فإنك لم تبدأ عملك في السينما
إلا منذ ست إلى سبع سنوات، ما هو الإنجاز الذي تشعر أنك حققته خلال هذه
الفترة ضمن مشروعك الفني.
- الذي استطعت تحقيقه خلال هذه الفترة قليل جدا ولا يعبر عن الطموح
الذي أملكه على المستوى الفني، والقليل الذي تحقق خلال هذه السنوات له بنية
أساسية وهي علاقتي بالجمهور وبالناس من خلال الأدوار التي قدمتها في
السينما، وبحدود أقل في التلفزيون فقبولهم لي أعتبره أهم لبنة استطعت
بناءها كقاعدة أرتكز عليها للتطور الفني وتحديد أعمالي المقبلة.. وهذا
المنجز بدأت ملامحه تتحقق بداية من دور القاضي والمشاهد القليلة التي أظهر
فيها في فيلم «محامي خلع» عبورا إلى الأدوار الأكبر التي صرت أقدمها، مثلما
في فيلم «تيتو» وصولا إلى «الريس عمر» وكذلك أفلام «هي فوضى» و«ملاكي
إسكندرية» و« وعمارة يعقوبيان». إلى جانب المسلسلات الثلاثة التي قدمتها
على شاشة التلفزيون، والتي فتحت طريقا وعلاقة جميلة مع جمهور المشاهدين.
·
واضح أن فكرة الفن للفن ليست
الفكرة الرئيسية التي تفكر بها ما هو الهدف الذي تسعى لإيصاله للناس؟
- إحساسي بالمسؤولية، وهو يأتي من الموهبة التي يعطينا الله إياها.
وهذا الإحساس له وجهان، أحدهما إحساس بالمتعة، وأنا حققت هذه المتعة،
وثانيهما الإحساس بالمسؤولية تجاه الناس. وهو الذي يمنح طاقة الحب التي يجب
أن تكون فاعلة. فالناس منحوني حبهم فلا بد لهذا الحب أن ينتج شيئا، فأنا
واحد من الناس ومعني بقضاياهم لأنها قضاياي أنا أيضا، والفارق بيننا أني
أنظر إلى الأمام أبعد بخطوات عنهم. لكن الأفكار التي أفكر في تقديمها
مرتبطة بالهموم التي يعيشها الناس، يجب أن نرى حلا لها، ونحتاج لذلك بعض
الخيال أصبحنا نفتقده في الحقيقة. وهذا أيضا يتطلب خلق حالة من الإدهاش،
فمسألة الدهشة مهمة في الفن لأن الفن لا بد أن يدهش المتفرج، ويجب أن ندرك
أن البحث عما يدهش في الواقع الذي نعيشه أصبح شيئا صعبا، ذلك لأن الواقع
بكل تناقضاته وتداعياته أصبح أكثر جراءة وأكثر إدهاشا من الفن نفسه. وهنا
تكمن المشكلة أصبحنا كمن يضع العربة أمام الحصان، وهذا كله يستدعي المزيد
من التفكير لتقديم الصورة الفنية المتقدمة التي تحمل رؤية وأحلاما وحلولا
لهموم الناس وإشكالاتهم.
·
واضح أنك تقوم بتقسيم الزمن
بالنسبة لك وتحدد مراحل وتضع برامج لتصورك وتطورك الفني.. ما رأيك؟
- نعم أنا أفكر بذلك، فأنا الآن أعيش مرحلة كلها تفكير في ما تم
إنجازه الذي أعتبره قاعدة ممكن أن أعمل عليها لتطويرها، فأنا مشروعي مقصده
النهائي هو الناس ويخص الناس، وطاقته ومنتجه هو أيضا للناس. لذلك أحس أن
الموهبة التي أعطاني إياها ربنا هي أمانة تخص الناس، وهي أمانة أنا أستمتع
بها، وطريقة توظيفها بما يخدم المشروع الفني يأتي من الخبرة التي أكتسبها
مع الأيام، ولكني في نفس الوقت لا أستطيع أن أقول إن لدي تصورا نهائيا
لمشروعي الفني.
