رغم أن الصورة الأكثر حضوراً للمرأة في الدراما السورية، هي
صورة الأم المضحية، أو الزوجة المكافحة، أو المرأة الباحثة عن التحرر،
والتي تطحنها
القيود في مجتمع ذكوري لا يرحم، فقد وفرت بعض الأعمال
الكوميدية التلفزيونية
السورية، مساحة لا بأس بها للعديد من الممثلات، اللواتي قدمن أدوارا
كوميدية باقية
في الأذهان...
فطوم حيص بيص تتكلم!
ربما كانت الشخصية النسائية الأكثر
رسوخا في ذاكرة الكوميديا السورية، منذ زمن الأبيض والأسود
وحتى اليوم، هي تلك التي
جسدتها الفنانة نجاح حفيظ في المسلسل الكوميدي الشهير (صح النوم) من خلال
شخصية (فطوم حيص بيص) التي ظهرت في الجزء الأول
والثاني من المسلسل المذكور، وفي (ملح
سكر) أمام الثنائي الكوميدي دريد لحام ونهاد قلعي.
فطوم حيص بيص، صاحبة فندق صح
النوم، والتي يتنافس على حبها، غوار الطوشة العامل لديها،
وحسني البورظان نزيل
الفندق.. والتي يفوز بالزواج منها أخيرا أجيرها الساذج ياسينو (ياسين بقوش)
ليعيش
معها علاقة زواج غير متكافئة.. بقيت في الأذهان صورة لابنة الحارة الدمشقية
القوية
الشخصية، ذات الحظ السيئ، والتي تتلاعب الأقدار بمصيرها تحت وطأة شراسة
مقالب غوار
الطوشة وأذاه.. وظلت قصتها في أذهان الكبار والصغار باعتبارها نموذجا للحب
في إطاره
الكوميدي الخفيف. ولطالما طبعت صورها على منتجات تسالي الأطفال في سورية مع
نجوم
الكوميديا الآخرين.. قبل أن تغرق في أدوار الأم الباكية والمضحية.. وتصبح
عنوانا
للأم الميلودرامية التي تذرف الدموع على مصائر أولادها وتضحي
من أجلهم.. ولم تستطع
مشاركات الفنانة نجاح حفيظ الكوميدية في بعض المسلسلات في السنوات الأخيرة
كمسلسل (أهلا حماتي) للمخرج أسعد عيد، أن تعيد بريق
صورتها الكوميديا... التي غابت وسط
ركام الميلودراما والمآسي الحياتية التي ملأت الشاشة دموعاً
ونحيباً!
لكن نموذجا
آخر من زمن الأبيض والأسود، لصورة المرأة الكوميدية برز في أعمال الفنان
دريد لحام
أيضا، وفي العديد من البرامج التلفزيونية المنوعة، هو نموذج الفنانة صباح
الجزائري،
ذات الحضور المشرق، الممتلئ سحراً وحيوية وشباباً، والذي جسد انطلاقة
الفتاة
وبساطتها، وقدرتها على مواجهة ظروف الحياة، وغرائبية العلاقات،
مرة كباحثة
اجتماعية، وأخرى كمذيعة تلفزيونية، أو كفتاة استعراض تملأ مساحتها
الكوميدية ببهجة
من زمن جميل.. وهي تفاصيل لم تطبع شخصية صباح الجزائري بطابعها كليا، إذ ظل
حضورها
الرومانسي والدرامي هو الطاغي، حتى وهي تشارك في سلسلة (مرايا) الكوميدية
مع الفنان
ياسر العظمة عام 2003.
منى واصف.. زائرة لا مقيمة!
أما الفنانة الكبيرة
منى واصف.. فقد ظلت حذرة في تعاملها مع الكوميديا في التلفزيون... ذلك أنها
حققت
تألقها الكبير من خلال أدوار درامية تتربع على عرش الدراما التلفزيونية..
