أفلام سويسرية؟!... عبارة استفهامية سمعتها باندهاش من الكثيرين، فنحن
لا نعرف عن سويسرا سوى أنها بلد ساعات الكوكو والساعات اليدوية الثمينة،
إضافة إلى ما رسخته الدراما التلفزيونية المصرية في عقولنا من أن مصارف
سويسرا هي الملاذ الآمن لحفظ ملايين رجال الأعمال الفارين من بلادنا
البريئة. لكن أحداً لم يفكر في معرفة المزيد عن ثقافة هذا البلد الى درجة
أننا استغرقنا وقتاً في استيعاب خبر تواجد أفلام سينمائية سويسرية في دور
العرض نفسها التي اعتدنا الذهاب إليها جرياً وراء الأفلام الأميركية. هذا
ما أكدته التجربة التي تبنتها شركة «أفلام مصر العالمية» إذ أقامت أسبوعاً
سينمائياً سويسرياً في القاهرة في الأسبوع الفائت وذلك بالتعاون مع مؤسسة
الفيلم السويسري، قدّمت خلاله أكثر من 15 فيلماً ما بين تسجيلي وروائي مع
الحرص على عقد لقاءات بين الجمهور الذي أقبل على متابعة الأفلام بحماس
ورغبة في الاكتشاف، وبعض صناع الأعمال الذي حرص على الحضور إلى القاهرة.
وقد كانت بالفعل لقاءات حية وفاعلة دأب فيها كل طرف على تأكيد تواصله مع
الآخر.
المنتجة مريان خوري كانت حريصة على متابعة يوميات الأسبوع بكل تفاصيله
رغبة منها في اكتمال التجربة بالنجاح نفسه الذي بدأت به. وقد أكدت لـ
«الحياة» أن مشروعاً كهذا ليس تجربة سهلة بل على العكس يحتاج إلى جهد شاق
ومثابرة مع معرفة مسبقة ببطء النتائج, وتقول ماريان: تأتي النتائج عكس
التوقعات خصوصاً أن الوضع في مصر ليس مشجعاً على تقديم مثل هذه الأفكار
الثقافية أكثر منها تجارية نظراً لعدم توفر دور للعرض وضرورة السعي وراء
الجمهور الذي ينتظر أن نذهب إليه بدلا من أن يبحث هو عنا».
وحول بداية التجربة ومبادرة تقديم أفلام سينمائية مختلفة عن تلك التي
تعوّد الجمهور المصري على متابعتها, تجيب: «شركة مصر العالمية تتحمل هذه
المخاطرة انطلاقاً من اهتمامها في كل أشكال وعناصر الصناعة السينمائية بصفة
عامة فهي ليست شركة للإنتاج فقط. كما أنها لا تألو جهداً في تقديم ثقافة
سينمائية مغايرة للجمهور المصري وذلك حتى من قبل رحيل مؤسسها يوسف شاهين.
إلا أن المسألة تبلورت وأخذت شكل المشروع عام 2004 بتقديم بانوراما للأفلام
الأوروبية وبعد أن حققت نجاحاً كبيراً، فكّرنا في ضرورة استمرار التجربة
وكان ذلك عبر مشروع «سينمانيا» حيث خصصنا قاعة للعرض في مجمع سينمات «سيتي
ستارز» في القاهرة لعرض الأفلام التي تحقق نجاحاً كبيراً أو تحصل على جوائز
عالمية وبالفعل عرضنا أفلام «أسرار القمح» و «زوزو» والفيلم اللبناني
«بوسطة» والفرنسي «لا موم» وذلك بمعدل عرض كل أسبوعين. إلا أن المشروع توقف
بعد ذلك لفترة. ثم كانت الفاعلية التالية أثناء مهرجان القاهرة السينمائي
في دورته الماضية إذ أقمنا ضمن المهرجان أسبوعاً للأفلام الأسبانية بحضور
صناعها وفي مقدمتهم بطلات فيلم بدرو المودوفار «العودة» الذي عرض ليلة
الافتتاح. وأيضاً حققت المبادرة هنا صدى قويّاً».