·
ضمن مشوارك الفني القصير نسبيا
والمتميز أيضا في القبول الجماهيري ما هو الفيلم أو العمل الفني الذي قدمته
وترى فيه تميزا؟
- أعتقد أن أقرب شيء إلى قلبي فيلم «هي فوضى» ليوسف شاهين في دور حاتم
ولكن أصعب الأدوار التي قدمتها فكان دوري في «عمارة يعقوبيان» وذلك لقصر
المشاهد التي أقدم بها الشخصية وقلتها فكان ضروريا أن أوصل أفكارا ومعاني
تقدم شخصية متكاملة يقتنع بها المشاهد ويفهم أبعادها. لكن في فيلم «هي
فوضى» كانت أفضل فرصة متكاملة حصلت عليها، فشخصية حاتم كانت المساحة واسعة،
وكان لا بد أن يمتلك الفنان ناصية هذه الشخصية على مدار الأحداث كلها من
بداية الفيلم حتى نهايته. كما إنها كانت فرصة مفتوحة مع يوسف شاهين المخرج
صاحب القامة العالية في السينما المصرية بما يحمل الفنان مسؤولية خاصة، لأن
تقديم شخصية مع يوسف شاهين في فيلم مثل «هي فوضى» لها حساباتها الخاصة.
·
ما هي الأسباب التي أخرت عملك في
السينما والتلفزيون رغم وجودك في حياة الحركة المسرحية؟
- أنا اهتماماتي الفنية كانت قديمة وأنا كان لدي الرغبة في أن أبدأ
حياتي الفنية وأنا صغير، لكن ظروف الحياة في مصر لا تتيح لك فرصة إنجاز
الذي تريد تحقيقه في الوقت المناسب. وكنت بدأت حياتي الفنية المسرحية في
كلية الحقوق في جامعة القاهرة وهناك تعرفت على زوجتي وبعد تخرجي في الجامعة
تزوجت وأنجبت ابني أحمد (16 عاما) وابنتي علياء (12 عاما) فاتجهت للعمل
بالتجارة حتى حققت الاستقرار العائلي. وربما كان من ضمن دوافعي في تأمين
هذا الاستقرار كوني حرمت من حنان أمي وأبي وأنا طفل لم يتجاوز عمره السنوات
السبع، وقد تولي أموري آنذاك شقيقاتي الخمس، وشقيقاي فقد أصبح لي خمس أمهات
وولدان. وأنا أدين لهم بالكثير من الحب والامتنان. لذلك لا يمكن لي أن أعرض
كيان هذه الأسرة التي أحبها وهي بعض مني لقواعد السوق، اليوم أعمل وغدا لا.
وأعتقد أن هذا العامل الأساسي هو الذي وقف أمام تأخري في دخول الوسط الفني.
ولكني بعد أن أمنت حياة الأسرة، وقبل سنوات من عملي في السينما والتلفزيون
عملت في مسرح الهناجر وشاركت في تقديم أكثر من 25 مسرحية، وتثقفت على أيدي
النقاد والجمهور في أرقي تجربة مسرحية تحققت في مصر بعد نهضة المسرح في
الستينات والسبعينات التي حققها مركز الهناجر وإدارته المستنيرة.
·
هل وقف الوسط الفني من حيث
الإنتاج والمخرجين وغيرهم حائلا في منع ظهورك مبكرا بين صفوفه؟
- لا لم يقف أي أحد في الوسط الفني عائقا بيني وبين الالتحاق بصفوفه،
لكنها كما أخبرتك تتعلق فقط بعدم رهني مسؤولياتي الأسرية على إمكانية نجاحي
من عدمه في ذلك الوقت وكان رهاني لصالح أسرتي أكثر.
·
ما هي مشاريعك المستقبلية
القريبة ؟
- لدي طموحات كبيرة وهناك أفكار كثيرة تراودني خصوصا فيما يخص علاقتي
مع الناس، مما يربكني ويحملني مسؤولية أعلى من الزمن الذي أعيش وأعمل فيه.
فأنا مزدحم بالأفكار وأشعر بأن المقبل يجب أن يكون مختلفا قليلا عما قدمته.
لكني أعتقد أنه في العام الحالي سيتم تحقيق نقلة مهمة في مشواري الفني من
خلال خمسة أفلام سأشارك في بطولتها وهي: «رسائل الحب» مع داود عبد السيد،
و«ستانلي» مع محمد خان، و«الولد» مع المخرج السوري حاتم علي، و«يا
إسكندرية» مع هالة خليل، و«التشريفة» وغالبا سيقوم وائل إحسان بإخراجه.
وأقول لك بصراحة إني سعيد لأن عددا من كبار المخرجين في مصر وسورية قد
اختاروني للمشاركة في أعمال لهم. أيضا كل هذا إلى جانب مسلسل تلفزيوني
بعنوان «بياع الأمل» قصة الراحل محسن زايد، وسيناريو وحوار عاطف بشاي،
وإخراج شيرين عادل. وأرى أنه مسلسل يقدم الكثير من مشكلات الناس في إطار
يقترب من الكوميديا.
الشرق الأوسط في
13/03/2009 |