أدوار
جسدت فيها دور المرأة المقهورة، والمتمردة، والباحثة عن
السلطة، والمرأة المثقفة
صاحبة القضية، ولمنى واصف ذاتها رأيها الخاص والعميق في الكوميديا
النسائية، التي
ترى أنها في الدراما العربية عموما تركز على المرأة البشعة والجاهلة، أو
ذات
الشخصية المهلهلة عموما، كعنصر للإضحاك.. ولذلك آثرت أن تبقى
ضيفة خفيفة الظل على
الكوميديا.. ولعل دورها في مسلسل (وادي المسك) مع الفنان دريد لحام هو
الدور
الكوميدي الأبرز تلفزيونيا، فشخصية (كوكب) التي أدتها هنا.. قدمت تصورا
فنيا خاصا،
للمرأة الثرثارة.. ذات المطامح الاجتماعية الخاصة، والإسهاب الذهني
المستمر، ضمن
قالب فني جذاب ومتماسك.. وإذا كان حسن الاختيار لم يحالف منى
واصف، حين قبلت أن
تقدم شخصية السيدة محدثة النعمة في المسلسل الكوميدي المتواضع (عيلة أكابر)
الذي
أخرجه عصام موسى عام 1998، فإن منى واصف على العموم ظلت تتعامل مع
الكوميديا التي
قدمت ألوانا راقية منها في السينما (التقرير) وفي المسرح (حرم
سعادة الوزير) ظلت
تتعامل معها في التلفزيون بحذر وتحفظ، على اعتبار أن مشكلة النص التلفزيوني
الذي
يرسم صورة كوميدية متوازنة للمرأة هنا، هي مشكلة مستعصية في الغالب!
سامية
الجزائري: نجمة الضحك والعفوية.
ومن الجيل المخضرم نفسه استطاعت الفنانة سامية
جزائري أن تكون نجمة نجمات الكوميديا في سورية بلا منازع..
ورغم أن سامية جزائري
برعت - كغيرها من الممثلات- في تقديم صورة الأم التقليدية، بتجليات غاية في
الصرامة
والعمق كما في (تجارب عائلية) مع المخرج علاء الدين كوكش و(محطة صغيرة) مع
المخرجة
رويدة جراح، و( دائرة النار) مع هيثم حقي على سبيل المثال لا
الحصر، فإنها مع مسلسل
(عيلة
خمس نجوم) الذي كتبه حكم البابا، وأخرجه هشام شربتجي، وأنتج عام 1995،
استطاعت أن تكرس نفسها كواحدة من ابرز نجمات الكوميديا التلفزيونية السورية.
فشخصية (أم أحمد بلاليش) الشهيرة التي أدتها في هذا المسلسل، هي نموذج
للأم
المحنكة، التي تحاول أن تسلك كل الطرق المشروعة.. والملتوية أحيانا، لتعيل
أسرتها
التي غاب عنها الأب في ظرف معاشي يخفف من وطأته جرعة الكوميديا الظاهرية.
وهي تقع
في العديد من المآزق باستمرار، لكنها تتعامل معها من منطق
الدفاع عن كيان وأفراد
أسرتها، ناهيك عن الوجه الآخر لهذه الأم.. كحماة تعيش مع صهرها علاقة
تناحرية
واستبدادية مشحونة بكل ما في هذه العلاقة من شد وجذب وقهر ونكد في الذاكرة
الاجتماعية، الأمر الذي يبلور مساحات الكوميديا التي وفرها
لهذه الشخصية الكاتب
بخفة ظل متناهية، والمخرج بحسه اللماح في صناعة الكوميديا
قبل (عيلة خمس نجوم)
ظهرت سامية جزائري في العديد من الأعمال الكوميدية، فمن ينسى حضورها الظريف
في
مسلسل (وين الغلط) مع الفنان دريد لحام الذي كتبه محمد الماغوط، ومشاركاتها
الحيوية
في سلسلة (مرايا) مع الفنان ياسر العظمة، أو أداءها الكوميدي الساحر لشخصية
(أم
عبدو) في مسلسل البيئة الناجح (أيام شامية) للكاتب أكرم شريم
والمخرج بسام الملا..