رسالة
وردّاً على سؤال حول تقديم وجبة سينمائية سويسرية هذه المرة أجابت
خوري: «جاءت المبادرة من مؤسسة الفيلم السويسري التي أبدت استعدادها
للتعاون مع «مصر العالمية» لعرض أفلام سويسرية في القاهرة لتعريف الجمهور
المصري بالسينما السويسرية كنوع من التواصل الحضاري والتأكيد على الرسالة
الإنسانية للسينما، وبالفعل وافقت على الفكرة خصوصاً أننا كجمهور عربي
ومصري لا نعرف الكثير عن سويسرا على رغم أنها دولة مهمة وليست بعيدة كثيراً
عن عالمنا العربي».
ولعل الملفت للنظر في تجربة الأسبوع السينمائي السويسري في القاهرة هو
تقديم أفلام تسجيلية الى جانب الأفلام الروائية وحرص الجمهور العادي، إضافة
إلى السينمائيين المصريين، على الحضور ومتابعة الندوات التي تعقب العروض
وما يتخللها من مناقشات للأعمال عبرت في الحقيقة عن رغبة كلا الطرفين في
اكتشاف الآخر والتواصل معه. وكان أبرز المهتمين بذلك من الجانب السويسري
المخرج التسجيلي «ريشارد ديندو» الذي حرص على متابعة ردود أفعال الجمهور
على فيلميه «جينيه في شاتيلا» و «جيفارا في بوليفيا»، وقد بررت خوري ذلك
قائلة: «عندما تلقيت العرض من مؤسسة الفيلم السويسري طلبت أن تتاح لي حرية
اختيار الأفلام التي ستُعرَض، كما طلبت ترجمة كل الأعمال إلى العربية أو
على الأقل إلى الإنكليزية. وكنت حريصة جداً على تقديم أفلام تسجيلية ضمن
الأسبوع نظراً لاهتمامي الخاص بالسينما التسجيلية ودورها في التعريف
بالثقافات. وبالفعل قمت بالاختيار من كتالوج الأفلام التسجيلية السويسرية
تلك الأعمال التي تربطها علاقة بالشرق الأوسط أو التي تبرز الموقف السويسري
من قضايا المنطقة العربية كذلك حرصت على عقد مناقشات حول الأعمال لأن «مصر
العالمية» تهدف من مثل هذه المشروعات بالأساس إلى إقامة حدث ثقافي يستفيد
منه الجميع بما في ذلك مثلا طلبة معهد السينما الذين أحرص على حضورهم
وتفاعلهم مع صناع السينما الأجانب وبالتالي المسألة ليست مجرد عروض
تجارية».
أما عن ريشارد ديندو فقد علقت مريان خوري قائلة إنه «رجل كريم ومثقف
حقيقي لديه حماس تجاه الآخر، فبخلاف اهتمامه بتقديم أفلام تسجيلية عن كفاح
الشعوب المختلفة، لم يتأخر في تلبية الدعوة للحضور إلى القاهرة ومتابعة
الحدث. بل إنه أبدى استعداده لتقديم خلاصة خبرته السينمائية إلينا ما شجعني
على إقامة ورشة عمل سينمائية تجمع بينه وبين طلاب معهد السينما المصريين
للاستفادة من خبراته في صناعة السينما التسجيلية وذلك على مدار ثلاثة أيام
متواصلة». وعن مستقبل مشروع «سينمانيا» أو مبادرات عرض أفلام سينمائية
مختلفة في الفترة المقبلة، أوضحت خوري أنها تلقت بالفعل عروضاً لتقديم
أسابيع سينمائية ألمانية وهولندية، إلا أنها لم تقرر بعد ما سوف يحدث في
شأن ذلك معللة موقفها بأن «المسألة تحتاج إلى استعدادات كثيرة ومسؤولية
شاقة لا يمكن البت فيها إلا بعد تفكير عميق» خصوصاً أن شركة مصر العالمية
تتحمل وحدها حتى الآن كل تفاصيل المشروع والدعاية له دون وجود رعاة أو
منظمين وبالتالي «تحتاج الفترة المقبلة إلى إعادة ترتيب الأفكار لكنها لن
تتخلى عن المشروع مطلقاً».
الحياة اللندنية في
13/03/2009 |