إلا أن (عيلة خمس نجوم) جاء ليكرس سامية جزائري كبطلة كوميدية أولى، رغم أن
المسلسل
اعتمد أساسا على صيغة البطولة الجماعية مستفيدا أيضا من حضور فارس حلو
وأندريه سكاف
وأمل عرفة.. وقد تابعت سامية الجزائري رحلتها مع الكوميديا بعد
ذلك، إلا أن مشكلتها
بقيت النص التلفزيوني الجيد، وحسن الاختيار.. فإلى جانب حضورها الظريف مع
الفنان
دريد لحام في مسلسل (أحلام أبو الهنا) ظهرت سامية جزائري وهي تجتر نجاحاتها
الكوميدية في عيلة ست وسبع نجوم مع المخرج هشام شربتجي، وفي
مسلسلات أخرى مع المخرج
عماد سيف الدين أذكر منها (مدام دبليو) وفي كل هذه الأعمال، ضاعت العفوية
الساحرة
أمام مساحات الارتجال غير المنضبط، وتهافت بناء الشخصيات التي أدتها،
ومسارات
الكوميديا الفاقعة في النص، وتحول العمل الفني برمته إلى مساحة
للابتذال والصراخ
وسيل الشتائم السوقية والمواقف المفبركة!
كوميديا الأدوار الشعبية!
إذا
كان حديثنا عن نجمات الكوميديا التلفزيونية، يكاد يقتصر حتى الآن على جيل
الممثلات
المخضرمات، وهو يشمل كذلك ممثلات اعتدن أداء الأدوار الثانية بنجاح،
كالفنانة هدى
شعراوي التي قدمت أدواراً كوميدية هامة في مسلسل (الدغري)
مع الفنان دريد لحام ومن
إخراج هيثم حقي، وفي (عيلة خمس نجوم) مع المخرج هشام شربتجي والفنانة هالة
حسني في
مشاركاتها الكوميدية المتكررة في سلسلة (مرايا) مع الفنان ياسر العظمة..
وأميمة
الطاهر في العديد من الأدوار؛ فإن هناك جيلا من الممثلات
الشابات قد حمل لواء
الكوميديا النسائية، وفي طليعة هؤلاء الفنانة (وفاء موصللي) التي دخلت باب
الكوميديا من باب البيئة الشعبية الشامية، سواء من خلال أدائها الظريف
لشخصية
(صالحة)
في مسلسل أبو كامل للكاتب فؤاد شربجي والمخرج علاء الدين كوكش، أو عبر
شخصية (نزيهة) أمام سامية جزائري في مسلسل (أيام شامية)، وصولاً إلى
مشاركتها نجم
الكوميديا ناجي جبر في بطولة مسلسل (يوميات أبو عنتر) للكاتب عادل أبو شنب
والمخرج
نبيل شمس.. الذي لم يحقق نجاحا يذكر.
لكن إذا أردنا أن نقيم حضور تجربة وفاء
موصللي الكوميدية، لوجدنا أنها كانت ضحية تأطير المخرجين لوفاء
موصللي في إطار
المرأة السليطة اللسان، والتي تعبر عن البيئة الشعبية في وجهها الأقرب إلى
السوقية،
كما رأينا في دورها الشهير في مسلسل (باب الحارة) مع المخرج بسام الملا،
فضلا عن أن
نجاح وفاء موصللي في أداء أدوار الكوميديا بقي متفاوتاً، بل
وأسير الشخصية الشعبية
في معظم الأحيان..
أمل عرفة: مغامرة الكوميديا المحسوبة!
ومن بين نجمات
الجيل الشاب، برزت في الكوميديا التلفزيونية الفنانة أمل عرفة، التي قدمت
في مسلسل (عيلة خمس نجوم) بروفا ناجحة على أداء
كوميدي حقق لها قبولا وجماهيرية واسعة في هذا
المجال، حيث اعتمدت أمل على تصنيع كاركتر خاص، عبر مفردات
حركية متقنة، لفتاة تعيش
قصة حب مع خطيبها الشاب وفق مزاجية غريبة ومثيرة للضحك... وقد شجع هذا أمل
عرفة،
المعروفة بذكائها في الاختيار، على المضي في مشروعها الكوميدي الذي ساهمت
بكتابة
النص فيه مع الصحافي عمار مصارع والمخرج عبد الغني بلاط، فكان
مسلسل (دنيا) الذي
أنتج عام2000 التجربة الأبرز في مجال الكوميديا النسائية في الدراما
التلفزيونية،
لأنه يقوم بالأساس على بطولة مطلقة للفتاة التي يحمل اسمها، وهي خادمة طيبة
القلب،
تدس أنفها في شؤون مخدوميها وتفشي أسرارهم... وتواجه سلسلة من
المآزق المضحكة
المبكية في بناء حياتها الخاصة، وتحقيق حلمها بالعودة إلى قريتها وشراء أرض
أبيها.
وقد عمدت أمل عرفة هنا، إلى بناء 'كاركتر' مميز لهذا الفتاة الريفية
التي
تواجه عالم المدينة، بحنكة فلاحية فطرية، معتمدة على غرابة اللهجة،
و'الإيفيه'
اللفظي والحركي، إلى جانب الموقف الكوميدي القائم على الكشف والتعرية، وهي
تيمة
كوميدية مضمونة في علاقة الخدم بالمخدومين.. فحققت نجاحا جماهيريا كبيرا
حقق لمسلسل
(دنيا)
إعادات مستمرة في المحطات العربية، ودفع شركات الإنتاج للتعامل بجدية حين
طرحت أمل العام 2003 مشروعها الكوميدي الجديد (عشتار) الذي بدأت كتابته مع
المخرج
عبد الغني بلاط، ثم آثرت الاستفراد في كتابة النص، واستبدال
المخرج بمخرج آخر هو
ناجي طعمة..
وقد بدأ مسلسل (عشتار) في حلقاته الأولى مثيرا للاهتمام، وخصوصا أن
أمل ظهرت بـ'كاركتر' جديد، جسدت فيه الفتاة الخجولة والساذجة الضائعة وسط
بيئة
عائلية مشتتة، وقبح شكلي يلقي بظلاله على عالمها النفسي.. لكن
كل إنجازات أمل
الكوميدية نصا وأداء، سرعان ما انهارت في الحلقات اللاحقة، أمام إصرارها
على صناعة
الاستعراض وعلى إبراز ذاتها كنجمة استعراضية يشيد الجميع بجمال شكلها بعد
عمليات
التجميل، وصوتها بعد اكتساحها السوق.. لكن العمل غرق في افتعال
الأحداث، والفبركة
والتطويل.. وخسر رصيده الكوميدي!
إلا أن أمل عرفة، استطاعت أن تعود إلى عالم
الكوميديا مرة أخرى لتثبت أنها قادرة على صناعة 'الكاركترات'
الصعبة، من خلال مسلسل
(كسر
الخواطر) للكاتب محمد عمر أوسو والمخرج نذير عواد، والذي أنتج عام 2007...
وفيه تؤدي دور فتاة غارقة في الكذب
والعلاقات الغرامية، في الوقت التي تخدع فيه
خطيبها الطيب القلب، وتمارس هوسها بخيانته باستمرار... دور
أدته أمل ببراعة
واقتدار، وحولته إلى 'كاركتر' منسجم في معطياته وتفاصيله!
شكران مرتجى..
والانحياز للكوميديا!
ومع أمل عرفة في مسلسل (دنيا) ظهرت الفنانة الشابة شكران
مرتجى، لتشاركها البطولة في النصف الثاني من العمل، ولتؤدي شخصية الطباخة
العانس
التي تعاني من إعاقة لفظية، وتشارك دنيا المآزق اليومية، محققة
نجاحاً كوميدياً
بارزاً..
وقد كان لشكران حضورها الكوميدي الظريف في البرنامج التمثيلي الرمضاني (يوم
بيوم) حيث أدت دور البطولة في مشاهده الدرامية (يوميات فريد وفردوس) التي
كتبها محمد منصور وأخرجها عدنان حجازي وأنتج عام 2001، وفيه
قدمت شخصية (اللفاية)
التي تعمل في تنظيف البيوت بالأجرة، والتي تعيش قصة حب طريفة مع ماسح
أحذية، ضمن
أجواء شعبية خفيفة.. كما أدت شكران مرتجى شخصية العانس في العديد من
المسلسلات
ومنها (بطل من هذا الزمان) مع المخرج هشام شربتجي، و(هومي هون)
الذي كتبته لبنى
حداد ولبنى مشلح وأخرجه باسم ياخور عام 2004 في أولى تجاربه الإخراجية..
فضلا عن
شخصيات متنوعة وهامة من خلال مشاركتها في المسلسل الكوميدي (بقعة ضوء)
بأجزائه
المتعددة مع باسم ياخور وأيمن رضا.. إلا أن شكران مرتجى التي
التصقت بها شخصية
العانس في الكوميديا عموماً، أدت كذلك مجموعة من الأدوار التي لا تضيف إلى
رصيدها
وخصوصا في سلسلة المسلسلات التي أخرجها وكتبها المخرج عماد سيف الدين على
سبيل
المثال لا الحصر.. لكن صلتها بالكوميديا بقيت راسخة الهوى والانتماء، بسبب
قدرتها
على التصعيد الكوميدي في الأداء وطلاقة الحضور، وطغى هذا على
موهبتها التمثيلية في
الأدوار التراجيدية البارزة، التي ربما كان مسلسل (خان الحرير) للمخرج هيثم
حقي،
وسباعية (بيت العيلة) لواحة الراهب خير تعبير عنها!
كاريس بشار: ابتسامة
التراجيديا!
وبالمقابل تمكنت كاريس بشار، التي ظهرت في أدوار رومانسية
وتراجيدية مركبة، أن تقدم أوراق اعتمادها في عالم الكوميديا، سواء عبر
مشاركتها
القديمة في مسلسل (مرايا) للفنان ياسر العظمة أحيانا، أو في
فرصتها التالية في
مسلسل ( بنات اكريبوز) للكاتبة سلمى كركوتلي والمخرج هشام شربتجي، حيث
النسج المرهف
لعوالم نسائية خفيفة الظل في ظل غياب الأب والزوج، أو عبر حضورها الظريف في
شخصية
(فايزة)
التي تسيطر على قرار زوجها، في مسلسل (أيام الولدنة) للكاتب حكم البابا
والمخرج مأمون النبي!
والواقع فإن كاريس بشار التي استطاعت أن تحقق حضورا دراميا
مميزا في كثير من الأعمال ولعل حضورها الأخاذ في مسلسلات (أيامنا الحلوة)
و(ليالي
الصالحية) و(رجال تحت الطربوش) و(نرجس) و(أهل الراية) أهلهّا لأن تحتل
مكانة نجمات
الصف الأول بجدارة في السنوات الأخيرة، وربما لهذا لم تتفرغ
للكوميديا جيداً، في ظل
ندرة النصوص التي تكتب للمرأة في هذا المجال أساساً... ولو قيض لها تجارب
كوميدية
أخرى، لكان بإمكانها دون شك أن تبلور حضورها الكوميدي، النابع من مرونة
عالية في
التلون، وحساسية عالية في التقاط أدق الحالات والمشاعر كما نرى
في أعمالها
عموما!
متعثرات وواعدات!
ولا ننسى خارج إطار التجارب الكوميدية الآنفة
الذكر.. تجارب أخرى لممثلات حققن تواجدا معقولا، دون أن تأسرهن
الكوميديا كلية..
كالممثلة (إيمان الغوري) التي شاركت الفنان دريد لحام بطولة مسلسل (أحلام
أبو
الهنا) وقدمت فيه أداء كاريكاتوريا جذابا رغم ما ينطوي عليه من مبالغة
أحيانا..
والنجمة سلمى المصري التي شاركت دريد لحام أيضا، مسلسل (عائلتي وأنا)
للكاتب حكم
البابا والمخرج حاتم علي، مثلما شاركت ياسر العظمة في أكثر من جزء من سلسلة
(مرايا)،
فضلا عن مشاركتها البطولة الجماعية في مسلسل (هومي هون) حيث قدمت في مجمل
هذه الأعمال الكوميدية تنويعات على شخصيتها التي تبلورت وانتشرت عبر
الدراما
الاجتماعية أساسا، بعيدا عن تصنيع أو ابتكار أي 'كاركتر'
كوميدي يمكن أن يطبع
حضورها هنا.. أو الفنانة نادين بحضورها المنضبط في (يوميات مدير عام) و(بطل
من هذا
الزمان) لهشام شربتجي.
لكن إلى جانب هذه التجارب.. ثمة محاولات أخرى لم تكتسب
خصوصية كوميدية مقنعة.. فالممثلة (نورمان أسعد) التي شاركت النجم أيمن
زيدان بطولات
عدد من مسلسلاته الكوميدية، وأكثرها شهرة (جميل وهناء)
بجزأيه.. لم تستطع أن تقدم
خصوصية في أدائها كممثلة كوميدية، خارج طبيعة الدور الذي تؤديه، ومحدودية
الأدوات
الكوميدية التي استندت إليها طيلة مراحل العمل، ولعل هذا ينطبق على ممثلات
أخريات
لم يحققن نجاحا يذكر في امتحان الكوميديا الصعب، رغم اضطلاعهن
بأدوار بطولة في
مسلسلات وصفت بأنها كوميدية.. كجيانا عيد في (عيلة ثمان نجوم) وليلى جبر في
(عائلتي
وأنا) وعبير شمس الدين في (مرايا) وجيما دريوسي في (عودة غوار) و(عائلتي
وأنا) أمام
الفنان دريد لحام، وسوزان نجم الدين في مسلسل (فرصة عمر)
للمخرج عزام فوق العادة..
وربما استطاعت سوزان نجم الدين أن تخفف من كارثية السقوط المريع لمسلسل
(فرصة عمر)
من خلال تجربتها المقبولة في مسلسل (جوز
الست) الذي أخرجه سيف الدين السبيعي العام
2005
والتي حققت شيئا من التوازن والقبول، لكن ضمن حدود سوية العمل نفسه
الذي يراوح
في منطقة وسطى في أحسن الأحوال!
وبالمقابل فإن المجال يبدو مبشراً، وواعداً
بالكثير من مؤشرات النجاح بالنسبة لممثلات ظهرن في فرص محدودة،
ومن هؤلاء الممثلة
سلافة عويشق في مشاركاتها الخفيفة الظل في العديد من المسلسلات وآخرها (قلة
ذوق
وكثرة غلبة) و( بنات اكريبوز) مع المخرج هشام شربتجي، و(هومي هون) مع
المخرج باسم
ياخور حيث الحضور الكوميدي مرتبط بالاجتهاد في بناء 'كاركتر'
خاص وابتكار تفاصيله..
أو الممثلة صفاء سلطان، التي قدمت دوراً كوميدياً جميلأ في مسلسل (كسر
الخواطر) مع
المخرج نذير عواد.
ضرورة فنية!
ومع غياب المشاريع الجديدة لتقديم
الكوميديا النسائية التي يمكن أن تعد بها الدراما التلفزيونية
السورية مستقبلاً...
تبقى صورة نجمة الكوميديا، أسيرة المغامرة الفنية التي يمكن أن تنبئ عن سعي
بعض
الممثلات لترسيخ أقدامهن وحضورهن في هذا المجال الصعب، وأسير المغامرة
الإنتاجية
للمنتجين، الذين لم يعتادوا عموما، أن يغامروا في إعطاء المرأة
البطولة الكوميدية
المطلقة، استنادا إلى تقليد قديم ومتوارث عن السينما العربية، الذي لم يثق
منتجوها
يوماً في أن يرهنوا شباك التذاكر للبطولات النسائية في الكوميديا، بل جعلوا
نجمات
الكوميديا ظلالا لنجوم الكوميديا الرجال.. بعكس ما فعلوه هذا
في ألوان درامية أخرى.
لكن الكوميديا النسائية تبقى ضرورة فنية في كل الأحوال، فهي من جهة
يمكن أن
تقدم نماذج حياتية طريفة لم تكتشف بعد، قياسا إلى النماذج التراجيدية
والميلودرامية
للمرأة العربية التي استهلكت على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، ومن جهة أخرى
هي وسيلة
مضمونة لطرح أعقد القضايا التي تخص المرأة والمجتمع، بعيدا عن المباشرة
والخطابية،
ووجهة النظر الأحادية التي ميزت معالجة قضايا المرأة في الدراما في كثير من
الأحيان.. وأحدثت ردة فعل عكسية لم تخدم المرأة، ولم تعبر عن
عدالة قضاياها. لكن
يبقى نجاح الكوميديا في مقاربة مثل هذه القضايا رهن القدرة على صناعة
النجمة
الكوميدية التي تنتزع اعترافا مطلقا ودائما من الجمهور والمنتجين معا، وعلى
قدرة
هذه النجمة على حماية نفسها من مطبات الغرور والاستعراض الذي
يسرق من أي ممثل
كوميدي خفة ظله.. فضلاً على قدرتنا على التحرر من الخطاب التربوي التوجيهي
الثقيل
الدم، الذي يعتبره بعضهم الخطاب الأمثل لطرح قضايا المرأة والتعبير عن
صورتها في
المجتمع.. وكأن التعبير عن خفة ظل المرأة، في أعمال خفيفة،
وقضايا يومية بسيطة، هو
نقيصة بحقها، أو انتقاص من قدرها!
القدس العربي في
12/03/2009 |